أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - هموم المعدان وعطاس الجواميس














المزيد.....

هموم المعدان وعطاس الجواميس


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4728 - 2015 / 2 / 22 - 23:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هموم المعدان وعطاس الجواميس


نعيم عبد مهلهل

تمتد الأهوار على مساحات شاسعة في الجنوب العراقي ، ولها امتداد مائي حتى اقليم الاحواز ، حيث يتصل هور الحمار بهور الحويزة منذ أزل أزمنة الطوفان وسلالات سومر ، ولهذا تكونت في المكان خصوصية بيئية وحضارية عكست في أرثها المدون والمحكي شواهد عظيمة لنصبٍ وحكاياتٍ وتراثُ أزمنةٍ يُحسبُ لها أنها كانت بدء تدوين الحرف وتخيل الحكايات الاسطورية وبدء نزول الرسالات السماوية وبدء نشأة الحلم الأول والالة الموسيقية الاولى والختم الاسطواني وبناية المعبد ومحكمة التشريع.
وكل أول هو من ذلك الطين وغابات القصب ونبوءات الالهة لتكون سادنَ سلوكنا وطموحنا ويومنا الحياتي.
وايضا تلك الامكنة كانت الملاذ الآمن لطقوس الديانات القديمة ومنها الديانة المندائية التي غادرت مناطق حران في شمال الفرات لتسكن هذه البطائح وتجد في العيش قرب ضفاف الاهوار والانهر واهمها تاريخيا مدن قلعة صالح والكحلاء وسوق الشيوخ والحلفاية ، فيشكلون في تلك الحواضر أصرة قوية ومتماسكة للنسيج الاجتماعي والحياتي.
هذا العالم بتفردهِ وأزليته وتاريخه يحمل خصوصية الحياة لأناسٍ تعودوا العيش فيه بالرغم من أنه ولعقود طويلة بقيَّ عليها بعيدا عن حبة الاسبرين وبيت الطابوق وطريق الأسفلت ومحطات مياه الشرب ، وحتى حوانيت العطارين كانت تنتقل متجولة بين قرى المكان وعلى زوارق يبيع اصحابها حلوى المْلَبس والتوابل والاقراط والقماش البازه والنيسي ، فيما قماش الكودري كان ثوب النساء ويفضلون هذه الاقمشة مخاطة حتى لو لم تكن على قياسهم لعدم وجود الخياطين في هذه الامكنة ، وقديما كان الصابئة هم الجوالون في تلك الامكنة وهم من يمارسون التطبيب وقراءة الطالع وغيرها من الاحتياجات الروحية التي كان سكان تلك القرى بحاجة اليها.
لم يمدْ المعدان ( عرب الأهوار ) مع الحضارة القريبة منهم سوى هذه الخيوط النحيلة ويأخذون منها قدر حاجتهم فيما ابقوا حياتهم وصحة اجسادهم واعمارهم على قدرية غامضة تسكنهم وقناعة أن المكان يمكنهُ أن يمنحهم خلودا حياتيا طويلا ويحصنهم ضد امراض الماء ، البلهارسيا والاسهال والكوليرا وغيرها من الامراض ، وفعلا كان المكان وفيٌ لأصحابه وكان معدل اعمار الرجال والنساء قد يمتد الى فوق الستين ويصل التسعينات في بعض الاحيان.
كانت سعادتي كبيرة وأنا أشاهد بحب أولئك الكهول من المعدان وهم يقودون قطعان الجواميس الى قيلولاتها الحالمة في ظهيرة الماء ، وكانوا يسيرون خلفها حفاة ويمسكون العصي الغليظة وهم يضربونها على مؤخراتها حين تمارس عنادا في العودة الى حضائرها ، وحين تعطس جاموسة في وجه احدهم يتقبلها بمرح لأنه يشعر أنَ عطاس الجواميس ليس إلا مشاعر فرح ورضى من قبلها أنها اليوم اكلت جيدا واستمتعت بقيلولة الماء وأنها في الليل ستدر له حليبا وفيرا ودسما ليُعملَ منه القيمر وفي الصباح ستكون أم المنزل القصبي الصغير متهيئة لحمل اواني القيمر على رأسها والسير لعدة كيلومترات حتى تصل الى المدينة لتبيعه.
عطاس الجواميس وحنان المعدان ، مشهد سريالي رائع لحياة كان بدؤها صناعة دمى الالهة من الطين المخفور وختامها صحونا لاقطة لاستلام البث الفضائي والتي نراها اليوم فوق بيوت القصب في معظم قرى المعدان..!



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصوف بين السياسة والكياسة
- نصيحة النبي العزير
- داعش لا تأكل النساتل والبيتزا
- فنتازيا الحرف السومري ( بين نينوى وعاشوراء )
- ديميس روسوس ..مراثي الناصرية وكافافيس
- كاظم الركابي وسورية حسين........!
- نجم والي ( دخان المارلبورو وكوفية عرفات وكرايسكي )
- ناصر خزعل ... الناصرية ظل قمرٍ في وجه أم..!
- موناليزا وسحابةُ شِعرْ....!
- ( تعريف لمدينة أسمها الناصرية )
- ( الناصرية ) طينٌ وحنينٌ وآلهة وأيطاليون
- آرب آيدول ( القومية العربية والكردي عمار الكوفي )
- أمير دوشي ...هاملت في أور
- كاظم عريبي ( فاكهة الفكاهة في الناصرية )
- الفولتارين و ( واحد يسأل واحد )...!
- أسرار مدينة الناصرية
- حسن داخل حسين ( شهيدا )
- قبر أخي والثقافة السومرية
- الناصرية مدينة عباءتها حنجرة ( أبو كاظم )
- للناصرية ، تعطش والماءُ مَطر


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نعيم عبد مهلهل - هموم المعدان وعطاس الجواميس