أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نعيم عبد مهلهل - ديميس روسوس ..مراثي الناصرية وكافافيس















المزيد.....

ديميس روسوس ..مراثي الناصرية وكافافيس


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 20:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ديميس روسوس ..مراثي الناصرية وكافافيس
نعيم عبد مهلهل
توفي أمس المطرب اليوناني الشهير ( الإسكندراني المولد ) ديميس روسوس ، لكن الذكريات التي تلتصق بصوته ولحيته لم تمت وبقيت عالقة في حدائق أيامنا ، ممتنعٌ وردها عن الذبول ، ولم يزل حتى محطات قطارات المهجر يثير فينا ما كانت تفعلهُ قصائد يوناني آخر هو الشاعر ( قسطنطين كافافي ) حين يمازحنا الصوت الموسيقي القوي لروسوس في أغنيته الشهيرة ( FAR AWAY ). فيكون الجمع بين كلمات أغنية وصوت مطربها وبين كلمات قصيدة وإحساس شاعرها ، كمن يجمع كوميديا دانتي برقة التفاؤل في صباحات فراشات بساتين جدي في ناحية أسديناوية.
كنا صبياناً في المدرسة المتوسطة نعيش حلم حياة الفقراء في مدينة جنوبية ـــ سومرية تدعى ( الناصرية ) عندما أتى مسجل الكاسيت الياباني ( السانيو ) الى عالمنا ، لنعيش رومانسية سماع أغنيات شامي كابور وراجيش كنا وفاجانتي مالا في الافلام الهندية ، لكن ديميس روسوس أتى كما البرق ليؤسس في بهجتنا الاصغائية نمطا مثيرا من حب هذا الايقاع السريع ، والصوت المتوتر ، ولنطرب مع الأغنية كحدث جديد وتقليعة في حياتنا حتى عندما كان بعضنا لا يفهم معنى كلماتها ، لكن الصوت اليوناني لروسوس والايقاع المتسارع مع نبض قلوبنا ، وخفايا شرق مدثر بإغريقية لذيذة حمل في طيات الذاكرة السر الغامض لانتشار هذه الاغنية في أوساط الشباب والصبيان.
لا أدري إن كان روسوس من قادني الى كافافيس وقراءته أم العكس ، لكني أعتقد أني سمعت المطرب قبل أن أقرأ الشاعر لأول مرة في كتاب ترجمهُ الشاعر العراقي سعدي يوسف بعنوان ( كافافي 100 قصيدة ) .
دهشة الصوت الذي تتخيله في عمق ما ورثت من موهبة الاحساس ، أنه صوت البحر ، صوت الأشياء اللامعة في متغيرات حياتكَ الجديدة بعد أن غادرت الهلع الطفولي الذي يسكنك وانتَ تسمع حكايات جدتكَ عن العفاريت والجن وعبد الشط والنسرة ، لتدخلكَ مكتبة المدرسة الابتدائية الى قصص محمد عطية الابراشي وحكايات مجتزأة من الف ليلة وليلة ، ثم تتطور قراءاتك الى الابعد في مراحل عمرية قادمة، حيث يفاجأك عالم السينما وروايات دوستوفيسكي وكولن وولسن والدون الهادئ ونجيب محفوظ .
تتذكر الصوت اليوناني بانفعاله السريع وخرخشته اللذيذة. فتعيش أحاسيس صباك المدثر بمراهقة مبكرة ، ويسكنكَ أحساس اللذة بمتعة الجديد الذي يسحركَ وتحاول معه أن تمتلك ما ليس لكَ قدرة على امتلاكه ، بسبب أنك تقع في قعر الحفرة الازلية التي يسمونها ( الفقر ).
تمزج الآن صوت ديميس روسوس بمفردة فقر ، فلا تحصل سوى على امنيات وحسرات وأحلام ، وفي المحصلة تنال من تلك الذكريات ربح أنكَ اصبحت شاعرا أو روائيا ، وأنك بفضل تلك النظرات الحزينة ومتعة العيش اللذيذ في اجواء أغنية ( FAR AWAY ) تستطيع أن تتمنى وأن تحقق أمانيكَ تلك في المستقبل القادم.
يموت ديميس روسوس ، وقبله مات كافافيس ، وبعدهما ستموت أجيال ، ولكن صدى الجمال هو من يبقى خالدا ، تلك أزلية الوجود التي وصلت في مدن جلجامش وأقتنع فيها بعد رحلته الأسطورية للبحث عن الحياة الأبدية ، تعلمتها من دموع أبي ومن الحياة الجنوبية الهادئة والبسيطة والمسكينة لأهل مدينتي ، وفي المحصلة أكتشف في أول يوم لي وأنا أتأمل بعيون مشتهية وسعيدة شوارع العاصمة اليونانية أثينا ، أن تلك الاغنيات التي تحمل متعتها الغامضة حتى دون أن نفهم معناها كانت تمثل الرغبة في الولوج الى عالم الاكتشاف ، وعرفت ايضا في أول صباح لي في العاصمة اليونانية ، أن الالياذة وملحمة يولسيس وخواطر سقراط الفلسفية وغراميات ليل حصان طروادة أنما هي امتداد بعيد لطقوس الموت الجنائزي في أقبية مقبرة أور المقدسة ، وأناشيد مواسم الخصب والحصاد السومرية ، وأن صوت المطرب اليوناني ــ الإسكندراني له تفاعلات حيه وتاريخية مع قيثارة شبعاد أو حنجرة المطرب الريفي داخل حسن.
بين كافافيس وديميس روسوس والمدينة التي تعاشر الطين والمقاهي ونعوش شهداء الحروب ومتطوعي الحشد الشعبي ( الناصرية ) ، أرسم جدلاً أسطورياً لمراثيَّ موت الأشياء الجميلة .
يداهمني طيف الزمن البعيد ، فأخيط لذهن البهجة في التمتع بسحر شريط الكاسيت ، أخيط ثوبا من متعة تلك اللذة الهيلينية التي كان كافافيس يعيشها في غرفة بضوء خافت ، وحتما هو كان يستمع الى اناشيد جنود وربات عذريات ، وجنود خُنث يحملون المتعتين معا ، ( الأنوثة والذكورة ) وإيقاع سيف حرب اللذة التي يظن الشاعر أن اثينا والاسكندرية وحدهما من يصنعاها.
أسمع المطرب اليوناني الآن وأعيد في نفس الوقت قراءة قصائد الشاعر وبينهما أستعيد عطر مدينة بعيدة عني .فيسكنني هاجس التمني أن أحضر قداس وداعه الأخير ، متذكرا قناع وجه الشاعر الشمعي في الليلة المتوسطية التي رحل فيها ، وقد تحدث الروائي لورنس داريل صاحب ( رباعية الإسكندرية )" عن دهشة هذا الحزن الذي سكن ورافق اساطير عزلة الرجل الذي كتب ( البرابرة ، والمدينة ) وهما الذ قصيدتان في مسامع صباي ، وربما قصيدة المدينة بخرابها المبكر في خواطرنا قد جمعت بطيف من متعة نسج الاحلام تلك الموسيقى السريعة لأغنية روسوس فكان علينا أن نعيش ثقافتنا الجديدة بصورة اكثر اتساعا في جغرافية التمني ، فمن نراه في المقهى يحمل كتابا لقصائد كافافيس ومسجل كاسيت يبث اغنية روسوس نقول عنه : سيكون مصيره في النهاية الرحيل الى اثينا.
بين الناصرية وأثينا التي أجوب شوارعها الآن موسيقى مغن برأس كبير ولحية كثيفة وكيتار ينفعل مع انفعالات التيار الكهربائي الذي يمر بين اوتار الآلات وحنجرة المغني.
بينهما شاعر آثر العزلة والكتابة عن مجد يفترضه بلذته الحسية ، جمعٌ لذكورة مؤنثة ولكن بمجد حربي رائع ، لأضع تفاصيل مشاعر حزن اليوم الذي أسمع فيه نبأ رحيل المطرب الذي صنع لنا أمنيات عبور جدران الطين الى مدن الرخام والقمصان الشفافة لألف افروديت وفينوس تصادفكَ في الساعة الواحدة اثناء نزهتكَ الصباحية الاثنية الأولى.
مات المطرب الساحر . لكن اسطورة ال (FAR AWAY ) بقيت ترسم لذتها الغامضة فوق سطوح بيوت نسائم الهواء الآتي عبر بساط الريح وأجنحة الآلهة الثملة من الجهة التي تقع فيها دمعة أبي الذي عشق الناصرية ولم يسمع في حياته مرة أن هناك حربٌ أسمها طروادة ومدينة تدعى أثينا.........
لقد كانت الناصرية بالنسبة لأبي كما المدينة عند كافافي :هي الخراب أينما حَللتْ..........!

دوسلدورف
28 يناير 2015



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كاظم الركابي وسورية حسين........!
- نجم والي ( دخان المارلبورو وكوفية عرفات وكرايسكي )
- ناصر خزعل ... الناصرية ظل قمرٍ في وجه أم..!
- موناليزا وسحابةُ شِعرْ....!
- ( تعريف لمدينة أسمها الناصرية )
- ( الناصرية ) طينٌ وحنينٌ وآلهة وأيطاليون
- آرب آيدول ( القومية العربية والكردي عمار الكوفي )
- أمير دوشي ...هاملت في أور
- كاظم عريبي ( فاكهة الفكاهة في الناصرية )
- الفولتارين و ( واحد يسأل واحد )...!
- أسرار مدينة الناصرية
- حسن داخل حسين ( شهيدا )
- قبر أخي والثقافة السومرية
- الناصرية مدينة عباءتها حنجرة ( أبو كاظم )
- للناصرية ، تعطش والماءُ مَطر
- الماوردية في الشعر......!
- عاشوريات
- رفات احمد الجاسم ..يهبط سعيدا في الناصرية
- ماركس والميتافيزيقيا
- إشراقات مندائية


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نعيم عبد مهلهل - ديميس روسوس ..مراثي الناصرية وكافافيس