عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4723 - 2015 / 2 / 17 - 19:57
المحور:
الادب والفن
شيءٌ من الأسى .. في الركضِ وراء لُقمة الحُلم
نفضتُ يدي من اللغو ، والكتابة ، والقراءات العقيمة .. وذهبتُ إلى أمّي .
جلستُ بالقرب منها مُتعَباً ، ومهموماً ، مثلُ حصانٍ عتيق .
وفي نوبة حنينٍ حادّةٍ ومفاجئة ، ( ربما ارادتْ ، كأم ، أن تُجامِلَ بها وجَعي الفاضح الكثيف ) ، عرَضَتْ عليّ أن اذهب بها ، على الفور ، إلى المقبرة ، لزيارة قبر أخي الذي مات صبيّاً قبل اربعين عاماً .
لم تكن المقبرة بعيدة . ومع نوبة حُزنٍ حادّة داهمتني أنا ايضاً ، وافقتُ على الفور .
لم نزُر القبرَ منذ سنين طويلة . بحثنا عنه كثيراً في موقعه القديم . وأخيراً وجدناهُ محشوراً بين عددٍ كبيرٍ من القبور المتلاصقة ، إلى درجةٍ كان يستحيلُ معها قراءة الإسم على شاهد القبر .
لم نذرفْ دمعةً واحدة .. لا أنا ، ولا أمّي . قرأنا " الفاتحة " ، ووقفنا لدقائق حول القبر . بعدها رَبَتْنا بأكفّنا على سطحهِ المُترَب ، تعويضاً عن بكاءٍ لم " يطلَعْ " ( كما تقول فيروز في احدى أغانيها الرائعة ) .. ونهَضْنا لنعود إلى البيت .
على بُعدِ امتارٍ من قبر أخي ، مرَرْنا على قبرٍ فيهِ صورة لشابٍ يرتدي الملابس العسكرية ، كتبَ أهلَهُ على شاهد قبره هذه الكلمات : " هُنا يرقدُ الشهيدُ ( فلان ) .. الذي عاشَ طول عُمره ، وهو يركضُ وراءَ لُقمةِ العيش " .
أجهشتُ أنا وأمّي ببكاءٍ مرير ، على انسانٍ ميّت ، لا تربطُنا بهِ صِلَةٌ ،غير صِلَة " الركض وراء لقمة العيش " .
آسفٌ لإزعاجكم .
فأنا لستُ جائعاً ، ولا مُشرّداً ، ولا عارياً ، ولا نازِحاً .
ولكنّني ، في هذا العُمْر ، أجدُ نفسي مشغولاً عنكم ، بالبحثِ عن عيشٍ " أقلُّ رِكضاً " وراء الهموم .
بالبحثِ عن عيشٍ " أقلُّ رِكْضاً " وراء الأحلام .
بالبحث عن عَيْشٍ " أقلُّ رِكْضاً " .. وراء الوهم .
الوهم بـعَيْشٍ " مُختَلِف " .. حُلْوٍ ، وآمنٍ ، ومُضي ء .. لا نُفَكِّرُ فيه كلّ لحظةٍ ، وعلى اختلاف أعمارنا ، بــسبُلِ للخلاص ، وإلى الأبد .. من هذا البلد المُستباح .. الغارقِ في الظُلمَة .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟