أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - جداريات... (تشوّر)!















المزيد.....

جداريات... (تشوّر)!


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4720 - 2015 / 2 / 14 - 00:30
المحور: الادب والفن
    


جداريات... (تشوّر)!

الجدارية هي شكل من أشكال النُصب التذكارية، قد تُخلد معركة أو واقعة أو حدث في بلد أو مدينة، وأحياناً تحتوي على تماثيل منحوتة كالذي نراه على المباني والكنائس والنصب (كنصب الحرية بساحة التحرير ببغداد)، وأحياناً تكون مجرد رسوماً كما في تخطيطات الإنسان القديم على الصخور والجدران ورسومات الفراعنة لتوثيق تاريخهم...
والمغزى كان في السابق لطرد الشر والخطر، ثم تطور لتخليد ملوك وقادة، وحتى في الوقت الحاضر فنرى أن الفنان يعبر من خلاله عن فكرة تجول بباله وبمهارة تختلف من واحد لآخر...
× × ×

في يومٍ من خريف عام 1981 كنت أتمرن بدورة للضباط الإحتياط في معسكر الرشيد، كانت هناك (سيطرة) شكلية للانضباط العسكري بمدخله، لفت نظري بناء من الطابوق بارتفاع مترين وعرض متر واحد، وقد رُسمت عليه صورة للرئيس (صدام حسين) والذي كان القائد العام للقوات المسلحة، كان الرسم بتكنيك ضعيف وألوان صارخة شوّهتْ الملامح، ظننت حينها بأن من قام بوضع الصورة سوف يُحاسب لا محالة، حتى أنها أوحت إلي وكأنها (شاهد قبر) !
بعد ذلك، انتشرت حُمى رسم الرئيس بجداريات ترتفع عذة أمتار، كانت على الحيطان في الشوارع والساحات، حتى تكاد لا تخلُ ساحة إلا وانتصب (القاتئد) فيها، وكنتُ اشمأز منها وأتصورها كشواهد قبور...
ظل هذا الشعور يراودني حتى كاد يوماً أن يؤدي بحياتي، ليس بطشاً من النظام فيما لو يكتشف ما بداخلي، لكن لأن أحد تلك الجداريات (شوّرت) بي... والله أعلم !!
× × ×

شارع متعرج رئيسي واحد يمتد ماراً بجميع مدن أعالي الفرات الواقعة على ضفة النهر مكونة واحات خلابة من النخيل والخضرة وسط الصحراء، مكونة الأقضية والنواحي المنتشرة في (لواء الدليم) المعروف اليوم بمحافظة الأنبار، وهي بالتسلسل... الفلوجة، الخالديه، الرمادي، هيت، خان البغدادي، حديثة وتوابعها (بروانة والحقلانيه وآلوس) ثم عانة، راوة، الرمانة، الريحانة وأخيراً القائم عند حدود سورية.

خلال الثمانينات قمنا بنصب بدالات يابانية حديثة، وكنت مسؤولاً عن صيانتها وتصليحها مع مجموعة مهندسات وفنيين ونشرف عليها من مركز اتصالات السنك.
كان أهالي الفرات الأعلى (الدليم) شجعان وغالبيتهم ملاكين أراضي و أهل كرم، وكانت أيفاداتنا تستغرق أحياناً أسبوعاً بسبب مساحتها الشاسعة، وكنا نقضي فترة الإيفاد بإدامة الأجهزة نهاراً وبالسهر في بساتينهم الوارفة بالفواكه والرطب مساءاً، ثم المبيت بكابينات خاصة بدائرة الاتصالات ليلاً، وكان عشاءنا شبوط نصيده تازة ونسكفه،وفطورنا قيمر وحليب تازة ومخلمة كمأ، وكان جوهم معتدل لارتفاع أرضهم كجو الشام، كانت أيام حلوة، وكانت حين تجدني زوجتي غاية بالسعادة عند صدور أمر الإيفاد تعلق قائلة...(كأنك متزوج دليمية...) !

كانوا الدليم ظاهرهم يحب صدام حسين لكن باطنهم لا، وحين غطت مياه سد حديثة في أواخر الثمانينات مدينتي عانة راوة الجميلتين (كنت أجدهما أجمل بقاع العراق بنخيلها وتلالها وأشجار فاكهتها الشامية)، يكى شيابهم عليها وتحدّوا ارتفاع مناسيب بحيرة السد ولم يبرحوا مساكنهم البسيطة حتى دخل الماء مضاجعهم، وقالوا بالفم المفتوح دون خوف بأن صدام حاقد عليهم ويظن أن (الدليم) سينقلبون يوماً على (التكارتة) !
قبل أن تغرق مدينتي (عانة وراوة) المتقابلتين على ضفتي الفرات والمعروفتين بالضد من بعضهما، قامت شركة فرنسية ببناء (راوة) جديدة على تل مجاور، لكن بنت (عانة) بعيدة فربطتها بالشارع العام بطريق فرعي بطول كيلومترين.
وحين قام احد الراويين ببناء مقهى عند التقاطع بالشارع العام، وقام (كالعادة) عاني بفتح أخرى (للعانيين) بجوارها، وراح أحدهم للبلدية متبرعاً تعمير رأس الفرع وإنشاء حديقة مسيجة، فيما قام الثاني ببناء جدارية كبيرة لابو عدي، ولأول مرة يتفق عاني وراوي على أمر، فقد خططا وبعد اكتمال العمل أن يضعا إنارة (للفلكة) وبروجكتر يضيء الجدارية، ثم طالبا البلدية بتوفير كهرباء لإنارة الصورة ليلاً لعدم وجود خط كهرباء، فأجبرا البلدية لمد أعمدة لكيلومترين (كفيان شر)، وبالتالي حصلوا على مصدر كهرباء... فتشكرا لأبو عدي لأنه (نوّر) لهما المقهى !
لملفت أن هذا النوع من الجداريات وحين أتنتشرن صار يبدع فيها الرسامون والدوائر التي تتكفل بإقامتها، فوضعوا له صورة يحمل (طاسة) بناء عند مشروع إنشاءات، وعند الحقول الزراعية يحمل (منجل) وحتى بباب البدالة يمسك هاتف... !
× × ×

كانت سيارة الدائرة التي أقودها نوع سوبر ستيشن، قامت الدائرة بمصادرتها من شركة (أن أي سي)، وحين أرسلتْ كتاب شكر لهم، ضحك المدير الياباني وقال... (هاي هدية الكوّة) !
ا
... كنت طالع بواجب ومعي فني لصيانة بدالة القائم، أقود السيارة على الشارع العام قبل تقاطع عانة، يقع الفرات ومدينة عنة على يميني ومقهى الراوي والعاني على يساري، وبينما كنت اقترب بسرعة 120 من التقاطع، قلتُ للفني (مستاءآ) من ظاهرة انتشار صور صدام... (شوف شلون عودهم صدام على اللواكة، المفروض أن يمنع هكذا صور وكأنها شواهد قبور).
وإذا بسائق شيفروليه كابرس قادم من فرع عانة يغلق الطريق العام علي بالكامل دون أن يراني، وقد حجبتني عنه كلياً الجدارية الكبيرة، حينها كان أمامي أن أتخذ قرار خلال ثوان لأحد ثلاث خيارات...
أما أن أتلافاه يميناً وأصطدم بالجداريةفتقضي عليّ قبل أن أقضي عليها، أو أتلافاه يساراً فأدخل إحدى المقاهي بروادها وتحصل كارثة، أو أن أخفف سرعتي بأقصى ما أستطيع فأصدم السيارة الكابرس باستقامة... وهذا ماحدث !

والحمد الله استطاعت (الكابرس) امتصاص زخم السرعة وكان جل الزخم في الويل الأمامي فتزحزحت مترين للخلف لا أكثر، أما السوبر فقد تحطمت مقدمتها وزحف المحرك (متر) للوراء حتى صارت عتلة الكير وسط الكرسي الخلفي، و طلع صاحبي من الجامة الأمامية وتمدد فوق الكابرس وتهشمت قصبته الهوائية، بينما انكسر عندي ضلعين نتيجة اصطدامي بالستيرن بشدة رغم أني (والحمد لله) كنت أضع حزام الأمان، بينما نزل الأخ من الكابرس سليم معافى!
هرع الحضور لنجدتنا واختلفوا كالعادة فيما بينهم بإدخالنا لأي مستشفى (عانة أم راوة) !
× × ×

رفع محامي دائرة الاتصالات دعوة ضد سائق الكابرس لتسببه بالحادث، فحاول هذا الأخير رشوة شرطة المرور والقاضي لتغيير المخطط، إلا انه لم يستطع لأنهم كانوا وبرغم كونهم (بلدياته) مصرين على إحقاق الحق، فقام بتهديدي كونه يعمل بأمانة سر القطر (ولو أني لليوم لا اعلم أي سر)، فلم أتنازل حتى جاء يوم المراغة بمحكمة مدينة عانة، فدخلنا القاعة وإذا به يفاجئنا...
سيدي القاضي هذا صابئي، لا يجوز عليه القسم !
ـ صحيح أنت صابئي ؟ سألني القاضي.
وحين أجبته بالإيجاب، ألتفت له وقال: الصابئه ناس موحدة وسأكتفي إذا رفع يمينه وأقسم بالله.
حاول ثانيةً: سيدي كان يسوق سريع وما منتبه على الطريق وكان يسولف ويضحك و...
قاطعه القاضي: لماذا أنت أصلاً سديت طريقه، عليك تعويض الدائرة بالكامل، تستطيع أن تطلب تقسيط مبلغ التصليح، أطلع بره !

بعد شهر زرت السوبر بكراج الصيانة خلف نصب الشهيد، مسك الحارس الستيرن (الأعوج) ولاطفني القول: أكيد المدير الياباني (يشور).
قلت معلقاً: صحيح أكو من (شوّر) بي، هذه مسألة ما فيها نقاش !
سألني: بربك خبرني كيف سلمتْ من هذه الحادثة ؟
قلت: تصور الفضل...
مسكت حزام الأمان المترب وقلت: لهذا.
وكان بودي أن... (أبوسه) !

عماد حياوي المبارك ـ 1989

المغزى والفائدة من المقالة :

موقف القاضي المشرف،×
معلومات عن بعض مدن أعالي الفرات، ×
كيف استغلت الجداريات لأغراض أخرى، ×
كانت تبدو الجداريات لنا وكأنها شواهد قبور، ×
عدم رضوخ (بعض) شرطتنا للإغراءات، ×
× ايمان البعض بالعين والحسد،
× فائدة حزام الامان الذي أنقاذني!



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في 13 شباط... استذكار شهداء ملجأ العامرية
- تهنئة لمواليد 29 فبراير
- نذر لاند
- البوسطجي
- مدارس أو مذاهب
- لغز بِعثة (فرانكلين)
- عن الأسماء وعن القصص...
- (مغماطيس)... إبن حلال
- من (الديرة)... إلى (كبطاش).
- زيارة... (ميمونة!).
- رحلتي الأخيرة إلى المغرب
- فاتي كانو
- سطو مسلح... وعجز وفساد
- مُصاهرة ملوك
- لص (شريف)
- سر الرقم (50)...
- رسالة من الأعماق
- زورائيات
- نكسة أم هزيمة؟
- ذبابة... نانو


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد حياوي المبارك - جداريات... (تشوّر)!