مُصاهرة ملوك

عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)

الحوار المتمدن-العدد: 4707 - 2015 / 2 / 1 - 12:37
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

مُصاهرة ملوك

في يوم هولندي مميز، جرى في 30 نيسان 2013 في هولندا (السيرموني) أي المراسيم الخاصة بتنازل ملكة هولندا لولدها وتتويجه ملكاً...

في مثل هذا اليوم من كل عام يحتفي الهولنديون بيوم ميلاد الملكة.
وملكتهم (بياتركس ـ تولد 1937) لم تولد بهذا اليوم بالضبط بل في كانون ثاني، لكنه تقليد سنوي يُحتفى في 30 نيسان حيث الشمس مشرقة ونسمات دافئة تهب على هذا البلد الآمن الجميل.
فمنذ عام 1948 حين تولت والدتها (جوليانا) العرش، صار تقليد سنوي ثابت أن يُحتفل بيوم ميلادها وبقي نفس اليوم وسيبقى...

تاريخ العائلة المالكة يتطلب وقفة وتأمّل...
في العام 1813 ارتقى (وليم الأول) العرش كملك لهولندا بعد تحررها من حكم نابليون، وهو (وليم فان أورانيه)، وأورانيه يعني (أورنج ـ برتقالي) الذي صار الهولنديون يعشقوه، والذي يعود لعائلة بطل قومي قارع الاستعمار الإسباني في القرن الخامس عشر واُغتيل على أيديهم.

دعونا نتتبع نسب العائلة الملكية الهولندية ببعض التفصيل لغاية سندركها معاً...
... تزوج الملك (وليم الأول) من ألمانية وجاء بعده في العام 1840 ولده الأكبر (وليم الثاني) الذي تزوج من روسية، هذا الملك لم يحكم لفترة طويلة، ففي العام 1849 توفي ليتولى إبنه (وليم الثالث) الحكم فتزوج من قريبة له تدعى (صوفي).
تولى الحكم حتى العام 1877، خلال ذلك توفت زوجته فتزوج من ألمانية تدعى (أيما) وليرزقون ببنت بكر أسموها (فل هلمينا)، في العام 1890 توفي الملك لتصبح الزوجة الألمانية وصية على أبنتها حتى بلوغها الثامنة عشر.
فتولت الحكم لهولندا (ملكة) لأول مرة، وسار أيضاً الأمر على أبنتها (جوليانا) من زوجها الألماني (هندريك) بعد خمسون عام حكم، وتزوجت (جوليلنا) من (برنارد) وهو ... ألماني .
إبنتهم البكر (بياتركس) تولت الحكم في العام 1980 وتزوجت من ألماني لتلد الابن الأكبر (وليم ألكسندر)، في هذا اليوم أي بعد 33 سنة في الحكم، قررت الملكة (التقاعد) وترك العرش لولدها...

لاحظوا كيف تتصاهر العائلة بكل سهولة مع دماء من كافة بلدان العالم، لأن حرية أختيار الزوج هو حق مكفول للجميع ابتداءً بالملك.

الملك الجديد هو وليم ألكسندر أو (وليم الرابع) في الخامسة والأربعين ومتزوج من الأميرة (مكسيما) التي أصبحت ملكة، وهي أرجنتينية إلتقاها في حلبة لسباق الخيل في اسبانيا لدى تجواله هناك منذ عشر سنوات، استطاعت بعد الزواج من إتقان اللغة والعادات الهولندية بسرعة، وصارت لها شعبية كبيرة جداً، يحبها الشعب برغم أنها غريبة وليست منهم !
لهما ثلاث بنات، بالطبع الكبرى وتدعى (أماليا) هي وليّة العهد وملكة هولندا القادمة.

القانون الهولندي يسمح بالتنازل عن العرش لوليه متما أراد الملك، ويقول أيضاً بأن لهولندا (ملك) واحد سواء كان أنثى أو ذكر، فإذا كان الملك أنثى فزوجها يكون (أمير) لكن لو كان ذكر فيمكن أن تكون زوجته ملكة، وعليه ولأول مرة ستكون زوجة الملك وهي أرجنتينية، ملكة من دم غير هولندي نقي، ولا يحق لها تولي العرش أي فقط هي ملكة لأنها زوجة ملك .

(يفتخر) الهولنديون أن الدم الهولندي في العائلة المالكة غير نقي تماماً، فهو (مُطعم) بالدم الألماني بشدة وكذلك بالروسي ومستقبلاً ... بالأرجنتيني، فهذا أمر لا يهم من وجهة نظرهم، حيث يكفي (أثر) للدم الهولندي فيه.

لنتصور كيف هي ثقافة الشعب، وكيف هم يفكرون ويطعّمون نسبهم بالآسيويين والأفارقة والعرب وغيرهم، والأمر ليس من فراغ، فأجيال قادمة ستولد وهي تحمل صحة الأفارقة وذكاء العرب وفطنة الآسيويين... وصبر وجلد الهولنديون
.
فهل هذا جائز في بلد عربي؟
لا أعتقد، بل يقيناً نحن (نتعصب) بشدة، العراقي لعراقيته وكذلك السعودي والمصري والتونسي، وبالنتيجة سوف لن نتطعم بالآخرين...
في هولندا يوجد نصف مليون مغربي ومثلهم أتراك، وهم لا يتصاهرون سوى المغربي بالمغربيات والتركي بالتركيات، وحتى بقية العرب بالعرب، العامل الذي يجمع الجميع هو أن الهولنديون والهولنديات يتزوجون ممن يشاءون دون أي اكتراث للأصل أو الدين أو اللون...
× × ×

للملكة (بياتركس) المتنازلة عن عرشها ولد آخر، قبل عام من تنازلها، كان قد تعرض خلال تزحلقه على الجليد في سويسرا لحادث سقوط، وغـُـمر رأسه بالثلج لنصف ساعة قبل إنقاذه، فتجمد دماغه ودخل في موت سريري لينقل إلى إحد مستشفيات لندن.
الصحافة تهجمت على العائلة المالكة لتسببها في (تبذير) المال العام بدفع مستحقات علاجه، وهو سبب ـ كما يُشاع اليوم بهولندا ـ لتنازل الملكة كي يكون بمستطاعها الموافقة ـ كونها أصبحت ليست بملكة ـ على تصريح يسمح بقطع الأوكسجين عنه وموت رحيم له ، وهو ما تم بالفعل!

الملكة التي وقـّعت على تنازلها العرش، ستصبح أميرة مثلما كانت قبل وفاة أمها، وهي مَن رفض لقب (الأم الملكة) لكنها احتفظت باللقب الأجمل (ملكة الابتسامة) والتي لم تُفارق وجنتيها منذ الصغر...
هولندا كلها تحتفل وترقص وتغني وتشعر بالرضا والسعادة، تقف إجلالاً وإكباراً لذهاب ملكة وقدوم ملك.
الملك في كلمة مقتضبة، قال بأنه قد وعد نفسه بأنه سيبذل كل جهد بأن لا يقع ولو (بخطأ واحد) طيلة حكمه.

عماد حياوي المبارك


ألا يتعظ سلاطين العرب وملوكهم، ومتعصبي القومية العربية والمذهبية لهذا الدرس، ويتعلموا بأن ليس المهم نقاوة نسب الحاكم، بقدر نقاوة قلبه وحبه لبلده... وحب شعبه له.
ولنتصور أن العائلة المالكة (فان أورانيه) وهي صاحبة النسب (الملوكي) منذ قرون، لا تمتلك رصيد من الملايين ولا من القصور، بل رصيدها فقط... حب الشعب.

#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات