أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلاد سليمان - نافورة أبدية الوعي














المزيد.....

نافورة أبدية الوعي


ميلاد سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 02:44
المحور: الادب والفن
    



للأسطورة سحرها، ومهما مرّ الزمان، يعود لها الإنسان، من وقت لآخر، لينهل منها ويستخرج من عُمقها بعض المفاهيم، مرّة ليفهم بها غيبيات واقعه، وقد ينتقدها موضحًا أثرها المستمر في حياته، وأخرى ليتجاوزها بأسطورة أخرى أو عِلم حلّ محلها. من هنا تأتي أهمية فيلم "النافورة" The Fountain سيناريو وإخراج دارين أرنوفيسكي 2006، والذي لعب بطولته وجهيّن من ألمع الوجوه السينمائية هما؛ هيو جاكمان Hugh Jackman في دور تومي، ورتشيل وايزس Rachel Weisz في دور إيزابيل.
ربما يختلف الفيلم عمّا سبق وشاهدناه من أفلام تناقش مفهوم الأسطورة وأثرها، وقد يرجع إختلافه لعدة نقاط؛ منها إنطلاف الفيلم من جذر قصصي خيالي مغلف بالدين، متفق عليه نسبيًا في الأديان الإبراهيمية الثلاثة وبعض أساطير الحضارات القديمة (حضارة المايا)، وهي فكرة تقديس شجرة معينة، هي شجرة الحياة، التي كل من يأكل منها لا يرى جسده الموت أبدًا، وتم معالجة الفكرة، من وجهة نظر المخرج، دون أي إسقاط أو مساس بأي عقيدة بشكل واضح، مما أعطى الفيلم ثُقل دلالي رمزي.
السرد في الفيلم، ليس سرد تتبعي خَطِي، بل تسير القصة على ثلاثة مستويات، في تنويعة جمالية بين الماضي والحاضر والمستقبل؛ بنفس الأبطال، وربما نفس الأسماء، ونفس الرموز والدلالات، ولكن يختلف الوسيط المستخدم بحسب سياق الظرف المكاني والزماني؛ فنشعر وكأننا ثلاثة أفلام لنفس القصة.

في الماضي؛ نرى "توماس" الفارس الأسباني الذي يحاول القضاء على الفساد الذي دبّ في الكنيسة بسبب سلطوية رجال الدين وقمعهم لأي صوت مخالف مختلف، وإستمرارهم في عمليات الإبادة التي يشنوها على الطوائف الأخرى، بل تطاولهم على الملكة نفسها وتهديدها بنزع العرش منها، ونرى الملكة "إيزابيل" تعطي الفارس الوعد بالزواج منها، إذا وجد شجرة الحياة وأتى لها بإكسيرها، وتعطيه خاتم ذهب كعهد بينها وبينه، فيذهب الفارس في رحلته إلى الأراضي المكفرة النائية، في أمريكا الجنوبية، حيث حضارة المايا، ويدخل في صراعات دموية هناك، وفي النهاية يجد شجرة الحياة، وحينما يأكل منها، يتحول هو نفسه إلى شجرة بجوارها.
في الحاضر؛ نرى "تومي" الطبيب الذي يقوم بالأبحاث على أنسجة أحد الأشجار النادرة التي يستخرج منها أمصال وأدوية، ويعتقد أنه سيجد فيها علاج لزوجته "إيزي" المصابة بالسرطان، والتي تقوم بتأليف رواية عن حضارة المايا ونجم الشيبالبا مركز بعث الأرواح، والرواية بالمناسبة تحمل نفس إسم الفيلم، وتحكي فيها عن بحث الفارس "توماس" عن شجرة الحياة في الأراضي المُكفرة. وتستمر "إيزي" في محايلة زوجها ليجلس بجوارها في لحظاتها الأخيرة، وتذكره أن خاتم زفافهما هو الرابطة المقدسة التي ستحفظ حبه لها، ولكنه يتركها ليقضي ساعات طويلة في المعمل باحثًا عن العلاج، ويستمد تشجيعه كلما نظر إلى الخاتم، ويرى أنه اقترب من الكشف، ولكن زوجته تموت دون أن يصل إلى العلاج الذي يساعد على شفائها، ويفقد الخاتم في المعمل، فيظل أثر الخاتم في إصبعه والرواية هما ذكراها الوحيدة.

في المستقبل؛ في مكان فوق النجوم، داخل فقاعة شفافة معلقة في الهواء، نرى "توم" حليق الرأس في زي راهب، يمارس التأمل في حضرة شجرة الحياة الآخذة في الذبول ولا يعرف كيف يوقف موتها البطيئ!!؟، تلك الشجرة التي يأكل ويشرب منها وتساعده على إستمرار حياته التي هي حياتها.

يلعب المونتاج دوره المميز، في ربط الفترات الزمنية بحرفية دلالية، ليعطي الفيلم معناه، نشاهد ذلك أثناء تقبيل الفارس ليد الملكة الخائفة على عرشها، يتقاطع مع صورة يد الطبيب أثناء ملامسة جسد زوجته المريضة وتقبيلها، ويتقاطع مع صورة تقبيل الراهب للشجرة الذابلة، في مشهد غاية في الرمزية. كذلك عندما توصي "إيزي" زوجها الطبيب بإكمال كتابة الرواية، وحينما يبدأ في قراءتها، يكتشف إنها كانت تقصد نفسها بالملكة، وهو الفارس الباحث عن شجرة الحياة "العلاج"، فيدخل "تومي" في حُلم طويل، ليرى نفسه هذا الفارس، وكلما استيقظ يعود لإكمال جزء من الرواية.

الثلاث مراحل، هم في الحقيقة مرحلة واحدة طويلة، هي إستمرار الوعي الإنساني الأبدي، في محاولته المستمرة للتصالح مع فكرة الموت وتقبُلها، لمعرفته وثقته أن هناك خلود ينتظره. الزوجة ترى نفسها ستذهب لسديم الأرواح في السماء الذي تنبأت به حضارة المايا " نجم الشيبالبا" وتراقبه يوميًا من شُرفة منزلها بالتلسكوب، والراهب الذي يستمد حياته من شجرة الحياة، ويحفظها من الذبول بحبه لها وتماهيه فيها. والفارس الذي تحول هو نفسه إلى شجرة بجوار شجرة الحياة ليكتسب الخلود بخلودها. لنصل في آخر الفيلم لفكرة أن الموت ليس هو النهاية، ولم يكن هو النهاية، بل بداية لحياة أخرى.

موسيقا "كلاينت مانسيل" كان لها بصمتها التي لا تُنسى في الفيلم، والتي ستظل تتردد في عقلك مرات متكررة بعد إنتهاءه. والتي تعلو وتهبط في لحظات المعارك، وتجذبنا لعمق المشهد.



#ميلاد_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغليف الخرافة بالعلم
- أزمة الثقافة الجنسية 4
- نجاح وفشل الثورات
- التحرش فكر وفعل
- رهبان وبرليتاريين
- كنيسة الكهنة
- حتما ستنتهي الأديان
- مأزق الثقافة الجنسية ج3
- سنوات الضياع
- مأزق الثقافة الجنسية 2
- مأزق الثقافة الجنسية
- مدارات إنسانية
- السلفية التبادلية
- الحياة تتقلص بهدوء
- الذكرى الثالثة 25 يناير.. إتحاد أم إنقسام!؟
- العلم ومضامينه
- المثلية... لمسة إنسانية
- لماذا ننتقد الإسلام!؟
- الإلحاد حق إنساني
- التهمة.. شغل عقله


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلاد سليمان - نافورة أبدية الوعي