أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلاد سليمان - الحياة تتقلص بهدوء















المزيد.....

الحياة تتقلص بهدوء


ميلاد سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 4518 - 2014 / 7 / 20 - 01:39
المحور: الادب والفن
    


حينما تتقلص الحياة


هواة الأبحاث الفلسفية والنفسية وربما الإجتماعية أيضًا، قد يجدون في هذا الفيلم زادًا يعينهم لكتابة العديد من الدراسات والمقالات، بل وتدوين التحليلات المنفردة عن كل شخصية على حدا. ففي فيلم " Detachment "2011، نرى مزيج من الشخصيات المُركبة في تصرفاتها، والتي يرى كل منها العالم بشكلٍ مختلف، ولكن يبقى ما يجمع بينهم هو نفس الهَّم الوجودي المُشترك، ذلك الشعور المستمر بإفتقاد الرغبة في الحياة، وإنطفاء نور الغد من حولهم بشكل تدريجي.

الفيلم ضم مجموعة كبيرة من الفنانين، ربما أهمهم آدريان بوردي في دور المدرس الإحتياطي "هنري بارثينز" والذي سبق لنا ورأيناه في العديد من الأفلام التي تركت بصمتها في السينما العالمية مثل؛ عازف البيانو The Pianist 2002، الفصيلة المجهولة Splice 2009، "التجربة" The Experiment 2010، ومعه الممثلة ماريكا جااي في دور مديرة المدرسة، بجوار الشابتين الصغيرتين، باتي كايا في دور التلميذة البدينة "ميرديث"، وسيمي جايل في دور فتاة الليل "إيريكا".
الأحداث في الفيلم، تدور في أماكن ضيقة، قليلة، باردة نفسيًا، يُغلفها جميعًا ذلك الظلام التدريجي ذو الإضاءة المائلة للزُرقة؛ حتى أنك تعتقد أن تلك الأماكن هي إمتداد لبعضها البعض، أو إنهم مكان واحد كبير، يحوي بداخله إختلافات نسبية في الديكور. حتى الممثلين قليلي الحركة، وكأنهم مقدين في أماكنهم، لا يمكنه مغادرتها.

في المشاهد الأولى، وقبل تترات الفيلم وعنوانه، نرى تلك العبارة الوجودية، والتي اشتق منها إسم الفيلم، وموقعة بإسم الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو "ولم أشعر قط أنني مكتمل الحضور، وفي نفس الوقت شعرت بمدى إنفصالي عن العالم". وكأن المخرج بذلك يمّهد لنا ما ينتظرنا من أحداث لها طابع فلسفي مختلف، يحتاج نظرة أكثر عمقًا. ثم نرى لقطات وكأنها تسجيلية، للمدرس هنري يجلس على طاولة في وضع الإستعداد لتسجيل تجربته في التدريس، ويطلب بهدوء أن يقوم من يجلس أمامه بوضع شريط يسمح بمساحات أكبر من وقت الحكي.

بعد ذلك؛ نرى المدرسة بفصولها المحطمة، وطلبتها المشاغبين، ومدرسيها المحبطين نفسيًا، الرافضين لوظيفتهم وواقعهم، والغير مؤمنين بدورهم التربوي والتعليمي. حتى في غرفة المدرسين لا يتحدثون مع بعضهم البعض، أو يستقبلون أي طلبة للإجابة على تساؤلاتهم، فلا توجد لدى الطلبة تساؤلات، ولا لدى المدرسين إجابات، بل الكل يحيا شكليًا فقط في هذا المكان.
تنقلنا الكاميرا لنتعرف على واقع المُدرس، فتحولنا برشاقة إلى شقة "هنري" قليلة الأثاث، غير منظمة، ذات إضاءة خافتة. وبعد ذلك، نرى المستشفى حيث يركض جد "هنري"، الكهل المصاب بمرض الزهامير، والذي يذهب "هنري" لزيارته يوميًا ليلقي عليه نظرة ربما تكون هي نظرة الوداع.

في لقطات طويلة، هادئة، صامتة، داخل المدرسة، نرى المدرس "هنري" وهو يسير في الممرات الطويلة الضيقة، النصف مضيئة ونصف مظلمة، والكاميرا ترصده لنا من ظهره دائمًا، وهو يسير بإتجاه البقعة الأكثر إظلامًا بطول الممر، وكأنه يخاف من مواجهتنا، أو يتجه بنفسه نحو المجهول الذي لا يعلمه أحد حتى هو. نفس الحال في ممرات المستشفى، والتي تدل جدرانها الطولية البيضاء الباهتة، على رهبة الموت وبرودته، حيث كان يذهب هناك للإطمئنان على صحة جده المريض.

التقطيع في الفيلم "المونتاج" لعب دورًا هامًا في إدخالنا لقلب الأحداث، وفهمها بصورة أوضح وأعمق، نرى الأستاذة المُدرسة تجلس مع هنري في أحد المطاعم هي وحدها من تتكلم وهو فقط يستمع، في البداية كان مستمتعًا بحديثها، ثم لاحظنا من تقطيعات الكادرات، واختلاف زواياها، إنها أطالت في الحديث كثيرًا حتى تسرب الملل إليه، والكاميرا تقوم بعمل Zoom in. على فمها أثناء الحديث.
كذلك لقطات غضبه بسبب سوء فهم حدث حينما كان في الفصل المدرسي، وتم ضبطه يحتضن الطالبة الباكية "ميرديث" لطمأنتها ومحاولة منعها من ترك المدرسة نهائيًا، رأينا اللقطات مهزوزة، تقترب من وجه هنري بشكل يحوله لمسخ وكأنه سيهجم علينا، لتظهر إنه في لحظات الغضب يكون الإنسان في أبشع صورة له. كذلك تم إدخال صور لوالدته التي انتحرت وهو طفل صغير، كلما حاول الجلوس مع أي انثى، والتي ربما تحيلنا ذهنيًا لفهم محاولاته المستمرة لإنقاذ أي انثى يجدها في خطر أو تعاني من مشكلة بشكلٍ معين.

الفتاتان، كل منهما تحمل قصة مختلفة، قد يقوم فيلم كامل عليها. "إيريكا" فتاة الليل، التي تحاول في البداية إغراء المدرس في طريق عودته للمنزل، ولكن حينما يرفضها، ويعاملها كإنسانة تم التغرير بها تائهة في عبث الواقع، تشعر بتميزه، وإنه شخص مختلف، تحاول الإلتصاق به، فيحاول إن يوضح لها إن لها حياة أفضل يمكن أن تصل لها، ويمكنها إكمال دراستها أو تلتحق بوظيفة، وكان يرى فيها أمه المنتحرة التي غابت عنه في أشد أوقات إحتياجه لها، وفي لحظة معينة حينما وجد إن "إيريكا" ستبدأ بالتعلق به وتحبه، ترك رجال الإصلاحية يأخذونها، في مشهد مؤثر مليء بالبكاء والصراخ.

"ميريدث" فتاة أخرى تائهة في نفس العبث الوجودي، ولكن قصتها تحمل ثقل من الألم لا يُحتمل، والدها يهينها يوميًا ويعتبرها بقرة سمينة بسبب كبر حجمها ووزنها الزائد، ويوبخها إنها لن تتزوج ولن تجد من يحبها وهي بهذا الشكل. وقد تعمّد المخرج أن لا يُظهر لنا شكل الأب ويأيت بصوته فقط من خارج الكارد ربما كدلالة أن الشر دائمًا والشخص الذي يحبطنا لا يجب ظهوره مباشرة، ربما يأتينا صوته ليملأ المكان بالسواد والضجيج، ليدفعها للإنتحار في حفلة التخرج في نهاية الفيلم. غرفة "ميريدث" مليئة بالصور التي التقطتها لأصحابها وأصدقائها في المدرسة، ولكنها حذفت عيون كل من في الصور، وكأنها تخاف من عيون الناس التي تسلبها وجودها ويتطاردها وتسخر من وزنها في كل مكان. حتى حينما قامت بتصوير "هنري" حذفت عيونه، وحذفت الطلبة من الفصل، وقالت له "مدرس بلا عيون... في فصل بلا طلبة".

الفيلم ينتهي نهاية غير متوقعة، حيث تنتحر "ميريدث" في حفل التخرج على مرأى ومسمع الجميع، حينما تتناول "كيكة" قامت بتسميمها واحتفظت بها لنفسها ورسمت عليها وجه الحزين، ومنعت أي شخص أن يأخذها، بينما باقي القِطع رسمت عليهم وجوه مبتسمة، وقدمتهم لزملائها الطلبة. وفي حزن "هنري" يذهب لإخراج "إيريكا" من الإصلاحية، لتعود للحياة معه من جديد، وهي اللقطة الوحيدة طوال الفيلم التي تظهر الشمس وأشعتها لتغلف المكان ككل، وكأنها الإشارة أن حبهما هو الذي أنار هذه المدينة الحزينة، وغيَّرت هذا الواقع المظلم من حولهما.



#ميلاد_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى الثالثة 25 يناير.. إتحاد أم إنقسام!؟
- العلم ومضامينه
- المثلية... لمسة إنسانية
- لماذا ننتقد الإسلام!؟
- الإلحاد حق إنساني
- التهمة.. شغل عقله
- العكاز الثقافي
- فئران لا تأكل الجبن
- ثقافة ما بين الساقين
- ثقافة الفهلوة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميلاد سليمان - الحياة تتقلص بهدوء