أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - منيف وجبرا وعقدة الدونية














المزيد.....

منيف وجبرا وعقدة الدونية


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4700 - 2015 / 1 / 25 - 19:20
المحور: الادب والفن
    



أقول مباشرة، وهذا هو رأيي الشخصي، إن رواية "عالم بلا خرائط" لعبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا من بين أضعف الروايات التي كتبها هذان الكاتبان، من بين أضعف الروايات التي كتبت في الأدب العربي، رواية عضلية، كتبها كل واحد من الكاتبين بعضلاته، وهَمّ الواحد والواحد، أن يبدي تفوقه على الآخر، لشعور الواحد والواحد بالدونية أمام الآخر، فكانت الإرادة الفوقية، إرادة القوة، هي الكامنة من وراء هذا المشروع الروائي المشترك، وكان المنطق الخطابي، منطق التوتاليتارية، هو المقتحم للغة يفرض عليها كل ما تعجز عنه.

لن أقوم بعرض للرواية، فالرواية موجودة على إنترنت، وهي، على أي حال، غير قابلة للعرض، لتناوب الخواطر في رأسي الكاتبين، ولن ألتمس، في هذه المقاربة النفسية السيميائية، غير القيام بتحليل مقتطفات من هذه الخواطر إثباتًا لأطروحتي:

“الأصعب ليس أن يموت المرء بل أن يموت الذين حوله كلهم ويبقى هو حيًا”.

ينتمي هذا المقطع إلى لائحة الأقوال المأثورة التي تفعم بها الرواية، أقوال منطقها الخطابي منطق الشعور بالدونية، فبقاء المرء حيًا دون الآخرين هو الأصعب، سبب هذه الصعوبة –حسب يونغ- غياب من يُعنى به، مما يجعله يشعر بنفسه مرفوضًا مطروحًا مستبعدًا، يكتم شعوره، وينطوي على نفسه. هناك موت رمزي في هذه الحال، يدفع إلى الإحباط تمامًا كالموت الفعلي، ومرة أخرى، يكون بقاء المرء حيًا بعد موت كل الذين هم حوله هو الأصعب.

“الألم أقوى محرك في هذه الحياة بوسعه أن يدمر الإنسان بقدر ما بوسعه أن ينقذه”.

كما رأينا الموت الرمزي في القول السابق نرى الألم الرمزي في القول اللاحق، ألم مدمر وألم منقذ، فنذهب من الشعور بالدونية إلى عقدة الدونية "كمحرك في هذه الحياة" دون أن يعيها المرء، لكنه يشعر بها تحت شكل ألم يدفعه إلى تدمير نفسه، وفي الوقت ذاته يمكن ألا يشعر المرء بعقدته الدونية، فيعقلن ألمه، وينقذ نفسه. بشكل مفارق، ودومًا من خلال هذه القراءة التحليلية للألم في رمزه، يكون التخلي عن الفرح، وقبول الألم، الألم فقط دون الفرح، كمحرك حياتي، وبدافع المنطق التوتاليتاري للخطاب، كافتتان مرضي بالألم، يكون نسيان أسبابه التي يمكن أن تكون أقسى شيء في الوجود: حروب أمراض كوارث فواجع جماعية أو فردية أفعال بربرية في الجسد أو في المجتمع أقسى في حدتها من الألم نفسه، الألم الحقيقي بالفعل.

“أذكر قولاً أعتقد أنّه لهرقليطس: "روح الإنسان بلد قصيّ لا يستطيع أحد الاقتراب منه واختراق حدوده والتجوال فيه". سيضحك الشاعر الإغريقي القديم. سيقول إني توهمت، وإن ما اقتربت منه وتجولت فيه كان بلدًا غير بلد الروح. ربما كان محقًا. ربما نحن لم نعطَ جواز المرور إلى مملكتنا الحقيقية. أو أن لدينا جواز المرور، ولكن شرطة الحدود لا يعترفون بجوازنا. أو أننا ما نكاد ندخل حتى نعثر ونسقط. أو أننا ندخل ونندهش ثم نتيه. الطرق لا إشارات فيها ولا أضواء. وهي كثيرة الحفر كالهاويات. ومن يدري؟ في أماكن تتخللها الغابات الكثيفة - التي تنطلق من بين أغصانها وحوش لا تعرفها كتب الحيوان... في دواخل الرّوح منّا تلتهمنا الوحوش!”

لدينا هنا حديث عن روح الإنسان عند هرقليطس، الإنسان بلا عقدة الدونية، وعن روح الإنسان عند جبرا ومنيف، الإنسان بعقدة الدونية: الأول روحه بلد قصي منيع على الآخرين، والثاني روحه بلد غير بلد الروح. اعتمادًا منا على يونغ في نظريته نقول: العقد التي لم يتم حلها –بما فيها عقدة الدونية- تقود إلى انحراف نفسي (المفردة توهمت خير تعبير عن هذا الانحراف)، وتظهر أصول هذه العقد –عقدة الدونية هنا- في تاريخ الشخص (دلالات جواز المرور المملكة الشرطة الطرق الحفر...)، في شخصيته (إشارات جواز المرور إلى مملكة حقيقية أم غير حقيقية جواز مرور معترف أم غير معترف به التعثر والسقوط أو الدهشة والتيه...)، في الأحداث التي يعيشها الشخص (أهمها انطلاق الوحوش من الغابات الكثيفة وحوش غريبة لا تعرفها كتب الحيوان)، وكل هذا كي تغذي عقدة الدونية نفسها بنفسها، تحت استعارة: في دواخل الروح منا تلتهمنا الوحوش. كما رأينا امحاء الفرح في رمزه أمام الألم في رمزه، نرى امحاء العالم في رمزه أمام الروح في رمزه، فالخطاب التوتاليتاري يرمي بالذنب على عاتق الأنا، على الرغم من كل التبريرات التي ساقها النص لوضع لا يحتمل، وضع توتاليتاري في الواقع، يظهر الروح على أساسه بشكل دوني، فهذه العبارة الفظيعة "في دواخل الروح منا تلتهمنا الوحوش" عبارة فوقية استعلائية غير ذات معنى دلاليًا إلا من ناحية تفخيم الكلام بإملاء إرادوي.

“إنني إنما أخدع نفسي - أخدعها عن وعي، فلا بد لنفسي إذن من أن تتعلم كيف تجد الثغرات في الأسوار، كيف تكتشف المنسربات الجوفية - للنفاذ أفقيًا وعموديًا، وفي كل اتجاه، إلى الأجواء التي تتحمل تتحمل.”

لا شك أن في خداع النفس خداعًا لعقدة الدونية، فهو خداع واع –كما جاء في النص- ومن شرطه بالتالي التعلم (لا بد أن تتعلم كيف تجد الثغرات في الأسوار) والاكتشاف (كيف تكتشف المنسربات الجوفية): الاستعارات تقليدية لكنها من جوه الخطاب التوتاليتاري، وما يهم هو خداع عقدة الدونية لتجاوزها إلى عقدة الفوقية، عقدة الاستعلاء أفقيًا وعموديًا وفي كل اتجاه –كما يدلل النص- فتنتهي أسباب الموت الرمزي، والألم الرمزي، والروح الرمزي، وتكون النظرة الأخرى إلى أسباب أخرى أو إلى الأسباب ذاتها، وهذه المرة من علٍ: من الأجواء التي تتحمل. تتكرر المفردة تتحمل مرتين لضغط عقدة الاستعلاء وإشارة إلى أعراض أخرى للمرض ذاته، فما الأمر سوى خداع للنفس. إنه الخطاب السريري في نهاية المطاف، بمعنى أن الكاتبين لم يخدعا نفسيهما بما فيه الكفاية ليجعلا من رموزهما رموزًا لمملكة الروح كما يفهمها الشاعر الإغريقي هرقليطس، وظلا ينوآن بعقدة الدونية –عن غير قصد منهما- عقدة لم يخدعاها عن وعي بالفعل، وبالتالي لم يكن لنصهما بعده "المأثوري" الديني الميتافيزيقي.


باريس الأحد 2015.01.25



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تساؤلات حول شارلي هيبدو
- مظفر النواب والنمط الأولي
- سعدي يوسف وعقدة أوديب
- توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء
- فدوى طوقان وعقدة القضيب
- ملاحظات بلا غضب حول أدب العرب
- افنان القاسم - المفكر والأديب والناقد - في حوار مفتوح مع الق ...
- الدين السياسي سرطان الشعوب
- لم يخلق الله الكون
- الإسلام دراسة سيميولوجية
- ضد الدين وليس ضد الإسلام أو المسيحية أو اليهودية
- سامي الذيب إسهال ثقافي وإفلاس فكري
- موعدي مع القارئ والكاتب للمحاورة في 14 الشهر الجاري
- وقفات سيميائية إزاء النساء في أحاديث نبوية
- بشرية القرآن دراسة سيميائية
- الحركتان الخارجية والداخلية في قصة -صعلوك- لنازك ضمرة
- دمروه ليدمروا الأدب الفلسطيني غسان كنفاني
- محمود درويش وسميح القاسم مرة أخرى ردًا على تداعيات قاسم محاج ...
- أدباء دمروا الأدب الفلسطيني إميل حبيبي
- أدباء دمروا الأدب الفلسطيني محمود درويش


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - منيف وجبرا وعقدة الدونية