أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء















المزيد.....

توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4686 - 2015 / 1 / 9 - 10:46
المحور: الادب والفن
    



في هذه المقاربة السيميائية، لا أريد أن أؤكد الدور السياسي الذي لعبه "ستالين الصغير"، الكنية التي كانت لتوفيق زَيّاد في عقر داره، الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وكذلك لا أريد أن أتطرق إلى شعره كأداة لما يدعى شعر المقاومة، وفقًا للظرف الاجتماعي لعرب 48، ليس هذا شغلي كناقد يطارد الإشارة وما تحمله من معنى، المعنى كمفهوم والمعنى كصورة، فكيفها إشارات عقدة الخِصاء لديه؟

في قصيدة "أحب... ولكن" نقرأ في قسمها الأول أول ما نقرأ:

أحبُّ لو استطعتُ بلحظةٍ
أن أقلب الدنيا لكم رأسًا على عَقِبِ

يشير البيتان الأولان إلى رغبة في قلب دنيا الخصم رأسًا على عقب: معنى الإشارة هنا كمفهوم هو قلب دنيا الخصم، وكصورة رأسًا على عقب، كل هذا، حتى الآن، لا علاقة له بعقدة الخِصاء، ولكن عندما نقرأ "لو استطعت بلحظة"، ندخل من باب عقدة الخِصاء العريض، فالذكوري شيء مفروغ منه متمثل بضمير المفرد للمتكلم المذكر المستتر (أحب)، والعضو الذكوري المخصي متمثل بحرف الشرط غير الجازم (لو)، بينما يساق الخِصاء زمنيًا (بلحظة) كتعبير عن استحالة تحقيق الرغبة في قلب دنيا الخصم رأسًا على عقب، وبالتالي استحالة تمثل الأنا بما يشبهها بعد فقدان القدرة الجنسية لعضو الذكورة (لو استطعت)، فيكون القلق من وضع غير محتمل، ويكون اللجوء إلى الوظيفة الرمزية للعضو التناسلي الذكوري المتراوحة بين حقيقته الفيزيائية (العجز الجنسي) وتمثله الذهني (الرغبة الجنسية) لمواجهة هذا القلق، تمثل ذهني يحدده التمثل الاجتماعي: قلب دنيا الخصم رأسًا على عقب.

لنتابع قراءة بعض الأبيات:

وأقطع دابر الطغيانِ
أحرق كل مغتصبِ
وأوقد تحت عالمِنا القديمِ
جهنمَ مشبوبةَ اللهبِ

تتعدد الرغبة الجنسية في إشاراتها (أقطع أحرق أوقد) وتبقى واحدة في معناها كمفهوم وكصورة (القطع الحرق الإيقاد)، تؤثر الواحدة في الأخرى، وهي طريقة انبناء المعنى وانبناء التمثل، الاجتماعي هنا، بدافع وعي مواجهة القلق الخِصائي، وذلك، بشكل مفارق، باستعمال مفردات كلها ذكورية ضد-خِصائية أبدًا شعرية بل نبرية رجولية (أقطع دابر الطغيان أحرق كل مغتصب أوقد جهنم مشبوبة اللهب)، إنه الادعاء لإخفاء الِخصاء الذي تُبنى عليه قصيدة زَيّاد وكل ما يسميه النقد التقليدي شعر المقاومة، وما نسميه كودات ذكورية، والعبارة "أوقد تحت عالمنا القديم جهنم" تزيد في الطين بِلة، فهي تحاول التبرير للرغبة في التدمير القائم مقام الجنس بحرق العالم القديم، عالم المغتصَب، قبل حرق العالم الجديد، عالم المغتصِب، وفي الوقت آنه تشكك في قلب دنيا الخصم رأسًا على عقب، وتترك في النفس انطباعًا بأن ذلك من الثانويات: إنها صفة الاضطراب النفسي لموضوع القلق، الشاعر، ضحية عقدة الخِصاء.

ولكن لا تلبث أن تبرز ناحية أخرى من عقدة الخِصاء متمثلة بالنرجسية كإشارة، فالقضيب صورة للأنا، والحال هذه تبقى النرجسية معطوبة إلى أن تتعوض عن القضيب بصورة تنقذ ما تقدر عليه مما هي فيه، وتتوازن بمفهوم تطالب النرجسية فيه –حسب فرويد- بالاعتراف بالقضيب (فلسطين؟) الذي كان أول قطعة من الكائن الجسدي تم التخلي عنها:

وأجعل أفقر الفقراء يأكل في
صحون الماسِ والذهبِ
ويمشي في سراويلِ
الحريرِ الحرِّ والقصبِ
وأهدم كوخه... أبني لهُ
قصرًا من السحبِ

تماري النرجسية واضح مع أفقر الفقراء (وأجعل أفقر الفقراء)، ومن أفقر الفقراء إلى أغنى الأغنياء (صحون الماس والذهب سراويل الحرير والقصب قصر السُّحُب خاصة قصر السحب كناية عن قصر الأوهام): صور الإشارات هنا هي في الوقت آنه مفاهيم للثراء، ثراء لا يبدو عابرًا أو زائلاً وقد انتهى الإدقاع (هدم الأكواخ الفقيرة)، فالمخصي لا يألو جهدًا لإشباع رغباته، إشباع لا يكلفه شيئًا، عندما يكون على مستوى الخطاب، ومن تأثير السياق: ما سبق من إشارات وما سيلي من إشارات. مع الأبيات السابقة، نتجاوز الحد الشعري لِنَجِدَنَا في صميم استيهام الِخصاء، استيهام –حسب فرويد- هو الإعداد الرمزي الذي يقدر الجسد على تكوينه، -وحسبنا- هو الإعداد الرمزي الذي يقدر الجسد على تكوينه عندما لا تقدر الشهوة الجنسية على الانبناء شعريًا.

عند هذه النقطة، تطغى الغريزة الجنسية كإشارة لما يدعى مقاومة على عقدة الخِصاء، تحت صور ومفاهيم خاصة بها، وتعيد بناء بداية القصيدة في القسم الثاني على طريقتها لتكتبها بإشاراتها لا باسم الإشارة:

أحبُّ لو استطعتُ بلحظةٍ
أن أقلب الدنيا لكم رأسًا على عَقِبِ
ولكن للأمور طبيعةً
أقوى من الرغباتِ والغضبِ
نفاذ الصبر يأكلكم فهل
أدى إلى إِرَبِ؟
صمودًا أيها الناس الذين أحبهم
صبرًا على النُّوَبِ
ضعوا بين العيون الشمسَ
والفولاذَ في العصبِ
سواعدكم تحقق أجمل الأحلامِ
تصنع أعجب العجبِ

الإشارة الأولى تتمثل بتخفيف النبرة من التكلم بحدة إلى التكلم بصوت أقرب إلى الهمس، وقد انتهى التأزيم الخاص بعقدة الخِصاء ليبدأ التهويم الخاص بالغريزة الجنسية: كل الأبيات من "ولكن الأمور..." إلى "...أعجب العجب". وهذا الموقف الضد-الكودي للمقاومة هو بالأحرى الموقف الغريزي لركاح، الحزب الشيوعي الإسرائيلي: التهدئة تحت ذريعة العقلانية (في النص "للأمور طبيعة") والتحذير تحت ذريعة الحكمة (في النص "نفاذ الصبر يأكلكم فهل أدى إلى إرب؟") والحض تحت كل الذرائع الديماغوجية (في النص "صمودًا صبرًا ضعوا تحقق تصنع"). هنا المخيلة سياسية، أي ضد-شعرية، كل هذه الصور التي هي في الوقت آنه مفاهيم، ملطفات خطابية لعقدة الخِصاء. ثم، لا تلبث أن تستعيد عقدة الخِصاء كمنظم للحياة النفسية –حسب فرويد- كل القلق السابق (القسم الثالث من القصيدة الذي لم يكتبه الشاعر ويكتبه القارئ)، وكعبارة مكونة من عدة مقاطع مسلسلة نسميها في علم اللسانيات "دائرة الكلام"، وذلك لانبناء الأنا المثالي، وقيام الأنا المثالي بدوره في التخلي المحتمل لِنَواحٍ من الغريزة الجنسية تحت ضغط الشعور اللاواعي بالذنب والحاجة الماسة إلى العقاب، وكل هذا ضروري لصيرورة التعايش في مجتمع كل شيء فيه كودات وضد-كودات، بمعنى إنتاج الوعي والفكر المشروطين بدكتاتورية الخِصاء: الدور الذي لعبه في السنوات المريرة الحزب الشيوعي الإسرائيلي.


باريس الجمعة 2015.01.09



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فدوى طوقان وعقدة القضيب
- ملاحظات بلا غضب حول أدب العرب
- افنان القاسم - المفكر والأديب والناقد - في حوار مفتوح مع الق ...
- الدين السياسي سرطان الشعوب
- لم يخلق الله الكون
- الإسلام دراسة سيميولوجية
- ضد الدين وليس ضد الإسلام أو المسيحية أو اليهودية
- سامي الذيب إسهال ثقافي وإفلاس فكري
- موعدي مع القارئ والكاتب للمحاورة في 14 الشهر الجاري
- وقفات سيميائية إزاء النساء في أحاديث نبوية
- بشرية القرآن دراسة سيميائية
- الحركتان الخارجية والداخلية في قصة -صعلوك- لنازك ضمرة
- دمروه ليدمروا الأدب الفلسطيني غسان كنفاني
- محمود درويش وسميح القاسم مرة أخرى ردًا على تداعيات قاسم محاج ...
- أدباء دمروا الأدب الفلسطيني إميل حبيبي
- أدباء دمروا الأدب الفلسطيني محمود درويش
- مستويات المعنى في قصيدة -الزورق العليل- لحميد كشكولي
- بنية الخبر في قصة -انتفاضة- لنبيل عودة
- العجوز النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة
- تحليل العجوز للمستعرب الكبير دانيال ريج


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - توفيق زَيَّاد وعقدة الخِصاء