افنان القاسم - المفكر والأديب والناقد - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول : أدباء دمروا الأدب العربي وآخرون بنوه


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 4662 - 2014 / 12 / 14 - 17:32
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -145 - سيكون مع الأستاذ د.افنان القاسم - المفكر و الناقد والأديب دكتور في العلوم الإنسانية -  حول :أدباء دمروا الأدب العربي وآخرون بنوه.

  


الشعر

نزار قباني وأدونيس


كل كاتب، قاص، روائي، شاعر، خلافًا للرسام، والنحات، والموسيقي –كما يقول جان بول سارتر- يوجه القارئ، فيتحول الشيء الذي يقدمه من شيء إلى إشارة، لنجدنا في صميم الإبداع الأدبي. ومن ناحية التعامل مع الإشارة، يرمي رولان بارت إلى تأسيس النقد الجديد المرافق للكتابة الجديدة، على اعتبار أن النقد القديم نوع من الدعاوى يحددها كود، دعاوى يجدر إبطالها، ليس عن طريق التعارض، وإنما عن طريق الحياد –الحيادية طريقته في مقاربة النصوص الأدبية على عكس كل قمامة النقد العربي الرقيع من مج الصراخ والأحكام- طريقته وطريقتي في النقد منذ أكثر من نصف قرن. من هذه الناحية، سأنظر إلى الشاعرين الكبيرين أدونيس ونزار قباني، سَيِّدَيِ الإشارة –دون أمثلة أعطيها في هذه العجالة- الأول على غير ما يتوقع الجميع بنى الأدب العربي، والثاني على غير ما يتوقع الجميع دمره.

دومًا ما كان الشعر في خدمة الكلمات، شعر نزار قباني كشعر أدونيس وكل شعر، أدونيس ونزار قباني ينقشانها، يعجنانها، يطاوعانها، وطبعًا لغاية، ليست غاية النحات والرسام في عرض مادته، بل غاية الكشف. وبدوره، للكشف غاية، معرفة العالم. نزار قباني كشف عن ثدي المرأة وثدي السلطة، وبكلام آخر عن عالم المرأة وعالم السلطة، وتجدّر بهما، بمعنى أحاط قلمه بجدرانهما. أدونيس كشف عن الإنسان والعالم –كيف كشف؟ هذا من مهام السيميائيين العرب لو يوجد لا جنكيات الردح العربي- وبكلام آخر عن الإنسانية وعن الوجود. وأنا، مع هذه الخلاصة، أريد التنديد بزيف العلاقات، لدى نزار قباني، بين اللغة والعالم، إذ لا يكفي الأدب صراخ الكلمات أو همسها مهما عظمت الشاعرية.
 


النثر

نجيب محفوظ وجمال الغيطاني


الشعر يخدم الكلمات بينما النثر يستخدمها، قول أستعيره من صاحب "الوجود والعدم"، فالكلمات للروائي ليست أشياء، ولكنها تشير إلى الأشياء. الروائي يتقن فن "الثرثرة"، يحكي، يقول، يعيد، يزيد... يفعل، يتصرف، يكشف... يغيّر. يغيّر كيف؟ لا أن يغاير الآداب، أن يغير أحوال الذكاء، فلا يبقى الفرد غارقًا في جهله. كل هذا معروف. رولان بارت يذهب أبعد عندما يصف كتابة الرواية كفبركة لبداهة زائفة تُلبس غيابَ الواقع وجهًا مستعارًا تحت نسيج ذي مصداقية. يعني رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني وكل قصصه ورواياته، وأكيدًا لا، ثلاثية نجيب محفوظ وكل قصصه ورواياته. روايات وقصص جمال الغيطاني لا تفلت من لعبة أقنعة الكتابة، بينما روايات وقصص نجيب محفوظ ما هي إلا لغة وأسلوب، عبر الكتابة الغيطانية، كما يقول صاحب "الدرجة الصفر للكتابة"، لا يواجه الإنسان العالم الموضوعي دون المرور بأية شخصية من شخصيات التاريخ أو المجتمع.

لا يسبق الأسلوب المضمون أبدًا بل يضاف إليه، وستدفع الظروف والمواضيع التي يود الكاتبُ معالجتها الكاتبَ إلى البحث عن وسائل جديدة للتعبير ولغة جديدة، وهذه هي حال جمال الغيطاني. نجيب محفوظ لغته جديدة كذلك، لكنها لغة طبقته، البرجوازية الصغيرة التي يكتب عنها ولها، والملتزم كليًا بكتاباته لها، فالكتابة إرادة واختيار. كفلوبير، نجيب محفوظ يمثل الإحساس بالخطأ لدى الأديب، إن لم يكن الفاجع الأدبي في الأدب العربي.



الهدم والبناء كيف؟

هناك الهدم لأجل الهدم، هناك الهدم لأجل البناء، هناك الهدم دون بناء، هناك البناء دون هدم، ولكني هنا أتكلم عن تدمير الأدب وبناء الأدب، لا تدمير المجتمع وبناء المجتمع، على الرغم من ارتباط الواحد بالآخر، أتكلم عن خطوات الشيطان بقدمي الأديب عند البناء وعند الهدم، خصوصية لا تشمل كل الأدباء، ولا كل الاتجاهات الأدبية، فالسريالية مثلاً بدل أن تدمر لتبني، تبني لتدمر. فيما يخص الأدب العربي، أطرح المسألة على الشكل التالي: الأدب العربي تجاوزه العصر وما زال. لا أعني ب"ما زال" أنه خالد، أعني أن أدبًا كأدب نزار قباني مثلاً، أدب تجاوزه العصر، يجري العمل على تخليده، لنعيش دومًا في زمنٍ وصفَهُ أحسن وصف، الزمن السلطوي. كالأديان. الأديان التي صنعوها والأديان التي نصنعها. الأديان جديدها وقديمها كعَظَمَة زائفة، وهذه هي عظمة نجيب محفوظ، عظمة زائفة، لأنها سياسية قبل أن تكون أدبية، فجائزة نوبل ليست لموقعه الأدبي في آداب الكون، جائزة نوبل لموقفه السياسي من اتفاقات كامب ديفيد. عندما نلقي الأدب في أحضان السياسة نهدمه، أو، إن شئت، يهدم الأدب نفسه بنفسه، وذلك لإبقاء الإنسان في تخلفه على ما هو عليه، غير مبالٍ به، لا أهمية له، بينما أحد أسباب الإبداع الرئيسية هو الشعور بأهميتنا في الوجود. هذا لا يعني أنني أوقع نفسي في شَرَك التوفيقية بين الأدب والعالم، فالسؤال الذي لا أكل عن طرحه على نفسي ليس كيف نكتب؟ ولكن كيف لا نكتب؟