لماذا أمريكا لا تريد؟


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 7989 - 2024 / 5 / 26 - 11:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أمريكا لا تريد أن أنهي الحرب في غزة بالقبعات الزرق ونقل أفراد حماس تحت حراسة رجال المارينز والجيش الأردني مع الرهائن إلى عمان لأنها لا تريد السلم في إسرائيل ولا تريد السلم مع الفلسطينيين، لأنها تريد أن يبقى التوتر في المنطقة، ويبقى من هم من ورائه السيد نتنياهو والسادة قادة حماس، طريقة من طرق الهيمنة والنفوذ في العقل السياسي الأمريكي الذي فقد بوصلته

أمريكا لا تريد أن أحل حركة حماس وأن أعتقل رؤوسها قبل اعتقال بعضهم بأمر محكمة الجنايات الدولية بزمن طويل وحتى قبل الحرب الدائرة منذ سنين بعيدة لأنها لا تريد الأمركة التي أنادي بها ضد الأسلمة، لأنها تريد الاستمرار في جيوسياستها المشؤومة في فلسطين إسلامية من صنعها مثل إيران إسلامية وسعودية إسلامية وتركيا إسلامية وكتلة إسلامية في شرق إسلامي مقابل غرب ضد-إسلامي، طريقة من طرق الهيمنة والنفوذ في العقل السياسي الأمريكي للسياسة الداخلية والسياسة الخارجية المتوقفة إحداهما على الأخرى بأقل التكاليف

أمريكا لا تريد أن أطرد الحكام العرب وباقي حكام الشرق الأوسط الذين أولهم رئيس الوزراء الإسرائيلي وأن أخلق جغرافيا من الممالك السبع الفخرية الاقتصادية العلمانية الديمقراطية السلمية، لأنها تعودت على نمط في العمل مع الحظائر، توهم بها كما توهم السعوديين بالخطر المحدق بحظيرتها من الحظيرة الإيرانية، والحال اليوم صار الخطر نوويًا، للابتزاز وابتلاع البرشامة وتمرير ما يمر في الخاطر الأمريكي من هلوسات لغايات ليست جميلة غايات منحطة لا تليق بأمريكا والأمريكيين، الآن والانتخابات الرئاسية على الأبواب يفطن العقل السياسي الأمريكي إلى خطر نووي محدق بالسعودية، بينما السعودية عميلة كإيران عميلة، أي لا خطر هناك بين الحظائر الأمريكية إلا للضحك على ذقون العالم بإقرار العميل السعودي بالخطر النووي الوهمي، فهو على الرغم من سحقه السعوديين بنعله يسعى إلى تبرير فانتازي عندهم لشيء آخر خطير الذي هو التطبيع بأبخس ثمن للسعوديين وللفلسطينيين

أمريكا لا تريد أن أؤمرك الشرق الأوسط وأجعل من الممالك السبع ولاياتها العابرة للقارات وفي الوقت نفسه أجعل من أوروبا العجوز أوروبا شابة بجمال أمريكا شابة، لأن أوروبا تظل في العقل السياسي الأمريكي الخوف الأمريكي من المجهول، أوروبا ليست الغرب في البرنامج العولمي إلا بالاسم، هذا الغرب الذي من الناحية الأوروبية يشكل خطرًا على المستقبل السيبراني الأمريكي تحت كل المعاني، وبالتالي على النظام السياسي الداخلي للولايات المتحدة، ولهذا صنع العقل السياسي الأمريكي مع العقل الأمني الأمريكي الحرب في أوكرانيا، فتكون أوروبا مهددة بالوساطة الروسية، أوروبا المهددة أوروبا عاجزة، هي عاجزة في ميزانياتها، وتعيش مثل أمريكا على الديون، لكن أن تكون عاجزة نفسيًا عجزًا دائمًا هذا ما يسعى إليه العقل السياسي الأمريكي

هنا لا بد لي أن أقول لأمريكا التي أحبها مثل حبي الأقوى لبلد في التاريخ، أن أقول للعقل السياسي الأمريكي إن العالم تغير بتغير أمريكا نفسها في التكنولوجيا وفي رأس المال، ما كانت تقوم به هنا وهناك في زمن مضى لم يعد صالحًا في الزمن الحاضر، الزمن الأمريكي الجديد الذي يفرض على العقل السياسي الأمريكي التفكير الجديد والطرق الجديدة لهذا التفكير الجديد، التفكير الجديد هو التفكير الكُلي الجامع لأمريكا ولأوروبا وللشرق الأوسط وللعالم في تداخل كُلي للمعايير التي هي معايير التقدم على كافة أشكاله وتحت كافة أبعاده، التقدم يفرض الأمركة كاستراتيجيا للمستقبل مثلما كان التخلف يفرض الأسلمة كاستراتيجيا للماضي الذي انتهى ولم تزل أدوات العقل السياسي الأمريكي تعمل حسب معاييره القديمة معاييره البائدة معاييره النافذة بأثر رجعي، لتكون النتيجة الخسارة الأمريكية في كل شيء أمريكي، الخسارة المالية والخسارة الإنتاجية والخسارة التجارية إضافة إلى الخسارة الروحية خسارة الروح الأمريكية وروائعها في الرواية والشعر والمسرح والسينما والفلسفة والعلوم، نحن الآن نعيش في لحظة موت الحضارة، نحن الآن نعيش في اللحظة الماضية للحضارة الأمريكية، نحن نريد العيش في اللحظة القادمة للحضارة الأمريكية، اللحظة القادمة هي الممالك السبع ولايات الولايات المتحدة العابرة للمحيط، اللحظة القادمة هي أوروبا الشرق الأوسط رئتها ولأمريكا جسدها

باريس السبت 2024.05.25