لماذا أمريكا لا تفهم؟


أفنان القاسم
الحوار المتمدن - العدد: 7989 - 2024 / 5 / 26 - 21:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أمريكا من أجل بعض الأصوات التي حتى هذه لن يحصل عليها المرشح الديمقراطي في الظروف المتنافرة القائمة تريد لفلفة اتفاق بين السعودية وإسرائيل بين دكتاتوري هذا البلد ودكتاتوري ذاك، بدون أية فائدة تعود بالنفع على الأمريكيين، ولا يفهم العقل السياسي الأمريكي أن أمركة الشرق الأوسط على يدي تفتح ليس أبواب السعودية فقط للمملكة إسرائيل العلمانية الديمقراطية السلمية بل بلدان الشرق الأوسط كلها بعمقها الجيوإنساني وعمقها الجيوسياسي وعمقها الجيواقتصادي وتجعل من أمريكا نفسها جزءًا لا يتجزأ من منطقة نفوذها، وبالتالي تجعل من إسرائيل جزءًا منها في السلم الدائم وليس فقط في الحرب المؤقت زمنها والمؤقت هدفها والمؤقت العيش بعدها، إسرائيل المؤقتة التي بصدد الزوال، هذا هو الإجراء الأمريكي للمسألة اليهودية، إسرائيل المؤقتة التي بصدد الزوال. وعلى العكس من ذلك، أمركة الشرق الأوسط تجعل من زمن الشرق الأوسط ببلدانه التي منها إسرائيل الزمن الأمريكي الجديد لأمريكا جديدة، الاتفاق عندئذ ليس اتفاقًا بين دكتاتوريين انتهى زمنهم بل بين ديمقراطيين يبدأون زمنًا يفرض عليهم نفسه بأمر الواقع التكنولوجي الذي هو واقع كوني في أبعاده الأمريكية شاء العقل السياسي الأمريكي أم أبى

أمريكا من أجل موقفها الثابت من تراجيديا اليهود التي لا يمكن لأحد المزايدة عليها تزايد على حكام إسرائيل مهما فعلوا من أفعال لا تعود بالنفع على اليهود، ولا يفهم العقل السياسي الأمريكي أن هناك الموقف الثابت وهناك الموقف المتبدل، يتبدل موقف أمريكا من الحكام الإسرائيليين تبدل مصالح الإسرائيليين أنفسهم لا مصالح حكامهم، ومصالح إسرائيل اليوم بعد الحرب الأخيرة (ومصالح فلسطين اليوم بعد الحرب الأخيرة) تكمن في مشروع أوسع من البحر الذي هو الممالك السبع التي فيها إسرائيل مملكة (التي فيها فلسطين دولة من مملكة المشرق الآسيوي ارجع إلى تجميعي الشرق الأوسط داخل سبع ممالك ولايات الولايات المتحدة العابرة للمحيط الشكل الحتمي للواقع الحتمي)، في هذه الخريطة الجيوإنسانية الجيوسياسية الجيوإقتصادية الجديدة للشرق الأوسط تُخْلِص أمريكا لموقفها الثابت من التراجيديا اليهودية بكل الطرق التي تفرض على حكام إسرائيل الإذعان لإرادة الأمن في العمق الاستراتيجي الذي يتجاوز المستوطنات الواقعة على مرمى حجر حتى أقاصي الشرق الأوسط، والإذعان لإرادة الحياة في العمق الإنساني الذي يتجاوز الأمة اليهودية حتى باقي أمم الشرق الأوسط. بناء على ذلك، الطرق الأمريكية مع إسرائيل والسعودية وإيران وتركيا، وحتى مع موريتانيا التي من شمس ورمل، وحتى مع جزر القمر يجب أن تتغير، العقل السياسي الأمريكي لم يعد بعد عقل نيكسون، لم يعد بعد عقل البوكر، لم يعد بعد عقل الستريبتيز، عقل البيت الأبيض السياسي يجب أن يتغير بطرقه في التطبيق، في التنفيذ، في التطبيق كيف، وفي التنفيذ مع من، إسرائيل ليست صنيعة حكومتها، السعودية ليست صنيعة ترامب، إيران ليست صنيعة كارتر، تركيا ليست صنيعة أوباما، الممالك السبع من إلهام التاريخ الذي هو التاريخ الأمريكي حسب المنطق التاريخي

أمريكا من أجل النفط والغاز ومشتقاتهما التي صنعت منها المرحلة ما-قبل الأخيرة من حضارتها أقامت أنظمة كرتونية بما فيها النظام الإسرائيلي جعل منها العقل السياسي الأمريكي كيانات متناحرة حسب الطلب وحسب المقاس لخوفه من طوفان أنهار الشعوب المائجة فيها، ولا يفهم أساطين هذا العقل أنهم يعيشون اليوم مرحلة من حضارتهم، مرحلة تكنولوجية بالإلكترون والأرقام من حضارتهم، أنهت المرحلة البلاستيكية بالنفط والغاز، المرحلة التكنولوجية المتطورة جدًا فيها الشعوب جزء لا يتجزأ من ثورتها التكنولوجية وثورتها الرأسمالية، الشعوب عماد هاتين الثورتين لا تخيف أحدًا على سطح الأرض، لا يخافها على سطح الأرض من يفهم علم الفيزياء وعلم الكيمياء وعلم التاريخ ومن لا يفهم، فهي –أي الشعوب- في خدمة الرقمية خدمتها لنفسها، بدونها العالم الرقمي لا يتحقق في أطواره، أناس التطور مرغمون على استغلال ثروات المرحلة السابقة بسرعة قبل نفادها استغلالاً عادلاً وليس استغلالاً مستغِلاً، الاستغلال العادل هو "الاستثمار الأكثر الاستغلال الأقل" حسب قولي المأثور، إنه الذوبان الكيميائي للأقدار بين الولايات المتحدة والممالك السبع، ذوبان الاقتصاد، ذوبان الإنتاج، ذوبان الدولار، وذوبان الطرق القديمة للعقل السياسي الأمريكي في مستنقعات ميامي، ذوبان العملاء القدامى في مواخير نيويورك، ذوبان عوالم الأسلمة الكريهة في مجاري واشنطن، على العقل السياسي الأمريكي أن يفهم، أن يدرك، أن يعي، أنه معي، أنا ابن الغرب والشرق، أنا العاشق الرافض للكره وللحزن، نعم، على العقل السياسي الأمريكي أن يفهم ويدرك ويعي أنه سيحقق معي كل ما يريده العصر التكنولوجي بعدله بين الأمم للأمريكيين