|
أنسنة الدين أم أنسنة الأخلاق
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4699 - 2015 / 1 / 24 - 06:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في موضوع الأنسنة هناك فكرة جاءت من الفكر المادي لتدخل منظومة الفكر الإنساني بأعتباره فكرة مثالية قريبة بالمطلق لا يرفضها الفكر المادي ولا يستبعدها العقل الروحاني وهي مصطلح الأنسنة ,أي جعل العلاقات الإنسانية المجردة عنوانا لمستويات التعامل الفكري بين الإنسان والأخر بأفتراض أن لها قيم ثابته يرجع إليها في تحديد مفهومي الخير والشر أو الحق والباطل , وبالتالي يمكننا من خلال هذه القيم الثابتة أن نحول كل القيم القياسية الأخرة مثل الدين العلم الأخلاق المثل إلى معيارية الأنسنة لنرى توافقها مع أو ضد ,بذلك يمكننا أن نتحول طبيعيا وبأعتماد مفاهيم الأنسنة إلى عالم أكثر قدرة على أحترام الإنسان والأكثر قدرة على توفير شروط الحياة الوجودية الكريمة له . الحقيقة لا شيء يمكن أن يعترض أن يفكر الإنسان من توفير أسس حقيقية وتوليدية لقيم أكثر مطابقة لحلمها في التعاطي مع سعيه للكمال البشري أو السيرورة في عالم أكثر فاضلية وتماميه في هذا المجال ,ولكن مات يلفت النظر أن كل القيم الأخلاقية التي حاول وعبر التأريخ في شقه الإيجابي أن يجعل منها وبغض النظر عن مصادرها الأولى وكيفيات نشأتها أن يجعل منها محددات للخير والفضيلة والعمل الصالح . هو أيضا من أطاح بها وسعى إلى خرابها وتخريبها من خلال السعي الدؤوب لعدم مفارقة حسه الأناني وفعله المنحرف وخاصة في الجانب السيء من التاريخ , وبذلك فقد خرج في الأخر وأمامه كم هائل من قيم دينية واجتماعية وأخلاقية متناقضة لا يمكنه نتيجة الخطيئة المزمنة أن يقر بها أو يتجاوز هذه الخطيئة وينظف ذاته من تأثيرات الأنا وفعل التخريب الإقرار بالذنب ,عندها لا يبقى من ضرورة للبحث عن قيم أنسنة جديدة لما في الخزين التاريخي عنده من قيم توفر له حدود عليا ودنيا أفضل بكثير مما يسعى لها الآن . إذن المسألة ليست في وجود أو عدم وجود قيم بل تتعدى إلى الهدف من البحث عنها وعن جدية المعيار والمقياس الذي وضعه أصلا لها من بين ما لديه أو أختراع جديد ,غن مقاسات مهمة مثل معيار الطبيعة ومعيار البراءة والخيرية والأحسنية والمثاليات التي في جانبها الروحي تمنح الإنسان الهدوء والسلام إضافة لما تمنحه من دواع للعمل والتطور من غير عوامل الدين والإصلاح والتعارف والوحده والتناظر قد تكون كافية بالقدر الذي يمنح مفهوم الأنسنة أطار أخلاقي لكن المشكلة أن الإنسان جرب هذه القيم وفشل في بسطها لأنه تعرف لاحقا أنها أيضا تقف في مواجهة الأنا المتضخمة لدية وأعتبر أن أحترام الأنا هذه تساوي الحرية الشخصية لذا قدمها كبش فداء لحريته بفهمه لها فسقطت وسقط في فوضى صراع التزاحم والتنافس البشري البيني . كما أن هناك مشكلة حقيقية في وجه الإنسان حينما ينادي بالأنسنة هل يقصد من ورائها أن تضبط حركة الفعل أو أن تضبط صورته التي يرديها أن تكون مجسدة بمنحه حدود أكثر من الحرية في مواجهة عالم أخر يفترض أنه لا يمانع أن تكون حدود الحرية فيه مبهمة ليعود لنفس الخطأ ويسقط في نفس الخيار السابق ,الأنسنة شعور بالنتيجة يكون أفضل للإنسان عندما يعتمد القيم المجربة والمعروفة في عالمة شرط أن يحصر حدود طموح الأنا داخل الحيز الحيوي الطبيعي لها والإقرار للأخر بالتناظر عندها سيكون أمام منظومة من القيم والعلاقات ترتقي بتلقائية دون أن تحتاج إلى أستنباط قيم ومحددات جديدة . إذن الدعوة ليست سليمة في منطلقاتها ولا في الأسس التي يعتمدها وهو يقر أن سبب الفوضى في عالمنا الوجودي اليوم هو بسبب إنفلات وتعارض طموحات الأنا الذاتية وعدم قبولها بحدود عامة ومشتركة, بل ويجزم أيضا أن واحدا من مأسي الإنسان في وجوده الشعور الخفي بحركة الأنا هذه وتأثيراتها المدمرة على كل القيم الأخلاقية والدينية مما يسبب له الكثير من الصراعات التي أستنزفت كل الزمن التاريخي وخرج بنتائج مقارنة بما يملك اليوم من منجز تبدو تافهة مع أفتراض أنه نجح في توظيف عامل الزمن بعقلانية وحاز فيه على مراتب عليا من الكمال والتكامل الطبيعي بين الإنسان والبيئة والزمن والحركة .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللحظة الحاسمة
-
التسنن العربي والتشيع الصفوي .... فكر الإنحراف العنصري
-
سيد الماء .... والمجهول _ قصة قصيرة
-
وصايا الأب لأبن
-
شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح3
-
شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح1
-
شخصية الرسول الكريم والجدل في التاريخية ح2
-
من يحمي الدين من سطوة التاريخ
-
أنتظار المنقذ التاريخي شكية الصورة أو شكية الإمكان
-
الإنسان وعالم يعيش واقع مخيف
-
على وقع ما جرى في فرنسا
-
الحروف التي حللها الرب
-
عن الثقافة والمثقفين وأزمة الهوية
-
رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الرابع , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثالث , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح2
-
رواية الغريب _ الجزء الثالث, ح1
-
رواية الغريب _ الجزء الأول , ح3
-
رواية الغريب _ الجزء الثاني , ح1
المزيد.....
-
إيران توجه تهديدا لأي -طرف ثالث- يعتزم التدخل في الصراع مع إ
...
-
كيف تجهل عدد سكان بلد تريد الإطاحة بحكومته؟-.. جدال حاد بين
...
-
بيسكوف: الكرملين لا يعدل أجندته لتناسب الغرب
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قائد وحدة الصواريخ المضادة للد
...
-
نتنياهو يعلق على تأجيل حفل زفاف ابنه
-
ترامب: تعطيل منشأة -فوردو- الإيرانية أمر ضروري
-
إيران تعلن تفكيك شبكة جواسيس إسرائيلية تشغل طائرات مسيرة في
...
-
مقتل 76 فلسطينيا جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة على قطاع
...
-
-ميتا- تستقطب علماء الذكاء الاصطناعي من المنافسين
-
أمنستي تناشد الهند وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئي ا
...
المزيد.....
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|