أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إكرام يوسف - إحياء روح مصر القديمة















المزيد.....

إحياء روح مصر القديمة


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1311 - 2005 / 9 / 8 - 11:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس تحسرا على ما فات، ولا تعذيبا للنفس بجلدها.. وليس أيضا تباهيا بما حققه الأجداد ، ومازال الأحفاد يجاهدون لمجرد الحفاظ عليه من الاندثار.. وإنما لو لكان الأمر بيدي لقررت على تلاميذ المدارس المصرية ـ في جميع سنوات التعليم الأساسي ـ مادة أساسية ، اسمها روح مصر القديمة؛ ولا ينتقل إلى السنة الدراسية الأعلى إلا من ينجح فيها بنسبة ثمانين في المائة على الأقل .. ولحشدت من أجل إعداد كتب هذه المادة أفضل خبراء التعليم، والفلسفة، والتاريخ، وعلم النفس، والتربية، والاجتماع. وناشدتهم الحرص على إخراج هذه الكتب بالصورة التي تضمن إعادة تشكيل وجدان الأجيال الجديدة على النحو الذي يدفعهم إلى الشعور باحترام تلك الروح التي خلدت ذكر أسلافهم؛ والعمل على إعادة إحيائها من جديد، لبناء المستقبل الذي يليق بأحفاد هؤلاء أن يعيشوه.
تذكرت وأنا أقرأ كتاب "روح مصر القديمة" للمؤلفة الانجليزية "آنا رويز" زيارة قصيرة إلى عاصمة الضباب؛ ولما كان الوقت والقدرة المادية لا يسمحان بأكثر من الإقامة لأيام معدودة؛ حاولت فيها الاطلاع على أكبر قدر ممكن من معالم المدينة التي كانت يوما ما عاصمة "الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس"..وكان من بين هذه المعالم بالطبع المتحف البريطاني الشهير. وعندما دخلته وجدت أن مشاهدة جميع أقسامه تحتاج وقتا أطول كثيرا مما أملكه. وعلمت أن هناك حلا مناسبا؛ يتمثل في أن أدفع زيادة طفيفة في تذكرة الدخول لأنضم إلى مجموعة من السياح يتولى مرشد يتولى انتقاء أهم ما في المتحف لإطلاعهم عليه في عجالة. واستملحت الفكرة لأنها على الأقل ستتيح لي التعرف على مختلف حضارات العالم من خلال مشاهدة أهم كنوزها التي نهبها الاستعماريون من مختلف البلاد التي وقعت في قبضتهم. وبذلك أكون حققت أقصى استفادة ممكنة تتناسب مع ضيق الوقت وذات اليد، معا. وسارعت إلى اللحاق بطابور ضم مجموعة من الأجانب تتقدمهم المرشدة. وإذا بها تمر بنا مر الكرام على عدد من أقسام المتحف، ثم تعلن لنا أن مسك ختام الجولة؛ الذي ستخصص له أكبر قدر من وقتها سيكون في الجناح الذي يداعب أحلام جميع الزائرين للمتحف ويشهد الإقبال الأكثر كثافة. وفجأة وجدتني أقف مع هؤلاء في القسم المصري لتشرح لنا في إسهاب مقتنيات (أو بالأحرى منهوبات) المتحف القادمة من آلاف السنين ومن مهد الحضارات. وكدت أنفجر من الغيظ بالطبع بعد أن ضاع اليوم في سماع شرحها السطحي لما أعلمه بالفعل بحكم قراءات واهتمامات؛ وحنين لا يهدأ لسنوات طفولة قضيتها أستنشق عبق الماضي من أغلب آثار مصر بحكم عمل الوالد. وبينما تتحدث المرشدة ببرود شريط مسجل؛ حديثها الذي تردده كل يوم عدة مرات ـ من دون روح ـ على السياح؛ تلفت حولي لأجد عددا كبيرا من أطفال الانجليزـ تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشر ـ بعضهم يطالع باهتمام فائق آثارنا، ومعظمهم استلقى على الأرض متخذا الوضع الذي يساعده على رؤية جيدة لما يحاول أن يرسمه من هذه "المقتنيات". وسألت أحدهم عما يفعل؛ فأخبرني أن المدرسة كلفته بعمل بحث عن الحضارة المصرية؛ التي هي أول ما يدرسه أطفال المدارس البريطانية في مادة تاريخ العالم. ولا أنكر أنني شعرت بما يشبه الحسد. وتمنيت لو وجد أطفالنا من يدلهم على هذه الكنوز التي بين ظهرانينا، ويشرح لهم كيف كانت روح مصر القديمة ملهمة لأبنائها؛ وكيف فاض هذا الإلهام فلسفة وعلما وثقافة وفنا وعمارة وطبا و... و..و....
تمنيت ساعتها لو كان هذا التاريخ مقررا على تلاميذ المدارس في جميع سنوات التعليم الابتدائي في بلدي؛ بأسلوب سلس ممتع يغوص في بحار الماضي السحيق، ليخرج لنا أثمن مكنوناته بنعومة، ودون إثارة لضجر كالذي تسببه كتب التاريخ المدرسية الجافة .. أسلوب يشد التلميذ لمواصلة القراءة، ويدفعه دون افتعال إلى المقارنة بين ما كان وما آل إليه الحال..فأين من علموا الدنيا الفلسفة والعلوم، من أحفاد كادت عوامل كثيرة أن تنجح في إبعادهم عن التفكير الجاد والبحث العلمي، ودفعهم إلى الانشغال بالتوافه من الأمور وصرف طاقاتهم العصبية والبدنية فيها؟.. وأين من اخترعوا التقويم السنوي وحسبوا مواقيت السنين والمواسم والشهور بدقة فائقة؛ من أحفاد باتت سمعتهم في الاستهانة بالوقت وتضييعه تسبقهم أينما يذهبون؟.. وأين "الفلاح الفصيح" والعمال الذين نظموا أول إضراب حضاري عن العمل مسجل في التاريخ عام 1170 قبل الميلاد ـ استطاعوا بفضله الحصول على حقوقهم قبل أن يتشدق البعض من المحدثين بحقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي؛ بأكثر من ثلاثة آلاف عام.. أين هؤلاء من أحفاد بات يقال عنهم أنهم غير ناضجين سياسيا لممارسة حريات من هذا النوع؟.. وأين "بيشيشيت" المصرية؛ أول طبيبة عرفت في التاريخ المدون (في عصر الأسرة الخامسة 2498- ق.م2345).. من حفيدات صرن أداة يستخدمها الجميع لتحقيق أغراض في نفوس يعاقبة كثيرين: من دعاة انغلاق يظهرون رغبة في المحافظة عليها بحبس قدراتها وكفاءتها وحرمانها من ممارسة حقوقها كإنسان في مجتمع؛ إلى دعاة تحرر لا يملون من محاولاتهم تحويلها إلى سلعة تجلب أرباحا. بل أن الحلبة دخلها مستغلون آخرون لا يرون في المرأة حفيدة "بيشيشيت" سوى ورقة تستخدم للضغط على الحكومات من أجل تحقيق أغراض لا تمت لحقوق المرأة( المدعاة) بأدنى صلة..
لقد أكدت تجارب البشرية منذ فجر التاريخ أن أية قوى طمعت ـ يوما ما ـ في تحقيق السيادة على العالم، كانت تدرك أن تأمين هذه السيادة يستلزم بسط سيطرتها على هذه المنطقة من العالم، حتى قبل ظهور العروبة والديانات السماوية.. ولم تنجح أي قوة عظمى في بسط سيطرتها على هذه المنطقة ـ التي أصبح اسمها الآن المنطقة العربية ـ إلا في فترات ضعف الدولة المصرية وهبوط روحها. وما أن تستعيد مصر روحها القوية حتى تسارع بطرد المحتلين من أرضها، ومن بقية الأراضي المجاورة لها أيضا .. وشواهد التاريخ ماثلة على ذلك: منذ الهكسوس والفرس والرومان والمغول والصليبيين وحتى الاستعمار الحديث الذي بدأ أواخر القرن التاسع عشر.. وإلى ما شاء الله.. فهل آن الأوان أن تبعث روح مصر القديمة من جديد ؛ لتزيل الصدأ الذي ران على قلب مصر الجديدة؟ وهل تعود لتلهم ـ كما كانت دائما ـ أبناءها، وجيرانها، وبقية العالم قيم العلم والحق والعدل والخير والنماء؟ أعتقد أنه قد آن أوان بعث هذه الروح، والاعتصام بها، لرد جميل الأجداد، وتأمين مستقبل نستحقه ويستحق الأبناء والأحفاد.





#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة التي حيرتهم وحيروها معهم
- قبل فوات الأوان..علم الإدارة هو الحل
- الاستثمار في البشر..حل يحمي جميع الأطراف
- ديمقراطية مدفوعة الثمن مقدما
- الفيشاوي والحناوي.. أزمة مجتمع يفقأ عينيه بأصابعه
- نعم..هي مؤامرة
- لا للتمديد.. لا للتوريث .. و-لا- غائبة...
- -مصر واجعاني- ..حكومة سلطها الله على نفسها
- انتهى الدرس ياغبي
- فجر طفولته في وجوهنا أشلاء!!
- -عندما -نستوردنا
- ديمقراطية -هوم دليفري-
- العصيان المدني سلاح لايجب ابتذاله


المزيد.....




- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
- قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح ...
- خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا ...
- محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس ...
- بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
- يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا ...
- بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
- استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
- كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إكرام يوسف - إحياء روح مصر القديمة