أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - ديمقراطية مدفوعة الثمن مقدما















المزيد.....

ديمقراطية مدفوعة الثمن مقدما


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1210 - 2005 / 5 / 27 - 12:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لم تراودني أبدا أحلام ـ أو أوهام ـ حدوث تغيير حقيقي في مصر بمجرد تغيير أشخاص( رئيس الجمهورية ورجاله). فأنا ممن يؤمنون أن التغيير الفعلي لا بد وأن يكون جذريا بالإطاحة بالنظام القائم ككل..وهذا النوع من التغييرات لا يحدث إلا بفعل حركة شعبية قوية ومنظمة تطيح بكل عناصر الفساد والاستبداد، و ترسي طريق العدل والحرية والديمقراطية الحقيقي..وهو تغيير ـ بحكم بطبيعته ـ دونه نضال طويل يستلزم كثيرا من التضحيات والشهداء، ويحتاج نفسا طويلا، ومناضلين لديهم القدرة على العطاء والتضحية من أجل غد ربما لا يشهدونه في حياتهم وقد لا يشهده أبناؤهم الحاليون، لكن أحفادهم ـ بالتأكيد ـ سوف ينعمون به..
ومن هنا كان رفضي لكل محاولات إقناعنا بأن الديمقراطية يمكن أن تأتي إلينا بنظام توصيل الطلبات إلى المنازل ـ عبر دعم أمريكي.. كما لم تراودني أبدا أوهام، يحاول البعض ترويجها حول إمكانية أن تستغني الولايات المتحدة عن عملاء ينفذون مخططاتها بكل خضوع، وتقبل ـ بكل أريحية ـ تولي حكام وطنيين يرفضون التبعية لإرادتها ويسعون للحفاظ على سيادة بلادهم وحماية ثرواتها من نهب الاحتكارات الرأسمالية الغربية وفي الصدارة منها الأمريكية.. ورغم ذلك، رحبت بالقرار الذي أصدره مبارك ـ منفردا ـ بتعديل نظام انتخاب رئيس الجمهورية.. بالرغم من إدراكي أن هذا القرار لم يكن مقصودا به بالطبع أن يتيح اختيار رئيس جمهورية آخر غير مبارك نفسه أو ابنه أو أي شخص آخر تفرضه حكومتنا الفعلية في واشنطن..ومنبع هذا الترحيب هو إعلان الحاكم بنفسه عن مشروعية الاختيار بين أكثر من مرشح لحكم مصر التي عاش أغلب البسطاء من ابنائها منذ سبعة آلاف عام في ظل ثقافة لا تتخيل إمكانية أن يكون هناك من ينافس الحاكم على عرش البلاد..وتوقعت أن تفتح هذه المبادرة ـ رغما عن أنف من أطلقها ـ طاقة نور في ذهن بسطاء المصريين لتدخلها خبرة معرفية جديدة، مفادها انتهاء فكرة هذا الحاكم الوالد، الحكيم، العليم ، الذي يفهم مصلحتنا أكثر منا جميعا، وما علينا سوى أن ننصاع لكل ما يراه لنا فهو الخير وما عداه باطل.. وأن مجرد التفكير في انتقاد رأي للحاكم يخرج صاحب هذا التفكير من خانة الوطنيين ويصمه بالعمالة، وربما يخرجه أيضا من باب الدين ويدخله في خانة الخوارج أو الكفار الذي يعصون "أولي الأمر منكم".. كما أن مجرد التفكير في احتمال غيابه عن الساحة يثير إحساسا بالضياع واليتم، باعتبار أن البلاد لا يمكنها أن تنجب من يسد الفراغ الذي سيخلفه وراءه... وعلى هذه الخبرة المعرفية الجديدة على أذهان البسطاء" وتراكمها، راهنت وأراهن..
ولاشك أن هذا التعديل المرتقب سيكتب في التاريخ مرتبطا باسم مبارك ـ شئنا أم أبينا ـ فللمرة الأولى يعلن هذا الموقف حاكم مصري!، بصرف النظر عن دوافعه .. لكنه في الواقع، وللتاريخ، هو الذي أعلنها ونطقها بلسانه.. غير أن التاريخ أيضا لن ينسى أن يذكر أن هذا التعديل لم يكن منحة وليدة اللحظة ، وإنما كان ثمرة نضال وكفاح وتضحيات المصريين عبر العصور.. فقد عاش أبناء جيلي زمنا كان آباؤنا ونحن أطفال لا يجرؤون على ذكر اسم الحاكم دون أن يتلفتوا حولهم .. ولم يبدأ المصريون في انتقاد حاكمهم علنا إلا بعد نكسة 1967 . وكم دفع شرفاء ثمن هذا الانتقاد من حريتهم وأرزاقهم، بل ومن حياتهم. وعاد المصريون إلى صبرهم المعهود بعد تولي السادات حكم مصر، ترقبا لما ستسفر عنه الأحداث ، ولكن الجرح الوطني ظل يلهب الوجدان، رغم أنه كان سببا في تردد البعض في المطالبة بالحريات خشية أن يؤثر هذا على الاستعداد للمعركة، فما أن استشعر المصريون تلكؤا حتى عاودوا الانتفاض في 1972 مطالبين بمعركة تحرير (ودفع كثيرون أيضا ثمن هذه المطالبة)، لكن مطالب الديمقراطية ظلت أيضا في آخر القائمة.. وعاود المصريون الانتفاض في يناير 1977 في هبة مثلت نقطة تحول في وعي الشعب والحاكم معا، لكنها كانت انتفاضة الجياع في وجه معطيات مجتمع بدت صورته ترسم استقطابا اجتماعيا حادا ، بانت منه الفجوة واضحة بين طبقة صاعدة يملك أبناؤها كل شيء ويعيشون حياة الترف والبذخ من ناتج أنشطة سميت وقتها "طفيلية" أو "مشبوهة" وبين من لا يملكون قوت يومهم..
بيد أن المطالب الديمقراطية كانت قد بدأت تظهر على استحياء، وظلت من وقتها تنمو، وتنمو تدريجيا بعدما تربى في وعي الناس خبرة تراكمية ربطت بين "الحرية والرغيف"، فتعالى شعار "الحرية و الرغيف هما مطلب كل شريف"..وهو شعار سمعناه للمرة الأولى ـ ربما ـ في مظاهرات نوفمبر من عام 1976.. ومع ذلك ورغم كل هذه النضالات، ظل بسطاء يرددون رغم قسوة حياتهم "احنا حنفهم أكتر من الحكومة؟".. "كتر خير الريس حيعمل ايه واللا ايه؟"..وحتى عندما تتفاقم مظاهر الفساد والاستبداد في المجتمع وتصل رائحتها إلى حد يزكم النفوس، كان الأسهل دائما على البسطاء أن ينسبوا كل مفاسد الحكم إلى حاشية الرئيس وبطانته، ويأملون منه أن يغير هذه البطانة التي لا تقول له الحقيقة وتحول بينه وبين معرفة المظالم..كما لو أن شيئا ما داخل قلوب المصريين الفقراء يرفض أن يكون رأس الحكم جانيا يستوجب الخروج عليه
ما أريد أن أؤكد عليه أن هذا التعديل لم يكن وليد لحظة، وليس بالتأكيد هبة، وإنما هو حق مدفوع الثمن مقدما على مر عشرات العقود.. كما أنه ليس بداية، ولن يكون أيضا نهاية، فالتاريخ لن يعود للوراء.. وحتى لو كان البعض يعتقدون (أملا أو خشية) أنه يمكن لضوابط ما أو قيود معينة أن تفرغ مثل هذا التعديل من محتواه الحقيقي، فهذا لن يكون أبدا، لأن المصريين لن يسمحون.. ربما تحدث عثرات على الطريق ، وربما أيضا انتكاسات.. لكن طاقة النور التي انفتحت في وعي المصريين الجمعي لن يمكن غلقها مرة أخرى.. وستتوالى بالتأكيد المكاسب، من تحديد لفترة ولاية الرئيس، إلى تصحيح لمفهوم المواطنة، إلى تحسين لوضع المرأة، إلى تعديل لجميع الأوضاع المغلوطة في حياة المصريين.. و "الحبل على الجرار " مثلما يقول اخوتنا الشوام
ومن الواضح أن "من يهمهم الأمر" في البيت البيض‘ لن يقبلوا بكل سهولة الانتظار ريثما يحدث هذا التراكم في الوعي الجمعي المصري الذي ينذر بحدوث تغيير حقيقي في نظام الحكم بمصر، وسيحاولون بكل طاقتهم الالتفاف على حركة الجماهير المصرية قبل أن تنجح في رص صفوفها وتنظيم نفسها على نحو يتيح لها النصر..فخرج علينا منظروها بنظرية "الفوضى البناءة" التي تسمح لعملائهم بالعبث في الساحة المصرية على نحو يأملون أن يعيق حركة التاريخ الحتمية التي تؤكد بكل بساطة أنه في النهاية "لا يصح إلا الصحيح" واستحالة أن تنتصر كل مؤامرات الدنيا في وجه إرادة الشعوب..
ولا أعلم لماذا تصر نفسي الأمارة بالسوء على تذكيري في كل مرة بصحة نظرية المؤامرة.. وإذا كانت البينة على من ادعى، فالبينات صارت كثيرة على وجود مؤامرة فعلا تهدف لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية. وفي الحقيقة فإن أصحاب هذه المؤامرة لم يكذبوا بشأن نواياهم وأعلنوها صريحة أكثر من مرة. هم قالوها: لن تكون هويتك بعد الآن "عربيا" وإنما "شرق أوسطي".. بما يستلزمه ذلك من إعادة لمكونات الشخصية، وتغييرا في الثقافة والهوى.. وشكل الحكم بالطبع، وانتماءاته.. لكن بعض قومنا لا يريدون أن يتعظوا من رأس الذئب الطائر.. صار علي الآن أن أطالب من يرفضون وجود مؤامرة أن يقدموا دلائلهم.
فلماذا الآن؟؟ وفي هذا التوقيت بالذات.. تظهر في مصر عمليات الإرهاب، والفتن الطائفية..بعد أن اشتد زخم حركة التغيير في الشارع المصري إلى الحد الذي دفع الحكم إلى إظهار تنازل ما..لماذا الآن وحركة المجتمع المصري باتت أقرب إلى تحقيق تغيير ما، ربما يكون في صالح الجماهير؟؟ تتردد في ذهني مقولة قالها أحد كبار حيتان الاقتصاد الاندونيسي، أثر سقوط "سوهارتو" بعد احتدام الثورة ضد "سوهارتو" وتخلي الولايات المتحدة عنه وهي التي كانت تسانده ضد شعبه لمدة 33 عاما.. قال هذا الاقتصادي الإندونيسي وثيق الصلة بالدوائر الأمريكية "كان لابد أن نحدث تغييرا من أعلى حتى لا يحدث تغيير من أسفل".. هكذا إذن؟ هي حركة استباقية للالتفاف حول إمكانية حدوث تغيير من أسفل ، ربما يجيء بحكم ديمقراطي حقيقي ، يكون ولاؤه لإندونيسيا وعمله خالصا لمصلحة الشعب الإندونيسي وليس تابعا لقوى خارجية يعمل لمصلحتها.
لاشك أن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، بعد أن نالها ما نالها في المستنقع العراقي لن تجرؤ على أن تكرر التجربة ـ عسكريا ـ في بلدان أخرى، لكن البدائل مازالت موجودة، فلن تعدم عناصر سيناريو العراق مع بعض تعديلات يحذف بموجبها التدخل العسكري المباشر.. فهناك معارضون في الخارج ـكما في حالة العراق ـ ورغم أن بعضهم أصبح ورقة محروقة لا يصلح استخدامها الآن إلا أن البعض الآخر مازال وجها جديدا يمكن استخدامه.. وهناك ورقة الديمقراطية ـ كلمة الحق التي يراد بها باطل ـ ومازال يمكن استخدامها للتأليب ضد أي نظام عربي ( وأمامكم الخريطة لاختيار ما يعن لكم ). ونسي كثيرون من بيننا ، للأسف، أن الديمقراطية حق مدفوع الثمن مقدما، تدفعه الشعوب من تضحيات أبنائها عبر القرون، ومقاومتها لكل من يريد تكبيل إرادتها ؛ أجنبيا كان أم محليا. وأن من حق هؤلاء الذين دفعوا الثمن أن يحصلوا على ما اشتروه بأغلى الأثمان.. ولا يصح أبدا أن يأتي آخرون لم يدفعوا أي ثمن لركوب الموجة وقطف ثمار لم يبذلوا جهدا في زراعتها.
أخشى أن يكون أحداث التفجير في الأزهر والتحرير والسيدة عائشة، بداية لحوادث أخرى ـ ربما يكون من بينها إثارة فتنة طائفية ـ تهدف للتعجيل باضطراب الأوضاع، إلى الحد الذي يستدعي تدخلا ما، بشكل ما، لإحداث تغيير ما.. لن يكون في صالح الشعب المصري، ولن يكون في صالح الديمقراطية التي ينشدها: ديمقراطية الحكم المستقل الذي جاء على أكتاف الجماهير وليس على دبابة أجنبية، أو فضائية أجنبية، أو تمويل أجنبي.. حكم يكون ولاؤه للداخل لأنه ليس مدينا بوجوده للخارج، وليس مضطرا لدفع فاتورة هذا الوجود إلا لأبناء بلده.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيشاوي والحناوي.. أزمة مجتمع يفقأ عينيه بأصابعه
- نعم..هي مؤامرة
- لا للتمديد.. لا للتوريث .. و-لا- غائبة...
- -مصر واجعاني- ..حكومة سلطها الله على نفسها
- انتهى الدرس ياغبي
- فجر طفولته في وجوهنا أشلاء!!
- -عندما -نستوردنا
- ديمقراطية -هوم دليفري-
- العصيان المدني سلاح لايجب ابتذاله


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - ديمقراطية مدفوعة الثمن مقدما