أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الموجات الثلاث، نصف البحر وحبيبتي















المزيد.....

الموجات الثلاث، نصف البحر وحبيبتي


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4686 - 2015 / 1 / 9 - 10:45
المحور: الادب والفن
    


الموجات الثلاث، نصف البحر وحبيبتي

نبيل عودة
وصلت قبل أيام ، كنت في رحلة إلى بحر هائج . أضعت هناك ثلاث موجات ، وعندما وصلت ميناء النهار اكتشفت اني أضعت أيضا نصف البحر وحبيبتي التي كانت تحتضنني بين وديانها وجبالها .. آه من ألمي . حملتني الريح بعيدا عنها.. وها أنا أبحث عنها حتى اليوم.
عانقت الرياح بشدة .. نقلتني إلى عالم توهمت انه معتوق. أسرعت أبحث عن أحبائي، فوجدتهم يضمدون جراحهم وأطفالهم يلعبون بآلات الموت.
ارتفع صوت الكاهن: قام أيوب ومزق جبته وجز شعر رأسه وخر على الأرض ساجدا.
قال أيوب: عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى هناك، الرب أعطى والرب أخذ، فليكن اسم الرب مباركا."
وقتلت فلسطين!!
حرت في أمري، اضحك أم ابكي..؟! لكن حيرتي لم تطل!!
قالت لي عجوز مقعدة:
- كم هو أخلاقي وإنساني ان تعطي ابتسامتك لمن فقد القدرة على الابتسام...
- لكنهم أعداءنا يا جدتي..؟
- ابتسامتك ستغير ما نشئوا عليه
- المسيح أعطى خده الأيسر بعد الأيمن، فصُلب؟
- لكنه كسب العالم كله.
- أراك تبتسمين وآلامك تبكي الحجر. ألا تعرفين البكاء ؟
- فقدت أربعة، ولا أريد أن أنزل القبر قبل أن أزغرد لاستشهاد الخامس..
- ومتى تبكين؟
- يا بني، نحن نبكي حين نلد.. لأننا نخاف أن يحمل ولدنا العار لأرحامنا. أما حين يستشهد ، فنزغرد فرحين لطهارة ما بذرنا...
- هل هي "متسادا" جديدة؟(2)
لم تفهم معنى سؤالي. واصلت تقول:
- بذورنا هي الشيء الوحيد الأكيد في عالم العروبة...
ازدادت حيرتي .. وكلما ازدادت حيرتي التبست علي طريقي، كنت مشتت الفكر مثقل الرأس. قالت أمام حيرتي:
- لن تفهمني إذا لم تكن فلسطينيا!!
استيقظت متعبا من النوم .. بحث عن العجوز فلم أجد إلا الليل والصمت ...
*****
احترت وحيرت. طفت الأصقاع وأنا أرنو نحو ضوء القمر الذي بدا يتلاشى. تهت في أفكاري وتخيلاتي. كان الألم ينهش كبدي، والتيه يمزقني. التقيت بتائه مثلي:
- إلى أين؟
- إلى هناك...
- أين هناك؟
- حيث كلهم ...
- لا أفهمك.. أنا تائه .. فهل تعرف الطريق؟
- أعرفها وتعرفني.. مرات عديدة عبرت فوقها.. وما زلت اكررممتدة حتىإنها أمامنا ممتدة حتى ما بعد الأفق.. قد تقصر .. لكنها طريق عربية لذا لا تقصر، بل تطول..وتطول..
- هل ستبقى ماشيا؟
- لا أدري.
- هل لها نهاية؟
- من يعلم؟
- حيرتني
- كنت مثلك لكني فقدت حيرتي أيضا.
- تمشي ولا ترى نهاية للطريق؟
- أراها بوضوح من زاويتي المعتمة؟
- - ماذا ترى؟
- استمرار الضياع!!
******
ركعت ركعتين وما صليت.
تمردت وقذفت صليبي
ركضت نحو الأشياء..
غافلت الريح..
وقفت فوق التلال..
صرخت، صمت، تأوهت..
جذبتني الوديان..
قطفت أجمل الورود البرية وبعثرتها فوق وجهي
خاطبت الجماد..
صحت في الفراغ..
أصبت بغيبوبة فوق بساط أخضر من الحشائش
تنشقته، تنشقته وتنشقته..
تهت في تعقيدات فكرية..
حاولت ان افهم متى يبدأ التاريخ؟
متى استطيع ان اعرف طريقي؟
تهت في خضم عجيب من الاصطلاحات حتى سرقني الوقت.
أسرعت عائدا قبل حلول الظلام.
استيقظت قبل الفجر مرة أخرى...
******
فقدت ذاكرتي. اكتشفت ذلك بالصدفة. أنا لا اعرف من أنا. هكذا فجأة بلا مقدمات.لا اعرف إن كنت أحلم. أحاول تذكر اسمي. تخذلني ذاكرتي. أحاول ان احدد بدايات لأشياء حولي، تختفي كأنها لم تكن. أنشط لمعرفة صور أشخاص ملامحهم تداعب ذهني... تختلط على الصورة.
أغوص في مخيلتي واستحثها ان تنشط. أغوص وأغوص.. أنسى إلى أين أغوص. لماذا أغوص؟ أحدق حولي دون أن أفهم أو استوعب ما أرى.. من أنا ؟ ماذا أفعل هنا؟ أحاول النوم . فيجذبني صمت عجيب!!
*****
قال زميل لي :
- تحيرني معادلات التاريخ بدقتها وشموليتها. هل تعرف ان دراسة التاريخ تعطي الإنسان أفقا واسعا وقوة نفسية جبارة؟
- الوقت غير مناسب للفلسفة.
- إذن عد للنوم.
فجأة شعرت بالألم. الصور المائعة عادت تداعب ذهني.. بدأت أفقد صلتي بالأشياء من جديد... تملكني شعور مبهم عن عالم مأساوي بأحداثه.أحسه ولا أراه. أخوض فيه ولا اكتشف مكنوناته. أتنشقه وأعجز عن معرفته.
بين الفينة والأخرى يعاودني الذهول. أحاول ان أجد الروابط.. أضيع ورائها. التقي كثيرين اعرفهم.. وكثيرين لا اعرفهم. أحاورهم بصمت ثقيل. انتهي إلى ركن مظلم... فأعود من حيث بدأت.
هربت لآفاق جديدة. رأيت طلوع الشمس واحمرار الشفق عند المغيب. في الليل القوا القبض علي. اقفلوا علي في زنزانة وقالوا إني سافل!!
******
سأتقدم حاملا لحدي بيد
وباليد الأخرى ثورتي
فعانقيني إذا شئت
يا أغلى من روحي عندي.
******
فتحت عيني ... فوجئت.
بدأت أستعيد وعيي أو بعض منه..ما جرى بات أكثر وضوحا. الآن ترتبط الأحداث بذهني. أين كنت غائبا؟
يطلبونني للخروج. هل هو تحقيق جديد؟
لم يكسرني عنفهم ولن يكسرني. علي أن أظل هادئا... متيقظا..
سأقوم الآن وأتحرك للخروج...
******
التقيته دامي الوجه.. ارتمى فوق صدري، ودس ليدي قصاصات صغيرة من الورق. أسرع الشرطي يفصل ما بيننا.
خبأت قصاصات الورق في جيب بنطالي. شعرت بها كنزا غير عادي..
التحقيق يكرر نفسه.. ملوني أو مللتهم..غضبوا لأني أفشلت جهودهم في إيجاد أدلة كافية باني سافل!!
أطلق سراحي!!
هذا مجمل ما استطعت قراءته على قصاصات ورق من علب السجائر. التي وصلتني من معتقل لا اعرفه.
بعض الكلمات لم تكن واضحة ناسبت كلمات مكانها، حافظت على المضمون، ماذا أفعل بها؟
صاحبها يطلب إنقاذه من موت مؤكد..يروي رحلة تعذيب طويلة ليقر بما لم يفعل. يصر على رفض الاعتراف بما لا علاقة له به.
احترت فيما اعمل مع قصاصات الورق.. لمن أسلمها ولا اسم فيها؟
وقعت عيني على صحف في صباح أحد الأيام .. عناوين مزعجة.. لكن عنوانا صغيرا جعلني أتجمد بذهول:
"العثور على جثة شاب مليئة بالكدمات "
الصورة في الجريدة لم تفارق ذهني، منذ حضنني ليدس قصاصات الورق في يدي..
سالت نفسي: ما هي الإنسانية ؟
يبدوان صوتي كان مرتفعا ، فجاءني جواب من أصوات كثيرة:
"الإنسانية ؟
ليست ان يبصق صدرك دما من طلقة مدفع في يد عدو.
الإنسانية؟
ان تزغرد رصاصاتك فرحا بالنصر !!"

[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافتنا الغائبة او مثقفنا الغائب؟!
- فلسفة مبسطة: وحدة وصراع الأضداد
- فلسفة مبسطة: الديالكتيك
- فلسفة مبسطة:نظرية المعرفة
- انتخابات: من يقرر مصير الجماهير العربية؟!
- الإختبار ..!
- يوميات نصراوي: حكايتي مع الفلسفة
- حتى ابن الله ...!!
- الحاجز
- يوميات نصراوي: أوراق قديمة لسالم جبران
- بدأ الشوط الأول من لعبة الانتخابات
- ملاحظات فكرية للحوار: لماذا نهتم بمستقبل اليسار؟
- يوميات نصراوي: personae non gratae
- يوميات نصراوي: لذكرى أمي...
- هل تفقد اللغة العربية مكانتها في اسرائيل؟
- سياسة التوحد البيبية
- دراستان علميتان رصينتان حول اليهودية والتلمود
- بروفسور سليمان جبران في حوار ثقافي شامل
- يوميات نصراوي: وطنيون بالمراسلة!!
- معضلة العالم العربي


المزيد.....




- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...
- طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب ...
- يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للف ...
- في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في ...
- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - الموجات الثلاث، نصف البحر وحبيبتي