أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عماد ديفيد














المزيد.....

عماد ديفيد


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


خِلسةَ المُختلِس

"كان عليكَ أن تُخبرني أنكَ تكذبْ/ وكان عليَّ ألا أصدّقك/ كان عليّ ألا أرتّب مواعيدي وفقَ جدولِ زيارتك لمصر/ وألا أطلبَ من الطاهي أن يعدَّ لك الطعامَ المصريَّ الذي نسيتَه في غُربتِك/ وألا أخبرَ الأصدقاءَ أن يزيّنوا شجراتِهم بهدايا بابا نويل ليُمطروكَ بها في يناير/ وألا أسألَ الشمسَ أن تدّخرَ أشعتَها من أجلِكَ/ لتعرفَ أن شمسَ مصر أجملُ من شمسِ نيوچيرسي/ كان عليّ أن أُدركَ أنك قاسٍ/ وأنك أخفيتَ عنّا جميعًا_ نحن أصدقاءك_ أن قلبَك واهنٌ تُرهقُه تلك الضحكاتُ التي تمطرُنا بها كلما أردتَ مواساتَنا/ وأن مصرَ أبدًا لن تراكَ/ وأنَّ أخرَ مهاتفاتِك لي سبقت طيرانَك للسماء/ بساعات قليلة.”
***
عمـاد ديڤ-;---;--يد


يأبى هذا العجوزُ أن يتوكأ على عصاه ويمضي قبل أن يُفرغَ في سِلالِنا آخرَ ثمارِه الفجّة، ويصبَّ في كؤوسنِا آخرَ ما تبقّى من قطراتِ كأسِه الُّمرّة القاسية.
وقف العامُ المُحتضَرُ على الربوة عند النهر ممسكًا لحيته السوداء وقال: “أيها السيداتُ والسادة، سأمضي إلى حيث تمضي السنون والعقودُ والقرونُ والدهورُ، ولا تعود. سوف ترتاحون مني بعدما أدخلُ الكهفَ الحجري وأبحثَ عن متكأ في ركن معتم لا تدخله الشمسُ ولا تصلُ جنباتِه نغماتُ قيثارة تشايكوڤ-;---;--سكي التي تتواثب تحت قدمي الكهل الروسيّ الذي ظلَّ ليلةَ الأمس ساهرًا يحكي للنزلاء كيف أقنع البجعاتِ أن يرقصن على نغمات الڤ-;---;--يولين. لكنكم لن تنسوني أبدًا. أعدُكم.
قبل أن أتحولَ في دفاتركم إلى سطرٍ من سطورِ ماضيكم وحاضرِكم وغَدكم، أرجو أن تساعدوني على الرحيل في هدوء ودون جلبة. أمامكم ابني ، العامُ المقبل، الذي يوشكُ يخلفُني ويتهيأ منذ الآن لحمل عصاي من بعدي، فاسطروا في صفحاته البيضاء غضبَكم مني، وعلى مسامعه اطلقوا لعناتكم لشخصي وأيامي؛ رغم أنكم مأمورون بألا تسبّوا الدهرَ! لكنْ، قلّما تطيعون كتبَكم وتتبعون أسفارَكم! قولوا، كعادتكم، إنني أسوأ ما مرَّ بروزنامتكم من أعوام وأبشعُ ما صادفَ التاريخُ من سنين! وسوف يضحك التاريخُ من قلّة حكمتكم، لأنكم تشبهون أسلافَكم الذين قالوا العبارةَ ذاتَها على كلٍّ عجوز فانٍ مثلي، وسوف يردّدُها أحفادُكم من بعدكم على كلِّ عام جديد يَخلِفُني! لم يعد لصرخاتِكم صدًى في قلب التاريخ الجامد، ولا عاد لأنينكم الحزين وقعٌ في آذانه. سأكمل مهمتي بهدوء وبقلب بارد، ولا أبالي بصخبكم ولا صُراخكم.
أودُّ أن أخبركم بأنه تبقى في قائمتي عدةُ رؤوس لابد أن أقطفُها في مِخلاتي قبل أن أمضي وأترككم دون عودة، لأكملَ زينة شجرتي التي بذرتُها ورويتُها وراعيتُها منذ شهور حتى أورقتْ واستطالتْ وحجبت الشمسَ عن عيونكم المُجهدة بالدموع، وبثّت الحزنَ في قلوبكم التي كسرها الفقدُ والثكلُ واليتمُ والترمّل.
هذا الشابُّ الطيب الذي ملأ الدنيا صدحًا وضحكًا وساعد الفقيرَ وعاد المريضَ وحنا على العجائز؛ يلزمُني. سأقطف زهرةَ عمره قبل أوانِها، ثم أمضي إلى حال سبيلي. لن تعرفوا أبدًا أن قلبَه الواهنَ كان مسكونًا بالدُّعامات والصمامات الصناعية، إلا بعدما يرقدُ في تابوتِ الغربة الخشبيّ، وتلقون عليه نظرةَ الوداع الأخيرة، ثم يحمله الرفاقُ إلى مثواه الأخير. وقتها فقط، ستعرفون أنه أحبَّكم فلم يشأ أن تحملوا معه آلامَه فحملها وحده كما حمل آلامَكم. حين أمضي به وينفضُّ الُمشيّعون في ملابس الحداد، ستلمحون طفلتين صغيرتين كزهرتين مشرقتين، تتعلّقان بثوبِ أمِّهما الحزينة، قدموا لهما الشيكولاته وامطروهما بالهدايا فهما آخرُ ما تبقى من ضحكاتِه في الدنيا. وعند ناصية الضريح، سترمقون سيدةً جالسةً تبكي في صمت. هي الثكلى التي فقدت ولدَها دون أن تدري سببًا لغربته عن وطنه. جفِّفوا دمعَها وطوّبوها لأنها أنجبتْ هذا الابنَ الطيب الذي أحبكم.
شجرتي أوشكتْ على التزيّن بأحزانِكم ودموعكم وجثامين أحبتكم. لكنْ في آخر أيامي سيهبطُ عليكم من مداخن البيوت عجوزٌ في حُلّةٍ حمراء زاهية، يحملُ مخلاةً بيضاءَ بلون الثلج، لا تشبه مِخلاتي السوداء. مِخلاتُه مليئةٌ بالهدايا ينثرُها لتزيّنوا بها شجرةَ سَروٍ خضراءَ يزوروها أطفالُ الحيّ الفقراءُ؛ لينهلوا من عطايا السماء.
علّ في هدايا ذلك العجوز القادم بالفرح، ما يواسي قلوبَكم التي سرقتُ منها الفرح.”


***
* مرثية في صديق طيب | فاطمة ناعوت



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صالون حجازي
- خبر مدهش: عودة الصالونات الثقافية
- حذارِ أن تصادق شربل بعيني
- يا معشر الثيران
- حكاية الآنسة: ربعاوية وبس!
- ناعوت ل«الوطن»بعد إحالتها للجنايات:لا توجد دولة تحاكم شخصا ع ...
- ناعوت تدفع ضريبة التنوير ومناهضتها الإخوان
- جِنيّةُ الشجر
- صباح الخير يا تونس
- الأسطى داعش يسكن سيدني
- مبارك في محكمة -ماعت-
- لقاء الرئيس السيسي بالأدباء والمثقفين
- ماذا ينقص ثورتنا؟
- كوني زوجة عظيمة لرجل عظيم
- البودي جارد
- عودة الرقيق الأبيض على يد داعش
- لغة السلف
- أنا الجبرانية الجميلة
- الإخوان ظاهرة صوتية
- كأننا نتعلّم (4) رفاهية الرسوب


المزيد.....




- -الهجوم الإيراني على قاعدة العُديد مسرحية استعراضية- - مقال ...
- ميادة الحناوي وأصالة في مهرجان -جرش للثقافة والفنون-.. الإعل ...
- صدر حديثا : كتاب إبداعات منداوية 13
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...
- ميسلون فاخر.. روائية عراقية تُنقّب عن الهوية في عوالم الغربة ...
- مركز الاتصال الحكومي: وزارة الثقافة تُعزّز الهوية الوطنية وت ...
- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عماد ديفيد