أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - غوايات شيطانية. سهرة مع ابليس. ملحمة نثرية شعرية غنائية . النص الكامل .















المزيد.....



غوايات شيطانية. سهرة مع ابليس. ملحمة نثرية شعرية غنائية . النص الكامل .


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 4663 - 2014 / 12 / 15 - 10:47
المحور: الادب والفن
    







محمود شاهين

غوايات شيطانية
" سهرة مع إبليس "
ملحمة روائية - شعرّية - غنائيّة













تنويه
الأحداث السماوية في هذه الملحمة تدور خلال بضع ثوان من زمن
السماء الذي يعادل اليوم الواحد منه ألف عام من زمن الأرض.
***

ترجمت هذه الملحمة إلى اللغة الألمانية وصدرت عن دار "زنّوبيا"
في ألمانيا أواخر عام 1999 قبل أن تصدر باللغة العربيّة.ثم صدرت طبعتها
الأولى عن دار نينوى في دمشق 2009.











إهداء
إلى روح سيد شهداء الصّوفيّة:
الشيخ "الحسين بن منصور الحلاج"
وإلى أرواح المتصوفة وشهداء المعرفة والمحبّة أجمعين.
وإلى روح النبي وجمال روح النبي
وإلى روح إلهي الحبيب، وكمال روح إلهي، الذي لولاه لما كنتُ،
ولما كانت هذه الصور، ولما كان الكلام الجميل، ولما كان هذا الكلام.
محمود شاهين
30/3/1995


فاتحة:
جئت بما لن تعبّر عنه الألوان
ولن يعبّر عنه هذا الحالــم!!
ولن يعبّر عنه الشــــيطان
ولن يعبّر عنه النثَّـــــر
ولن يعبّر عنه الشِّعــــر
ولن تعبّر عنه الأغانــــي
ولن تعبّر عنه بحورُ الكـــلام
ولن تعبّر عنه الألحـــــان
جئت بما لن يعبّر عنــــه إلا
الله
جل جلاله الســــامـــي
ومع ذلـــــك حاولـــت
مستعيناً بــــه
فهو وحده الـــقـــادر
المعين الملهـــم
المرشـــد
المتســـامي.
م.ش



[1] الشيطان يصحب الأديب إلى مملكته السماوية
حين أخذ العد التنازلي نحو الساعة الأخيرة من عام 1994 يتناقص بوتيرة قاتلة دون أن أتلقى دعوة من أي كائن لحضور حفلة ما لرأس السنة، أدركت أنني سأسهر الليلة وحدي، فما أملكه من نقود، لا يكفي لشيء حتى لمتطلبات انتحار يليق بأديب مثلي! ومع ذلك لم أقطع الأمل تماماً، إذ ثمة مئات (الأصدقاء) المدينين لي بالنقود والموائد والحفلات، ولا بد أن يتصل أحدهم إذا ما تذكرني! وعبثاً رحت أنتظر هذا الهاتف اللعين أن يرن ولو لقطع الصمت..
حين تجاوزت السّاعة العاشرة بقليل، يئست تماماً وقررت أن أنسى رأس السنة. ونظراً لأنني لم أكن قادراً على الكتابة فقد أخذت من المكتبة كتاباً عن الجن واستلقيت في السرير وشرعت في القراءة.
لم أقرأ كثيراً حين تنبهت لشخص يشبهني تماماً يقف إلى جانب السرير وينظر إلي! أبعدت الكتاب من أمام وجهي ونظرت إليه بريبة. لم أعرف فيما إذا كنت أتخيل أم أحلم. وحين أدركت أنه يستحيل أن يتجسد مثيلي في الخيال أو في الحلم بهذه الصورة، رحت أفكر في أشياء أخرى مرضية، كأن يكون الشخص الواقف أمامي تجسيداً لأحد أشكال انفصام ما في شخصيّتي!! مع أنني لم أسمع عن شخص مصاب بانفصام ثنائي أو ثلاثي أو حتى خماسي يرى نفسه مجسداً في أشخاصٍ يشبهونه. قد يكونون في خياله ويتطبع بسلوكهم وأفكارهم. أما أن يراهم واقفين أمامه أو سائرين معه، فهذا ما لم أسمع به.
ما يدهشني أن هذا الرجل لم يتكلم حتى الآن وظل واقفاً كالصنم وهو يرسل نحوي نظرات ساكنة تماماً، غير أنهّا هادئة ومطمئنة ولا توحي إلا بالود. وكان طيف ابتسامة يرتسم على شفتيه وهذا ما شجعني لأن أهتف بهدوء:
- من أنت؟
ازدادت ابتسامته اتساعاً وهو يهتف بلطف!
- مساء الخير.
- مساء الخير.
- أنا إبليس أو الشيطان إن شئت!
نهضت لأجلس في السرير وأنا أحدق إليه بدهشة.
- أعتذر لأنني دخلت بيتك ووقفت أمامك دون استئذان
- لا عليك لكن لماذا تقمصت شكلي؟
- كي لا أخيفك.
- أشكرك! تفضل لنجلس في الصالون وأضيفك شيئاً مما هو متيسر!
- لا أشكرك! ستتفضل أنت معي. فقد قدمت لأدعوك لحفلة رأس السنة في قصري السماوي!
لم أصدق ما يجري، فهل يُعقل ألا أجد أحداً في دمشق كلها يدعوني إلى حفلة رأس السنة كي يأتي الشيطان ويدعوني إلى قصرٍ في السماء؟!.
ونظراً لأنني كنت متخوّفاً من غوايته كأن يجعلني أشرك بالله أو أكفر به وأغدو ملحداً، فقد قاومت ضعفي وهتفت بحماقة متناسياً مقدرة الشيطان على معرفة أحوال الناس:
- أشكرك، أفضل أن أبقى هذه الليلة وحدي!
ابتسم بلطف وهو يهزّ رأسه أعلى و أسفل:
- أعرف وضعك وأعرف ما تفكر فيه. أقسم لك أنني لن أقوم بغوايتك ولن أطلب منك أي شيء؟!.
- بمن تقسم لي؟
- بالله؟
-غريب أنت تقسم بالله؟
بمن سأقسم إذن؟
- لكن الله غاضب منك لأنك لم تسجد لآدم مع الملائكة!‍
- هو غاضب منّي أجل، أما أنا فلم أعد غاضباً منه، ولم أعد أُفسِد في الأرض، ولا أطمح إلاّ في رضاه وعفوه وصفحه!
- منذ متى توقفت عن الفساد؟
- منذ زمن طويل جداً!
- لماذا توقفت؟
- لأنّ الإنسان أفسدَ نفسهُ بنفسه. ولو أعرف أنّك ستصدِّقني، لقلتُ إنني لم أغضب من الله يوماً، ولم أُحاول أن أفسد أحداً، وبقيت مخلصاً لربيّ وخالقي وسأظل مخلصاً!
يا إلهي! وكيف سأصّدقك؟
- آمل أن ترافقني لبعض الوقت لعلك تصدقني!
وأطرقت للحظةٍ أُفكرّ "ربما - إذا كان صادقاً - ليس له غاية غير ذلك. لكن ما الذي سيتغيرّ إذا اقتنعت أنّه صادق فعلاً؟ فمشكلته لن يحلّها إلاّ الله، وأشكّ في أن يغيّر البشر نظرتهم إليه ما لم ينزل عليهم أمر إلهي يؤكدّ توبته أو براءته. أكيد ثمة غاية أخرى يهدف إليها ثمّ لماذا لم يختر مؤمناً اكثر منّي، كأن يختار شيخ الأزهر مثلاً، لماذا اختارني أنا بالذات"؟! وحين أدركت انه يعرف كل ما يدور في خلدي توقفت عن التفكير وهتفت:
- أنا موافق!
ابتسم بفرح شديد وراح يشكرني، ثم استأذنني ليعود إلى شكله الذي يفضل الظهور فيه دائماً، حتّى لا أظل أبدو وكأنني أحادث نفسي إذا ما ظلّ متقمصاً شكلي. واختفى للحظة ليظهر شاباً بزيّ ملائكيّ ابيض، أضفى عليه مهابة خلاّبة ووقاراً كبيراً، وقد توشّح بوشاح أخضر، كتب عليه بخط ذهبي جميل "لا إله إلا الله" كما تعصب من تحت الكوفيّة البيضاء التي كان يضعها على رأسه، بعصبة خضراء أيضاً، لم يبد منها إلا ما هو فوق جبينه وقد كتب عليها بخط ماسيّ متلألئ اسم الجلالة وحده "الله" وتزيّا بعباءة بيضاء منقطة بنقاط ذهبية، زيّنت أذيالها وحوافها وطوقها بشريط حريري أخضر أيضاً. وقد كتب على جانبيّ الطّوق بالخط الذّهبي اسم الجلالة إضافة إلى أسماء: إسرافيل. إبليس. ميكائيل. عزرائيل. جبريل. على التّوالي. تنبّهت إلى أن اسمه يرد بعد اسم إسرافيل، الذي كما هو معروف في الإسلام أمين اللّوح المحفوظ، و نافخ الأرواح في الأجساد، ومن سينفخ في الصور يوم القيامة، وهو كبير الملائكة.
وتنبّهت كذلك إلى أنّ اسم النّبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) لم يرد بين هذه الأسماء، وكذلك أسماء الأنبياء الآخرين، إلا إذا كانت ترد ضمن الخط الكوفي الذي كانَ يزيّن أذيال العباءة. ويبدو أنّه عرف في ماذا أفكّر، فقد قال:
- الأنبياء جاؤوا لبني آدم ولم يأتوا للملائكة، وهذا الكون مليء بالكواكب التي تعجُّ بالبشر الذين أُنزل عليهم ملايين الرُّسل والأنبياء، ولا يُعقل أن أطرّز عباءتي بأسمائهم، فهم أكثر من أن تتّسع لأسمائهم آلاف العباءات! وليس من اللائق أن أفضل نبياً على آخر!
لم أُعلّق ولو بكلمة على ما سمعت، غير أنني تساءلت:
- ألا تقول لي لماذا اخترتني أنا من بين المؤمنين لتدعوه إلى حفلة رأس السّنة مع أنّ إيماني متواضع كما تعلم؟!
فقال دون تردد:
- لأنّك أحد القلائل الذين يعرفون كم من إيمان عظيم ظاهره كفر، وكم من كُفر فظيع ظاهره إيمان !
ونظراً لأنني أدرِك أو أعتقد أنني أحد هؤلاء الكافرين في الظاهِر، المؤمنين في الباطن فقد تساءَلت على الفور:
- لكن ألا تقول لي كيف تقدر أن تعرف ما يدور في باطن إنسان مثلي؟
أدرك على الفور أنني تساءلت دون تفكير، وربّما بسذاجة مقصودة، فلم يجبني، وتابع ما يعرفه عنّي:
- ونظراً لأنّك أحد القلائل الذين يدركون ما معنى أن لا يجرّدني الله من قدراتي الخارقة رغم غضبه عليّ بعد رفضي السّجود لآدم، فقد جئت إليك!
نبّهني قوله إلى ما أدركته بوعيي مُنذ زمن طويل، ولا أعرف كيف أنساه حين الحاجة إليه.
سألته:
كم يبعد قصرك السَّماوي من هنا؟
أجاب ببساطة وكأننا سنسهر في بيروت:
- حوالي مائة مليون سنة ضوئيّة!
أطبقت بيديّ على رأسي وعدت لأجلس على السَّرير بعد أن نهضت.
هتف متسائلاً:
- ماذا جرى لك؟
- هل يُعقل لأي كائن مادي حتّى لو أُتيح له أن ينطلق بسرعة خياليّة تفوق آلاف آلاف أضعاف سرعة الضّوء، أن يقطع هذه المسافة في أقل من ساعة ونصف ليحتفل بقدوم السّنة الجديدة في قصرك السَّماوي؟!
ابتسم بسخرية أوحى لي خلالها أنّه اكتشف أنّ عقلي ما يزال قاصراً عن التّوغّل في المطلق واللانهائي، أو أنّه لم يقتنع بإمكانيّة هذا (الإيغال) وتوقّف عند حدٍ معيّن.
قال:
- ومن قال لك أنّك ستقطع هذه المسافة ككائن مادّي، بل من قال أنّك ستقطعها كمسافة داخل حدود الزّمان والمكان؟!!
- يا إلهي! ماذا تقصد بقولك هذا؟
- أقصُد أننا سنختفي خلال جزء من ستّين جُزء من الثانية ونظهر هُناك في اللحظة ذاتها!!
- نظهر هناك في قصرك على بُعد مائة مليون سنة ضوئيّة؟!
- في قصري، أو في مملكتي السَّماويّة!
- وخلال جزء من ستّين جزء من الثانية؟
- أجل!
- ما هذه القدرة الخارقة؟
- إنّها قدرة الله.
- وخلال لحظة اختفائنا هذه، هل نظل كائنين ماديين أم نصبح كائنين روحيين أم نصبح عدماً؟!
- هذا ما لا يعرفه إلا الله، و لا يعرف كيف يحدث إلاّ الله أيضاً!
- وأين نكون خلال لحظة الاختفاء؟
- نكون خارج حدود الزّمان وخارج حدود المكان!
- هل نكون في العدم؟
- ممكن!
لم أفكر في حياتي أن يحمل الشيطان هذا الفهم الموغِل في التصوّف للقدرة الإلهيّة، وكم حاولت في الماضي أن أقنع نفسي بما وصل إليه الفكر الصّوفي عند ابن عربي و الغزالي والشيخ عبد الكريم الجيلي دون جدوى، فقد كانَ من الصّعب عليّ أن أوحد بين الوجود والعَدَم وبين المادة والروح كما هما عند الجيلي وابن عربي، وظلَّ عقلي واقفاً أمام العدم الذي استحال وجوده عليّ، وبالتالي أنكرت ككل الماديين أن يكون الوجود قد جاء من العَدَم، وها أنا أواجه الحقيقة التي لا يمكن إنكارها.
سألت الشيطان:
- بما أنّك عشت لحظات الاختفاء هذه كثيراً، وهي جزء من حياتك اليوميّة، فهل يُمكنك أن تحس بوجودك خلال لحظة الاختفاء، بحيث يمكنك أن تعبّر عنه فيما بعد بالكلام؟!
- للأسف لا، فأنا لا أعرف ما أصير عليه خلال هذه اللحظة ولا أعرف كيف أصيرُ إليه ولا أحسُّ بما أصير عليه، ولهذا لا يمكنني أن أعبّر عمّا أصير إليه بالكلام أو أدركه بالحواس أو بالعقل!
- وهل يُمكن للملائكة والبشر أن يتوصّلوا إلى معرفة ذلك ذات يوم ويحلّوا رموزه؟!
- نعم حين يقترب البشر أكثر من الله، فقد يتوصّلون إلى معرفة الكثير من المعجزات.
- معرفة الله نفسه، بكُليّته، متى يمكن أن يتوصّلوا إليها؟
- حين يعرفون أنفسهم تمام المعرفة!
- ومتى سيعرفون أنفسهم…؟
- ذلك علمه عند الله.
- هل تعرف أنتَ نفسك؟
- لا!
- والملائكة؟
- والملائكة كذلك.
- ومن يعرف نفسه إذن؟
- الله وحده هو الذي يعرف نفسه بنفسه تمام المعرفة!!
- ماذا سنقول إذن عن المعرفة التي توصَّل إليها البشر عن أنفسهم وعن الله حتّى الآن؟!
- ليست أكثر مِنْ ذرّة صغيرة مِن التجلّي الظاهري للإله!
ويبدو أننا نسينا رأس السّنة، فقد راحت مئات الأسئلة تزدحم في مخيّلتي، ورغم أنّه ذكّرني بذلك مؤكّداً لي أننا سنتحدّث كثيراً في الأيام القادمة، إلا أنني طلبت إليه أن يجيبني على بعض الأسئلة قبل أن نختفي ونظهر.
قلت:
وماذا عن الاختفاء الذي تحسّون به وترون النّاس من خلاله دون أن يروكم أو تتسرّبون إلى دمائهم كما نسمع، دون أن يحسّوا بكم؟
- ثمّة مئات الأشكال للاختفاء المادّي والتشكّل في كائنات أُخرى، وهذه لا نفقد حواسنا وإدراكنا خلالها، وسأحدّثك عن ذلك فيما بعد.
- أرجوك، أريد أن تتحوّل للحظة إلى جُزيء الكتروني!
اختفى من أمامي على الفور. تساءَلت:
- أين أنت أيها الملِك؟
فأجابني:
- أنا على غلاف الكتاب الذي إلى جانبك!
أخذت الكتاب وحدّقت إلى الغلاف فلم أرَ شيئاً، وتناولت عدسة مكبّرة ونظرت عبرها فلم أرَ شيئاً أيضاً. عاد إلى شكله وهو يضحك لمحاولتي رؤية جزيء إلكتروني بعدسة كهذه، فيما كانت مئات الأسئلة تصطرع في مخيّلتي.
قلت:
- هل البشر والجن والملائكة كائنات ماديّة أم روحيّة حسب فهمك؟
- الملائكة والجن كائنات من نور ونار وروح، والبشر كائنات من أديم وروح، والله سبحانه وتعالى قادر على أن يُحيل الرّوح إلى مادّة والمادّة إلى روح حين يشاء. أطرقت إليه للحظة وسألت:
- لو طلبت إليك أن تعبّر عن مفهومك لله بمنطق الكلام، بكلمات مختصرة، فماذا تقول؟
شرع على الفور في ترديد نشيد حفظه عن ظهر قلب كما يبدو:
الله الكلام!
والّلا كلام!
وما يُعبّر عنه الكلام!
ومالا يُعبّر عنه الكلام!
وما لن يُعبّر عنه الكلام
بل وما يستحيل على الكلام
أن يرقى إلى التعبير عنه!
وما يستحيل على الكلام
أن يتضح دونه!
ولن يتضح دونه!
***
وسع كرسيُّه السماوات والأرض
ولم تتسع لوجوده السماوات والكواكب!
ووسعه قلب عبده المؤمن
ولم تتسع له ملايين القلوب!
***
لا تستطيع أن تعرفه
ولا تستطيع أن لا تعرفه!
فهو الحواسُّ والعقول
والّلا حواسَّ والّلا عقولّ
وما هو فوق الحواس والعقول!
وهو ما تدركه الحواسُّ والعقول!
وما لن تدركه الحواسُ والعقول!
بل وما يستحيل على الحواس والعقول
أن تدرك وجوده الكليّ!
وهو ما يستحيل على الحواس و العقول
أن تدرك دونه
ولن تدرك دونه
ويستحيل عليها أن تدرك دونه
إنّه اللــــــــه
لو كانت مياه البحار و الأنهار
مداداً
لما كفت للتعبير عنه
فكيف يتسنى لي أن أُعبّر عنه؟!
إنّه اللــــــــه!
***
كنت جالساً أُحدّق إليه بدهشة وأنا أستمع إلى ما يشبه بعض التعابير والأفكار من التصوّف الإسلامي و الهندي و الصيني والقرآن الكريم والحديث الشريف.
تساءَلت مستوضحاً:
- هل تقصد أنّ الله هو كل شيء ولا شيء،المحسوس والمجرّد،الظاهر والباطن،البادي والمخفي، الوجود والعدَم، المادّة واللا مادة، الروح والجسد، السالب والموجب؟!
- أنا أقصِد ولا أقصِد، فلا أستطيع أن أقول أنني قصدت كذا، كذلك لا أستطيع أن أقول أنني لم أقصد!
- لماذا تُعقّد الأمور أيّها الملك؟
- أنا لم أعقّد شيئاً، فالقادر على كل شيء قادر حتى على أن يكون عدماً، وأن يخلق وجودا من العدم، وعدماً من الوجود.
- هل هذا يعني أنّ الله يمكن أن يحيل الوجود إلى عَدَم؟
- وما يوم القيامة إن لم يكن شكلا ًمن أشكال إعادة الوجود إلى العدم ومن ثُمَّ العدم إلى الوجود؟!
- هل العدم وجود مادي أم روحي أم تعبير مُجرّد حسب مفهومك؟
- الحقيقة المُطلقة لا يعلمها إلاّ الله، ويمكن أن يكون كلُّ شيء هو العدم واللا عدم!
- وماذا لو قلت لك أنّ العدم كلمة مجرّدة لا تدل على شيء، وتلغي كل شيء؟!
- تكون قد كفرت. لأنّ كلمة "العدم" حتى في مفهوم الناس البسطاء، تدُّل على العدم و تشير إلى أنّها كلمة مكوّنة من خمسة أحرف! فأين العدم إذن؟!
- أنت تحيّرني بفهمك الموغل في المُطلق و اللا نهائي، فهل أنت حقّاً إبليس؟
- أجل أنا إبليس! وأنا لست أكثر من كلمتين قالهما الله جلّت قدرته "ليكن إبليس "فكنت كما أرادني، ومنحني من القدرات الخارقة ما لم يمنحه إلاّ لنفرٍ قليلٍ من الملائكة.
- سعادتي بقدومك إليّ هذه الليلة لا توصف بكلام، وتعرّفي إليك أكبر من كلِّ الكلام، فهيّا يا عزيزي أحلنا إلى العدم وأعدنا إلى الوجود في قصرك السَّماوي أو مملكتك السَّماويّة!
- أي لباسٍ تفضّل أن ترتديه هذه الليلة؟
- أمضيت عمري حزيناً كئيباً، وياليتك تسبغ عليّ ما يليق بحزني ووقار شيبي!
وخلال لحظة وجدت نفسي أتسربل في حُلّةٍ ملكيّةٍ سوداء على قميصٍ حريريٍّ أبيض حيك بخيوطٍ من الذّهب، وقد طُوّقت عنقي قلادة من الماس، تدلّت فوق "الكشكش" الذي كان يُغطّي عُرى القميص، وتبدو منه الأزرار الياقوتيّة الثمينة، ووجدت على رأسي تاجاً من الزمرّد المرصّع بكُلّ أنواع الجواهر المتلألئة.
هتفت وأنا أرى نفسي ملكاً:
- أنت تخجلني أيها الملك، ألا يكفي أنك تدعوني إلى مملكتك السماويّة.
- لا تخجل فكل هذا من فضل الله، وفضله علي أكثر من فضله على البشرية كُلّها، في الكواكب والأكوان كلّها!
- شكراً لله الذي منحك كلّ هذه النِّعم.
- هل أنت جاهز؟
ووجدت نفسي أقف في حركة استعداد، ولم أكد أقول له "جاهز" حتى وجدت نفسي معه في عالم آخر تماماً:
عالم ساحر كالجنان
وربّما أجمل من الجنان
في مياه بحريّة تمخرها الأنهار!!
وتنتصب أسفلها وفوقها
القصور العائمة!
بين الحدائق الخلاّبة!
ذات الورود اليانعة!
والثمار الدانية.
تحلّق في لجّتها الطيور!
والأقمار المضيئةّ
والقناديل المتوهجة!
والحوريّات العاريات!
وجنيّات البحر!
والفتيات الأبكار الناهدات:
كاعبات الصدور
منيرات الخدود
رقيقات الشفاه
فاتنات القُدود
ظبيانيّات الأعناق
طويلات الشعور
ضامرات الخصور
ممتلئات الأرداف
ممتشقات القوام
صاهِلاتٍ جامحاتٍ كالخيول
بعيونٍ سارحات
وأنظارٍ كالسهام
وأهدابٍ سابلات
وبطونٍ كالحرير
وسررٍ قلَّ لجمالها نظير
وأفخاذٍ غاويات
وسيقان كالمرمر المصقول
وأنوف كالسيوف!
وأيادٍ حانيات.
وركبٍ للقبل
وفروج كاللوز المقشّر
صغيرات!
كُنّ يحلقن كاليمام
بين حور عين طاغيات
ينثرن من حولنا أريج
الورد السماوي
ويبتسمن كربّات الجمال
ويرمقننا بسحر العيون
القاتلات
فسبحان خالق الكائنات.
***
تنبهت لنفسي وأنا أُحلّق مع الملك تحت الماء، وأننا نتنفس دون أن نشعر بوجود الماء، وأنّ ملابسنا لم تبتل بالماء، فحاولت أن أخرج من حالة الذهول وسحر الحوريّات و جمال الحدائق والعوالم، وأخاطب الملك، غير أنني تخوّفت من أن يدخل الماء إلى فمي رغم أنني كنت أتنفّس. ويبدو أنّه عرف ما يدور في مخيلتي، فسألني، فيما كان صوت الحوريات وآلاف الأسماك والحيتان والدّلافين والطيور والحيوانات البرية والأشجار والورود والشعب المرجانية يردد بأنغام عذبة مُرحّباً بنا:
"أهلاً بجلالة مليكنا الحبيب وضيفه الأديب"
قال:
- يمكنك أن تتحدث بسهولة، ويمكنك أن تحادثني تخاطراً إن شئت!
ولوح بيده اليمنى لجموع الكائنات والحوريات وراح يوزّع عليها ابتسامات ساحرة،ففعلت مثله، وأنا أُدرك أنّ ابتسامتي ليست ساحرة.
سألته:
- أين نحن أيها الملك؟
- نحن في مملكتي السماويّة ‍‍‍‍!
- هل هذا يعني أن لديك أكثر من مملكة؟
ابتسم ونحن ننطلق تحت الماء وسط هذا المهرجان الاحتفالي الساحر:
- لدي مليون مملكة، وكل مملكة عدد سكانها ألف مليون شيطان كلهم من نسلي، وأنا ملك ملوك الممالك كلها!!
صعقني النبأ فرحت أتساءل في نفسي عن سر الحكمة الإلهيّة في الإبقاء على قدرات الشيطان ومنحه كل هذا الثراء رغم غضب الله منه وعليه!
كان سرب من الظباء ترافقه بعض الحوريات والدلافين والأسماك الملونة والنوارس وطيور جميلة لا أعرف ما هي تعبر أعماق البحر من حولنا في احتفال راقص.
تساءلت:
- هل نحن في السماء أيها الملك؟
- أجل! نحن في السماء.
- وما هذا البحر العجيب إذن الذي تعيش فيه الحيوانات البريّة والطيور إلى جانب الحوريات والجنيات والأسماك والأشجار والورود والكائنات المائية الأخرى، والأدهى من ذلك، الأنهار التي تمخره دون أن يختلط ماؤها بمائه؟!
- إنه بحري. بحري المعلق في السماء. بحري الذي لا مثيل له بين البحار في كل الأكوان، بحري الذي أقمت فيه مملكتي السماويّة، وشيّدت فيه أجمل القصور العائمة!
كنا ننطلق داخل الماء، دون أن نطير ودون أن نسبح، والحوريات يحففن بنا من كل جانب. مررنا على جماعة من الجن المجنحين بينهم جنيّات خارقات الجمال.كانوا يرقصون و يمرحون ويشوون ظباء على نار أُشعلت في الماء، وقد تضوّعت رائحة الشواء لتعمَّ أعماق البحر.
هتفت بدهشةٍ:
- ما كُلُّ هذه المستحيلات التي أراها أيها الملك؟
- ليس في مملكتي ما هو مستحيل أيها الأديب، ضع في اعتبارك إمكانيّة حدوث كل ما هو مستحيل، حتى لا تُفاجأ أو تندهش أمام المستحيلات التي ستراها!
- هل سنحتفل برأس السنة هنا؟
- لا سنحتفل في قصري. لكني أحببت أن أريك شيئاً من مملكتي السماويّة قبل أن أضعك في أجواء القصر وبين آلاف المحتفلين.
- ولمن هذه القصور التي نتجاوزها؟
- هذه بعض قصور أعواني و أتباعي في هذه المملكة.
- وهل سنحتفل تحت الماء أو فوق الماء؟
- كما تريد، فقصري ينهض من أعماق الماء إلى قرابة ألف كيلو متر في السماء!!
وأخفيت دهشتي انسجاماً مع ما أوصاني به!
- هل لي أن أسألك مع من سنحتفل؟
- مع الحوريات والعلماء والملوك والملكات من أبنائي وأحفادي. وثمّة بعض المفاجآت التي ستعرفها في حينها.
- لعلك دعوت بعض بني البشر؟
- لن أقول لك!
- لعلك دعوت كليوباترا وزنّوبيا وبلقيس وهيلين الطروادية؟!
- لن أقول لك!
اعترضت تحليقنا حوريتان كأنّهما ربّتان للجمال، وأصرّتا على أن تضيّفانا من كأسيهما خمراً وتعانقانا، فتذوّقنا خمرهما ولثمنا شفاههما.
دخت أنا من خمر الشفاه وخفت على إيماني الضعيف أن ينهار هذه الليلة في عوالم الشيطان، مع أنني لم أحس بعظمة الله وأراها كما أحسست بها ورأيتها هذه الليلة.
مررت لساني على شفتيّ متلذذاً بنكهة الشفاه الحوريّة فيما كان الملك يتوغّل إلى جانبي في لجّة الماء.
تساءلت:
- أخاف أن ينتهي العام الماضي ويبدأ العام المقبل ونحن لم نصل القصر بعد؟!
قلت ذلك مع أنني أعيش في جوٍ احتفالي، لكنه أخبرني أن هذا ليس الحفل، وأن ثمّة حفلاً آخر ينتظرني.
شرع الملك في الضّحك. قال:
- هل نسيت أنّك الآن في زمنٍ آخر وعالمٍ آخر أيها الأديب؟
- ومع ذلك فأنتم تحتفلون هذه الليلة برأس سنتكم؟!
- أجل، وقد توافق ذلك ولأول مرّة بالصدفة، في حوالي مائة ألف مملكة من ممالكي المنتشرة في الكون. فالزمن يختلف في كُلِّ مملكة من ممالكي المليون، ما عدا مملكة واحدة، هي مملكتي الكائنة في المحيط الأطلسي على كوكب الأرض، التي يتوافق زمنها وتعاقب الليل والنهار فيها مع زمن الأرض.
- وهل لك مملكة على كوكبنا أيضاً؟
- إنها مملكتي الأولى، أقمتها منذ حوالي ثلاثين مليون عام!
- يا إلهي! ألا تقول لي بأي رأس سنة تحتفلون أنتم هذه الليلة؟
- نحتفل باليوم الأوّل من العام الأول بعد الخمسين مليون عام من خلق آدم! وكُلّ يوم من هذه الأيام يُعد بألف عام مما تعدّون!
ولم أقدر إلا أن أندهش، بل بتُّ متخوفاً من أن أفقد عقلي. ورغم قناعتي أنّ الله أكبر من أن يعنيه إيماني أو إلحادي، لتساميه وتعاليه وعدم حاجته إليّ، إلا أنني لا أستطيع أن أستغني عنه، ولا أتصوّر أن أفقد محبّته من قلبي، فرحت أتوسَّلُ إليه في سرّي:
"إلهي، إذا كان في ما يحدث معي هذه الليلة ما يُبعدني عنك، فابعدني عنه، وأعنّي ربّي لأبتعد عنه، وإذا كان فيه ما يقرّبني منك ويبقيك في قلبي، فدعني أغرق في جمال خَلقك وبهاء مخلوقاتك حتى الموت".
فوجئت بالملك إبليس يربت على ظهري وهو يدرك تماماً ما كان يدور في خيالي. قال:
"لا تخف هيّا، نحن الآن نقترب من قصور ملكات الحوريّات ذوات الأجساد والرّؤوس السُّباعيّة، وهؤلاء لن يدعننا نتجاوز قصورهنّ دون أن يدعوننا لمشاركتهنّ الإحتفال ومطارحتهن الغرام "!!
وفيما كنت أهتف"يا إلهي ماذا في مقدوري أن أفعل مع تنّين إذا لم أنجُ؟ " ظهرت كوكبة منهنّ أمامنا، وما أن أبصرتهن حتى وجدت نفسي مسحوراً ومنقاداً رغماً عنّي إلى سحر الجمال الذي تبيّن لي أنه غير تنّيني!!
***

[2]ملكات السماء يستقبلن الملك إبليس والأديب
في بحور وأنهار القصور السّماوية.
كانت كوكبة الملكات تحلق نحونا في سبعة أسراب سُباعيّة مجنّحة، راسمة أشكالاً بديعة في الماء، وكان نورٌ أخّاذ يشعُّ من أجساد الملكات اللواتي بدون محتشمات مهيبات مقارنة بالحوريات والفتيات العاريات اللواتي يجبن الأعماق من حولنا. فقد سترن فروجهن وحلمات نهودهن بقطع من القماش الذّهبي. وتلألأت على سُررهن نجوم ماسيّة وطوّقت أعناقهن وأجبنهن وخصورهن عقود من الزّمرّد المطعّم بالماس. ولم يكن يصطفقن بأجنحتهن في الماء، بل كُنّ يضممنها إلى ظهورهن.
ونسيت في غمرة دهشتي أن أسأل الملك إبليس عن الأجساد والرؤوس السباعية التي حدثني عنها، فقد شقَّ السِّرب السُّباعي الأول الماء أمامنا لينفتح فجٌّ في الماء،امتدَّ عليه بساطٌ ذهبي صعدت أنا والملك عليه لنسير بخطوات ثابتة واحدنا إلى جانب الآخر، فيما حطّ السرب (الأوّل) واقفاً أمامنا، لتنحني الملكات السَّبع بحركة واحدة غاية في الانسجام والدّقة، وليستقمن في وقفتهن ويبتسمن راسمات الابتسامة ذاتها على شفاههنّ، وليلوحن بأيديهن في حركة موحّدة.
لوح الملك بيده فلوحت بيدي وابتسمت وأنا أجاهد لأُخفي دهشتي وتساؤلاتي وأبدو طبيعيّاً. هتفت الملكات بصوت واحد ونغمة واحدة وطبقة واحدة، وهُن يحنين رؤوسهن قليلاً ويرسمن بأيديهن شارة تحيةّ: "أهلاً بمليكنا الحبيب وضيفه الأديب"وانتحين جانبا لنمرَّ من أمامهن ليهبط أمامنا سرب ثان ويشرع في الترحيب بنا بالطريقة ذاتها، إنمّا بأنغام مختلفة وطبقة صوت مختلفة.
وفيما كنت أتجاوز السّرب الأول من الملكات تنبّهت إلى الشبه التام في وجوههن وأجسامهن، وتذكرت أن الملك قال لي أنّه في مقدوري أن أخاطبه تخاطراً، فسألته في خيالي عن سرّ هذا الشبه بين الملكات السبع ووحدة حركاتهن وأصواتهن.
تردد صوته التخاطُري في مخيّلتي:
- كل سبع ملكات من هؤلاء لسن إلا ملكة واحدة بجسد واحد في سبعة أجساد! وهذه التي تجاوزناها هي ملكة الملكات وتُدعى "فاتنة السماوات" أما هذه التي تحيينا الآن بتكوينها السباعي الفاتن، فهي ملكة الحُبِّ وتدعى"شمس البحار".
هتفت في نفسي:
"سبحانه ما أعظم خلقه وأعجبه"!
واختلست بعض النظرات السريعة لأرى ما يجري فوق الفجّ وإلى جانبيه، فشاهدت آلاف الحوريات بين الأسماك الملونة والظباء والخيول والنّوق السابحة والنوارس المحلقة، وهن يلوّحن لنا، ويرميننا بسحر الابتسامات المرحة،وقد بدون لي وكأنّهن يلوحن لنا من خلف جدار زجاجي من جراء هذا الفج الذي انشقَّ في الماء لنسير فيه.
انتحت ملكة الحب"شمس البحار" من أمامنا لتقف إلى يسار الفج بأجسادها السبعة فيما انحرفت ملكة الملكات"فاتنة السماوات"نصف خطوة إلى اليمين وشرعت في السير إلى يميننا، وما أن تجاوزنا "شمس البحار"حتى انحرفت بدورها وسارت إلى يسارنا.
أدركت حينئذ أنّ انتحاء الملكتين ووقوفهما لم يكن إلاّ ليتيحا لنا أن نتقدم جسديهما السباعيين الطويلين، بما لا يزيد عن خطوة احتراماً لنا!
حطت الملكات الخمس المتبقيات أمامنا واحدة إثر أخرى، وحيّتنا كلّ واحدة بصورة أجمل من الأخرى، وحين وصلنا إلى نهاية الفج، كانت الملكات السبع تتبعنا في سبعة أرتال سباعية واحدها إلى جانب الآخر.
لفّ ظلام حالك البحر أمامنا، ولم أعرف كيف اختفت الأقمار والنجوم والقناديل التي كانت تنير أجواء البحر من حولنا وتضفي عليه هالة ربّانية. توقف الملك فتوقفت.
فوجئت بالإنارة المنبعثة من خلفنا تنطفئ أيضاً ليلفّنا الظلام ويطبق الصمت. ولم أعد أبصر شيئاً، لا نفسي ولا الملك إبليس. هتفت تخاطراً:
- هل سندخل رحلة في العدم أيها الملك؟
فخاطرني مطمئناً:
- لا، الآن سيبدأ حفل الاستقبال الذي اعدّته لنا الملكات. ولم يكد ينهي كلامه إلا وموسيقى ذات إيقاع كوني تنبعث بهدوء، ترافقها أصوات كوراليّة خفيفة، وإنارة حمراء خافتة.وخلال لحظات كانت الموسيقى تتصاعد وتعمّ، وأصوات الكورال تتعالى وتنتشر، والإنارة تقوى وتتسع، ليشمل كُلّ شيء البحر كُلّه، لأجد نفسي أنا والملك جالسين ضمن هالة نورانيّة دائريّة فارغة، والملكات يقفن خلفنا في الفراغ، والهالة تحلق بنا وسط أجواء بانوراميّة كرنفاليّة انتظمت فيها مئات فرق الحوريات، ومئات فرق الفتيات، ومئات فرق الأسماك، ومئات فرق الدلافين، ومئات فرق الحيتان، ومئات فرق الشعب المرجانية، ومئات فرق النوارس، ومئات فرق النسور، ومئات فرق الصقور، ومئات فرق الظباء، ومئات فرق الخيول، ومئات فرق النوق، ومئات فرق الوعول، ومئات فرق الأفاعي، ومئات فرق اليمام، ومئات فرق الورد، وآلاف الفرق التي لا أعرف ما هي؟‍ وكانت كل فرقة تنتظم في طبقات تعلو واحدتها الأخرى، لتشكل أبراجاً عجيبة في الماء. وكانت آلاف الفرق تؤدي حركات راقصة غاية في الدقة والإنسجام، وروعة في الجمال، لتنسجم مع إيقاعات الموسيقا وأصوات الكورال، دون أن تقلد كُلُّ فرقة حركات الفرقة الأخرى، وسط إنارة مختلفة الألوان ومتعددة المستويات، كانت تتراقص بانسجام خلاق مع إيقاعات الموسيقا وأنغام فرق الكورال، ليتوحد الكل بالكل بعوالم الماء، بالأقمار، بالنجوم، بالقناديل، بهيولى التكوين، بالجمال، بالكمال الإلهي!
كانت فرق الموسيقا والكورال تتوزع بالمئات بين آلاف الفرق، وقد ضمّت كل فرقة قرابة ألف عازف ومنشد.
كنت مأخوذاً بما أسمعه وأراه أينما نظرت إلى الأمام أو إلى الخلف، إلى اليمين أو إلى الشمال، أعلى أو أسفل، وهالتنا النورانية تُحلق بنا في فضاء الماء، والملكات يحففن بنا بجمالهن الحوري. ورغم أنني لم أكن أجلس على شيء أراه، إلا أنني كنت أحس وكأنني أجلس على أريكة ملكية وثيرة!
ورغم إدراكي الأكيد أنني أحلق في أعماق البحر إلا أنني كنت أرى اتّساع الآفاق من حولي وامتدادها إلى ما لا نهاية، وكأنني أحلق في الفضاء. وقد توزّعت مواقع الفرق الفنيّة - التي لم تكن ثابتة بل متحرّكة - بحيث لا تحجب أي فرقة الفرقة الأخرى مهما بعد موقعها عنّا، أعلى أو أسفل، يميناً أو شمالاً، خلفاً أو أماماً! ووجدت نفسي أملك القدرة على الإبصار إلى آفاق بعيدة، بحيث بدت لي الفرق التي تبعد عني آلاف الكيلو مترات وسط هذا البحر الشاسع، وكأنّها أمامي، ولم أتنبه لنفسي إلاّ وأنا أغرق في خضمّ جمال هذا العالم، وأشرع في الاتحاد معه والتّوحّد به…!
بدأتُ بترديد لفظ الجلالة الذي قفز إلى خيالي فجأة، وراح يتردد فيه دون أن ينطقه لساني، غير أنّه ما لبث أن قفز إلى شفتي بعد أن حقّق انسجامه مع الأنغام الكونيّة الصادحة، فرحت أردده بصوت بطيء في البداية لتخوّفي من أن يبدو نشازاً مع الإيقاع الراعش من حولي، لكن ما أن تأكدت أنني لست نشازاً وأنني قادر على التوحّد مع اللحن والإيقاع وإعطاء طبقة الصوت الملائمة حتى شرعت في النشيد:
الله الله الله
الله الله الله
الله
الله
الله
الله الله الله
الله الله الله
الله
ألله ألله ألله
أللاه أللاه أللاه
ألا لا لا ألا لا لا
لا لا لا لا لا لا
ها ها ها ها ها ها
الله الله الله
اللــــه
* * *
وتنبّهت إلى صوت الملك يشرع في النشيد والتوحّد، وقد زاد عليّ بأن راح يحرّك يديه ورجليه ويهزّ رأسه وكتفيه، ويمدُّ عنقه تارة إلى الأمام وتارة نحو اليمين وتارة نحو اليسار. وشرعت الملكات في النشيد والرقص أيضاً فشرعت أرقص بدوري جاهداً قدر الإمكان لأن لا أبدو شاذّاً عن الجميع. ويبدو أنني لم أكن كذلك، أو أنّه هُيّئَ لي أنني مُنسجم ومتوازن ومتوحّد مع الإيقاع الكوني المحيط بنا. كِدتُ أن أفقد توازني حين نهضنا أنا والملك وشرعنا نرقص ونغنّي وقوفاً، فيما كانت الهالة النورانيّة تعبر بنا نهراً هائلاً، كان يشقٌّ عرض البحر دون أن تختلط مياهه بمياه البحر، وراحت الهالة النورانيّة تدور بنا في لجّة مياه النهر، فيما صدحت أنغام الموسيقا، وعلت ألحان المنشدين وارتجت الأعماق من ضرب الإيقاعات، وحلّقت الحوريّات المجنّحات وغير المجنّحات في أبراجهن العائمة راسمات أبهى التكوينات الجمالية. ورقّصت النباتات والورود أغصانها وزهورها، والشَُعب المرجانية تضاريسها، وراحت الظباء تشرئب بأعناقها وتضمُّ قوائمها إلى بطونها وتنطلق بأسراب سباعيّة تتوغّل في لجّة الماء. وشرعت أفراس النهر وخيول البحر في الصهيل، وصارعت الوعول تيارات الجنون المندفعة في غيهبة الكون، وانسابت أجساد الدلافين بين أفواج من حوريات الجن، وعملت الحيتان بأجسادها سدوداً تَحدّر من أعاليها شلالات، وأطلقت التنانين من أفواهها مئات الحوريات، واشتعلت الأخطبوطات ناراً وخرّت الصقور إلى الأعماق وصعدت دون أن ترفّ بأجنحتها، واستسلمت النسور لفقدان توازنها،وراحت تحرّك رؤوسها لتنسجم مع الإيقاع وتتوحّد معه، وعَلا رُغاء النوق وحنينها وهي تستسلم لأحضان النهر، وسبّحت النوارس بحمد الله، وهي تتشقلب على ظهورها وتعانق الماء، ووقفت الأفاعي على ذيولها وراحت تتلوّى وتتمايل بسحرها الأُفعواني، ونهضت مجموعات مختلفة الأشكال من صخور الأعماق وراحت تحلّق متراقصة في الماء، لتنهض بعدها أسراب من الحصى والحجارة راحت تتشكّل لتعانق التكوينات المائية الراقصة والنوافير الهُلامّية التي كانت تستقبل الماء وترسله من حولها نغماً يشدو على أوتار الوجود الرقراقة!
لا أعرف أين صرت وماذا كنت حين هاتفني الملك إبليس تخاطراً قائلاً:
"أفق أيها الأديب"!
ظننت أنني في حلم، لكنه كرر هُتافه التخاطري، فأدركت أنه يخاطرني فخاطرته:
"أرجوك أَلستُ ضيفك؟ دعني أتوحّد بسحر هذه الأكوان وأمضي ليلة رأس سنتي – التي لاشك أنها بدأت على الأرض - هنا، في هذا العالم الرباني الذي يعجز الكلام عن وصفه؟!"
خاطرني بمودّة:
"أهلاً بك في أيّ مكان في مملكتي السماوية أيها الأديب، لكن ثمّة ضيوف ينتظروننا في قصري السماوي، ولا يجوز ألاّ نمضي بعض الوقت معهم. على أية حال لدينا وقت طويل ويمكنك أن تمضي هنا من الوقت ما تشاء. السنة الجديدة لأهل الأرض بدأت منذ ثوانٍ فقط"!!
وفوجئت به يُعانقني مهنّئاً بالعام الجديد لأهل الأرض. وشرعت الملكات في معانقتي، ثم احتوتني الملكة "فاتنة السماوات" بين أحد أحضانها السبعة وألقت رأسي إلى نهديها وشرعت تراقصني، فيما أجسادها الأخرى تحيط بي وبها لتشاركنا الرقص. وشرع الملك في مراقصة الملكة "شمس البحار" فيما شرعت الملكات الأُخريات يرقصن من حولنا ضمن الهالة النورانية!
أحسست وكأنني ألقي رأسي على صدر الله، وقد تضوّع عطر رباني من نهدي الملكة "فاتنة السماوات" ليتسلل عبر أنفي ويسري في ظمأ ملايين مسامات جسدي، لأجد نفسي أغرق في جمال ملكوت السماء.
خاطرني الملك إبليس وأنا أتوحّد مع النهود الملكيّة والموسيقا الكونيّة:
- هل أنت سعيد؟
فخاطرته:
- أنا أولد من جديد، أنا أحيا بعد موتي وأنا مدين لك بأن أسعى عند الله ليغفر لك ويعفو عنك!
فخاطرني هاتفاً "بصحّتك" وسمّى بالله وراح يجترع شيئاً من بين نهدي "شمس البحار"!
وفوجئت بخمر يتدفق كنبع من بين نهدي الملكة فاجترعت بضع جرعات لأتذوّق خمراً أطيب من الشهد. أحسست بجسدي ينتشي من شعر رأسي إلى أخمصيّ قدميّ من جرّاء تذوّقه، فرحت أجترع الجرعة تلو الجرعة إلى أن توقّف تدفق الخمر، فهتفت إلى الملكة:
- أروِني من خمر نهديك!
فقالت:
- أخاف عليك من خمر نهديَّ، من ارتوى منهُ غاب عن وعيه مدى الحياة، وغدا أسير حُبّي إلى يوم القيامة!
- دعيني أغدو أسير حُبّك حتى إلى ما بعد أيام القيامة!
- أنت ضيف مليكي، التاج الذي يُزيّن جمال رأسي، ومن اختارني ملكة لحوريات البحر السماويات ذوات الأجساد السباعية. وقد نهاني أن أتّخذ منك عشيقاً أبدياً!
- ولمَ فعل ذلك بحظي البائس وحرمنا متعة العِشق الأبدي؟!
- ربّما ليتيح لك أن تعشق من هي منّي أجملُ!
- وهل ثمّة من هي أجمل منك في مملكته السماوية؟!
- ربّما أنا أقل الفاتنات جمالاً بين الآسِرات من ملايين الحوريات في ممالك جنانه!
- وهل يتدفّق من بين نهودهنّ خمرُ؟
- بل من حلمات أثدائهنّ يقطر خمر الجنّة الإلهية من تذوّقهُ عاد شاباً بعد المشيب!
- ليغفر لي ولك الله، ويرضى عني وعنك ويجعلني وإيّاكِ من متذوقي ذاك الخمر!
- أضرعُ إليه أن يُلبي دُعاءك.
- لم أنتن أيّتها المليكة سباعيات الأجساد؟
- كان أبونا ملكاً تقيّاً
يرأفُ بالفقراء والمساكين
من بني الإنسِ
ويهبهم من لدنه
مالاً سخيّاً.
ويضرعُ إلى الله أن
يرزقه من البنين سبعة
ومن البنات سبعا.
وشاءت حكمة الله
أن تكون أمّنا عاقراً
وأبونا عقيماً.
وحين علم أبي
لم يقنط،
وأوكل أمره إلى ربّه
موقناً أنه سيكون به
رحيماً.
وعاش أبي خمسين ألف عامٍ
وبلغ وأمي من الكبر عِتيّاً،
دون أن ييأسا من رحمة الله
وظلاّ يسبحان بحمده صبحاً
وعَشِيّاً.
فناداهُ الله في المنام
قُم أيها القانتُ
إنّا لنهبكَ ما لم
نهبه ملاكاً
أو نبيّاً.
أنفخ باسمنا
في فرج امرأتك
تهبك بنتاً
وغلاماً زكياً.
البنت بسبع مِثلها
والإبن بسبعة مثله
ليس ذلك على الله
عصيّاً.
وإنّا لنمنح الذكور
من قدراتنا
أن ينفخوا
في فروج الإناثِ
ليلدن سبعة وسبعاً
من غير حملٍ أو ألمٍ
رزيّاً.
فأيقظها من نومها مبشراً
ففتحت فرجها
فسمّى بالله
ونفخ فيه
فجئنا على الفور
سبعة وسبعاً
كما قدّر اللهُ
تلك كانت مشيئة اللهِ
من ينسى مشيئة اللهِ
يكون عند ربّه
نسياً منسيّاً!!
ووجدت نفسي أهتف متعجباً من قدرة الله:
- الله. سبحانه ما أعظم مشيئته. هذه قصّتكن إذن؟
- أجل أيها الأديب، هذه قصتنا.
- وهل نفخ أخوتكن في فروجكنّ؟!
- نعم، وأنجبت كُلَّ واحدة مِنّا سبعة ذكور وسبع إناث، وظلّ الذكور ينفخون ونحن نتكاثر إلى أن ملأ وجودنا عشر كواكب!
- يا سُبحان الله جلّت قدرته وعلا شأنه. وهل ينزل المواليد من فروجكن بعد النفخ أم أنهم يبدون بين أفخاذكن؟!
- يبدون وكأنهم ينزلون من فروجنا، وهم في الحقيقة لا ينزلون،تلك مشيئة الله.
- سبحانه. سبحانه لا إله إلا هو سبحانه.
- وكل نسائنا وفتياتنا لا يحملن كما النسوة بل بالنفخ، لذلك لا تجد بين نساء الكون من فروجهن أصغر من فروجنا!
- يا سبحانه! وهل يأتيكنّ دمِ الطَّمث؟
- لا. من دون نساء الكون لا نعرف دم الطمث ولا دم الحيض.
- سبحانك يا إلهي. سبحانك ما أعظم شأنك!
ووددت أن أسأل الملكة، كيف تتعامل مع جسدها السباعي، غير أن هالتنا النورانيّة عبرت بنا النهر لتوغل في البحر، وأقبلنا على حدائق قصر الملكة، حيث أُعدت الموائد في الماء بين أحضان الورود والأشجار والنباتات والطحالب والمرجان والينابيع ذات الماء الزلال، فأجّلت السؤال.
أنهت آلاف الفرق لحنها الكوني وشرعت في عزف موسيقا هادئة، فيما راحت الهالة النورانية تحلق بنا فوق حدائق قصر الملكة. وخيّل لي أنني لا أحلّق في الماء، بل في فضاءٍ فوق يابسة، لشفافية الماء الذي كنا نحلّق فيه، ولولا الكائنات السابحة من حولي لما صدّقت أنني في ماء.
شرع الملك والملكات في التلويح بأيديهم لآلاف المحتفلين والمحتفلات الذين غصّت بهم حدائق القصر وراحوا يلوحون بدورهم لملكهم وملكاتهم.
كانوا كلهم فرحين، كلهم سعداء. وكل الكائنات التي رأيتها في البحر كانت فرحة وسعيدة. لم أرَ حزناً، لم أرَ فقراً، لم أرَ جيوشاً، لم أرَ أسلحة، لم أرَ شرطة، لم أرَ عنفاً، لم أرَ دماراً أو خراباً، لم أرَ كرهاً أو حقداً، فأي عالمٍ هذا الذي أنا فيه؟ هل يعقل أن يكون هذا هو أحد عوالم الشيطان؟!
أحسست بيد الملكة ويد الملك تربتان معاً على ظهري، قال الملك:
- كل ما يدور في خيالك ليس له وجود في ممالكي المليون، ولن يوجد، ليس هناك إلا الخير والمحبة والإخلاص لله وحده، بين كل الكائنات، ومن قبل الكائنات كلها!
- يا إلهي، ما هو السر في ذلك، وأية حكمة إلهية هذه التي تجعل الله غاضبا منكم وعليكم ويجعلكم تحيون في نعيم كالجنان؟!
- الله سبحانه وتعالى لم يغضب إلا مني أنا، ولم يغضب من أبنائي وأحفادي، وتعرف أن الله عادل، ولا يؤاخذ الأبناء والأحفاد بمعاصي الأباء والأجداد، وأحمد الله أنني ربيت ملايين الملايين من أبنائي وأحفادي على الإخلاص لله وحده، وعلى المحبة، محبة الله ومخلوقاته ويأتي الإنسان في مقدمتهم! وقصة أب الملكة "فاتنة السماوات" التي روتها لك واحدة من ملايين القصص التي أظهر الله فيها أنّه ليس غاضباً من أبنائي وأحفادي!
- يا إلهي، كيف غابت هذه المسألة عن بالي؟
- وعن بال أمم الأرض كُلِّها بل والكواكب الإنسيّة كُلِّها!
- ألا يمكن أن يكون الله قد رضي عنك أيها الملك على ضوء التربية التي أنشأت أبناءَك وأحفادك عليها؟
- لا أظن، لأنه لم يأت ببرهان، ومازال ملايين الملايين من أبناء الإنس يصبّون لعناتهم على رأسي ويرجمونني حتى بالحجارة، ولو تعرف أي أثرٍ يتركه ذلك في نفسي؟!
هل تسمع كل اللعنات التي تنصبُّ عليك أيها الملك؟
- المشكلة أنني لا أسمع اللعنات فقط، بل وأعرف من شتمني في مخيّلته أيضاً. لو تعرف كم توسّلت إلى الله أن يلغي سمعي، أن يُعطّل عقلي، كي لا أسمع شيئاً ولا أعرف شيئاً!
واغرورقت عينا الملك بالدّموع، وما لبث أن شرع في البكاء ولم أتنبّه لنفسي إلا وأنا أضمّ رأسه إلى صدري، أملِسُ عليه بيد، وأربت على ظهره باليد الأخرى، ولم أعرف أنّ الحزن خيّم على أجواء كل الكائنات المحتفلة، إلا بعد أن هبطت الهالة النورانية بنا لنأخذ أماكننا على مائدة الطعام، فقد نظرت إلى ما حولي لأرى عيون الكائنات، كل الكائنات التي رأيتها تغرورق بالدموع،فهتفت في دخيلتي "إلهي، أليس من مكان في عالمك ليس فيه حزن"؟!
هوّن الملك عليّ حين قال:
- لا عليك أحزاننا لا تستحق الذكر إذا ما قورنت بأحزانكم وأحزان البشر في الكواكب الأخرى!
ونهض لينهض جميع المحتفلين والمحتفلات، وراح يرحب بي متمنياً الخير لأبناء الأرض، سائلاً الله رضاه عن الجميع، وصفحه وعفوه عن كل مخلوقاته. وحلّق كأس في زلال الماء فأخذه بيده لتحلّق بعده آلاف الكؤوس.
امتدت الأيدي، فمددت يدي وأخذت الكأس الذي توقف أمامي، وشرعنا في تبادل الأنخاب.
عادت الموسيقا تصدح، ليدقَّ الإيقاع الكوني، ويعزف الله على أوتار خلقه، ويُستأنف الرقص ويعمّ الفرح.
كانت آلاف الموائد تمتد بين الجنائن وقد تحلّق من حولها آلاف المدعوين من الشباب والشابات، الحوريات والملكات، وزخرت بكل ما تشتهيه النفس من أنواع الأطعمة والمشروبات التي يمكن أن تخطر في البال. وكانت مئات الخراف والظباء والجِداء والأرانب والبط والأسماك والحجل والدجاج والفر والخنازير وغيرها من الحيوانات المائية والبرية تنتظم في سفافيد وتشوى على نيران هادئة اوقدت هنا وهناك بين الموائد. وكان كل شيء يتحرك وحده بقدرة الله، فما أن أنظر إلى طبق قاصداً شيئاً منه حتى يرتفع بهدوء ويحلّق في الماء ليمثل أمامي،لتشرع الشوّك والملاعق والسكاكين وحدها في العمل لتسكب في طبقي ما أريد، لأجد نفسي أقول"شكراً هذا يكفي"دون أن أعرف من أشكر وماذا أشكر، الشوّك والسكاكين أم اللحم الذي استقرّ في صحني، أم الطبق الذي طار إليّ وعاد محلّقاً إلى مكانه ما أن شكرت، دون أن يصطدم بشيء رغم كثرة الأشياء المحلّقة والكائنات السابحة والأطباق الطائرة، التي لم يبدُ عليها أنها تحلّق في الماء، فلا تبتلّ في الماء، ولا يدخل الماء إليها رغم وجودها فيه!!
بدوت في هذا العالم كطفل يكتشف الأشياء والظواهر من حوله لأول مرة. المؤسف أنني لست طفلاً، وإن حاولت عبثاً أن أتناسى هموم ومفاهيم العالم الذي تركته على بعد مائة مليون سنة ضوئيّة، لعلّني أتوحّد كل التوحّد بهذا العالم وأصير جزءاً منه، ولا أندهش لما أراه وأحسّه واسمعه وأتذوقه وأدركه!
كانت الظباء والجِداء والأسماك والخراف ترتفع عن الموائد بسفافيدها، وتحلق بين الموائد والبخار يتصاعد منها، لتوزّع وحدها ما يختاره المحتفلون من لحومها على آلاف الأطباق، دون أن يصطدم شيء بشيء،ظبي مشوي (مثلاً) بسمكة مقمّرة محمّرة، أو بسمكة تسبح في الماء، طبق فارغ برأس حوريّة أو ملكة،كأس خمر بجسد دلفين؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍!! أبداً، وكأن لكل الأشياء عيوناً ترى بها، حتى للشوك والملاعق والسكاكين والأطباق والكؤوس، أو كأن حركة كل شيء مقدّرة ومرسومة بإتقان، إتقان ربّاني، يستحيل أن يشذّ عنه شيء، أو يحيد عمّا هو مرسوم له.
لم أستطع مقاومة دهشتي والتّوحّد بجمال الملكة "فاتنة السماوات" التي خلب جمالها عقلي. وأطار نهداها آثار الخمر من رأسي.
سألتها:
- هل كل الأشياء هنا تتحرك وحدها أم أنّ ثمّة جنّاً مخفيين يحرّكونها؟!
ابتسمت ابتسامة فيها شيء من جمال الخالق،كاشفة عن أسنان لؤلؤية انتظمت بروعة في فمها،وقالت ببساطة:
- بل وحدها!
- كيف؟
- بقدرة الله!
- سبحان الله، وكيف تستجيب لنا حين نريدها؟
- بقدرة الله أيضاً.
- سبحانه لا إله إلاّ هو.
وحاولت ألا أفكر في الظواهر وأغرق في بحر جسد الملكة وأستمتع بجمال الحوريات والكائنات الأخرى من حولي، دون جدوى، فقد تبين لي أن معجزة النار المشتعلة في الماء ما تزال تشغل دماغي، فطلبت من الملكة أن ترافقني إلى أحد المواقد المنتشرة في حدائق القصر.
أخذت بيدي لنحلق معا في الماء وسط القناديل والنجوم والأقمار، كنورسين عاشقين. مددت يدي إلى قمر بدر أتحسس مصدر النور، فلم ألمس إلا هالة من شعاع خافت. شرعت الملكة تضحك منّي وعليّ! ولم أعرف فيما إذا كانت أجزاء جسدها الستة الأخرى التي كانت تحلق خلفنا تضحك مثلها أم لا؟!
هبطت بي لنقف إلى جانب موقد كبير، اصطفّ فوقه أكثر من مائة ذبيحة مختلفة كانت تشوى على سفافيد طويلة وسميكة، وقد توهّج جمر حجري أحمر فاتح واحدته بحجم التفاحة أسفل الموقد. وكانت الشحوم السائحة من الشواء تتلاشى في الماء ولا تصل إلى الجمر، الذي بدا أنه أُفرد بعناية على طول الموقد، وتنبّهت إلى أن الأسماك الهابطة من أعلى أو السابحة حول الموقد ترتد عنه ما أن تقترب منه، مما يدل على أنها تتحسس حرارته. مددت يدي لأتحسس الحرارة بدوري. كان ثمّة حرارة، غير أن الماء كان بارداً وهذا ما أطار صوابي! سحبت يدي وأنا أنظر إلى الملكة بكل دهشة العالم.
قالت ببساطة:
- هنا يتآخى الماء والنار أيها الأديب، لا النار تؤثّر على حرارة الماء ولا الماء يطفىء النار!!
- هل هذا يعني أن النار في هذا البحر تبقى مشتعلة إلى الأبد؟!
فقالت ببساطة شديدة أيضاً:
- أجل أيها الأديب، إنها نار الله التي لا تنطفئ!!
- سبحان الله. وتريدين أنتِ والملك أن لا أندهش، فهل يمكن لمخلوق ضعيف مثلي ألا يندهش وهو يرى عظمة الله تمثل له في كل شيء يراه؟!
- نحن نخاف عليك من كثرة الاندهاش ووطأته على قلبك المرهف ونفسك المثقلة بالهموم والأحزان!
- هل تعرفان أسرار أحزاني؟
- نعرف حتى أحلامك.نعرف أجدادك من شاهين إلى جُليّات، ومن إبراهيم إلى كنعان، ومن عناق إلى آدم!!
- يا إلهي! نسيت أنكم تعمرون دهوراً. أشكر لكم نبل مشاعركم. سأحاول أن أقتل آهاتي وأبدد وطأة اندهاشاتي وأستجمع حواسي ومداركي لأغرق في نسيان عالمي الأرض سفلي، وأحيا في كمال عالمكم السماوي.
- ألا تريد أن تمتع1 عينيك بمرأى داخل قصري؟
- لم يتح لي أن أمتع عيني به من الخارج بعد، فأنا لا أعرف بماذا أتمتع هنا لكثرة الأشياء الممتعة.
طارت بي لنحلّق معاً على مسافة من شرفات القصر الذي بدا لي كلحن سيمفوني جُسّد في منحوتة كونية سامقة إلى ما لانهاية، تعجز اللغة عن وصف جمالها. وقد تراءى لي للوهلة الأولى أنني أبصر مثلثاً من الكنائس القوطية هائلة الحجم، انبعثت منه عشرات الكنائس، الواحدة من الأخرى لتشكل برجاً هائلاً من ثلاثة أضلاع كنائسية تتصاعد بشكل هرمي لتلتقي في الأعالي. لكن ما أن دققت النظر حتى وجدت نفسي أمام طراز فريد من البناء يمزج بين جماليات المعابد والمساجد والكنائس والقصور في آن واحد. سألت الملكة وأنا لا أعرف هل أغرق بجمال وجهها أم بجمال القصر الشامخ كطود:
- كم مساحة قاعدة قصرك؟
- تسعة وأربعون مليون متر مربع؟
- وكم ارتفاعه؟
- تسعة وأربعون ألف متر!
- كلها تحت الماء؟
- بل معظمها فوق الماء
- وهل هو ثابت أم عائم؟
- إنه عائم، لكنه يثبت حينما أريد له أن يثبت!!
- وكم طابقاً يحوي؟
- سبعة آلاف طابق!
- ما شاء الله! وكم شقة في كل طابق؟
- شقق النوم وحدها في الطوابق كلها تسعة وأربعون ألف شُقّة.
- أي بمعدل سبع شقق في كل طابق؟
- تقريباً، فالبناء هرمي، وفيه أيضاً مسارح ومكتبات وصالات سينما وقاعات وصالونات ومتاحف وحدائق ومتنزهات ومراقص ومسابح وشلالات وينابيع ومطاعم وغير ذلك، وينتهي في الأعالي بشقة واحدة فيها عرشي وحجرة نومي المفضلة!
- تنامين هناك في الأعالي؟
- غالباً، وأدير شؤون مملكتي من هناك أيضاً.
- وكم شقة نوم لديك في القصر كلُّه؟
- ألف شقة!
- وما حاجتك لألف شقة نوم؟
- لا توجد شقة نوم مثل الأخرى، فشقة نومي التي في الأعالي مثلاً نصف كروية، ويغطي سقفها القوسي مرآة ماسية، ويتوسطها سرير دائري سباعي!
- وهل تنامين بجسدك السباعي على الأسرّة السبعة؟
- بل على السرير السباعي.
- يُحيّرني جسدك هذا بسباعيته التي لا أفهمها.
- ليس من السهل علينا أن نفهم حكمة الخالق، فأنا واحدة في سبع، وسبع في واحدة! وحدانيّتي في تعددي، وتعددي في وحدانيّتي، لا الواحدة تنفصل عن الكل ولا الكل عن الواحدة‍‍‍‍‍!
- وماذا عن هذا التوحد مع مثيلاتك من السباعيات والسباعيين وغير السباعيات وغير السباعيين؟
- كل واحدة منا
وكل واحد
كل كائن في عالمنا
وما هو غير كائن
يتوحّد بالآخر.
كما الصفر
يتوحد بكل الأرقام
وكل رقم بالصفر
يتوحّد!
- وهل تتوحدون بالذات الإلهية أيضاً
وتتوحد هي بكم؟!
- واحديّة الله هي الأصلُ
هي الأساس والنبعُ!
هي رعشة الروح
السارية حياة في الكون!
هي نقطة الماء
في النهر والبحر
في التراب والجسد
في النبات والحجر
لولاها لما توحدنا
ولولاها لما تعددنا
ولما كان تعددنا
في توحدنا
وتوحُّدنا الأبدي
في تعددنا
هي الكلُّ في الكلِّ بالكلِّ
والكلُّ في الكلِّ بالكلِّ هي!
تسري بحركة دائبة
في غيهب الكون
والكائنات!
***
حمدت الله أنني مثقف بعض الشيء وإلا لضعت في فلسفة وشعر الملكة "فاتنة السماوات." سألتها:
- لنترك توحدكن بالوجود، ونبقى مع توحدك السباعي، فهل كل جسد من أجسادك السبعة يشبه الآخر في كل شيء؟
- أجل،لكن الله منحني القدرة على أن أغير شكلي إلى سبعة أشكال نسائية مختلفة إذا ما أردت ذلك، دون أن أفقد حواسي المشتركة في الأشكال السبعة!
- وتحسُّ كل واحدة وتدرك ما يحدث مع الأخرى؟
- تحسُّ بكل شيء وتدرك كل شيء وتتمتع بكل شيء.
- سبحان الله!
ونظرت خلفي وإلى ما حولي لأرى أجساد الملكة تحيط بي محلّقة في رقرقة الماء. همست إليها لأجزم بفهمي لما قالته:
- هل إذا قبلتك الآن يتذوّق جسدك السباعي طعم القبلة؟
- ويستمتع بها أيضاً!
- خسارة! أنا لن أستمتع إلا بطعم قبلة واحدة، وهي ليست كافية لأن تنسيني حزناً بحجم الأرض التي خلّفتها على بعد مائة مليون سنة ضوئية!
ولا يمكن لأحد سوى الله - جلّت قدرته - أن يتصوّر مدى دهشتي حين هتفت الملكة:
- سأحيلك إلى رجل في سبعة رجال إذا ما أردت!!
فتحت فمي على وسعه، وأطبقت بيديّ على رأسي ورحت أتساءل:
- وهل هذا ممكن؟
- ليس ذلك على الله بعسير!
- وأتمتع بطعم سبع قبل في آن واحد؟
- ستتمتّع بطعم كل شيء!
- وتستضيفينني ولو لساعة في عرشك السماوي على سريرك السباعي الدائري في الحجرة الماسية؟!
- بكل سرور!
- وإذا ما استطاب لي المقام ولذة الرّعش السباعي، هل تقذفينني من أعالي السماء؟!
- أقذف نفسي قبل أن تسوّل لي نفسي بقذف ضيفي.
فاجأتني بشهامتها، ووجدت نفسي أغرق في الصمت والخيال السباعي المثير!
أشارت بحركة من يدها وإذا بإنارة القصر الخارجية تخفت، لينار القصر من الداخل، لأجد نفسي أمام جوهرة كونيّة تحاكي الوجود، وتسامِق قوام السماء، وتتلألأ مشعة بأبهى الحُلل، لتتجلّى روعة الخلق. ورحت أتساءل في خيالي عمّا سيكون عليه قصر الملك إبليس الذي قال لي أن ارتفاعه ألف كيلو متر!
***

[3] - ملكة السماء تعد الأديب بالنّسيان
ولم أتنبّه لنفسي إلا والملكة تحلق بي صاعدة إلى أعلى، لنشق الماء كالرماح وننطلق في الفضاء، فهمست، دون أن أدري أنني باسم الحب همستُ:
- إلى أين تحلقين بي يا مليكة قلبي؟
فهمست هي أيضاً باسم الحُبِّ:
- إلى أعالي الأعالي ياحبيبي
حيثُ عرشي
وأجمل سرير حورية ملكيّ
مارت عليه أجسادُ العُشاقِ
في لجّة الغرام.
فهمستُ:
- وهل حقاً سأرتشف من شفاهك
شهداً،
وألثمُ أعناقاً تضوّعت بالأرِيجِ
وأنسى سنيَّ حزني
في عشق التراب المقدسيّ
وأجرعُ من نهديكِ السباعيين
كأس المرام؟!
فراحت تنشد متحدية ونحن نحلق كالنوارس عبر الفضاء وبين النجوم والأقمار إلى محاذاة القصر السامق في الأعالي:
سأنسيك يا حبيبي
ليالي الدفء في ظلّ الزمهرير!
ورغد العيش في أزقّة المخيّم
الموحلة
وأعراس العشاق في الجليل.
*
سأنسيك رجع الصدى المرتد
من رحيل القنابل عبر البحر
وتلويحة ضفائر الصبايا في
غزّة وأريحا
من تحت أشجار النخيل.
*
سأنسيك ذكريات الزعترِ
والزغاريد في وداع الزنابقِ
والدُّموعَ
ونفاد الصبر في صبرا
واستشهاد العنب في الخليلْ.
*
سأنسيك الماء وخبز الشعيرِ
وشرب الشاي مع الخمّاري الساخن
حول المواقد في الصباحِ
قبل أن يطير النعاسُ الثقيلْ.
*
وأنسيك الزيت والزيتون
والشراك وخبز الطابون
وغفوتك بين المعزِ
في البطين
عند الأصيلْ
*
سأنسيك لون السماءِ
وهضاب المنطارِ
جبل الزيتونِ
وشذا البرتقالِ
وأُنسيك الذُّبيحَ والقعفرانْ
وقيلولة القطعان في ظلالِ الصخورِ
ونطاح الكباش على الغدرانْ
*
سأنسيك يا حبيبي:
خرير المياهِ في سيلِ القلتِ
وثغاء المعز في البطاحِ
وتطريزات الحرير في قبة ثوب أمّك
والطيلسان!
وطريق رام الله
ودرب الآلامِ
وبابَ السباطِ
والغيصلان!
وصياح الديوك قبيل الفجر
وموسم النبي موسى
وأمَّ الغيثِ
والزعفران!
ونباح الكلاب حول الحظائرِ
وصلاة الجمعة
وموسم الحجِّ
والبيلسان!
*
سأنسيك ألوان القوس القُزحيّ
فوق قمم جبال القدس الشرقيةِ
وانكسارات أشعة الشمس الصباحيةِ
من (أبراج) الكنائس والمساجدِ
وأنسيكَ الأرجوانْ
*
سأنسيك آهات النّايات على الحنين
ورجع أراغيل الرعاة من الأودية
وسفوح الجبال
وشدو أوتار الرّباباتِ
في مضافات القرى
ومضارب العشائرِ
بثارات المهلهلِ
وتغريبة بني هِلالْ
*
سأنسيك رجدَ غمور الحصادِ على القوادمِ
وحرَّ القيظِ على البيادرِ
وآذان الفجر من قمم التلالْ
وقرع أجراس الكنائسِ
حداداً على ذبح الصلاةِ
واندياحَ شرق الزيتون
الظلالْ
*
سأنسيك يا حبيبي ليالي الحِنَّاءَ
وزفات العرسان على الخيولِ
وتراويد الفوارد في الأعراسِ
وأغاني طلعةِ العروسِ
وأهازيج الحصادِ وجدِّ الزيتونِ
واستقبال جدك لشروق الشمس
مع دلة القهوة
من خلف الجبالْ
وأنسيك بهاء البدر فوق القدسِ
وظهور الهلالْ
*
سأنسيك الدبكة والدّلعونا
والسامِرَ والعتابا
ويمّه يا مويل الهوى
ووين عا رام الله
وفيروز والميجنا
وعلاّ والهجيني
والأطلال
ومناجاة العشق عند التُّرعِ
في الليالي المقمرة
والحبِّ غير الحلالْ
*
سأنسيك ساق"ثريا"
وهي تتسلق في وادي النارِ
الصخورْ
وأنسيك نايك وخنجرك وعصاكَ
وكوفيّتك وعقالك
والأرغولْ
سأنسيك أغاني وتهاليل أُمِّك لكَ
وأنت في المهد صغير
سأنسيك أرجحة الحِذلِ
وسقف الكهفِ
وثدي أُمّكَ
وطعم حليبه
وظريف الطولْ
*
سأنسيك ورود الصبايا مع الحمير
بالقِرَبِ والصفائح والبراميلِ
ورفقة الكلابِ
إلى إمداسِيسَ ونبع الماءْ
وأنسيك جرع الحليبِ
من ضِرع الصبحاء
بين القطيعِ
في الحنواءِ
مع خبز الغداء
*
سأنسيك أمَّ البقِّ!
ومغارة الغولةِ!
وشعاب الدّمنةِ!
وطورَ القمراءِ!
والبـقعةَ!
والقبورْ
وأنسيك من ليالي رمضان
صحوة السحورْ
والتنصّت إلى دبة المدفع
من فوق جدار العزبةِ
وأنسيك قمرَ الدين
والملوخيّة
مع الفطورْ
*
سأنسيك الحجلَ والفرَّ والقطا
واللقالق في سهوب الربيع
وشقائق النعمانْ
وأنسيك الدفلى والخزامى والسوسنَ
والأُقحوان
والحرمل والبابونج والميرميّة
والبلبسانْ!
وأنسيك في السفوح
الثعالب والأيائلَ والأرانبَ
والغزلانْ
سأنسيك الخراف والجداءَ
والفطائم والسخالَ
والحملانْ
وموسمَ الإنجابِ
وحالك المزرية
وأنت تولّد في لجّة العواصف ِ
الأغنامْ
*
سأنسيك الجروف والسدود
والوِهادْ
وعراك الحمير والقطط والكلاب
وشبق المعزِ والنعاج
ونطاحَ الكباشِ والتيوسِ
في أشهر السفادْ.
سأنسيك أعشاشَ الصُّقورْ
ومن أعالي الجبالِ
أعراشَ النُّسورْ.
*
سأنسيك نشر ثياب الراحلين
على حبال الغسيلْ
ووقعَ سنابك الحوافر
لخيول الفاتحين
وأنسيك الصهيلْ
وأسراب اليمام
في فضاء القيامةِ
وعلى أسوار الأقصى
وشرفات المكبّرِ
ورأس العمودِ
وسلوانَ
وأُنسيك الهديلْ
*
سأنسيك أعشاش القبّراتِ
وأوكار الزنابيرْ
وزقزقة العصافير في حقول الربيعٍ
ونسائم الريحِ في الكرومِ
وتموّجات السنابلِ بألوانِ الغروبِ
وبحبشة الدجاجات
في الحواكيرْ
*
سأنسيك يا حبيبي:
جدثَ أمكَ
ورفاتَ جدِّكَ
وأرماس السالفينْ
والتعوّذ من الشيطانِ
عند الصلاةِ
وقراءةِ القرآنِ
والآذانِ
والنكاحِ
ولعنته عندَ الخصامِ
والزنى
وارتكاب المعاصي
والتطهيرْ
*
سأنسيك قمح تموز القتيلْ
وبسمة أُمٍ نجا ابنُها
من مجزرة الخليلْ
سأنسيكَ:
عكّا وحيفا والجليلْ
* * *
بلغنا عرشها السماوي، وهبطنا كالملائكة على الشرفة الملكية وأنا أحدق إليها مشدوهاً مفتوناً بجمالها وروعة أشعارها، وإجادتها للغتي كما أجيدها، ومعرفتها لهذه الصور من ذكرياتي، مشككاً في قدرتها على أن تنسيني كلَّ الصور التي في ذاكرتي، مهما كان وصالها لذيذاً وخمر نهديها مُسكراً ومنسياً، إذ ثمّة ملايين الصور في ذاكرتي، فهل يمكن أن تنسيني إيّاها كلها، لأتخلّص نهائياً من ذكرياتي الأرضية وأتوحد مع هذا العالم بكل أحاسيسي؟!
انفتح باب في جدار العرش.أشارت بيدها وهمست:
"هيا أدخل وكفاك إندهاشاً وتحديقاً إلى وجهي"
ألقيت نظرة على السماء المزدانة بعشرات الأقمار والنجوم، ومددت يدي لأناوش قمراً حطّ بهالته النورانية فوق برج القصر، فلم أتحسس النور الذي صبغ يدي بلونه القمري.
نظرت إلى أسفل لأرى البحر الذي صعدنا منه بادياً من سُحب الغيوم، التي تبعثرت كقطعان ترعى في السهوب بين مئات النجوم والأقمار.
قالت:
"سترى النجوم والأقمار من نوافذ مخدعي" وكررت إشارتها لي لأن أدخل إلى المخدع الملكيّ، فترددت متسائلاً:
- لكن ما هذه الأقمار النورانية في سمائكم؟
قالت وهي تشير بيدها إلى السماء:
- كل الأقمار والنجوم القريبة التي تراها هنا وهناك في الأعلى والأسفل، هي هالات من نور فضّلنا الله بها عن كواكب الإنس، أما الأقمار والنجوم الكوكبية فهي تلك التي تبدو بعيدة.
ووددت أن أسألها لماذا فضلهم الله علينا نحن معشر الإنس، لو لم تقدني إلى داخل المخدع الملكي الذي بدا لي بحجم حلبة لمصارعة الثيران، أُفرد فيها سرير دائري هائل، وانعكست صورته من السقف الماسي المقبب نصف الكُروي. وقد عبقت في الجو رائحة ذكية قالت لي أنها أريج المسك والعنبر.
وتوزعت من أماكن مختلفة إنارة خافتة بثّت ألواناً هادئة وسط بريق الجواهر التي كانت تزين حواف السرير الملكي، والمناضد والمقاعد ورسومات السقف.
تساءلت في نفسي عما إذا كنت أقف في مخدع إلهي، وإذا بالملكة تحتويني إلى حُضنها وتبادلني قبلة خفيفة كنسمة، وتهمس بغرام:
"ذروة كمال المتعة لن تتحقق لي ولك إلا إذا أحلتك إلى سبعة رجال"!
تخوفت من هذا الجنون الشيطاني رغم أنني متعطش إلى الغرق في المتعة ـ حتى غير الكاملةـ وظمئ إلى النسيان.
تساءلت:
- هل سأبقى أنا أنا أم سأتوزع في سبعة رجال؟!
- ستبقى أنت أنتَ، واحد في سبعة، وسبعة في واحد!
وأحسست أنها فرصتي المثلى لأن أغرق في خضم الرعش الكوني، وأنسى كل الأحزان والآلام والعذابات التي أورثني إياها كوكبي الأرضي.
همست لها:
- موافق يا مليكة قلبي.
فَرِحت وهمست:
- هل تفضل أن تكون في سبعة يشبهونك أم يختلفون عنك؟!
لم أدرك ماذا تقصد بالضبط، فقد كنت أظن أنني سأتعدد فقط، في سبعة يشبهونني تماماً.
تساءَلت بدهشة خجلة:
- تقصدين سبعة يختلفون عنيّ في كل شيء حتى في اللون والطول والعمر وحجم الأعضاء التناسلية؟!
فقالت ببساطة متناهية:
- أجل أجل ياحبيبي.
لم أصدق ما سمعته أذناي، وإن كنت قد قبلت بفكرة أن أتعدد أو أتناسخ أو أنفصم أو أتشكل في سبعة رجال يشبهونني تماماً- بل هم أنا- غير أنني لم أقدر أن أتصور نفسي في سبعة رجال، ستة منهم قد لا يشبهونني ولا بأي شكل!
لو أن الأمر يقتصر على الأعضاء التناسلية وحدها، لكانت الفكرة مقبولة وربما مثيرة وممتعة طالما راودني بعض الخيال أحياناً أن يكون عضوي أكبر قليلاً، وأحياناً أكبر كثيراً، لكن ليس سبعة أعضاء!!
أيَّة خيارات هذه التي تطرحها الملكة علي، هل يعقل أن أقبل بهذا الجنون؟ مستحيل!
ورحت ألوم نفسي لهذه الثقة الحمقاء التي وضعتها في الشيطان،وتوقعت لحظتئذ أن أكون واقعاً في شرك مرعب قادني إليه إبليس بدهائه مستغلاً مأساتي وتحطيم آمالي وانهيار أحلامي، وسعيي إلى الهروب والنسيان. وها هو يضعني بين أيدي هذه الحورية الشيطانة خارقة الجمال لتغرقني في دروب الضلال، وأنا رجل ضعيف مرهف الإحساس، يقتله سحر الجمال. فكيف سأقاوم سحر هذا الجمال الرباني وأتناسى رغبتي المجنونة في التوحد معه، لكن ليس عبر هذه الآفاق المرعبة التي تطرح أمامي.صحيح أن الملكة لم ترغمني على ذلك حتى الآن، لكن، واضح أنها تستدرجني شيئا فشيئا إلى عوالم مرعبة بفتح آفاق هذا التعدد أمامي، حتى إذا ما غرقت فيه، انتهى أمري إلى عالم لا يعرف عواقبه إلاّ الله، عالم قد يلغي وجودي، وقد يضللني، وقد يُحيلني إلى كائنات غير معقولة، فمن يضمن لي مثلاً أن الملكة لن تبقيني في سبعة أشخاص حتى لو كانوا يشبهونني، فلا يعقل أن أعيش باقي حياتي سباعياً. يمكن أن أقبل الحالة لمرة أو بضع مرات في السرير،أما أن أظل طول عمري في سبعة أشخاص، يسيرون معي ويعملون معي ويأكلون معي؟! مسألة جنونية، فأنا لم أكن أطيق النوم حتى مع عشيقتي في غرفة واحدة، وحتى نفسي لا أُطيقها في أحيان كثيرة فكيف سأطيق النوم مع سبعة أشخاص؟!
لم أحس بحاجتي إلى الله كما أحسست بها تلك اللحظات الصعبة، وأنا أقف حائرا أمام هذا الجمال الذي خلقه ومنحه كل هذه القدرة بحيث نقف حيارى ومشدوهين أمام سطوته وسحره. ولا أعرف لماذا أحسست أن الله تخلى عني حين وضعني بين يدي الشيطان و"فاتنة السماوات" وأنا لا أحتمل فكرة أن يتخلى الله عني، حتى لو لم أكن في أمس الحاجة إليه.
وأحسست للحظات أن إيماني لم يكن حقاً، أو لم يكن كما ينبغي، لذلك تخلى الله عني، فأنا وللحق كنت متعصباً للدين الإسلامي بعض الشيء.وربما غضب الله مني لذلك، وكنت أحب يسوع المسيح ومريم العذراء وربما غضب لذلك،وأدركت لحظتها أن مأساتي مع الله قد تكمن هنا.فأنا كمثقف بعض الشيء لم أكن حاسماً في تصوري للوجود الإلهي، بعد أن اطلعت على عشرات الأديان وأعجبت ببعض التصورات والمعتقدات والمفاهيم لوجوده فيهادون أن أتخذ القرار الحاسم باتباع دين معين دون سائر الأديان، وأطبق شرائعه وتعاليمه،حتى أنني كنت معجباً ببعض الفلسفات الهندية والصينية التي تبحث في سر الوجود دون أن يكون الوجود الإلهي هو همها أو غايتها كالبوذية والكونفوشيّة واللاوتسيّة والجاينيّة وغيرها.
والحق إن مسألة اتخاذ قرار حاسم لم تكن مسألة سهلة علي، وإن كنت أعتبر نفسي مسلما بحكم انتمائي الديني واطلاعي على الدين الإسلامي ومعايشتي له أكثر من غيره من الأديان، ثم إن الوجود الإلهي في الدين الإسلامي موغل في المطلق واللانهائي، كما هو موغل في الديانة الهندوسيّة. ولا أعرف بأي كلام يمكنني أن أخاطب الله في هذه اللحظات الصعبة التي أواجه فيها نهدين تجلت فيهما روعة وجمال الخالق، فأنا أدرك أن الله أكبر من أن يُعبّر عنه الكلام، رغم عظمة الكلام، وليس في مقدوري وأنا في هذا الوضع أن أتعرى وأقف تحت شجرة إلى أن يلتصق جلدي بعظمي أو أتوصل إلى الحقيقة كما فعل بوذا، ثم إنني لا أُحبذ هذه الطريقة البوذية في الكشف، كذلك لا أحبذ أن أسيح بأودية مكة وبالجبل المقطّم على غرار ما فعل ابن الفارض طوال خمسة عشر عاماً.


[4] الأديب يبحث عن الله في قلبه
أدركت الملكة أبعاد الصراع الذي يمورُ في دخيلتي. فاحتوتني إلى حضنها وضمت رأسي إلى صدرها دون أن تنبس بكلمة، وتركتني أصارع نفسي كما أشاء، وأخاطب إلهي كما أشاء، بل إنها أوحت إلي وهي تملس على صلعتي وتربت على ظهري بلطف شديد، أنها لن تطلب مني شيئا، ولن تعرض علي شيئا،حتى أنني لم أعد أشعر بباقي جسدها السباعي..
وأحسست بها تحرك جناحيها لتحتويني بهما أيضاً، وعبثاً حاولت أن أشعر بالطمأنينة والأمان، فأنّى لي أن أشعر بهما بعد أن دبّت الوساوس في نفسي،ثم إن الملك إبليس الذي منحني التواصل معه بلغة التخاطر، لم يعد يخاطرني ولو بكلمة تطمئن نفسي، فهو دون شك يعرف من أعماق بحره كل ما يدور معي وما تصطرع به دخيلتي، ويتركني أصارع هذا القدر منفرداً لا حول لي ولا قوة، إلا القليل من المعرفة، والقليل من الإيمان، ولا أعرف فيما إذا فيهما ما يمكنه أن يُبقي الله في قلبي، ويجعله يقف معي في محنتي ولا يتخلى عني!
شحذت أفكاري وأطلقت العنان لمخيّلتي، وأنا ما زلت بين أحضان مليكة السماء، ورحت أخاطب الله تذاهناً، بكل ما يمكن أن يرقى إليه الذهن، وخيال المؤمن الحق، الذي لا يحتمل ولا يتصور ولا بأي منطق أن يفارق الله قلبه ونفسه حتى لو لم يكن الله موجوداً:
أللــــــه
أ. ل. ل. ه. الله. إلهي
إن كنت الواحد الأحد
أو كنت الله الصمد
الذي لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفواً أحد
لا أحتمل أن تتخلى عني.
*
إن كنت يسوع المسيح
أو الأب والإبنَ
والروح القُدُس
أو الرسول الكريم
أو النورَ المحمّديَّ
أو الإمامَ عليَّ
لا أحتمل أن تتخلى عني.
*
أن كنت إله موسى وهارون
أو كنت يهوه
أو كنت التّاو
أو كنت كونفوشيوس
أو كنت بوذا
لا أحتمل أن تتخلى عني
*
إن كنت براهمان
أو براهما وفشنو وسيفا
أوكريشنا أو المهافيرا
أوأهورا مازدا
أو أهيرمان
لا أحتمل أن تتخلى عني
*
إن كنت إيل أو بعل أو عشتار
عِناتَ أو تمّوز
أو كنت رع أو نونو أوسيت
أو كنت إيزيس أو إيزيريس
لا أحتمل أن تتخلى عني
*
إن كنت أورانوس أو كرونوس
أو زيوس
أو كنت الّلات والعُزى
ومناة الثالثة الأخرى
أو كنت مانوّياً أو صابئياً
أو حنفياً
لا أحتمل أن تتخلى عني
*
إن كنت الجن والشياطين
أو كنت الملائكة
أو كنت الملك إبليس
أو ملكة السماء
التي أتوق إلى الإرتواء
من نهودها الأربعة عشر
لا أحتمل أن تتخلى عني.
*
إن كنت الشمس والقمر والزهرة
أو كنت كل الكواكب والنجوم
أو كنت كل الآلهة السالفين
وكل الآلهة اللاحقين
أو كنت الحجر والشجر
أو كنت الفضاء
أو كنت السديم
أو كنت السماء
أو كنت النور والظلام
أو كنت الماء والهواء
لا أحتمل أن تتخلى عني.
*
إن كنت الحواس والعقول
أو كنت الشعور والإدراك
أو كنت الذهن والإحساس
أو كنت النطق والكلام
أو كنت ك ن ت كنت
أو كنت كنت الألف
أو كنت أ ل ل ه
الله الله
أو كنت كنت
الحروف
أو كنت الرعش و اللذة
أو كنت السكون و الحركة
أو كنت السالب والموجب
أو كنت الطاقة والشهوة
أو كنت الحياة السارية
أو كنت الحق والخلق
أو كنت الوجود والعدَم
أو كنت الفكر المجرد
أو كنت الهيولى البدئيّة
أو كنت النفس والروحَ
أو كنت الخفاءَ
وما يدور في الخفاء
أو كنت القاع الساكن للكون
أو كنت الجمال و الكمال
أو كنت الذات العليّة
أو كنت المحبة والحكمة
أو كنت الأسماء والصفات
أو كنت الأنوار الإشراقية
أو كنت الرب والرحمن
أو كنت كنت القدر
أو كنت كنت مُنزّهاً
عن الأسماء و الصفات
لا لا لا أحتمل
أن تتخلى عني.
*
إن كنت الكون
والكائنات
وما يصدر عن الكون
والكائنات
وما يدور في الكون
والكائنات
وما لا يدور في الكون
والكائنات
وما هو فوق
ما لا يدور
في الكون
والكائنات
وما هو فوق الروح
وما هو خلف ما فوق
الروح
وما هو خلف خلف
ما فوق فوق الروح
لا لا لا أحتمل
أن تتخلى عني
***
إن كنت الكُلَّ في الكُلِّ
أو ما هو فوق الكلِّ
في الكلِّ
أو كنت أنت أنا
وكنتُ أنا أنتَ
لا لا لا أحتمل
أن تتخلى عنيّ
*
إن كنت خرافة
أو كنت حكايةً
أو كنت أسطورة
ألفّها البشرُ
وكنت أنتَ أنا
وكنتُ أنا أنتَ
لا لا لا أحتمل
أن تتخلى عني
*
إن كنت الأول وليس قبلك شيء
والآخر وليس بعدك شيء
أو كنت الأولَ وليس لك بداية
والآخر وليس لك نهاية
أو كنت الأصغر وليس داخلك شيء
والأكبر وليس خارجك شيء
لا لا لا لا أحتمل
أن تتخلىّ عنيّ
*
إن كنت أنتَ العدم
أو ما قبل العدم
أو ما قبل قبل العدم
أو ما قبل قبل قبل العدم
وكنتَ أنتَ أنا
وكنتُ أنا أنتَ
أو لم تكن أنتَ أنا
ولم أكن أنا أنتَ
فلم يبق لي إلاّ أنت
وليس لي إلاّ أنت
ولا لا لا أحتملُ
أن تتخلىّ عنيّ يا إلهي
لا أحتملُ أن تتخلىّ عنيّ
فابق قريباً من قلبي
ابق قريباً من جنبي
وكن معي،
كن معي في نفسي
كن معي في روحي
كن معي في حُبيّ
كن في عقلي وحواسّي
كن في شعوري و إحساسي
كن في ذهني و إدراكي ووعيي
كن في دمّي
كن في شراييني
كن في كُلّ مسامات جسدي
كن في كُلِّ خلايا عمري
ولتكن أنتَ أنا
ولأكن أنا أنتَ
فلم يبق لي إلاّ أنتَ
وليس لي إلاّ أنتَ
حتى لو كنت العدم
ليس لي إلا أنت
حتى لو كنت ما قبلَ العدم
ليس لي إلا أنتَ
ولم يبق لي
في كل الوجودِ
إلا أنت
ولم يبق لي
خارج كلِّ الوجودِ
إلا أنتَ
فلتكن أنت أنا
ولأكن أنا أنت
فلم يبقَ لي إلا أنتَ
وليس لي إلا أنتَ
ولا يُدركني إلا أنت
ولا يفهمني إلا أنت
ولا يسمعني إلا أنت
ولا يبصرني إلا أنت
ولا ينصفني إلا أنت
فلا تتخلى عنّي يا إلهي
لا تتخلى عنّي يا إلهي
*
إن كنت أو لم تكن
إن كنت أو لم تكن
لم يبقَ لي إلا أنتَ
وليس لي إلا أنت
فلتكن أنت أنا
ولأكن أنا أنت
فلا تتخلى عني يا إلهي
لا تتخلى عني يا إلهي
*
حتى إذا لم تكن
لم يبق لي إلا أنت
وليس لي إلا أنت
فلتكن أنت أنا
ولأكن أنا أنت
فلا تتخلى عني يا إلهي
لا تتخلى عني يا إلهي.
*
حتى إذا لو لم لم تكن
حتى إذا لو لم لم تكن
لم يبق لي إلا أنت
وليس لي إلا أنت
فلتكن أنت أنا
ولأكن أنا أنت
فكن معي يا إلهي
كن معي يا إلهي
واستمع إليَّ
و افهمني
وأغثني
وأعنيّ
فلم يبق لي إلا أنت
وليس لي إلا أنت
و لا أحتمل أن تتخلى عنيّ
لا أحتمل أن تتخلى عنيْ ‍!
*
إن كنت اللهََ اللهََ اللهََ
أو كنت اللهُُ اللهُُ اللهُُ
أو كنت اللهِ اللهِ اللهِ
أو كنت اللهْ اللهْ اللهْ
فلتكن أنت أنا ولأكن أنا أنت
فلتكن أنت أنا ولأكن أنا أنت
وإن لم تكن أنت اللهََ اللهََ اللهََ
أولم تكن اللهِ اللهِ اللهِ
ولم تكن أنت أنا
ولم أكن أنا أنتَ
وكنتُ أنا أنت
وكنتََ أنت أنا
ولم أكن أنا أنتَ
ولم تكن أنتَ أنا
ولم نكن نحنُ نحنَ1
ولم نكن نحنَ1نحنَ1:نحنَ2
فلنكن نحنَ 2 نحنَ 2:نحنَ 3
ولتكن أنتَ أنا
ولأكن أنا أنتَ
فليس لي إلا أنتَ
ليس لي إلا أنتَ
يا ألـلــه
يا ألـلـه
يا أللـه
يـــــــــــــــــا ألــــــلَّــه
***





[5]التطهر من عذابات كوكب الأرض بين أحضان ملكة السماء
أحسست براحة نفسية لم أستشعرها في حياتي. ثمة شيء ما كالخدر اللذيذ أو كالنشوة أحسست به يسري في كافة أنحاء جسدي.
كنت أبكي على صدر الملكة وأغسل نهديها بالدموع، ولم اعرف أنها كانت تبكي إلا حين أحسست بحرارة دموعها وهي تُلامس جبيني حين ألقت رأسها على رأسي، وظلت تحتويني كطفل رضيع دون أن تتفوه بكلمة.
خاطرني الملك إبليس حين أدرك أنني أنهيتُ تذاهني مع الله:
- هنيئاً لك يا أخي، هنيئاً لك، لقد حلّت روح الله في قلبك!
- ماذا تقول أيهّا الملكَ؟!
- إنها الحقيقة يا أخي!
- وكيف سأصدقك أيها الملك؟
- ألم أُقسِمُ لك قبل أن نصعد من الأرض أنني لن أغويك، فِلمَ راودتك الهواجس وعاودتك الشكوك؟
- لا تؤاخذني أيها الملك فلم يُصدقك أيٌ من البشر منذ آلاف السنين، فكيف سأتخلص من شكوكي وأضع ثقتي المطلقة بك بكل هذه السهولة؟‍‍‍‍!
- أنا في غاية الحزن من أجلك، ولأنك غير قادر على أن تثق بي. ماذا في مقدوري أن أفعل لك لتحسَّ بالأمان والطمأنينة؟
- لا أعرف أيها الملك. أنا في عالم غريب عليَّ، وأجد نفسي أمام خيارات متعددة وصعبة. لا أستطيع أن أتقبّل أياً منها بكل سهولة ولا أستطيع أن أرفضها؟
- هل تحب أن أعيدَك إلى بيتك على الأرض لعلّ نفسك ترتاح وقلبك يطمئن؟‍‍!
- لا لا أرجوك
لا أريد العودة إلى الماضي الذليل
ولا أريد العودة إلى الوحدة والاغتراب
لا أريد الرجوع إلى الفناء
ولا أريد العودة إلى الرصاص
ولا أريد العودة إلى القنابل
ولا أريد العودة إلى الزلازل
ولا أريد القصاص
أريد الخلاص!
*
لا أريد العودة إلى
ليالي الشتات
ولا أريد العودة إلى الحفا
ووأد البنات
لا أريد العودة إلى ظلم
أفلاذ الأكباد
ولا إلى رؤية القيء
على أرصفة المخيمات
لا أريد العودة إلى ظبية
رعيتها ثلاثة وعشرين"قرناً"
بأهداب الجفونِ
وحين احتجت إلى حنانها
مز‍ّقت قلبي بطعن المرُهفات
*
لا أريد العودة إلى بيع
حُثالات برلين
لأُضيع نفسي
وليمتطي الفقراء
و"الأعدِقاء"
والسفهاءُ
رقة قلبي
وكرمي
وشهامتي
وقناعتي
ويدعونني أغرق
في جحيم الدين
والعوز
والليالي المُجحفات
*
لا أريد العودة إلى حضن عدوّي
ولا إلى حضن عديقي
ولا إلى حضن صديقي
ولا إلى ظلمة الغرف
الزوجيّة
والنساء الغبيّات
*
لا أريد العودة إلى صلاة الجنابة
بعد " الإنتصارات "في صولات
الكر والفر والمحبة
ووصال المارقات
لا أريد العودة لأن أكون
إماماً ومصلياً وكومبارساً
في كل الحماقات!
لا أريد العودة إلى لا ظلال
الاتحادات والنقابات
وعُريِ الدُّول
والطائفية
والجنسيات
والقوميات
ونفاق الأحزاب
والحركات
والمنظمات
*
لا أريد العودة إلى الضجيج والضجر
وإلى مكر الأصدقاء
وإلى ناقة هجينة
غدرت بصاحبها
في هزيع من الليل
وإلى عقول من حجر
*
لا أريد العودة إلى الصمت
وإلى جدران حجرتي الضيقة
أو إلى البلاد الحُجرةِ
أو إلى سقَر
لا أريد العودة لأرثي كتبي
التي لبست علي ثياب الحداد
حين بعتها لتجار الكلام
بأسعار بخسة
كي لا أدع القديد
في بيت أولادي
يُفتقرْ
*
لا أريد العودة إلى براءة
غدت حماقة
فكانت خطأ عمري
الذي لا يغتفر
فارقتها
وتأبى أن تفارقني
أردت أن أجعل منها
كائناً إنسياً
فحررتها
وأعفيتها من زخم
التكاثر الفلسطيني
وفضّلتها على نفسي
في المسكن
والملبس
والمأكل
والسرير‍‍!!
ومنحتها حرية العمل
دون أن أدري أن الحرية لا تمنح
لحمارٍ
أو حجر
فقد أصبحت
في سبيل رسالتي -
أسير مكتبٍ
بحجم فرج العقربِ
ولم تشعر بي
وأصبحت هي القمرْ!!
*
أنا متعب أيها الملك
أنا متعب أيتها الملكةُ
ساعِداني !
- خاطِرنا بحزنك أَيهّا الأديبُ
طهر روحك من هموم وآلام
وعذابات الأرض
فهذا يساعدك
على إراحة نفسك
وطمأنة قلبك
ويعمّق توحدك
مع الله القدير.
- آه أيها الملك
آه أيتها الملكة
أحزاني بحجم الكون
ولا أود العودة
إلى الماضي الذليل
فهل أعودُ إلى
مئات الأعدقاء
الذين ما أن علموا
بخواء جيوبي
حتى "لطّوا" مالي
عندهم من ديون
وأنكروا حقوقي عليهم
وتبخروا كالندى
في السماء؟!
*
لا أريد العودة أيها الملك
لأندم على شهامتي وكرمي
الذي فاضت به الموائد في دمشق
قبل أيام الجفاءْ
فأنا لا أحب الندمَ
على الكرمِ
حتى لو كان على البخلاء
والسفهاء
فأنا سليلُ أمّة عريقة
عرفت ذات يوم
بالشهامةِ
والشجاعةِ
والأصالةِ
والسخاءِ
والكبرياءْ
*
آه يا مليكة قلبي
والسماء
تعِزُ علي عراقة أمم
عرفت آن وعشتارَ
وإيلَ وبعلَ
وعناتَ ورعَّ
وتمّوزَ وبراهما
وبوذا والمهافيرا
وكونفوشيوسَ
ولاوتسه
وشوانغ تسه
وزرادشت
ويسوع المسيح
وماني البابليَّ
والنبيَّ محمد
والإسلام
والله العظيم
وابن العربيِّ
وابن رشد
وثربانتس
وشكسبير
وجوته
وهيسه
وروسو
وماركس ولينين
وكازنتزاكي
وإليوت
ومئات مئات العظماء
من الآلهة
والفلاسفة
والأدباء
والحكماء
والعلماء
والشعراء
والأنبياءْ
واندثرت هباءْ
واندثرت هباءْ
*
لا أريد العودة يا مليكة قلبي
إلى شاشة عطّلت ببرامجها
و"جوارحها"
وحماقاتها
ونفاياتها
العقولْ
وإلى صحافةٍ تذرُّ الكلام
على الجفونْ!
وإلى نقّاد وكتّابٍ
طبولْ
*
لا أريدُ العودة إلى
الفسادْ
ونفاق الأقلام
وتمثال الحرية
ورقصة الأمم
ومقهى الأمنِ
والعُروشِ
والقاراتِ
و لا أريد أن أذهب بعيداً!
في الخراب!
و لا أريد أن أعودَ
إلى الرمادْ!
*
لا أريد العودة إلى
الكلام الممنوعْ
والحرُوف الذبيحةِ
واللغات المنحورةِ
والحب المقموعْ
و"الحضارة" المنهطلةِ
من الأقمار الفضائيةِ
والميجروفونات
والمحبة القتيلة
وسلام الخنوعْ
*
لا أريد أن أخون دماء الزّنبقِ
وأصالح خصمي اللدودْ
و لا أريد أن أصفق
للمحررين الأعجفيين
ولا للحالمين
ولا للإخوان والآباءِ المؤمنينَ
ولا أريد السأم على الحدودْ
لا أريد السأم على الحدودْ!!
*
لا أريدُ غزّة
ولا أريدُ أريحا
ولا أريدُ "العربة"
ولا أريدُ
الجليلْ
لا أريدُ القدسَ
ولا أريد الأقصى والقيامةَ
ولا أريد مكةَ
ولا أريدُ
الخليلْ
لا أريدُ بيروتَ
ودمشقَ
وبغدادَ
وطهرانَ
وباريسَ
وواشنطن
وبرلينَ
وهافانا
وموسكو
وبكين
ولا أريدُ الأهراماتِ
ونهرَ النيـلْ
فأنا لا أتصوّرُ
أنا لا أتصوّر
أن تكون الدلعونا
"هاكيفاه"!
وأن تكون ترشيحا
"بتاح تكفا"
وأن تكون القدسُ
"اورشليم"
وأن تكون مريم العذراءُ
"راحابَ"
وأن تكون دليلة
"أستير"
وأن يكون جُلياتُ
"داود"
وأن يكون كنعانُ
"شمشون"
وأن يكون عِناقُ
أو أن يكون يسوعُ المسيحُ
"يهوذا"
ويكون عبد الناصرِ
"بيغن"
ويكون محمد
"يوشع"
ويكون اللهُ "يهوة"
أو"إيل"
وتكون فلسطينُ
"إسرائيلْ"
فإما أنا وإما هي
وإما المستحيل
فإما أنا وإما هي وإما المستحيل!!
*
يا محمدُ المسلمُ
يا عليُّ الأبيُّ
يا عمرُ العربيُّ
يا آيةُ اللهِ
يا عيسى المؤمنُ
يا إيفان الرهيب
اشمخ بعراقة أمم تندثر
وقاراتٍ تُهْزَم
ولا تحني هامتها
فهي لا تحلم بسلامٍ
ذليلْ
فالله يخيرك، الله يخيرك
بين أديم الأرض الفانية
وبين أن تمنح الكمالَ
والأرزاق
والحكمة
وتبث الحياة في الأرواح
وتبلّغ الأوامر الرّبانية
وتنفخَ في الصور يوم القيامةِ
وتتبوّأ في عرش الله
أمانة اللوح المحفوظ
مكانَ إسرافيلْ
وتتبوأ في عرش الله أمانة اللوح المحفوظ
مكانَ إسرافيلْ!
وتَ تَ تتبوأ في عرش عرش الله الله
أمانة اللوح المحفوظ
مكانَ إسرافيلْ!!
*
أنا أحب جمال عيون السلام
وأدرك أن الياسمين في دمشقَ
يعشق نسيمَ السلام
وأن الورود الجورية الجريحة
في حدائق بيروت
ظمئة للإرتواء من رحيق السلام
وأن الخيول العـربية الأصـيلة
تشرئب بأعناقها،وتطلق قوائمها
في مدى العلو الشاهقِ
وتجمحُ صاهلةً
لتطاول بنواصي رؤوسها
هامات السلام
وأن جراح عمان الدفينة
ترنو إلى كفكفة دموعها
لتضمّخ ضفائرها بشذا
عطر السلام
وأدرك أن الثلج الموحل
في روسيا
عطش إلى التّفلّي
تحت أشعة شمس السلام
وأدرك أن الكلام سئم الابتذال
ومتشوّق لأن يشدو بأشعار السلام
وأن الموسيقا فقدت عشقها
وتُرهّفُ الأوتارَ
لتصدح بألحان السلام
وأدرك أن سماء الكون
تُفرد فضاء صدرها
باكيةً تلوث سدائمها
والجراح التي أحدثتها
المركبات والمكوكات والطّائراتُ
في ظلال قمرها العليلْ
وتتوق حالمة بطلِّ
السلام الجميلْ
غير أني والياسمينَ
والورود
والخيول
وعمّان
والثلج
والكلام
والموسيقا
والسماء
لا نقبل ان يهبط السلامُ
على جثة الرّب القتيلْ
على جثة الرب القتيلْ
***
أنا تعبتُ أيها الملك
تعبتُ أيتها الملكة
أتفّ على الشعر والشعراء
والأدب والأدباء
وكل الفنانين والمثقفين
حين يُطأطئون هامة الشعر
ويحنون رؤوس اليراعات
أمام بريق الدولار
وسحر شاشات البلاط
ويمسحون الذقون
بدماء الخبز القتيل
ولا أتفُّ على المخاتير الطّواويسِ
لأنهم على الأقلِ
منسجمون مع أنفسهم
في شرب نخب يافا
والأقصى، والقيامة
ومحمد، ويسوعَ
وماركس، ولينين
على رُفات هابيلَ
والحسين، وعليٍّ
وعمر، وصلاح الدين
في ظلال سعف النخيلْ**
*
سألوني ياحبيبتي:
ما الفرق بينكَ
وبين الأدباءِ
والشعراءِ
والفنانينَ
والعلماءِ
والزعماءِ؟!
فقلت كالفرقِ
بين من يبحث عن
الله
وبين من يبحث
عن النفط
والدولارِ
*
أنا تعبت يا مليكة قلبي
والسماء
وأنا محتارٌ بين لذة خمر نهديكِ
وبين الفناءْ
ولا أريد العودة إلى الأرض
لأتسلم من
المتنبي و الحلاج
ومُظفّر ودرويش وأدونيس
ودانتي وجوته وهوميروس
ناصية الشعر
لأشدو على أوتار
ليالي حزني
الطويل
فأنا أمضيت عمري
ألوي أعِنّة بحور الكلام
وانحر الشعر في دخيلتي
وأقدمه قُرباناً لروحي
على طبق القوافي
كي لا أهدِمَ القصور
والمعابد
وأزلزل عرش الله
المسـتـحيـلْ
*
تعبت يا مليكة قلبي
من العويل
ولبسِ ثياب الحدادِ
على غزة وصـبرا
والخليـلْ
وبيروت والجنوب
وعدن والكويت
وطرابلس وبغداد
وعلى خيول المسلمين
المتطاحنة في كابول
والذّبيحة في البوسنة
والشهيدة في الشيشان
والشامصة في الجزائر
والصعيـد
والحالمة بيافا
والجليل
تعبتُ من البُكاء والنّدبِ
على جُليّات والحسين
وعليٍّ وهابيل
ولا أريد العودة
إلى الماضي
الذليل
لا أريد العودة إلى الماضي
الذليل
*
لا أريد العودة يا مليكة قلبي
إلى أنسٍ فقدوا الصدق
والودَّ، والبراءة، والأصالة
والذوق، والأمانـة
والإحسـاس
وأضاعوا الشهامةَ
وروح التكافُلِ
والثقة والشجاعة
والكبرياء، والتاريخ
واعتصموا بالكذب والنفاق
والمكر والحقدِ
والجشعِ والغدرِ
والأنانية والغباءِ
والظلم والدولارِ
والبطن والبُخلِ
واللا مبالاة والجُبن
والفُروجِ الشّروجِ
ووأدوا اللـه
والمحبة والعدلَ
والعقـلَ
والإخلاصْ
لا أريدُ العودة
إلى الناسْ
لا أريدُ العودة إلى النّاس!
*
سئمت يا مليكة قلبي
والسماوات
من التشكيك في هويّتي
ومن الأسئلةِ
والتدقيقِ
والزّجرِ
والتحقيق
في كل الدوائرِ
والمرافق
والحواجزِ والحدودِ
ونقاط التفتيشِ
ومحاكم العدالةِ
والمستشفياتِ
والعياداتْ
ومكاتب البريدِ والهاتفِ
ومحطات الباصاتِ
والتكسياتِ
والحافلاتِ
والمطارات
والسفنِ
والموانئ
والطائراتْ
والسفاراتِ
ومكاتب المنظماتِ
والجبهات التقدمية
والحركات التحريرية
والنقابات المهنية
والاتحادات النسائية
ومن قبل المُرافقين
والحراس
والقوّادينَ
أمام أوكار
العاهِراتْ
حتى غدا كوكبي
كُلُّ كوكبي
من المحيط المتجمد الشمالي
إلى المحيط المتجمد الجنوبي
دوائر أمـنٍ
وشرطةٍ
ومخابراتْ
*
قصدت يا مليكتي
شارعاً موحشاً منعزلاً
في كوكبي
لعلّه لا يسألني هويتي
وما أن خطوت عليهِ
حتى انتصب واقفاً
ليقلبني رأساً على عقبِ
ويفتح فماً مهولاً
ويمدُّ يداً مُلطخةً بالسوادِ:
"هويّتك"؟
هتفتُ:
- أمرُك سيدي الشارعُ
استقم على الأقل
لأستعيد توازني
بحق السماواتْ
فلم يقبل أن يستقيم
فأخرجت هوية اتحاد الكُتّاب
وأنا أقف رأساً على عقبِ:
"أديب"؟!
- نعم ورب الكائناتْ؟!
- ماذا يعني أديب؟!
ففكرتُ! فعلاً مع الشارع حقُّ
ماذا يعني أديب؟!
قلت دون تفكير:
أعلّم الناس المحبة والأدب
والأخلاق!
والكفّ عن النزّعاتِ والضغائنِ
والمشاجراتْ
استغرب الشارع الأمر
وتساءَ ل:
- وهل يوجد مهنة كهذه؟‍‍‍‍‍‍!
- أُف إنها مهنة محترمة
أقسم بالعذراءِ
وكل العذراواتْ
ألم تسمع بها؟
قال "لا" وسألني
هويّة غيرها
حتى لو كانت هوية قوّاد
أو سائق شاحناتْ؟!
فنقّزتُ كتفيَّ
وبزّمتُ شفتيَّ
وهززتُ رأسي
فزجرني وانتفض واستقام
ليقذفني بعيداً في الفضاءِ
وقعتُ على عشبٍ ربيعيٍ
في سهب بعيدْ
فرحت،ُ قلتُ هنا لن يسألني
الربيع هويّتي
ولن يخرج لي
أي من المخلوقاتْ
ولم أتنبّه إلا والعشبُ
يتشكل أمامي
لينتصب في هيئة رجلٍ مرعب
ويمدُّ يداً خضراءَ ويهتفُ
"هويّتك"؟!!
هربتُ إلى الصحراء
انتصبت الكثبانُ الرمليةُ أمامي
بهيئة جملٍ مُخيف!
هربتُ إلى البحرِ
خرج لي حوتٌ هائل
هربتُ إلى الغابة
خرجت لي شجرة سامقة
بهيئة فيل!
هربتُ إلى أعالي الجبالِ
هبطت أمامي صخرة
بهيئة رُخ!
هربتُ إلى المحيط المتجمد
خرج لي الثلجُ
في هيئة دب أبيض عملاق
هيّء لي أنه أحد
الديناصوراتْ!
فعدت يا مليكتي وسجنت نفسي
بين جدران غرفتي الضيقةِ
مع أوراقي و أقلامي و أحزاني
لعلني أشعر قليلاً بالأمانِ
وأتوحّد مع اللهِ
ولا يخرج لي أيّ
من أبناء
الزانيّاتْ
*
أنا متعب يا مليكة قلبي
وسئمت من كوني رقماً
في بطاقةٍ
على كوكبٍ يندَثرُ
ولا يعترف إلا
بالأرقام
والبطاقاتْ
ولا يعترف إلا بالأرقام والبطاقاتْ
ولا أريد العودة إلى
الحب القتيلْ
ولا أريد العودة إلى
الماضي الذليل
لا أريد العودة إلى الماضي الذليل
*
مثخن جسدي
مثخن كبدي
مثخن قلبي
مثخن جرحي
مثخن ألمي
مثخن قلمي
مثخن ورقي
مثخن شيبي
مثخن ظفري
مثخن حُلمي
مثخن كرَمي
مثخن عزمي
مثخن عقلي
مثخن سيفي
مثخن فرسي
مثخن حجري
مثخن شهيدي
مثخن طفلي
مثخن حقلي
مثخن وطني
مثخن وطني
مثخن كوكبي
مثخن كوكبي
وكل ما فيّ قتيل
وكل ما حولي قتيل
ولا أريد العودة
إلى الماضي الذليل
لا أريد العودة
إلى الماضي الذليل
***






[6] الهبات الرّبّانيّة في أسرار النهود السُّباعية
حملتني الملكة فاتنة السماوات بلطف شديد وأضجعتني على السرير الملكي، وراحت تمسح دموعي وتقبلني على جبيني وهي تهمس:
- لن أطلُبَ إليك شيئاً يا حبيبي، وسأبقي باقي جسدي بعيداً عنك!
فهمست وأنا مازلتُ أنشغ:
- وهل هذا يُريحكِ؟
- إذا لا يريحني فهو لا يُزعجني.
- لكن، أريدك أن تكوني سعيدة معي!
- أنا سعيدة لمجرد وجودك معي!
- أنت تقتلينني بلطفك وتفانيكِ من أجلي.
- أنا لم أفعل لك شيئاً يا حبيبي.
وأخبرتها أنني أشعر بعطشٍ فظيع، فأشرعت نهدها وألقمتني حلمته وهي تهمس:
- اشرب يا حبيبي، ارتو!
ورحت أرضع سائلاً لذيذاً لم يكن ماءً ولم يكن خمراً.
همست بعد أن اجترعت بضع جرعات وتوقفت لأتنفس:
- ما هذا السائل العذب الذي رضعته؟
قربت شفتيها من أذني وهمست فيها:
- هذا إكسير الحياة يا حبيبي!
- وما هو إكسير الحياة يا حبيبتي؟
- ألم تسمع بإكسير الحياة؟
- سمعت به ولكن نسيت ما هو وما تأثيره على من يشربه؟
فهمست في أذني لأحس بأنفاسها تسري في شراييني وتنعش كل مسامات جسدي:
- خمر غير مسكر من خمر الجنة ممزوج بالعسل وماء الورد من تذوقه من نهودي السبع اليُسرى عاش مدى الحياة!
شهقت شهقة ًمن أعماقي واحتويت نهدها ورحت أغبُّ الإكسير غباً حتى ارتويت، ثم شرعت أتنهّد ملتذاً بما شربت.
همستْ:
- هل أنت سعيد؟
- سعيد إلى حد غير معقول،لكن سعادتي لن تكتمل إلا إذا حققت لك كل رغباتك. ونسيت كل همومي وآلامي التي حملتها معي من كوكب الأرض.
وأشرعت نهدها الآخر وألقمتني حلمته. مججتُ بضع مجّات من سائل طعمه ألذ من الشهد ولا هو بالشّهد أو الخمر أو الماء!
همستُ:
- ما هذا يا حبيبتي؟
- هذا ماء الكمال، وهو ماء من ماء الجنة، من تذوّقه من نهودي السبع اليُمنى بلغ الكمال المطلق!
- يا إلهي هل تقصدين أنني سأبلغ الكمال أل….!
وترددت في لفظ الكلمة ولم ألفظها، لكنها أدركت أنني فهمت، فضمّت شفتيها ووضعت سُبّابتها عليهما هامسة "هُسْ" وكأنها تريد أن تبقي الأمر سراً بيننا.
ورحت أتساءل في سري مع أنني أعرف أنها تعرف ما يدور في سري:
" يا إلهي هل أنا أمام ملكة أم إلهه، أم شيطانة؟! وهل يُعقل يا إلهي أن تضع كُلَّ هذه المعجزات في جسد شيطانه، حتى لو كانت ملائكية "؟!
وحين أدركت أن الله سبحانه وتعالى منح الشياطين قدرات خارقة لحكمة لا يعرفها إلا هو، لم أستبعد الأمر حتى لا أكفر، واحتويت النهد بيدي الإثنتين ورحتُ أمجُّ ماء الكمال، وأنا أدرك أن الكمال الكامل لن يتحقق لي إلا إذا اجترعت الماء من النهود السبع اليمنى، وأن الحياة الأبدية لن تتحقق لي إلا إذا اجترعت إكسير الحياة من النهود السبع اليسرى.
لم يبدُ عليها أنها ملتذة أو مستمتعة وأنا أرضع من نهديها مما دفعني إلى التفكير في التعدد في سبعة أشخاص يشبهونني على الأقل، فهي بالتأكيد تعاني من بقاء باقي جسدها السباعي خارج الحجرة الماسية،لكن لا بد لي من معرفة أبعاد هذا الجسد وأبعاد هذا التعدد والتوحد.
سألتها:
- وماذا عن خمر الجنة الذي ينبع من بين نهديك يا حبيبتي؟
قالت:
- من ارتوى منه من كل جسد من أجسادي السبعة، فقد ذاكرته وغدا أسير حبي مدى الحياة، ومن أدمن عليه فقد وعيه مدى الحياة إلا من حبي!
لم أعرف كيف يمكن أن أفقد وعيي مدى الحياة وأبقى أسير حبها فقط، فرحت أستفسر، فقالت:
- أنا لا أعرف كيف، فلم يسبق لإنسي قبلك أن عاشرني، والجن لا يتأثرون مهما شربوا من خمر نهديَّ.على كل حال أنا لن أدعك تُدمن،بل لن ادعك ترتوي أكثر مما يجب كي لا تفقد وعيك، فلا الملك ولا أنا نريدُ ذلك.
- لكن أليس فقدان الذاكرة فقداناً للوعي؟
- لا فقدان الذاكرة فقدان للماضي فقط، أما الحاضر فإن الوعي يدركه تماماً!
- هل هذا يعني أنني سأولد كطفل وأتعلم الحياة من جديد؟
- يُفترض أن يكون الأمر كذلك،الفارق أنك رجل ولستَ طفلاً.
- أظن أن الأمر سيكون ممتعاً إذا ما نسيت كُلَّ ما يتعلق بكوكب الأرض البائس!
- آمل ذلك يا حبيبي!
- وهل أنت قادرة على أن تنسيني أي شيء؟
- هذا ما أعرفه عن قدراتي!
- وماذا عن فقدان الوعي يُفترض ألا أفقه شيئاً؟
- لا أعرف يا حبيبي، فكما قلت لك،أنا لم أعاشر إنسياً من قبل، وأنا حريصة على ألا تفقد وعيك.
- لو تعرفين كم أنا بحاجة للتخلص من هذا الوعي والتوحَّد بحبك!
- سأتيح لك أن تتوحد بحبي دون أن تفقد وعيك.
- إلى الأبد!؟
- لا ليس إلى الأبد، ربما لبضعة أشهر من أشهركم، وربما لبضع سنوات، وربما إلى نهاية عمرك إذا أتاح الملك لي ذلك!
- وكم يمكن أي يساوي عمري كله بزمنكم؟
- إذا كان يومنا بألف عام من أعوامكم، وكنت ستعيش ثمانين عاماً،فإن عمرك عندنا سيكون حوالي ساعتين ونصف!
- يا إلهي! وإذا لم يتبّق لي من هذا العمر إلا حوالي ثلاثين سنة؟
- تعيش معنا حوالي ساعة!
ورحت أتوسل إلى الله أن يرأف بحالي ويطيل عمري لألف عام على الأقل كي أحظى بالحياة لأقل من يوم سماوي في سرير الملكة وبين أحضانها!!
أحست بمأساتي التي يكاد العقل البشري ألا يتصورها، فاحتوتني وضمت رأسي إلى ما بين نهديها لأتجرّع من خمر الجنة بضع جرعات أحسست بعدها بروحي تهيم في الفضاء.
همستُ:
- وسيختلف الأمر إذا ما تجرّعت من نهودك السباعية؟
- بالتأكيد، حينها ستمنح حياتنا وتعيش إلى الأبد!
- ولا أموت؟
- لا، لا تموت يا حبيبي!
- يا إلهي لا بد من التعدد إذن فأنا لا أريد أن أودع الحياة بعد دقائق حتى لو كانت سماوية!
- ألم تعد خائفاً؟
- ليس كما قبل. الآن أحس أن الله قريب مني، لكن هل سأظل في سبعة أشخاص بشكل دائم؟
- طبعاً، لكن يمكنك أن تبعدهم عنك أو أن تبقي كل واحد في مكان مختلف!
- هل هذا يعني أنه بمقدوري أن أنام وحدي؟
- بالتأكيد و يمكنك أن توحِّد عقلك وحواسَّك وحركاتك مع الآخرين بحيث لا يزعجونك!
- كيف؟
- توحد حواسك وعقلك معهم بحيث إذا ما انقلبت في السرير ينقلبون معك!
- لا لا،أُفضّل أن أظل وحدي وليناموا هم في غرف مستقلة.
- لا تستطيع أن تحكم طالما لم تعش الحالة.
وبعد إطراقة بيني وبين نفسي جزمت خلالها من وجود الله في قلبي، قررت أن أغامر بجعلها تحيلني إلى سبعة مُثلاء لي، وأكدت عليها كي لا تحيلني إلى سبعة مختلفين!
ضمّتني إلى حضنها وألقت رأسي ثانية عند منبع الخمر بين نهديها وفيما كنت أتلذذ بتجرع الخمر همستْ:
"انتهى يا حبيبي أُنظر إلى نفسك "!
لم أجرؤ على رفع رأسي من بين نهديها خوفاً مما سأراه، لكني أحسست قبل أن أرفعه أنني أصبحت إنساناً بسبعة أجساد وسبعة عقول وسبعة أرواح، وكل جسد بخمس حواس، وسَرت رعشة منعشة في كافة أنحاء جسدي.
رفعت رأسي وإذا بي أرى نفسي في سبعة مثلاء يعانقون الملكة في الوضع ذاته وقد تحلّقت أجسادنا على السرير الدائري لترسم دائرة انعكست في المرآة الماسية من سقف القبة القوسي.
بدا لي أنني في عالم مدهش يفوق الخيال. ابتسمت كطفل يرى نفسه في المرآة لأول مرة. ابتسم مثلائي الابتسامة ذاتها.
احتويت نهد إكسير الحياة وأخذت جرعة فأحسست بطعم ونكهة سبع جرعات وسرت نشوة لذيذة في جسدي.
توسلت إلى الله أن ينسيني كل ما في ذاكرتي من هموم أرضية، أو أن يفقدني ذاكرتي كلها لأتوحد بهذا العالم الرباني.
همستْ لي:
- يجب أن تفرّد أكثر مما توحّد، لتشعر بمتعة التوحد يا حبيبي!
- أنا لا أفهم ما تقصدين يا حبيبتي!
- أنت الآن جسد ليس له بداية وليس له نهاية. وقد خرجت من سُلطتي المباشرة.
- أيضاً لا أفهم يا حبيبتي.
- أنت الآن كالله، لا يقدر عقل أن يعرف له بداية من نهاية!
- هل يمكن أن أكون أنا الآن الوجود والعدم؟!
- بل المطلق والعدم، وما قبل العدم وما بعد المطلق إلى ما لا نهاية من الإيغال في ما قبل العدم وما بعد المطلق!!
- يا إلهي يا حبيبتي لماذا لا تحادثينني بلغة الجسد؟!
- لأني أدرك أنك تفهم ما أقصد، فقد استمعت إلى تذاهنك مع الله، وعرفت كم أنت عميق في فكرك، وموغل في المطلق واللا نهائي.
- ومع ذلك أفضل أن تحادثيني بلغة الجسد.
- أنت الآن مايسترو يا حبيبي يقود فرقة سمفونية من عازفين ومنشدين وكوراليين ليس لهم بداية وليس لهم نهاية!
يا إلهي ألا تستطيعين نسيان الفلسفة؟
- يا حبيبي، بدل من أن تجعل مًثلاءَ ك يرضعون من نهد واحد من نهديّ السباعيين في آن واحد، وزّع أفعالهم، كأن يرضع أحدهم من نهد الحياة، وآخر من نهد الكمال، وآخر يجترع من خمر الجنة، وآخر يرتشف من رحيق شفتيّ، وآخر يُداعب بطني وفخذيّ، وآخر يلثم فرجي الصغير الجميل الذي لا يعرف البول والدم والإنجاب، وآخر يقبّل ردفيّ اللذين لم تفح من بينهما رائحة البُراز والغازات!!
- يا إلهي أنت لا تتبوّلين ولا تتبرّزين أيضاً؟!
- لا يا حبيبي، هل سمعت عن حورية تتبوّل وتتبرّز مثل الإنسيّات؟!
- حقاً أنا لم أسمع!
- وكل هذا التفرد ليس إلا البداية يا حبيبي!
- ماذا هناك أيضاً يا حبيبتي؟
- كمال التوحد في كمال التعدد، وكمال الحقيقة في كمال التحوّل، والجوهر هو الجوهر الواحد الذي لا يتغير في تحوّله وتجلّيه وتعدده وصيرورته وتوحده. إنه الحق. إنه الله!!
- يا حبيبتي لماذا هذا الإصرار على الفلسفة؟
- لأنك يا حبيبي لن تعرف جمال التوحد إلا إذا عرفت جمال التعدد!
- هل هذا يعني أنني لن أعرف جمال الله الواحد، إلا إذا عرفت جمال وجوده الكلي؟!
- أنا قصدت شيئاَ من ذلك ولم أقصده يا حبيبي!!
- ماذا تعنين؟ ها أنت تُعقّدين الأمور كما فعل الملك.
- أنا لا أعقدها يا حبيبي، فالله وحده هو القادر على معرفة كمال كماله، أو إن شئت معرفة كامل وجوده.
- أرجوك يا حبيبتي أعيديني إلى لغة الجسد لعلني أعرف ذرة صغيرة من الله، فأنا الآن مُهيّأ حتى إلى التعدد مهما كان شكله!!
- بالتأكيد يا حبيبي، ليس من كمال التعدد أن تبقى في سبعة أشخاص يشبهونك، ولهم نفس عُضوك، وكل أعضاء جسدك، فالأجمل أن يكون لك سبعة أعضاء تناسلية مختلفة الحجم! أما الأكثر كمالاً أن لا تبقي على شكل هؤلاء الأشخاص ثابتاً بل متغيراً، فتغيّرهم إلى سبعة آخرين بأجسام وألوان وأشكال وأعضاء مختلفة، وهكذا إلى ما لا نهاية!!!!!!!
- يا إلهي يا إلهي يا إلهي يا إلهي. هل ما تزال في قلبي يا إلهي؟!
- لقد حلت روح الله في قلبك يا حبيبي فاطمئن ولا تخف!
- وهل سأبقى أنا أنا يا حبيبتي؟
ستبقى أنت أنت يا حبيبي واحد في سبعة، وسبعة في سبعة، وسبعات في سبعات في ملايين، وملايين في واحد إلى ما لا نهاية!!!!!
- يا إلهي يا إلهي يا إلهي يا يا إلهي يا يا إلهي!
وأنت يا حبيبتي؟!


[7] ملكة السماء تُنشِد سِحرَ جمالِها للأديب.
- وأنا يا حبيبي
ستجدني واحدة في سبع
وسأتحول من السبع
إلى سبع أُخريات
ومن السبع الأخريات
إلى سبع أخريات.
سأكون يا حبيبي
كل الحورياتِ
وكل الإنسياتْ
كل السمرِ
وكل البيضِ
وكل القمحياتْ
سأكون الظبية والمهرة
والملكة والملائكية
وسأكونُ ربة الرباتْ
سأكونُ يا حبيبي
كل العاشقاتْ
سأكونُ يا حبيبي كل العاشقاتْ.
*
سأكون كل من خطفت قلبك
عبر السنين الموحشة
وضاعت في غيهب الزمن
أو زحمة الطرقاتْ
وسأكون يا حبيبي
بكل الشُّعور الخالباتْ:
بشعرٍ حريريٍّ هادلٍ
أو خلاسيٍ عاصفٍ
أسود بدويٍ
أو أشقر روسيٍ
بنيٍ هنديٍ
أو أسمر غجري
ينهمرُ كشلالٍ
أو يتلوى كأفعوان
أو يكتسحُ السهوبَ كما
الظلالِ الغارباتْ
*
يتدلى في خُصَلٍ
أو ينضفرُ بحنانٍ
أو يمورُ كما السنابل في
الحقولِ المخصباتْ
يتثنى بدلالٍ
أو يلوح مع الريح
أو يفيضُ على الشطآنِ
كموج البحارِ
الغاضباتْ
يُهفهف مع النسيمِ
أو يَفِرُّ كأسرابِ اليمام
الجافلاتْ
يحلق في الغمامِ
أو ينداحُ مع العواصف العاتياتْ.
*
وسأكون يا حبيبي بكل العيون:
العيون السود الهائماتْ
والعيون الخضر الساحراتْ
والعيون الزرق الغاوياتْ
والعيون الصُّفر العاسلات
والعيون المكحلة بالألوانِ
المائجاتْ
سأكونُ بعيونِ عيونِ
كل الغجرياتْ
سأكون بعيونِ عيونِ كل الغجرياتْ
*
وسأكون يا حبيبي
بكل الأعناقِ
الظبيانية والزرافيةِ
والبضة والماسيةِ
وكل الأعناقِ
القاتلاتْ
وكل الأعناقِ القاتلاتْ
*
وسأكونُ يا حبيبي
بنهدين:
جَدَّاءينِ أو إجاصينِ
برتقاليينِ أو تُفاحيينِ
وديعينِ كحمامتينِ
أو حائرينِ كبومينِ
صغيرينِ كظلف الرشا
أو كبيرينِ كبازينِ
وسأكون يا حبيبي:
بنهودٍ كاعباتٍ
حانياتٍ كقطوفٍ دانياتْ
وحنوناتٍ كأمهاتٍ هاوياتْ
ناهداتٍ دافقاتٍ جامحاتٍ عابثاتْ
ناهداتٍ دافقاتٍ جامحاتٍ عابثاتْ
*
سأكون يا حبيبي:
ببطنٍ للتماري
وسُرّةٍ تتضوّع بالمسكِ
وأفخاذٍ أملسَ من الديباجِ
وفمٍ أصغرَ من حبة الكرز
وشفاهٍ كالورود
اليانِعاتْ
وشفاهٍ كالورودِ اليانِعاتْ
*
وبرعمٍ بحجم حبة الفستُقِ
تعبّق بالنَّدِّ
وحُقٍ مُتناهٍ في الصغر
تفوّحَ بالعنبرْ
وخدودٍ بالقبلِ
مغرماتْ
وخدودٍ بالقبلِ مغرماتْ
*
ووجناتٍ ناعسةٍ
وخصورٍ ناحلةٍ
ورموشٍ
سابلاتْ
وأردافٍ كالزُّبدِ
وركبٍ ساحرةٍ
وأيادٍ كما الأحلامِ
وسيقانٍ
ماحقاتْ
وأقدامٍ ملائكيةٍ
وأصابع كما الألحانِ
وقدودٍ
مائساتْ
وعظامٍ لشفافية جلدي
بائناتْ
وعظامٍ لشفافية جلدي بائناتْ
*
سأكون يا حبيبي
كل جميلةٍ:
مرت في التاريخِ
أو خطرت في الخيالِ
أو رسمتها الـرِّيش
أو صقلتها الأزاميلُ
أو خطتها الأقلامُ
على الصفحات
أو خطتها الأقلامُ على الصفحات.
*
إن كانت إنسيةً
أو كانت جنيةً
ملائكيةً أو ربّةً
عذراء أو ثيّباً
من تكوينِ الخالقِ
أو من بدَعِ
المخلوقاتْ
من تكوينِ الخالقِ أو من بدَعِ المخلوقاتْ.
*
سأكونُ يا حبيبي يا حبيبي
سأكونُ يا حبيبي يا حبيبي
سا سا سأكون سأكون
سا سا سأكون سأكون:
عشتارَ، وإيزيسَ
دليلة وأستيرْ
ليلى وسارانيو
أثينا وممتاز محل
وحواء
وسموراماتْ
وحواء وسموراماتْ
*
سونيا وجرتشن
أمَلَ ‍‍!! والموناليزا
ناتاشا!! ودُلثينا
المجدلية وراحاب
واوروبا
وأُفرودايت
واوروبا وأُفرودايت
*
هيلانة وبلقيس
كليوباترا وزنوبيا
إلزا وبياترتشي
وإنانا
وعناتْ
وإنانا وعناتْ
*
سأكونُ يا حبيبي يا حبيبي
سأكونُ يا حبيبي يا حبيبي
سا سا سأكونُ يا حبيبي
سا سا سأكونُ يا حبيبي
سا سا سا سا سا سا
سأكونُ
سأكون يا حبيبي:
كلَّ جميلةٍ كانت
وكلَّ جميلةٍ لم تكنْ
وكلَّ جميلة يمكن
أن تكون
سأكون يا حبيبي
الجنونْ
سأكون يا حبيبي الجنونْ
سأكونُ الأجملَ والأكملَ
منذُ خلق
الكائناتْ
سأكونُ الأجملَ والأكملَ منذُ خلق الكائناتْ
*
لنتوحد يا حبيبي
لِ لِ لِنتوحد ياحبيبي
أنا وأنتَ
وأنتَ وأنا
ونحنُ ونحنُ
مع الوجودِ
ونندغم في خضمِّ
الرعش الكوني
ونشوة الروح
والمكانِ الأبديِّ
والأزمنةِ
الخالداتْ
والمكانِ الأبديِّ والأزمنةِ الخالداتْ
***


[8] سحر ملكة السماء يُهيمن على روح الأديب.
سبحانك يا إلهي. سبحانك يا إلهي ما أعظم قدرتك وأكمل خلقك. سبحانك يا إلهي. ما أعظم قدرتك وأكمل خلقك.
الآن عرفت يا حبيبتي كيف يمكن أن أكون بلا بدايات وبلا نهايات! الآن الآن عرفت عرفت يا حبيبتي كيف يمكن يمكن أن أكون أكون بلا بلا بدايات بدايات وبلا وبلا نهايات نهايات.
سبحانك حانك سبحانك حانك سبحانك سبحانك يا يا يا يا إلهي يا إلهي يا إلهي ما أعظم أعظم قدرتك رتِك رتِك قدرتِك.وأكملَ وأكملَ واواوا وأكملَ وأكملَ وأكملَ وأكملَ خلقك.
الآن الآن يا يا يا يا حابي حابي باتي باتي يا حابيباتي عرفت عرفت عَ عَ عَ عرفت كيف كيف كا كا كا كيف كيف يُمْ كيف يُمْ كيف يمكن يمكن أن أكون أكون با با بلا بلا بلا بلا بداياتٍ ياتٍ بداياتٍ ياتٍ بداياتٍ وَوَوَ ولا ولا ولا نيها نيهانيها نهياتٍ ياتٍ ياتٍ نهياتٍ ياتٍ نهياتٍ ياتٍ نهياتٍ ياتٍ نهياتٍ نهياتٍ نهياتٍ نهايات.
*
سأكون يا حبيبتي
من أجل عينيكِ:
كُلَّ الملائكيينَ
وكل القياصرةِ
وكل الملوكِ
وكل الإنسيينْ.
كل البيضِ
وكل السمرِ
وكل الحمرِ
وكل الخلاسيينْ
كل السودِ
وكل الملونينَ
وكل القمحيينْ
*
سأكونُ:
كُلَّ الفرسانِ
وكل القُوّادِ
وكل الفاتحينْ
سأكونُ: كُلَّ الفرسانِ وكل القُوّادِ وكل الفاتحينْ.
*
سأكون:
الشاعرَ والأديبَ
والفيلسوفَ
والمتصوفَ
والنحات
والرسام
وكل الأبطالِ
المتخيلين
سأكونُ
الملك والجنيَّ
والشيطان
والملاك
سأكونُ:
ربَّ الأربابِ
العاشقين
سأكونُ ربَّ الأربابِ العاشقين
*
سأكونُ:
آدم وبعلَ
وشمش أدد وآشور
ونبوخذ نصَّر وسرجون
واوزيريسَ ورَعَّ
و إندرا وزيوس
والمهافيرا وبوذا
وإيلْ!!
سأكونُ:
المتنبي وابن الملوّح
ودونكيخوته وثربانتس
وهوميروس وباريس
وجوته وفاوست
وشاه جهان وأراجون
والعبسي
وجميل
والعبسي وجميل
*
سأكونُ:
آنَ وتموزَ
وشمشونَ وهامانَ!!!
وكنعان وعِناقَ
وروسّو وفيدياس
ودوستويفسكي
وميشكين
ودانتي
وفرجيلْ
*
سأكونُ:
داود وديونيسيوس
وأحشويروش
وكونفوشيوس
ونيتشه وسقراط
وأنكيدو وجلجامش
وكاليجولا وروميو
والملك ليرْ
سأكونُ:
عيسى وشاهينَ
وشكسبيرْ
سأكونُ: عيسى وشاهينَ وشكسبيرْ
*
سأكون جبريل
وعزرائيل
وميكائيل
وإسرافيل
وجُليات
سأكونُ يا حبيبتي
من أجل عينيكِ
كُلَّ عاشقٍ كان
وكُلَّ عاشقٍ لم يكن
وكُلَّ عاشقٍ يمكن أن يكون
وكُلَّ عاشقٍ لا يُمكن أن يكون
سأكونُ:
جنون الجنون
سأكون جنون الجنون
سأكونُ الأجمل والأكملَ
منذُ ما قبلَ خلق
السماواتْ
سأكونُ الأجمل والأكملَ منذُ ما قبلَ خلق السماواتْ.
*
لنتوحد يا حبيبتي
أنا وأنتِ
وأنتِ وأنا
ونحنُ ونحن
مع الله
خارجَ حدود المكانِ
وبعيداً فوق الزمانِ
لنندغم في غيهبِ
الروح الخالدِ
والأغوارِ
المجهولاتْ.
لنندغم في غيهبِ الروح الخالدِ والأغوارِ
المجهولاتْ.
***


[9]التوحّد بجمال ملكة السماء ورحلة النسيان.
- الآن الآن يا حبيبي
طابَ المرامْ
فارتشف من طَلّ شفاهي
قطراً
وتذوق من رحيقِ ألسُني
شهدَ السماء
واجرع من خمر نهودي
كؤوس الثمالةِ
والثم عيوناً هي السحرُ
هامت بالغرام
والثم عيوناً هي السحرُ هامت بالغرامْ.
*
- دعيني يا حبيبتي أطهرُّ جسدي
من أرجاسِ كوكبي
وأغتسلُ بماءِ سمائك
قبل الشروع في تجرعِ
شهدَ المُدامْ
قبل الشروع في تجرعِ شهدَ المُدامْ
*
- أغسلنَ يا ملكاتِ السماء
جسد حبيبي
بروح النَّدِّ والنارنج والنَّردنِ
ودلّكنه
بشذا الفل والياسمين
وافركن أصابع يديه وقدميهِ
بعطر الزنبقِ و القُرنفلِ
وضمخّنهُ
بالمسكِ والعنبرِ والنسرين.
وضمخّنهُ بالمسكِ والعنبرِ والنسرين!
*
- يا حبيبتي
هل أنا الآن بين أيدٍ ملكيةٍ
أم بين أيدي الله
أم بين أيدي
حورِ العين ؟!
*
- كل الأيادي يا حبيبي
التي تحاكي جسدكَ
وتدبُّ بأناملها
على عنقك وظهرك
وكتفيك
وتدلّك صدركَ وبطنكَ
وفخذيكَ
وتسحّبُ أصابع يديك
وتطقطقُ أصابع قدميكَ
وتناغي مسامات جلدك
هي أيادي محبوبتك
"فاتنة السمواتِ"
ومليكتها
ومليكة حور العين !
*
- يا حبيبتي
أستحلفك بمن أوجد الكائنات
أأنا في حُلمٍ أم يقين ؟!
أأنا في حُلمٍ أم يقين ؟!
*
- يا حبيبي
وهل يثمل من يرتشفُ
من شهد شفاهي
ويتجرع من خمر نهودي
في المنام ‍؟‍!
ويتجرع من خمر نهودي في المنام!
*
- يا حبيبتي
أنا لا أصدق نفسي
من هول فرحي
وفرط سعادتي
بكل هذا البهاءِ
وطيب الغرام !
بكل هذا البهاءِ وطيب الغرام.
*
- صدق يا حبيبي
لتحيا بجمال الخالق والخلق
وتحلّق كما النشيدِ
وتسمو إلى العلا
وتغرق بكُلِّيَتكَ
في لجّة الهُيام.
وتغرق بكُلِّيَتكَ في لجّة الهُيام!
*
أخاف يا حبيبتي ألا أنسى أوجاعاً
حملتها معي من كوكب الإنسِ
فلا يُتاح لي أن أسمو
بكمالِ التوحد
وروعة الانسجام.!
فلا يُتاح لي أن أسمو بكمالِ التوحد
وروعة الانسجام.
*
- سأنسيكَ يا حبيبي
على مراحل
أفراحكَ وأتراحكَ
وكُلَّ صورة حوتها ذاكرتك
مُنذُ ما قبلَ خلقِ الأنام
مُنذُ ما قبلَ خلقِ الأنامْ
*
- خذيني يا حبيبتي إلى سريركِ الملكي
ودعيني أغرقُ في بحورِ هواكِ
- تعالَ يا حبيبي إلى صدورٍ
أشرعت لضمِّ الرؤوسِ
وأجسادٍ تاقت إلى
طيبِ الوصالْ
وأجسادٍ تاقت إلى طيبِ الوصالْ.
***
احتوتني واحتويتها، واحتوينني واحتويتهنّ. واحتويننا واحتويناهُنّ، لنغرق كُلّنا مع كُلّنا في الاحتواءِ:
نرضعُ من ماءِ الكمالِ
ومن إكسيرِ الحياةِ
ونجترعُ من خمر الجنة
ونرتشف من رحيق الألسنِ
وقطر الشفاه الورديةِ
ونقبل سحر العيون والوجنات
والشعور الحريرية
ونلثم السُّررَ المضوّعة بالمسكِ
والبراعِمَ الفستقيةَ
العابقة بالنَّدِّ
وأصابع الإحلام
والركَبِ الساحرات
ونحبو على الأرداف الزُّبديّةِ
المفوّحة بالعنبر
والأفخاذ الدّيباجيةِ
والسيقان الماحقاتْ
فيما هُنَّ يُفرّدن ويعددن أفعالهنَّ
ليداعبن أجسادنا من قمم رؤوسنا إلى
خماصِ أقدامنا
*
شرعنا في الهمس التذاهني وأنا أُحاولُ الغرق في لذّة الوِصال السباعي المتعدد المتوحد:
- ساعديني يا حبيبتي على نسيان ما في ذاكرتي لأتوحد بطيب وصالِك
- أجرع من خمر الجنة وأبدأ بمحي الظواهر الخارجية من خيالك يا حبيبي.
- هل أبدأ بمحو الوجود؟!
- أجل يا حبيبي إنسَ الوجودَ
وكل ما في الوجود
إنس الشمس والقمرَ
والنجومَ والكواكبَ
والفضاءَ والغمام
والرّعود البرُوق
والأمطارَ
وألوانِ قوسِ قزحٍ
والزّلازلَ
والسديمَ
والسرابَ
والندى
والبراكينَ
إنسَ الزلازلَ والسديمَ والسرابَ والندى
والبراكينَ!
*
إنسَ يا حبيبي
إنسَ القاراتِ
والبحارَ والمحيطاتِ
والأنهارَ والينابيعَ
والجبالَ والهضابَ
والجزرَ والشلالاتِ
والصحارى والغاباتِ
والوحوشَ والحيواناتِ
والفهودَ والنمورَ والأسودَ
والفيلةَ والظباءَ والوعولَ
والجمالَ والخيولَ
والأشجارَ والنباتاتِ
والحقولَ والكرومَ
والثمارَ والفواكه
والتفاحَ والبرتقال
وعنبَ الخليلِ
والزعفرانَ
والحندقوقَ
والوردَ
والأقحوانَ
وعنبِ الخليلِ والزعفران والحندقوق والوردَ
والأقحوانَ
*
إنسَ يا حبيبي
الزيت والزيتون
والزعتر والكرسنة
والقمحَ والعدسَ
والحبوبَ والسنابلَ
وخبزَ الطابونِ
والصابونِ !!
*
إنسَ الثلج والماءَ
والبر والبحر
والدلافين والأسماكَ
والحيتان
والجعلان!
*
إنسَ البلادَ والسهوبَ
والمجازرَ والحروبَ
والمدافعَ والطائرات
والدبابات والصواريخ
والمصفحاتْ.
*
إنسَ السيوف والرماح
والدروع والسهام
والجيوشَ والشرطة
والمخابرات
والبوارج والطوربيداتْ
والسفن والغواصاتْ
وحاملاتِ الطائرات
*
إنسَ يا حبيبي
المدن والعواصمَ
إنسَ باريسَ ولندن
وموسكو وبكين
ودلهي وبرلين
وانسَ القدس وعمان
ودمشق وطهران
وانسَ الجليل
إنسَ المعاركَ
والغزوات
والفتوحات
من ذي قار إلى الأندلسِ
وحطين!
وانسَ المذابحَ
من يشوعَ وأريحا إلى الخليل
مروراً بصبرا و شاتيلا
ودير ياسين.
مروراً بصبرا و شاتيلا ودير ياسين.
*
- آهٍ يا حبيبتي ما أجملَ النسيانُ والتوحد بجمالك!
- هل نسيتَ كُلَّ ما ذكرتهُ لك يا حبيبي؟
- أظن أنني نسيتُ مُعظمهُ،غيرَ أنّ ذاكرتي ما زالت تعجُّ بملايين الصور يا حبيبتي!
- إنسَ يا حبيبي الكتبَ
وكل ما قرأته في الكتبِ
إنسَ ألف ليلة وليلة
وشهريار وشهرزاد
وجوته وفاوست
ومفستوفيلس وجرتشن
ونيتشه وزرادشت
ودانتي وبياترتشي
وهوميروس وفرجيل
إنسَ هيجو وجان فالجان
ودوستويفسكي وراسكولنيكوف
وسونيا وميشكين !
*
- دعيني أتوقف مع عذابات سونيا قليلاً يا حبيبتي، لأمسح الدموع عن وجنتيها قبل أن تغادر ذاكرتي!‍!!
- ها أنذا بين يديك يا حبيبي!!!
- آهٍ يا آهات عمري ‍!!! ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
- هل نسيتَ يا حبيبي؟!
- يا حبيبتي، ما زلتُ أشعر أن عقلي مثقلٌ بآلاف الأسماء وآلاف الكتب وآلاف الأبطال، ومئات الشعراء والأدباء والفلاسفة والعلماء والمتصوفين والأنبياء والآلهة والأرباب والحكايات والأساطير!!
- إجرَع يا حبيبي إجرَع من خمر الجنة وانسَ
إنسَ أراجون وإلزا
وإليوت وييتس
وسارتر وطاغور
ورولان وهاميسون
وفرانس وبرناردشو
ومان وبلزاك
وبرونتي واونيل
إنسَ هيسه وريمارك
وجيد وفولكنر
وراسِل وهمنجواي
وبرانديلو واونيل
وباك وإميل
وكامو وبسترناك
وشتاينبك وبوشكين
وأليندي وهاينريش
وتولستوي وكازنتزاكي!!
- دعيني أُودع كازنتزاكي بكلمتين يا حبيبتي!
- ودعه بخمس يا حبيبي.
- عثرت لك على الله يا عزيزي!!
- هل نسيت كل هؤلاء يا حبيبي؟
- ونسيت معهم قرابة ألف آخرين، ومازال هناك الكثير في ذاكرتي يا حبيبتي.
- إجرع يا حبيبي، إجرع من خمر الجنة وانسَ.
إنسَ أفلاطون وأرسطو
وسبينوزا وبيكون
وروسّو وفولتير
وكانت وشوبنهور
وفجنر وسبنسِر
وكروتشي وسنتيانا
وهيجل وماركس
وإنجلز ولينين
*
إنسَ يا حبيبي
المعتزلة والقدريين!
والكندي وإخوان الصفا
والإسماعيليين!
وانسَ إبن عربيٍ والشيرازيِّ
والسهرورديَّ الشهيدَ
وسقراط القتيلَ
والحلاج المصلوبَ
وابن الفارضِ
وكل الصوفيين!!
- أرجوكِ يا حبيبتي أن تتوقفي
لأذرف ثلاثَ دمعاتٍ
ثلاثَ دمعاتٍ
على السهر ورديِّ
وسقراط
والحلاج!!
ثلاث دمعاتٍ على السهر ورديَّ وسقراط والحلاج!!
*
- أذرف يا حبيبي دمعاتك
واجترع من خمر نهديَّ
وانسَ الدموع والعذاب
وانسَ الفارابيَّ وابن سينا
وابنَ رشدٍ والرازيَّ
وابن خلدونٍ والبسطاميَّ
والجيلانيَّ والقرمطيًّ
وابن عطاءٍ والدمشقيَّ
والهمذانيّ والجُنيد.
وابن عطاءٍ والدمشقيَّ والهمذانيّ والجُنيدْ!!.
*
وانسَ يا حبيبي إنسَ إنسَ
دماءَ ثلاثين ألفاً، ثلاثين ألفاً
من خيرة فرسانِ الإسلام، الإسلام!
في معاركِ المسلمينَ المسلمينَ
في الجملِ وصِفّين!!
في معاركِ المسلمينَ المسلمينَ في الجملِ وصِفّين!!
*
- آهٍ آهٍ ياحبيبتي
أرجوكِ أرجوكِ
أنسِني أنسِني
فأنا احترتُ بقلبي
أنا احترتُ بقلبي
بقلبي بقلبي بقلبي
حيروني حيروني حيروني
فهل أجعله مع يسوعِ
الوديع الجميل النبيلِ
أم مع محمد النبي العظيم
أمع مع يزيدَ!
أم مع الحسين الشهيدْ
أم مع عائشة أم المؤمنينَ
أم مع عليّ المُكرّم الوجهِ
أم مع الكويتِ الجريحةِ
وأمريكا
أم مع بغداد؟!!!
*
- يا حبيبي يا حبيبي
قلبي عليكَ
إجرع إجرع
من خمر الجنةِ
لكني خائفة على عقلك
على عقلك
يا عيوني
أن يضيع!
*
- ليذهب عقلي ياحبيبتي
إلى الجحيمِ
دعيني أجرعُ من خمرِ نهدَيكِ
حتى الثمالةِ!
- إجرعْ يا حبيبي إجرع وانسَ، أما زال في ذاكرتك الكثير؟!
- الكثيرُ يا حبيبتي، حتى أنني بتُّ أشكُّ أن خمر نهديك لا يُسكر ولا ينسي
- بل يُسكر وينسي يا حبيبي
إجرع وانسَ
إنسَ الرواية والشعرَ
والسينما والمسرح
والنحت والرسمَ
إنسَ دافنشي وأنجلو
وكوخ وبيكاسو
وشكسبيرِ ولير
وهاملت وعُطيل ‍‍!
آه يا حبيبتي أنسِني شكسبير بسرعة أرجوكِ فأنا لا أستطيع المثول أمام عميق حُزنه، وفظاعة الألمِ المنبعث من صرخاته!
- هل نسيتُه يا حبيبي؟
- أظن ذلك يا حبيبتي.
- إنسَ ثربانتس، وفارسه النبيلَ الرائعَ، حزين الطلعة، دونكيخوته دلامنتشا، وحاملَ سلاحه سنشوبنثا، ومحبوبته دُلثينا دُل توبوسو وحصانه روسينانتي!!
- أتوسل إليكِ ياحبيبتي، دعيني ألقي رأسي بين أحضان السيدة فائقة الجمال دُلثينا دُل توبوسو قبل أن تغادرني!!!!!
- ها أنت بين أحضاني يا دونكيخوتي وثربانتسي!!!
-- آهٍ يا حبيبتي يا دُلثينتي ما أعذب شفتيكِ!!
*
- إنسَ يا حبيبي إنسَ
إجرع وانسَ
إنسَ هيلين وباريسَ وأُخيلَ
وزيوس وأثينا
وكونفوشيوس
ولاوتسه وشوانغ تسه
وبوذا وبراهمانْ
والمهافيرا!
- من هذه الملتهبة بين أحضاني يا حبيبتي؟1
- أنا سارانيو يا سورياي وإندراي!!
- آهٍ يا حبيبتي
أشمُّ كل عبقِ الهند
وجمالَ أشعار طاغور
وروح الفيدا والاوبانيشاد
من بين نهديكِ!!!
*
- إنسَ إنسَ يا حبيبي
إجرع من خمرِ نهديّ وانسَ
فأنا الأجمل والأحسن والأكملُ!
- آهٍ آهٍ من أنتِ يا حبيبتي؟
- أنا دليلة يا شمشوني!!!
- بل أنا جُليّاتُ وعناقُ وكنعان يا دليلتي!!!
- يا حبيبي، هل تخوّفت من أن تكونَ شمشون؟!
- لا أريدُ يا حبيتي، لا أشعرُ برغبةٍ لأن أكونه!!!
- لن أحلِقَ خُصلَ شعركَ
ولن أدع أحداًً يقلعُ عينيكَ
ولن أُسيءَ إليك يا حبيبي
- حتى لو لم تفعلي ذلك يا حبيبتي!!!
- إنسَ إذن يا حبيبي
إجرع من إكسير الحياةِ
ومن ماء الكمال
ومن خمرِ الجنةِ
وانسَ
- من هذه الفاتنةُ الهائجةُ بين أحضاني يا حبيبتي؟
- أنا أستير يا أَحشويروشي!
- آهٍ آهٍ يقتلني صهيلكِ تحتي،
دعيني أتروّضُ أتروّض
برضع فراتِ نهديكِ
ورشفِ رُضابِ شفتيكِ!!!
- أرشف أرشف
وارضع وارضع
واجرع واجرع
وانسَ وانس
يا حبيبي يا حبيبي
*
- أريدُ يا حبيبتي
أن أنس سبعاً أحببتهنَّ
ولم يحببنني
وسبعاً رأيتُهنّ واشتهيتُهنَّ
وسبعاً من بنات خيالي!!
- سأكونُ سأكون
سا سا سأكونُ هنَّ
هنَّ جميعاً يا حبيبي
سأكونُ أمَلَ ومها ومُنى (1)
وماجدة ونيافس وكلير (1)
و لي و إنيتا وناتاشا(1)
وسَمَرَ(1) وراحيلْ(2)
سأكونُ الملكة نور السماء(3)
وسأكونُ ربة الجمال (4) المخلوقةَ
من مسكٍ وعنبرٍ
وفلٍ وقرنفلٍ
وزعفرانَ وكافورَ
والتي يبدو الماءُ من روحها
وتبدو عظامُها
من خلال مائةِ ثوبٍ
من الحرير!!
وتبدو عظامها من خلالِ مائةِ ثوبٍ من الحرير !!
*
- أين أملُ ياحبيبتي
- رأسُك على صدري يا حبيبي!!
- آهٍ يا حبيبتي
لِمَ قسوتِ على قلبي الحزين؟!
- سامحني يا حبيبي!!
سامحتكِ يا أملي
سامحتكِ سامحتكِ!!
- أرشف أرشف
وارضع وارضع
واجرع واجرع
وانسَ وانس
يا حبيبي يا حبيبي
- يا حبيبتي يا نور سمائي
يا حياتي يا نور سمائي
يا روحي يا نور سمائي
يا عيوني يا نور سمائي
أخذتني منكِ مليكة السماءِ
وفاتنة السماوات!!!
- يا حبيبي يا مليكي يا لقماني يا لقماني
أنا لن أنساكَ أنا لن أنساكَ
يا حبيبي يا حبيبي مهما طالَ
طالَ طالَ طالَ الزمانُ
مهما طالَ طالَ طالَ طالَ الزمانُْ
*
- يا حبيبتي يا ربة الجمالِ
أخافُ أخاف على رقّتكِ
أخافُ على شفّافيتكِ
أخافُ على على جمالكِ
أن يخدِشهُ
وصاليْ!!!
- لا تخف يا حبيبي يا حبيبي
فوصلُك نسيمٌ نسيمٌ
وجسدي الظلالُ
الظلالُ
فوصلُك نسيمٌ وجسدي الظلالُ
*
- آهٍ لجمالكِ وكمالكِ
وطيبِ طيبِ وصالِك!
- أرشف أرشف
وارضع وارضع
واجرع واجرع
وانسَ وانس يا حبيبي
- من هذه الطالعة من أعماق التاريخ
يا حبيبتي؟!!
- أنا عِناتُ يا بعلي الحبيب!!
- آهٍ يا حبيبتي يا روحي يا عِناتي
- إياكِ إياكِ أن يخرج "موت"
من عوالمه السُّفليةِ السفليةِ
ويبتلعنا!!
- سأفعل ما فعلته الملكة نورُ السماء
في ملحمة "الملك لُقمان" يا حبيبي!!
- هل ستُشرعين في السماء السابعة العليا بليون رمحٍ ومُثلها في السماءِ السابعة السفلى كي لا يُطبق فكّيه علينا؟!!
- أجل أجل يا حبيبي، وكل رُمحٍ بطولِ مليون ميل!!
*
- آهٍ آهٍ يا حبيبتي
آهٍ آهٍ من أنتِ
- أنا إنانا يا دوموزي الحبيب!
- آهٍ آهٍ يا إناناتي
ناتي ناتي يا إناناتي!!
من أنتِ يا حبيبتي؟
- أنا إيزيس يا اوزيريسي!
- آهٍ يا يا إيزيسي يا حبيبتي يا أختي!!!
- أرشف أرشف
وارضع وارضع
واجرع واجرع
وانسَ وانس
يا حبيبي يا حبيبي
واذهب بعيداً في النسيان!!
*
- من أنتِ يا حبيبتي؟
- أنا حواء يا آدمي الحبيب!!!
- آهٍ يا حبيبتي أعيديني إلى جنة عدنٍ لعلني أنسى كل شيء!
- أنتَ في واحدةٍ من جنانِ عدنٍ يا حبيبي!
- لماذا لا أنسى كل شيء إذن يا حبيبتي؟!
- أما زال في ذاكرتكَ الكثيرَ يا حبيبي؟!
- أظنُّ ذلكَ يا حبيبتي!
- ماذا مثلاً يا حبيبي؟
- دِمشقُ يا حبيبتي!
- خذ جرعةً من خمر الجنةِ وانسها يا حبيبي.
- وجبل المُنطار حيثُ كنتُ أرعى قطيع المعزِ والنعاج على السفوح الغربية وأرنو إلى جبال القدسِ، وانعكاسِ أشعة الشمس الصباحية من قُبة الصخرة ومن رؤوسِ المآذنِ وأبراج الكنائسِ!
- أرشف و اجرع وارضع وانس يا حبيبي.
- لا تؤاخذيني يا قدسي، ولا تؤاخذني يا مُنطاري إذا ما نسيتكما!
- وماذا أيضاً يا حبيبي؟
- وجه ابني!
- إجرع إجرع وانسَ يا حبيبي.
- ووجه ابنتي!
- إجرع وانسَ يا حبيبي!
- ووجه أمي والأخاديدُ التي حفرتها السنون فيه!
- إجرع يا حبيبي، إجرع وانسَ ولا تبكِ يا حبيبي، لا تبكِ يا حبيبي!!
- لا تؤاخذيني يا أمي إذا ما نسيتُ الحُزن في عينيكِ!
***

[10] السيطرة على العقل والحواس والارتداد إلى أعماق النفس!!
- وماذا بقي أيضاً في ذاكرتك يا حبيبي؟
- الموسيقا والأغاني يا حبيبتي، وثوبُ أمي المطرز بخيوط الحرير الخضر والحمر، ونايي وأرغولي وربابتي وظريف الطول، والميجنا والعتابا والدلعونا!!
- لا تبكِ يا حبيبي يا عيوني، لا تدعِ الدموع تنزلق على وجنتيك، إجرع من خمرِ نهديَّ وانسَ وانسَ يا حبيبي!
- لا أستطيع أن أنسى الحزن يا حبيبتي!
- إجرع يا حبيبي وانسَ، إنس الحزن والألم، إنس لون الدم، إنس الخوف والقلقَ!!
- لا أستطيع أن أنسى كما ينبغي يا حبيبتي!
- حاول أن تُلغي الوجود برمّته وكل ما فيه من ظواهر محسوسة أو مجردةٍ، مرئيةٍ أو مدركةٍ من وعيك يا حبيبي، وارتد بذهنك وشعورك وكلِّ حواسك إلى ظلماء دخيلتك وإلى أغوار نفسك يا حبيبي.
- آهٍ يا حبيبتي، ها أنذا أحاول، لكني أخافُ، أخاف أن أنسى جسدك الجميل!
- لن تتوحد تمام التوحد بجمال جسدي، إلا إذا نسيت كل الظّواهر يا حبيبي، يا حبيبي، وتوحدّت بكل أحاسيسك وإدراكك مع نفسك، مع نفسك يا حبيبي.
- أنا هاربٌ من نفسي يا حبيبتي، وأنتِ تريدين أن توحديني معها؟!
- إنسَ الكلام الكلامَ يا حبيبي! إنس اللغة، اللغة، لتدركَ ما هي النفسُ النفس يا حبيبي!!
- وكيف سأذاهنكِ يا حبيبتي إذا ما نسيتُ الكلام الكلامَ؟!
- التذاهن الأكمل يا حبيبي يا حبيبي لا يتم لا يتمُّ بتصدير صور الكلام من العقل إلى العقل!!
- كيفَ كيف كيفَ، كيفَ إذن يتمُّ يا حبيبتي؟!
- ألم تر إلى الأطباق الأطباقِ في البحر، البحرِ يا حبيبي، كيفَ كانت تطيرُ إلينا وتقدم لنا الطعام الطعامَ يا حبيبي، بمجرد إحساسها برغبتنا رغبتنا أننا أننا نريدُ شيئاً منها، مع أنها لا تعرف اللغة ولم نصدّر إليها أيّة صُور كلامية؟!!
- أجل أجل يا حبيبتي، أجل أجل يا حبيبتي!
- ألم تر إلى النور يا حبيبي كيف يتساوى عندنا مع الظلام، كما يتساوى الليل مع النهارِ؟!
- لم أتنبّه إلى ذلك يا حبيبتي،كنت أظن أنني في ظلامٍ تُنيره النجوم والمصابيح والأقمارُ.
- بل كنت في النور والظلام يا حبيبي، ونحن الآن في النور والظلام، أو في الليل والنهار! غير أن الله منحنا القدرة على إحداث الظلامِ المطلق أو النور المطلقِ حين نريدُ!!
- سُبحانك سُبحانك سُبحانك يا إلهي، سُبحانك حانك حانك سُبحانك يا إلهي.
- ألم ترَ إلى نفسك يا حبيبي، كيف حلّقتَ في الماء وتنفست في الماء وشربت في الماء وأكلت في الماء وحلقت في الفضاء؟!!
- أجل أجل يا حبيبتي.
- ألم تر إلى الكائنات عندنا يا حبيبي كيف يتآخى مع بعضها البعض، ولا يصطدمُ بعضُها ببعض، ولا يتخاصم بعضها مع بعض؟!!
- أجل يا حبيبتي، ولكن بعضها يفترس البعض الآخر!
- كل ما يُفتَرَس يعودُ إلى الحياة بعد الإفتراسِ يا حبيبي!
- يا إلهي، هل تعود الحيواناتُ والأسماكُ إلى الحياة بعد أن تأكلوا لحمها يا حبيبتي ؟!
- أجل يا حبيبي، حتى الأسماك التي تفترسها الحيتانُ والدلافينُ والأسماك، تعود إلى الحياة! وحتى الطيور والحيوانات التي تفترسها الطيور والحيوانات تعود إلى الحياة!!
- يا إلهي سُبحانك يا إلهي. يا إلهي سُبحانك يا إلهي. يا إلهي سُبحانك يا إلهي!
- هيا يا حبيبي يا حبيبي، حاول أن تتوحد مع نفسك لتتوحد معي!
- هل تقصدين أن أُلغي حواسّي وعقلي؟!
- إذا استطعت ذلك يا حبيبي أصبحت مِثلَ الله، فهو الوحيد القادر على أن يكون فوق الحواسِ والعقول!!
- يا إلهي يا حبيبتي، لكن الأطباق الأطباقَ كانت تستجيبُ لنا والنار تآخت مع الماء والنور تآخى مع الظلام والحجارة تآخت مع الكائنات، مع أنها بلا حواس وبلا عقول؟!
- بل لها حواسٌ وعقولٌ وروح وحياة يا حبيبي لكن ليس كحواسِ وعقولِ وحياة وروح الإنس والحيوانات والحشرات والنباتات!!!
- يا إلهي يا إلهي سُبحانك يا إلهي. يا إلهي يا إلهي سُبحانك يا إلهي. يا إلهي يا إلهي سُبحانك يا إلهي!!
- هل للعدم حواس وعقولٌ وحياة يا حبيبتي؟!
- للعدم أكملُ حواسٍ وأكملُ عقلٍ وأكملُ حياةٍ وأكملُ روحٍ يا حبيبي!!!!
- يا إلهي يا حبيبي يا إلهي يا حبيبي. كُن معي يا إلهي، كُن معي يا إلهي، ولا تتخلى عني يا إلهي، ولا تتخلى عني يا إلهي، ليس لي إلا أنت يا إلهي.
- لا تخف يا حبيبي يا عيوني يا روحي!
- ما هذا الذي أسمعه يا حبيبتي؟! فهل العدم العدمَ هو الله؟!
- أستغفر الله العظيمَ يا حبيبي، أستغفر الله العظيمَ، فالله أسمى من أن تُدركه الحواس والعقول، وأسمى من أن يقتصر وجوده على الحواس والعقول كما هي الحال مع العدم يا حبيبي!!!
- آهٍ يا حبيبتي إلى أين تقودينني بحقِّ السماء؟!
- إلى حيث تريد يا حبيبي، إلى عمق الإيمان، إلى فضاء الروح، إلى الكمال، وإلى كمال كمال الكمال، إلى الله يا حبيبي يا حبيبي!!
- آهٍ يا حبيبتي، دعيني أرشف من شفتيكِ الشهد، وأجرعُ من نهديكِ خمر الجنة وأرضعُ ماء الكمال وإكسير الحياة بجنون، لعلي أصير الله، لعلي الله أصير!!!
- آهٍ آهٍ يا حبيبي، آهٍ آهٍ يا حبيبي، لا تجرع لا ترضع بجنون، أخاف أخافُ على عقلك الإنسيِّ أن يضيع!
- ليذهب عقلي، ليذهب عقلي والإنس جميعاً يا حبيبتي إلى جحيمٍ بلا حواس وبلا عقول!!
- جرعت كثيراً ورضعت كثيراً يا حبيبي جرعت كثيراً ورضعت كثيراً يا حبيبي، مهلاً مهلاً يا حبيبي مهلاً مهلاً يا حبيبي!!
- لم أجرع شيئاً بعد يا حبيبتي، فما زلتُ أُدرك وجودي، وأعرف بعض الكلمات!!!
- هل تعرف من أنت يا حبيبي هل تعرف من أنت؟!
- أظنُّ أظنُّ يا حبيبتي أظنُّ أظنُّ!!
- إجرع إجرع من خمر الجنة، وارضع من ماء الكمال وا وَ إكسير الحياة يا حبيبي يا حبيبي.آهٍ آهٍ يا حبيبي رضْعُكَ فيه حياة، فيه ألمٌ، فيه عذابٌ فيه عشقٌ عشقٌ عشقُ، آهٍ آهٍ آهٍ يا حبيبي، آهٍ آهٍ آهٍ يا حبيبي. والآن الآن من أنتَ من أنتَ يا حبيبي يا حبيبي؟!
- أنا لا أعرف لا أعرف يا حبيبتي أنا (كائن) (كائن) (كائن) يرتدُّ يرتدُّ إلى دخيلته، إلى دخيلته، ويغورُ يغورُ في أعماق أعماقِ نفسه ويتوحّد و يَ يَ يتوحّد مع ذاته!!
- هل نسيت يا حبيبي يا حبيبي الكلام الكلام؟!
- أظنُّ أظنُّ أظنُّ يا حبيبتي أني أني نسيت نسيت الكلامَ!!
- والموسيقا الموسيقا يا حبيبي يا حبيبي هل نسيت نسيت الموسيقا؟!
- لا أعرفُ لا أعرفُ يا حبيبتي يا يا يا حابيبتي. أظنُّ أظنُّ أظنُّ أني أني أني أذاهنكِ أذاهنكِ الآن الآنَ بالموسيقا بالموسيقا الموسيقا!!!
***

[11] التوحّد مع كمالِ كمالِ الكمالْ الله سُبحانه وتعالى
- إجرع إجرعُ إجرعْ يا حبيبي يا حبيبي
إرضع إرضعْ إرضعْ يا حبيبي يا حبيبي.
آهٍ آهٍ آهٍ ياحبيبي ياحبيبي.
آهٍ آهٍ آهٍ ياحبيبي ياحبيبي.
والآن الآن الآن من أنت من أنت
من أنت يا حبيبي؟!
- آنا العدمُ العدم يا حابيباتي
آنا العدمُ العدمُ العدمُ !!!
- آهْ آهْ آهْ يا حابيبي آهْ آهْ آهْ يا
حابيبي.
إجرعْ إجرعْ إجرعْ يا حابيبي
إرضعْ إرضع إرضع يا حابيبي
آهْ آهْ آهْ يا حابيبي
آهْ آهْ آهْ يا حابيبي.
*
- آهْ آهْ آهْ ماذا هذا ماذا هذا؟!
فَ فَ فمن أنت ف ف فمن أنتَ
الآن الآنَ يا حَ،حَ حَ، حَ حبيبي؟!!!
- آ آ آ آ نونْ نونْ نونْ آ آ آ آ
أنا أنا أنا الرَّبُّ آ آ أنا الربُّ
يا يا يا حا حا بِ بِ بتي بتي!!!
- آهْ آهْ آهْ ما أجملكَ
آهْ آهْ آهْ ما أكملُكَ
يا يا حا حا حابيبي!!!
*
- آهْ آهْ آهْ آهْ ما؟ ما؟ ما؟ ما؟
ما هذا؟ فَ فَ فمن أنت فَ فَ
فمن أنت الآن الآنَ يا حَ، حَ حَ
حا حبيبي؟!!
- آ آ آ آ نونْ نونْ نونْ نونْ
آ آ آ آ أنا أنا أنا الحق آ آ
أنا الحق يا يا حا حا بِ بِ بتي بتي!!!
-- آه آه آه آه آه يا يا يا يا يا يالجمالك يا يا
يا لكمالك يا يا حا حا حا حبيبي!!
*
- آهْ آهْ آه ْ آهْ آه ْ آهْ
ما؟ ما؟ما؟ ما؟ ما؟ ما؟
ذا؟ ذا؟ ذا؟ ذا؟ ذا؟ ذا؟
ذا ماهذا؟ ذا ماهذا؟
فَ فَ فَ فَ فمن أنتَ
فَ فَ فَ فَ فمن أنتَ
الآن الآن يا يا يا يا يا يا
حا حا حا حا حا حبيبي؟!!!
- آ آ آ آ آ نونْ نونْ نونْ نونْ نونْ
آ آ آ آ آ آنا اللهُ آ آ
آنا الله آ آ آنا اللهُ !!!!!
- آهْ آهْ آهْ آهْ آهْ آهْ آهْ
يا يا يا يا يا يا
حا حا حا حا حا حا
بي بي بي بي بي بي
يا لجمالكْ وكمالكْ وكمال اللهِ
يا حبيبي
يا لجمال جمالك وجمالِ جمال
الله يا حبيبي
يا لكمالِ كمالك وكمالِ كمالِ
الله يا حبيبي
يا لجمال جمال جمالك وجمالِ جمال جمالِ
الله يا حبيبي
يا لكمالِ كمالِ كمالكِ
وكمالِ كمالِ كمالِ
الله يا حبيبي
الآنَ الآن يا حبيبي يا حبيبي
الآنَ الآن يا حبيبي يا حبيبي
طاب المدامُ المدامُ
طابَ العشق العشقُ
طاب الهيام الهيامُ
طاب الغرام الغرامُ
يا لجمالكْ وكمالكْ
يا لجمالكْ وكمالكْ
وجمالِ جمالِ اللهِ
يا حبيبي
يا لجمالك وكمالكْ
وكمالِ كمالِ الله يا حبيبي
الآنَ الآن يا حبيبي يا حبيبي
الآنَ الآن يا حبيبي يا حبيبي
طاب المدامُ المدامُ
المدامُ
ومدامُ مُدامِ المُدامِ
طاب العِشقُ العشقُ
العشقُ
وعِشقُ عشقِ العشقِ
طاب الهيامُ الهيامُ
الهيامُ
وهيامُ هيامُ الهيامِ
طاب الغرامُ الغرامُ
الغرامُ
وغرامُ غرامِ الغرامِ
طاب التّوَحّدُ باللهِ
طاب التوحد باللهِ
وبجمالِ كمال اللهِ
وبجمالِ كمال اللهِ
جمالِ كمالِ الكمالِ
جمالِ كمالِ الكمالِ
وكمال كمال الكمال
وكمال كمال الكمال
الله الله الله
الله الله الله
اللــــه.
***




غوايات شيطانية
ألجزء الثاني

ألمعراج
محمود شاهين
(1) طفولة ملائكية!

فجأة..فجأة.. فجأة..
صار, صار, صار,
فجأة صار ألأديب’الأديب , طفلاً ملائكياً ..يستكين إلى صدر الملكة فاتنة السماوات , ويرضع من ثديها وابتسامةعذبة فرحة تطفو على شفتيه, تضوَع منها شذا الفرح, ليعمَ أرجاء ألحجرة الماسيّة,ناثرا الابتسامات على السقوف والجدران القوسية, وعلى الرسومات والمنحوتات, والأيقونات والتحف , والورود والمناضد والمقاعد والنوافذ, والثريات المنتشرة في أنحاء الحجرة , لترقص فرحاً, وتطيَر بدورها الابتسامات , لتنتشر في كافة ارجاء القصر السماوي السامق, وتحلق في الفضاء, مثيرة فرح السدائم والغيوم, متبعثرة في كل الإتجاهات, لتعم أرجاء الكون , لتبتسم البحار والمحيطات , والأنهار والحدائق والطيور والنباتات , والأسماك والحيوانات, والورود والأشجار,والحجارة والتراب والنار, والنور’ والظلام’ , والنجوم’ والأقمار’, ليفرح الكون’ والكائنات..
ألكون كله وكل الكائنات.. ابتسمت وفرحت, وراحت ترقص فرحا بابن السماء!!
*******
كانت الملكة تتوحد معه في ذروة الغرام وقد فقدت وعيها, وحين استعادته , وجدت أنه تحوَل إلى طفل لا يتجاوز الثانية من عمره, يرفل بثياب من السندس والإستبرق, ويحتضن نهدها بيديه, ويرضع إكسير الحياة بكلَ براءة الأطفال, راسماً على شفتيه تلك الإبتسامة الوادعة الرائعة الساحرة ..
ندَت عنها صرخة خافتة وهي تحدق إليه,ثمَ إلى الحجرة الماسية, بكل دهشة الكائنات, لتتنبه إلى أن أشكالهماالسباعية قد اختفت , وعادا واحدين وحيدين.!!
احتضنت رأسها بيديها وراحت تستجمع أفكارها وتركز ذهنها. أدركت أنها كانت تتوحد معه في شبه غيبوبة, وان آخر ما تذكره أنه صار الله , وأنها راحت تغرق معه في لجَة الهيام ,إلى أن توحدت معه في ذروة الغرام الإلهي, ولم تعرف ماذا حدث بعد ذلك, ماذا صارا, وماذا كانا, وأين كانا وكيف كانا وماذا فعلا؟!! لا تعرف, وعبثاً حاولت أن تعرف.. ولم تجد إلا أن تحدَق إلى الطفل, وإلى جمال الطفل, وإلى ابتسامته الرَبانيَة, وإلى الوداعة والبراءة التي يحتضن بهما نهدها, وإلى فرحته بهذا النهد!!
********
لم تعرف فيما إذا كان عليها ان تضحك فرحة أم تصرخ باكية, فمن كان حبيبها صار الآن ابنها!!
من كان حبيبها صار الآن ابنها!
ألقت نظرة على السقف الماسي وعلى الموجودات لتراها تبتسم فرحة , فشاحت نظراتها إلى النوافذ لترى الابتسامات ترتسم على أخشابها , والنوارس ترفرف عليها فرحة, تود أن تقتحم الحجرة.
تجرَأت ملكة النوارس ودخلت الحجرة عبر النافذة, وراحت ترفرف بجناحيها فوق رأس الطفل .
ابتسم الطفل ومدَ يداً ملائكيَة إلى ملكة النوارس .
حطت النورسة على كتف الملكة ومدَت رأسها إلى الطفل.
مدَ الطفل يده وملس على رأسها وهويرضع ويبتسم.
رفرفت ملكة النوارس ولامست بطرف جناحها جبين الطفل, فأشار لها الطفل أن
طارت ملكة النوارس لتخرج عبر النافذة وتنضم إلى أسراب النوارس وتقودها لتحلَق حول العرش الملكي, فيما كانت أسراب الطيورمن البلابل والقبرات والدوريَات, واليمام والصقور والنسور, والحداء والعصافير, والرخوخ والعنقاءات’, واللقالق والأبابيل’ تهرع من كلَ صوبٍ عبر الفضاء,
وترفرف على النوافذ والشرفات, أو تحلَق حول القصر السامق في الأعالي.
******
وجاءت أسراب الظباء
وأسراب الرشاءات
وأسراب الزرافات
وأسراب الخيول
وأسراب أفراس البراق المجنحة
وأفراس البحر
وأسراب من الأبقار والثيران
وأسراب من النمور والغزلان
وأسراب من حور العين الملائكياَت
وأسراب من ملكات الجنِ
وأسراب من اللامات والوعول
وأسراب من الجمال والنوق
وأسراب من الدلافين والأسماك والحيتان
وأسراب من التنانين والأخطبوطات
وأسراب من قناديل البحر
وأسراب من الورود والسنابل والأعشاب
وأسراب من النباتات والأشجار
واسراب من الشعب المرجانية
وأسراب من التَفاح والبرتقال
وأسراب من عنب الخليل والخمور
وأسراب من كلَ الفواكه والخضار
وأسراب من الحجارة والأطباق والصُخور
واسراب من شعل النيران المتراقصة
وأسراب من اللجين والياقوت
وأسراب من اللؤلؤ والد موع وزلال الماء
وأسراب من الينابيع والنوافير والشلالات
وأسراب من التلال الربيعية والحقول والجبال
واسراب من النجوم والكواكب والأقمار
وأسراب من الندى والسحاب
وأسراب من البراكين والزلازل والوديان
وأسراب من الصحارى والجروف والسهوب
وأسراب من المنحوتات والأيقونات
وأسراب من الرسوم والألوان
وأسراب من الفراشات والأقحوان
وأسراب من السدائم والتراب
وأسراب من الملوحة والعذوبة والرائحة
وأسراب من الأشعار واللغات
وأسراب من الرَجع والظلال
وأسراب من النسيم والصهيل والألحان
وأسراب من النور والهديل والظلام
وأسراب من الحروف والقبل والأغاني
وأسراب من المحبة والعشق والحنان
وأسراب من اللجة والهيام
وأسراب من أ ضغاث الأحلام
وأسراب من الأحاسيس والأرواح والتفاني
وأسراب من العدم والسَراب والأماني
وراحت كلها تحلق بانتظامٍ في الفضاء
وترقص حول العرش
وحول القصر السامق في الأعالي
********
اندفعت ملكة اليمام عبر النافذة
حاملة بمنقارها نرجسة بيضاء
وراحت ترفرف فوق الطفل
والملكة الذاهلة الحائرة
ابتسم الطفل لملكة اليمام
ومد لها يده الصغيرة
ألقت بالنرجسة على خده
وحطت على كتف الملكة
ومدت رأسها
ملس الطفل عليه بأنامله
دون أن تفارق الإبتسامة شفتيه
ودون أن يفلت حلمة النهد
وروعة البراءة
رفرفت اليمامة ولامست بطرف جناحها جبين الطفل
فأشار لها الطفل أن
رفرفت ملكةاليمام بجناحيها
وطارت عبر النافذة
لتحلَق مع سربها
ومع الكائنات
حول العرش السامق في الأعالي
*******
اختلج الفرح في قلب الملكة
وابتسمت, فيما كانت ترقب من النوافذ
فرح الكائنات المحلقة
حول العرش وفي الفضاء.
أجل فرحت وابتسمت
ومدت يديها لتحضن الطفل
وما لبثت أن دمعت
أجل دمعت دمعت
ليمتزج فرحها بالحزن
وليتساوى فرحها مع الحزن
أجل أجل ليتساوى فرحها مع الحزن
كما يتساوى في مملكتها السماوية
الليل مع النهار
والنور مع الظلام
ألليل الليل الليل
مع النهار النهار النهار
والنور النور النور
مع الظلام الظلام الظلام
******
أفلت الطفل النهد من فمه
واندفع على صدر الملكة
مشرعا يديه ليعانقها
احتوته بأن ضمته إلى روحها
بكل الوله
وكل الفرح الحزن
وكل الحنان
واحتواها بأن طوَق عنقها
بيديه الملائكتين
بكل البراءة
وكل المحبة
وكل عشق الأمومة
وكل فرح الطفولة
وكل الألوهة
وكل ما لن تعبر عنه الكلمات
ولا الأغاني
*******
استندت في سريرها
وقبلته على خده
وراحت تحتويه
وتغرق في احتوائه
فيما كانت العصافير
ترفرف على النوافذ
والشرفات
وكانت الورود والنباتات والكائنات
تحلق بأسرابها حول العرش
وحول القصر السامق في الأعالي
******
اندفعت كوكبة من الورود الجورية
والياسمينية
والنَدَيَة والنردية
عبر النافذة
وراحت تحلِق راقصة
في فضاء المخدع الملكي
رفع الطفل رأسه
عن عنق الملكة
وابتسم للورود
ومد يده ملوِحا لها
*****
هبطت نحوه باقة جورية
حمراء وبيضاء وزهرية
وخضراء وصفراء’
مدَ الطفل أصابعه ليلامسها
فلان الشوك الجوري
وانثنى أمام أصابعه
وأحنت الورود زهورها
وذاهنته هاتفة:
عليك يا ابن الله السلام
عليك يا ابن الله السلام !!!
*******
لم تدرك الملكة تذاهن الورود مع الطفل
غير أنها أحست من بهجة الكائنات
أنَ من كان حبيبها وصار الآن ابنها
ربما غدا ابنا لله
وحبيبا للسماء
********
ذاهنها الملك ابليس من اعماق البحر:
ماذا فعلت بابن الإنس أيتها الملكة؟
ذاهنته بكل الحزن الفرح:
لا أعرف لا أعرف يا مليكي
أقسم بإلهي الحبيب
أنّي لا أعرف ماذا حدث
فقد فقدت السيطرة على نفسي
وغبت عن الوعي
حين بلغ ابن الإنس
كمال كمال الكمال
وصار الله
صار صار الله
دون إرادتي
ليغرقني في فيض حبه
ويوحدني مع بهاء كماله
قبل أن يصِيره الله
طفلا ملائكيا
*******
يا حسرتي يا حسرتي يا ويلي!
فهل أفرح أنا أيضا
أم أبكي ؟!
جئت بابن الإنس ليشهد ببراءتي
من الغواية
أمام الإنس
فأغواه سحر جمالك
وأعاده خمر الجنة
وإكسير الحياة
وماء الكمال
المتدفق من نهودك السباعيةالمتعددة
لكثرة ما غبَ منه
إلى طفل
لا يفقه ولا يدري
*******
بل مشيئة الله يا مليكي
مشيئة الله من اعادته طفلاً
وليس خمر الجنة
ولا إكسير الحياة
ولا ماء الكمال
ولا سحر جمالي
فلا تقنط من مشيئة الله
جلَ جلاله السامي .
*******
أستغفره أستغفره
وأتوب إليه
أتوب أتوب إليه
سبحانه سبحانه
ما أعظم شأنه.
أدرك ذللك أيتها الملكة
لكنه لم يكن ليحدث
لو لم آت بابن الإنس من الأرض
ولم أعرفه عليك
وأتيح لك أن تصحبيه
إلى عرشك السامق
في الأعالي
******
كانت رغبته يا مليكي
اقسم أنها كانت رغبته
في أن ينسى الأرض
وينسى الإنس
وينسى الهموم والأحزان
فمن الله عليه بأن أراه نفسه
وصيره مثلها
ثمَ أعاده إلى الطفولة
ليحيا ثانية الفرح الطفولي
وعشق الأمومة
والأمان !
*****
واحسرتاه!
من سيشهد ببراءتي عند الإنس
لعلهم يكفون عن لعني وشتمي ورجمي؟!
هل انتظر إلى ان يرأب ابن الإنس ثانية
ويطوي سني الأرض
أو ايام السماء؟!
******
يا مليكي يا مليكي:
لا أظن ُ أن ابن الإنس
سيعود إلى وعيه الإنسي
حين يكبر !
تكفيك محبة الله
وكائناته الأخرى فلا تنقصك محبة الإنس
ألذين أفسدوا في الأرض وعاثوا خرابا!
*****
بل تنقصني أيتها الملكة
فأنا لا أحتمل ان يكرهني خلق
من مخلوقات الله
حتى لو كانوا من المفسدات والمفسدين!!
ثم ما أدراني إن كان الله
ما زال يحبني كما كان ؟1
******
يا مليكي با مليكي:
لا تقنط من رحمة الله
وانتظر ان يأتيك الله بآياته
إنه سميع مجيب الدعاء
وانظر إلي وارأف بحالي
فماذا تفعل من هي مثلي
وقد فقدت تعددها
وصار حبيبها ابنها
وعليها أن ترضعه من ثدييها
وتكون له أمأً رؤوما
دون أن تفقد أملها بالله
أكبر الرؤومين والرؤفاء؟!
**********
غير ان الملك ابليس
لم يحتمل وطأة الإنتظار
وحاول ان يقنع نفسه بالفرح
وأن يخلد إلى الطمأنينة
فقد راح يشعر في قرارة نفسه
انه غرر بابن الإنس
حين صعد به من الأرض
ليشهد على براءته من غواية الإنس
فلم يجد إلا ان يشرع في البكاء
ويلغي الإحتفال براس السنة
لتحزن له في ممالكه المليون
كل الكائنات
لكن , دون أن تفقد فرحها
فقد تساوى فيها الحزن والفرح
كما يتساوى الليل مع النهار
والنور مع الظلام
في مملكته السماوية
ذات الجمال والبهاء.
******
وحده الملك ابليس كان حزينا
دون أن يجد الفرح إلى نفسه
سبيلا واعتصام !
وحده لم يشعر بوحدانية الحزن والفرح
والمسرة والغماء!
******
انتقل بلمح البصر من أعماق بحره
المعلَق في السماء
إلى عرش الملكة
ليظهر إلى جانب السرير
في المخدع الملكي
في الحجرة الماسية
ويمد يديه ليأخذ الطفل الملائكي
ويحدق إليه مليا
ويهتف بحزن والمٍ
والدموع تنحدر على وجنتيه
بالبكاء:
< معذرة أيها الأديب الأديب
اقسم لك بإلهي الذي لا إله لي غيره
أن لا شأن لي في ما حدث
فهل تصدقني القول
والإباء ؟!
******
ابتسم الطفل ومدَ يديه الملائكيتين
ومسح دموع الملك
فتفجر الحزن في قلب الملك
وخالج شفتيه طيف ابتسامة
ارتسم عبر الدموع
وضم الطفل إلى عنقه
واحتواه بكل ما في قلبه
من محبة لله ومخلوقاته
فيما كانت النوارس والعصافير واليمامات
ترف بأجنحتها على النوافذ والشرفات
وكانت كل الكائنات
تحلق حول العرش السامق
في الأعالي.
*************
همس الملك إلى الملكة
وهو يضم الطفل:
لو أعرف انَي ارضي وجه الله
لحاولت بقدراتي التي منحني إياها الله
أن اعيد الطفل إلى رجولته ووعيه
وحالته الإنسية التي كان فيها
قبل الصعود إلى السماء !!
******
هتفت الملكة بخشية من الله
وريبة في النفس :
لا لا يا مليكي
أرجوك أرجوك
اتوسل إليك
ألا تقف ضد مشيئة الله
رب الأنام.
_ لن أقف أيتها الملكة
لن أقف ضد مشيئة الله
فصبر جميل والله المستعان
فصبر جميل والله المستعان!!
******
2) إحتفاء كوني بابن السماء!!

ازدحمت خلف الشرفات والنوافذ
آلاف مؤلفة من النوارس واليمامات
والبلابل والعصافير المرفرفة
والورود والنباتات المزهرة
وعناقيد العنب الراقصة
والتفاح المتوهج
والبرتقال الذهبي
والظباء والرشاءات
والخيول الجامحة
والنجوم والأقمار المحلقة
حول القصر السامق في الأعالي
*******
اشرع الطفل يديه إلى الكائنات خلف النوافذ
هتفت الملكة إلى الملك:
- أطلق يا مليكي الطفل إلى الكائنات لتزفه!
قبَل الملك الطفل على خده
وأطلقه في فضاء الحجرة الماسية.
طار الطفل مشرعاً حضنه
واتجه نحو النافذة .
أفسحت له النوارس واليمامات والعصافير
وعناقيد العنب والتفاح
والبرتقال والورود
طريقاً بينها في الفضاء
فاندفع عبره يحف به الكون والكائنات .
*******
زغردت أسراب الدموع والبصر
فزغردت اسراب الملوحة والرائحة
وأسراب العذوبة والقبل واللمس
وأسراب الفرح والمحبة والذوق
وأسراب النسيم والظلال والسمع
وأسراب النور والظلام والضباب
*******
وزغردت الرسوم والأرواح والألوان
وزغردت الحروف والأشعار والألحان
وزغردة الذاكرة والإحساس والأحلام
وزغردت الأرقام والعدم والأقحوان
وزغرد الرَجع والسراب والسحاب
وزغردالصهيل والهديل والحنان
وزغرد النرجس وشقائق النعمان
وزغرد الجنون والكلام والنسيان
وزعرد الحرير والزمان والمكان
******
ضجت العصافير والنوارس واليمامات
والظباء والخيول والأغنام
والورود والنباتات والأشجار
والوحوش والملائكة والبحار
والجنُ والحوريات والأنهار
والدلافين والأسماك والمحار
والينابيع والشلالات والأحجار
والنجوم والكواكب والجبال
والبراكين والزلازل والأقمار
بالزغاريد
فضج الكون كله وكل الكائنات
بالزغاريد والأغنيات والألحان
وراح يحلق مع الطفل
حول العرش
وحول القصر السامق
في الأعالي.
********
طارت الملكة عن السرير
محلقة بثياب من السندس
الأخضر الأبيض الموشى بالسواد
واندفعت خلف الطفل
فاندفع معها الملك
محلقا بذات الثياب
*****
ارتدى الملائكة والحوريات والجنيات
والنسيم والدموع والظلال
والموج والنبع والسراب
والبراكين والعدم والغرام
واليمام والورد والظباء
والسديم والعشب والتراب
ذات الثياب ..
ليرتدي الكون كله والكائنات
والأفكار والخواطر
والأحاسيس والكلام
والأشعار والألحان
والنفوس والألوان
والأغنيات والوجدان
ذات الثياب!
إيذاناً ببدء الحداد
ليتساوى فيها الفرح مع الحزن
كما يتساوى في مملكة السماء
الليل مع النهار
والنور مع الظلام
******
دار الكون , كل الكون
في الفضاء
حول القصر السامق
محتفياً بالطفل الملائكي
الذي راح يحلق
عبر المعراج السماوي
في طريق حلزوني
تتبعه الملكة والملك
ثم شمس البحار
وتحف به ملكات حوريات الماء
وحوريات السماء
وملكات الظباء والخيول والدلافين
وملكات النوارس والبلابل واليمام
وملكات الضفائروالعشب والورد
وملكات الظلال والنسيم والألحان
وملكات الشعر والعشق والأمواج
وسط صدح الموسيقى السديمية
ورجع زغاريد السماء
وشدو العدم بالأغاني
وتموجات الكون بالألوان
******
أفردت ملكة النوارس جناحيها وذاهنته
فامتطاها .. وطوق عنقها بيديه
وراح يضحك يضحك يضحك
فضحك الكون كله وكل الكائنات
******
مدَت ملكة اليمام جناحين
من حرير موشى بألوان
الفرح الحداد!
وتقدمت معراج الطفل
وهي تذاهن ملكة النوارس
راجية ان تتيح لها
الإحتفاء بابن السماء
*****
انزلقت ملكة النوارس
من تحت جسد الطفل
ليحط الطفل على ظهر ملكة اليمام
ويملس بيده الملائكية الصغيرة
على ريش رأسها المموج
بالسندس الأخضر الأبيض
الموشى بالسواد
*****
تشكلت ملكة الورد
في جسد حورية
لها اجنحة من القرنفل
والزنبق, والياسمين
المتشح بألوان الحداد
*****
ودع الطفل ملكة اليمام
بقبلة على العنق
وألقى نفسه بين أحضان ملكة الورد
ضمته إليها وقبلته على اليدِ
وذاهنته راجية قبلة منه
فقبلها على شامة في الخدِ !
******
استبقت ملكة الضفائر المعراج
وأشرعت اجنحة من ذؤابات
وخصل وضفائر
وفتحت أحضانها للطفل
ودع الطفل ملكة الورد
واستكان إلى حنان الضفائر
لثمت الذؤابات جبينه
فلثم أهداب الذؤابات.
*****
هفهف النسيم محلِقاً
بأجنحة من الطلِ
ليتمرغ الطفل بين أحضان من نسيم
قبله النسيم على خدِه
فقبل هو خدِ النسيم!
فغارت من النسيم الظلال
فتشكلت في جسد حورية
من ظلال
وذاهنت ملكة النسيم هاتفة:
إليَ بابن السماء
أطلقت ملكة النسيم الطفل
وتنحت
لتحتضن الطفل الظلال
وتغمره بقبل من ظلال
*****
أفردت ملكة العشب جسدها
بساطا ربيعيا مزهراً
لموكب المعراج السماوي
تدحرج الطفل عليه
محفوفا ببحور الشعر
والقوافي ترف عليه
والألحان تناغيه
والأشعار تداريه
وتمطر خديه بقبل القوافي
فطفق هو يلثم حروف القوافي
لتغرق ملكة الشعر
في الفرح
وترقص ملكة العشب ابتهاجا
ولتحلق ملكة الألحان بالألحان
لتلف الكون والمعراج
*****
دبت غيرة الحب
بإيعاز من ملكة الحب شمس البحار
في قلوب الملكات:
ملكة الظباء
وملكة الخيول
وملكة حوريات الماء
وملكة الدلافين
وملكة الحيتان
وملكة الشعب المرجانية والأسماك
وملكة الحملان والقطعان
وملكات الأمواج والشواطىء
والنوق والأغاني
وملكات الينابيع والأنهار
والغدران
وملكات العشب والسديم والنار
وملكات السمع والبصر واللمس
وملكات السراب والنور والظلام
وملكات الضباب والسحاب والرائحة
وملكات الذوق والزمان والمكان
وملكات التنفس والذاكرة والإحساس
وملكات الجنون والأحلام والنسيان
وملكات العدم والفن والألوان
******
ذاهنت ملكة الألوان الملك
راجية ان يتيح لها
نزع ألوان الحداد
لتصبغ المعراج لبرهة بالألوان
أذن الملك لها بالبرهة
كرما لابن السماء
اشارت بحركة من يدها
وشمخت برأسها
وارتعشت
فأضفت على المعراج كل الألوان
تضرج الكون , كل الكون
وتلألأ بالألوان, الألوان!
وراح يلثم عيني الطفل
فلثم الطفل عيون الألوان
******
أبرقت ملكة السراب من افق
عانقت فيه السماء كثبان الصحراء
فبدت وكأنها بحر
سطعت عليه اشعة وضاء
حسرت الألوان ألوانها
ليلف المعراج السراب
بالوان الحداد
قهقه الطفل
قهقه قهقه قهقه
والسراب يدغدغه
فقهقه الكون
والمعراج
****
عانق السراب الطفل مودعا
فعانق الطفل السراب
****
انتفضت ملكة السديم
وذاهنت السديم
احتشد السديم مزغرداً
من كل فج
وشكل هودجا للطفل
يقلِه براق
وتحف به فراشات
من سديم مهاق !!
اعتلى الطفل الهودج باسما
فانطلق البراق
ضحك الطفل ولوح للكائنات
بيد مهراق!!
****
طفح الكيل من السديم
بالينابيع
والشلالات
والأنهار
فصبت من السماء
على جانبي طريق المعراج
مطراً هراق
تمايل سنا أسراب
شعل النيران
وتراقصت حوريات الماء
في ماء رقراق
وحلقت في سماء المعراج
أسراب القاق
فضجت القلوب
والحروف
والقوافي
والأطباق
بالقافات
فضج الكون
والكائنات
بالمرح والجنون
والقيق
والقاق!
وبين السديم
وطفل السماء
طاب في الهودج
على اجنحة البراق
العناق!!
****
هاجت في الأكوان المحيطات
وثارت الدلافين والأسماك
وتلاطمت على الصخور الأمواج
والتجت مياه البحار
ومخرت الحيتان العباب
وفاضت على رمال الشطآن
اللجاج
ومارت في الأفلاك أقمار
واضطربت في السماوات كواكب ونجوم
والتمعت بروق
وقصفت رعود
وناحت كلاب
****
وعوت ذئاب
وثغت معز
وماءت قطط
وحنت نوق
ورغت نعاج
وتذاهنت وحوش مع طيور
ونباتات مع خيول
وماد في الكواكب اديم
واصطخبت حول القصر
اصوات عجعاج
****
وأقبلت من المشارق أعاصير
وهطل من المعصرات مطر
ثجاج
وسفت الريح في الصحاري
الرمال
فعلت في الفضاء عواصف
وارتفع العجاج
وتاججت في السماء
شعل النيران
فاضطرم الأجاج
*****
وهدلت حول العرش
اسراب اليمام
ونعق البوم
ونعب الغراب
وصاتت النوارس والحداء
وغضب العنب والبرتقال
وانفجر العدم بالبكاء
وتصدع في مرايا النفوس
الزجاج
*****
وهامت في كواكب الإنس أرواح
وانتفض في الأجداث
رميم العظام
واطل على الأكوان
نور محمد
وأشرق في السحاب
وجه علي
وخيم على السماء
جلال العذراء
*****
وهتفت باسم يسوع
الجراحات
وأشرعت لموسى حضنها
سيناء
وأحنت لبوذا أغصانها
الأشجار
وكبَر لاوتسه باسم التاو
ولاح في أعماق الغيهب السحيق
وجه براهمان
وسبح باسم أهورامازدا
وإندرا
مترا وأهرمان
وزرادشت والنار
****
وأن في أعماق الأرض
تراب الشيرازي
والكندي
وابن العربي
وابن الفارض
والجيلي
والخيام
وصرخ باسم الله
رفات الحلاج
****
فالتعجت
في ضريح لينين
اللواعج
واعتلج في قلوب الملحدين
المؤمنين
والمؤمنين الملحدين
اللعاج
وذرف جبريل
والملائكة- عدا إسرافيل-
في عرش الله
الدموع
وازدحمت في مملكة السحر
الكائنات
ليعم الكون
الإحتجاج
فتلجلج في طريق الموكب السماوي
المعراج’
******
تذاهنت الكائنات
في كل ممالك الملك
إذعاناً لمشيئة الله
آبية الفرح الحزن
وثائرة على الوان الحداد
فتذاهنت مع الكائنات
الأكوان
ليطرق التذاهن الكوني
أذهان الملكات
*****
أسرت الملكات بالتذاهن
إلى مليكة الحب شمس البحار
فنقلته إلى مليكة السماء
وفاتنة السماوات
خاطرت الملكة الملك
بالتذاهن الكوني
متوسلة:
لبِ يا مليكي رغبة الكائنات
في الغاء الحداد إلى الأبد
فهي لم تعتد الحزن الفرح
ولم تعرف ألوان الفرح
الحداد !!
وأوقف يا مليكي الزمن
لثانيتين سماويتين!!
والغ حدود الأمكنة
وقارب بقدرة الله الممنوحة لك
ما بين المسافات
والمسافات
لتشهد الفرح بابن السماء
كل ُ الأكوان السماوية
والكائنات!
*******
اختلجت شفتا الملك بابتسامة
واغرورقت عيناه بدمعة
وأوحى إلى الكون
والكائنات
من قلب لم يعرف الكره
لحظة
ولم يخفق
إلا بمحبة الله
ومخلوقاته
والآيات :
بسم إلهي الحبيب
الواحد الأحد
الصامد الصمد
الذي لم يولد
ولم يلد
ولن يكون له كفوا
أحد:
ليقف الزمن
ولتلغ حدود الأمكنة
ولتقرب المسافات
ولتخفض الشموس حرارتها
ولتهمد الزلازل
ولتخمد البراكين
ولتهدأ العواصف
ولتسكن الريح
إلى الظلال
والنسيم إلى السراب
وليعم الفرح وحده الكون
والكائنات.
*******
نهضت من أسافل الكون اراض
ودنت كواكب من كواكب
وفضاءات من فضاءات
وشموس من شموس
وأقمار من نجوم
وشهب من مذنبات
وهبطت السماوات
سماء إثر سماء
لتهبط السبع السماوات
*****
وارتفعت مياه البحار
والمحيطات
والأنهار
ليلف الكون الماء
وليختلط الفضاء
باليابسة والبحار
وليختلط الجن بالملائكة
وحور العين بالجنيات
ومخلوقات البر
بمخلوقات البحر
والطيور بالنباتات
والورود بالقبرات
واديم الأعماق بسديم الفضاء
لتختلط كل الكائنات
بكل الكائنات
******
وليقف الزمن
وتقرب المسافات
وتهدأ العواصف
وتخمد البراكين
وتخلد الريح إلى الظلال
والنسيم إلى السراب
والحروف إلى الكلام
والتفاح إلى الليمون
والعنب إلى البرتقال
والنور إلى الظلام
والنار إلى الماء
والعدم إلى الحنان
*****
ليفرح الكون
كل الكون
وترقص الألحان والأشعار
والرائحة والألوان
والأسماع والأبصار
والذوق والإحساس
والأحلام والإدراك
والندى والضباب
والبنات والشباب
والآباء والأمهات
والأجداد والجدات
والصغار والصغيرات
وأبناء الأرضين
وأبناء السماوات
لتغرق كل الكائنات
بكل الكائنات
******
في مكان
ليس مكاناً !!
خارج الزمن
وبلا حدود
حول المعراج
في السماء
تحت الماء
وبين قناديل
من نجوم
وأقمار سابحات
وبصحبة النار
والنور والظلام
ترعاها عيون الله
مبدع الخلق
والمخلوقات....
...................
....................
نهاية
م. ش.
نيسان 1995












#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرح الحزن في حزن الفرح ونعمة البكاء!
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (38)- 910- (9) الخلق في ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (37)- 909- في العقل وال ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (36)- 908- في العقل وال ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (35)- 907- في العقل وال ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (34)- 906- في العقل وال ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (33)- 905- في العقل وال ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (32)- 904- في العقل وال ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (31)- 903- في العقل وال ...
- أهلا بكم في دمشق ! و هذه العاهرة ! قصتان قصيرتان !
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (31)- 902- في العقل وال ...
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (30)- 901- في العقل وال ...
- لقاء الحبيب .. قصة
- انتكاسة الأدب .. وصراع الديانات في الحوار المتمدن !
- اللامغفرة واللاتسامح في المسيحية واليهودية ( رد على عبد الله ...
- يوم مولدي الأول !
- الدمع في زمن القتل والصمت والإغتراب !
- شاهينيات : في الخلق والخالق والمعرفة (29)- 900-تحولات العدم ...
- هل يطبق المسيحيون تعاليم المسيح ؟
- أسقطتم غصن الزيتون من يد الراحل ياسر عرفات فلا تسقطوه من يد ...


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - غوايات شيطانية. سهرة مع ابليس. ملحمة نثرية شعرية غنائية . النص الكامل .