أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (68)














المزيد.....

منزلنا الريفي (68)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4645 - 2014 / 11 / 27 - 10:59
المحور: الادب والفن
    


الفاميلة الزينة (5)

على شرفة البحر، وبين أعواد القصب، يقبع كوخ خشبي مغطى بالقزدير، يتكوش فيه ستة أفراد، تحت سقفه ينامون، وفي الخلاء يتبرزون، يقضي الأولاد معظم وقتهم في المدرسة، بينما الأم تقضي وقتها على الشاطئ لكي تجمع بلح البحر، في بعض الأحيان يقودها الفقر إلى أحياء البورجوازيين من أجل لقمة العيش.
**********
في طفولتها، لم تتساءل عبوش عن وجودها، كانت تعتبر الفقر قدرا من الله، وكم كان يطيب لها أن تعتز بالفقر كونه اختبارا من الله، فهذا الأخير أنعم على الفقراء بالفقر، وبالتالي سيكون حسابهم يسيرا، بينما هؤلاء الأغنياء سيكون حسابهم عسيرا، لكن ها هي تصعق الآن، فما كان يقوله الوالد الخماس أصبح في مهب الريح، يمكن أن يدجن جيل بأكمله، ويردد مقولات البورجوازيين. غير أن عبوش تقف على شرفة الوعي، فهي لم تتردد على المدرسة يوما، فمتى كان الإقطاعي يتيح لأبناء الأقنان أن يدرسوا ؟ ومتى كانت المدرسة تبلور الوعي ؟ إن المدرسة هي أداة للترقي الاجتماعي، وهذا ما ستراهن عليه عبوش، ينبغي أن تستثمر هؤلاء الأبناء لكي يصبحوا كأولائك البورجوازيين، أليست سيطرتهم الاقتصادية نابعة من سيطرتهم الثقافية ؟؟ إنني قروية، والعالم القروي حكم عليه بالتجهيل والتهميش لأمد طويل، ألست أنا نتاجه ؟ بلى !! إن العالم القروي كان بمثابة خزان اقتصادي لأهل المدن البورجوازيين، ففي الوقت الذي كان فيه القروي يكد ويشق الأرض، كان المديني يتعلم في الجوامع والمدارس، هنا تولد الفرق، فحصلت تبعية الريف للمدينة، تقول عبوش لو ولدت في المدينة ما كنت ابنة خماس، وإنما ابنة تاجر، حينئذ يحق لي أن أدرس وأتعلم. لكن هل كنت أستطيع أن أتخطى التقاليد والأعراف ؟ كنت سأتجاوزها، هناك نساء حطمن التقاليد، ولكن لا تذكرهن كتب التاريخ، يكفيني أن أذكر ربيعة العدوية، ولالة شافية، وعائشة البحرية، وجان دارك...علي أن أنتحل كل صفات الإنسان لأغير من شروط حياتي حتى لو كلفني ذلك حياتي، فالثورة ليست هي العنف دائما، كانت كل يوم تحث أبناءها على العلم، ومن حين لآخر تزور المعلمين، وتتقصى عن مستوى أبنائها الدراسي، وتهتم بأحوالهم في الصباح في المساء، في حين تقضي نهارها تغسل الزرابي، وتنظف الغرف، وتؤثث المنازل. كانت تعود منهكة، لكن هذا لم يثنيها عن مواصلة الانشغال بالأبناء، فمنذ أن تخلى عنها الزوج، ما عاد يزور أبناءه، لم يكن يعتبرهم أولاده، بل فقط يأتي من أجل أن يرهبها، فذات مرة سرق حميرا وأتى بها ونصبها قرب كوخها، وذلك من أجل أن يتهمها الجيران بالسرقة، ليس هناك رجل أكثر خساسة من هذا الرجل، لقد سولت له نفسه أن يتخلى عن أبنائه، وأن يهيم في عربدة أبدية تاركا إياهم ينخرهم الجوع، ويهدهم البؤس، لقد درس معظم أبنائه حفاة، فكانوا يتبادلون الملابس والنعال، كانوا يطلبون المعلم أن يغير جدولهم الزمني حتى يتبادلوا الملابس، ويحق لهم الذهاب إلى المدرسة. أجل إن الفقر دافع قوي للوعي، ما كانت عبوش تدرك أنها فقيرة لو لم تحتك بالأغنياء، كذلك الأبناء، فالكوخ مدرسة في الثورة، فما معنى أن تعيش مكدسا كعلبة سردين، حقا إن المرء يحس بانضغاط يحثه على الثورة والتغيير .
***********
اسمي حليم، عمري ثلاثين سنة، عشت طفولتي تحت سقف كوخ، كنت أنا هو ذلك الطفل الذي كانت تحمله أمه على مشارف البحر بحثا عن البلح، كنت أعاني من جراء البرد، ولكن أمي كانت تعاني أكثر، فازداد تعلقي بها، كانت مناضلة فذة لا يوازيها في النضال شخص آخر، لقد طلقت في سن الثلاثين، واستطاعت أن تهجر العائلة، وأن تستقر بعيدا من أجل تربية أبنائها، فعانت كثيرا من أجل هذه الغاية، كانت تقضي يومها في منازل البورجوازيين، ولم تتسول يوما، كانت تؤمن بالعمل من أجل صناعة أبناء مثقفين، لذا خصصت كل جهدها لتدريسهم، صحيح أننا لم ندرس في ظروف جيدة، لكن الذي منحتنا إياه أمنا هو أنها أقنعتنا ولقنتنا أن العلم هو السبيل لمحاربة الفقر، لهذا أصبحنا نحب المدرسة، ونمجد الأساتذة، وننصت لنصائحهم. حصلت على البكالوريا عام 2002، والتحقت فيما بعد بالجامعة، فاكتشفت عالما آخر، هذا العالم هو بوابة لفهم المجتمع، اكتشفت أن العلم لا يساوي شيئا في نظر الدولة. تبدت لي هذه النتيجة في مراحل مبكرة من حياتي، ولكن ما كان يحق لي أن أصدم أمي، وأخبرها بأن تثقيف الشعب هو آخر ما تفكر فيه الدولة. مدرستنا لم تكن تتوفر على مكتبة، بل عبارة عن جدران نخرتها السوسة. كنت من المتفوقين، ولكن لم أنل شيئا يحفزني على الاستمرار، بل ما يحبطني ويرميني في الشارع لأتجرع هشاشتي. أكره الفقر، ففي مدرسته نشأت، لهذا السبب كان حلمي هو أن أخرج من شرنقته، وأنشد التغيير، ولكن أينما حل بي المقام كنت أراه يتفرس أمامي، ها أنا أنهي حياتي الجامعية، الطريق تظهر لي مفروشة بالأشواك، إنه أفق يكتنفه السواد، مجبول بالخوف. البورجوازيون يخافون على أموالهم، فهربوها إلى الأبناك السويسرية، والكادحون يرهبهم الجوع، فباتوا يتعلقون بالسماء أكثر من ذي قبل، انتميت إلى منظمة طلابية تطالب بحق الشغل. كنا أكثر من ألف شخص، المجتمع تنكر لنا، والمخزن أرسل ذبابه لكي يبرحنا بالهراوات، ويلسعنا بالتهديدات، ولكن لم نتراجع قيد أنملة إلى الخلف. الرجوع إلى الخلف يعني هزيمتنا. الشغل حق إنساني وينبغي أن نناضل من أجل تحقيق هذا الحق. هذا ما علمتني إياه مدرسة أمي. إن الأم هي المشروع لتغيير المجتمع أو لبقائه في وضعيته الستاتيكية، أمي لم تكن من النساء الجامدات، كانت تعتبر نفسها ضحية للمجتمع، ولكن لا ينبغي أن يكون أحد ضحيتها، ولهذا راهنت على تدريسنا لزلزلة المجتمع، وإحداث رجة فيه في أفق التغيير المنشود.
***********
اسمعي يا ولدي حليم : لقد كنت أقول لك منذ 25 عاما أن العلم هو أساس التغيير، لكن ها أنا أصعق الآن بعد صعقة الوالد ..العلم ليس هو التغيير، بل طريق نحو التغيير . لا تخشى يا ولدي من شيء، واصل طريقك نحو التغيير، فليست هناك إلا حياة واحدة إما أن نعيشها بكرامة أو نموت بشرف ...

عبد الله عنتار / 26 نونبر 2014 / المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأكتب لك أغنية
- أغصاني الميتة
- منزلنا الريفي (67)
- خربشات المحال
- منزلنا الريفي (66)
- منزلنا الريفي (65)
- منزلنا الريفي (64)
- منزلنا الريفي (63)
- حلمة الأثر
- منزلنا الريفي (62)
- منزلنا الريفي (61)
- منزلنا الريفي (60)
- شمس الخريف
- كئيب الروح والحياة
- منزلنا الريفي (59)
- زهرة الناي
- منزلنا الريفي (58)
- منزلنا الريفي (57)
- رحلة إلى فضالات ...غبن يرتدي معطف الاستحمار
- منزلنا الريفي (56)


المزيد.....




- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (68)