أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (61)















المزيد.....

منزلنا الريفي (61)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4595 - 2014 / 10 / 6 - 00:36
المحور: الادب والفن
    


أنتروبوسات مهمشة (2)

دماء من أجل الإله

في كل مناسبة دينية، وفي كل عيد، وخاصة عيد الأضحى، أشعر بأنني مجبر على فعل مجموعة من الممارسات التي لا تتوافق مع مبادئي، فأحس أنني مساهم في جرائم لا إنسانية، فيسبب لي هذا وخزا عميقا في كياني، فمنذ طفولتي البعيدة كنت لا أطيق أن أعاين الأكباش، وهي تذبح أمامي بلا رحمة، كما كنت لا أطيق النسوة وهن يمرغن أرجلهن في الدماء، أما هؤلاء الجزارون، فكنت أرى فيهم كائنات حيوانية متعطشة للحم، كانت المناظر مقززة، أكباش تصرخ، وأطفال يعبثون بالجماجم، بينما النسوة يحرقن الأرجل، والرجال يسلخون، لم يكن هناك فعل آخر غير تقديم القربان للإله، فالإنسان مستعد لكي يقتل من أجل السماء، فكل شيء يهون أمامه مادام الإله متعطشا للقرابين، تواقا لامتصاص الدماء، متلذذا بالأكباش تترنح عذابا ومعاناة.
لا يمكن أن نحترم الإنسان مادمنا لا نحترم الحيوان، فمادمنا نحتقر الحيوان، ونذبحه بوحشية، فإنه جائز عندنا ذبح الإنسان للإنسان، هذا الصباح وفي حوار لي مع أحد المتدينين، قال لي : (إذا ارتكب الإنسان جرما يجوز ذبحه)، ومعنى هذا أن الإنسان لا قيمة له، فيجوز هدره وإباحة دمه إذا ارتكب جرما في حق الجماعة، فلا استقلالية له، ولا فردانية له، كل شيء جائز عندنا غير محاكمة عادلة تصون كرامته.
منذ عهد بعيد، لم أكن أطيق معاينة الذبح، كانوا يأخذون الأكباش من الحظيرة، ويجرونها بعنف، ويطرحونها على الأرض، في حين يتم الإمساك بكل كبش، وفي الأخير يأتي الأب ويأخذ السكين محركا إياها ذات اليمين وذات الشمال، وبعد هنيهة يتركه غارقا في دمائه يترنح في كل الاتجاهات، أذكر جيدا ذلك الكبش الصردي الذي فر بدمائه باحثا عن القطيع، لقد ذرفت من أجله دموعا غزيرة، كيف لا أذرفها وأنا أودع صديقا مخلصا تعلقت به بين الحقول، كان حملا صغيرا تركته أمه، فعثرت عليه ووضعته بين ملابسي، وانطلقت به نحو الحظيرة، أذكر ذلك جيدا وهو يكبر شيئا فشيئا، فصار رفيقي في رحلتي نحو السهول والمراعي، كان يتقدم القطيع، فصار مؤنسي في صمتي ووحدتي .
لم أطق مفارقته حتى اللحظات الأخيرة، لكن كنت آمل أن ألتقيه في العالم الآخر، كما كنت أدعو له في الصلاة، في تلك الأيام الغابرة التي كنت أصلي فيها، وأتردد دائما على المسجد، أما الآن فلم أعد أصلي، بل تنصلت من كل الطقوس، فبات حلمي هو أن أناضل من أجل حياة كريمة لكل البشر والحيوان، إنني أحضر في المناسبات، ولكن يبقى هذا الحضور حضورا اسميا، فمبادئي كونية إنسانية نقدية تمتح من العقل الإنساني، وتتجاوز كل الأديان، وكل الحدود، والمذاهب، والثقافات، والكائنات، فأنا أرفض الإساءة إلى الحيوان، فهو كائن لديه أحاسيس ومشاعر، لهذا حينما نذبحه، فهو يتألم، ومن ثمة أرفض ذبحه بتلك الطريقة الوحشية، فهي تسيء إلى الإنسان، فهذا الأخير لا يسمو، بل يتلاشى ويضمحل وينحط، فالكائنات الأخرى لا تستعمل الأدوات، ولا تتفنن في الذبح، بينما الإنسان يذبح بسادية، وبوعي ينم عن رغبة جامحة ملؤها الشره نحو اللحم، ذلك هو (التحمريش) الذي يعني حنينا نحو الكانيبالية، فإذا كان الإنسان فيما سلف يأكل بعضه البعض، فإن التعطش إلى اللحم في الوقت الراهن ينم عن كنيبالية جديدة، فهؤلاء الأطفال الصغار الذين يعاينون الرؤوس المقطوعة، والأرجل المتناثرة، والسكاكين المتلفعة بالدم هم بمثابة مشاريع داعشية لا تؤمن إلا بالذبح والتمثيل بالجثث والقتل، فمادام الطفل يرى والده يهدر دم كبش، فليس بعيدا في المستقبل أن يهدر دم إنسان، فالطفل يعرف أن الحيوان بريء ورغم يذبح بتلك الوحشية بدم بارد، فما بالك بإنسان يختلف معه في الدين أو اللغة أو الفكر أو اللون أو العرق، فإنه لن يتسامح معه، بل سيقتله بوحشية مادام هذا الطفل (حين يكبر) يرى منذ طفولته أن العنف ممثل في السكين هو الفيصل.
إن ثقافتنا موبوءة، ومجتمعنا مريض، وأفكارنا تعيسة، كيف يمكن أن نفرح ونحن غارقون في الدم ؟!! إن المشاعر الصادقة لا يمكن أن تكون صادقة ما لم تكن تفهمية، هل نحن تفهمنا الآخر ذاك المختلف ؟ إنه الحيوان، وهو يترنح أمامنا يناشد الحياة، ونحن نتلذذ بكل سادية، وهذه السادية لا تختلف عن سادية المسلمين، وهي تهلل لداعش بعد ذبحه لبعض الرهائن الغربيين مؤخرا، لا قيمة لإنسان في مجتمع لا قيمة له، فهذا المجتمع الذي نتحدث عنه هو مجتمع مقهور، لا يأكل جيدا، ولا يتطبب كفاية، ولا يدرس تدريسا لائقا، ولا يعتنى به عاطفيا، ينام في المراحيض، يأوي في الأكواخ، تجرفه الفيضانات، تحرقه الشمس، يقتله العطش، ينخره الجوع، تنهكه الأمراض، يقمعه المخزن، يعيش طفولة مرة، فكيف يمكن أن نلومه وهو معزول ومهدور في الهوامش والكوالح عائشا بين الفئران ؟؟ إنه لا يعدو أن يكون فأرا بين الفئران، لهذا فهو يبيع دمه وعرقه ليحصل على كبش يفرغ فيه حنقه وبؤسه في دولة جردته من كل فصول الحياة، فإذا أراد أن يتطبب عليه أن يدفع، وإذا أراد شهادة الحياة عليه أن يدفع، إذا أراد التمدرس عليه أن يدفع، فأين الدولة من كل هذا ؟؟ إن الدولة موجودة، لكنها موجودة لامتصاص دمه، لا لخدمته وراحته، لشقائه وبؤسه، فهي ليست ديمقراطية، وليست نتاجا للشعب، فابن كيران ليس مسؤولا أمام الشعب، بل هو مسؤول أمام الملك، فهو دائما يردد أن حكومته، هي حكومة الملك، وليست حكومة الشعب، فالشعب لا وجود له، بل هو مغيب يستلذ بأوهامه، فلم يرق بعد إلى درجة الإنسانية، فمادام يصرف كبته في حيوان، فلا يمكن أن يكون مساهما في صناعة القرار السياسي الذي يخدم مصلحته كشعب مهمش ومقهور، بل إنه يصفق ويهلل للمشاريع التي تخدم عبوديته وتشل إنسانيته، فكم مغربي يتفق مع سياسة بنكيران مثلما حصل في الزيادات الأخيرة وتخريب صندوق المقاصة وصناديق التقاعد، فعوض أن يخرج الشعب من أجل المطالبة بمحاسبة ناهبي المال العام، راح يسكت دون أن يحرك ساكنا كأن الأمر لا يعنيه.
لا وجود للشعب عندنا في المغرب، فالشعب وعي، وثقافة حية يكون مكانها هو الفضاء العام، فضاء النقاش والحوار في القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية، الشعب حركة لا تفتر ونضال مستمر من أجل المواطنة، لكن المخزن أنام كل شيء، وراح يلهي الشعب بالمهرجانات والأعياد والمواسم وهلم جر من التفاهات.
كل مناسبة دينية هي انحشار في ثقافة الرعاع، في ثقافة المجموع، ثقافة الإنعام، لا ثقافة الرفض والإباء، لهذا لا يمكن أن نتكلم عن شعب، بل نتكلم عن رعية ؛ الشعب كيان جدلي دينامي، ينتقل من وضعية إلى أخرى، بينما الرعية ستاتيكية تتحرك من الخارج، على عكس الشعب فهو يتحرك من الداخل عن طريق الوعي الذي يسوده، لهذا فكل سياساتنا فوقية، ولم تكن يوما تحتية، نابعة من القاعدة، من الجماهير المتقدة، الواعية، العارفة بوضعيتها ومصيرها، بل الذي يحصل هو أنه عوض أن يكون لدينا شعب، لدينا رعية عبارة عن قطيع من الرعاع يغلب عليهم الانفعال والغضب، فبمجرد ما تفتح موضوعا مع أحدهم، حتى يسبك ويشتمك خصوصا إذا تعلق الأمر بواحد من الطابوهات الكبرى في المجتمع كالدين أو الجنس أو السياسة.
إن قطيع الرعاع مجرد من فصول الحياة، لهذا تجده يهرب نحو السماء مقدما القرابين إلى الآلهة، فهو يموت في الإله من أجل أن يحيا هذا الأخير، فموت الرعية في الإله السماوي حياة له، لكنها حياة تكون بطعم الدماء المهروقة، والسكاكين المغروزة، واللعاب السائل في حضرة اللحوم، غير أنها ليست حياة بمعنى الكلمة، فمن يأكل في هذه المناسبة لا يمكن أن يأكل في مناسبات أخرى، فالحياة لا تستقيم إلا من أجل الحياة، فكيف يمكن أن يحيا حياة من يقدم قرابين للآلهة من أجل الوقاية والحماية ؟ فطالما أن الإنسان ليس مقتدرا متمكنا يسوده الخوف، فلا يمكن أن يعيش حياة حرة هنيئة، حياته الهنيئة تنطلق من قتل الإله، فيحل محله الإنسان بانيا أساس الحياة التي ملؤها الإبداع والتمكن والاقتدار، لا العيش تواكليا متضرعا إلى الآلهة الأرضيين والسماويين، ولكي يتحقق هذا لابد من نقد ثقافة القتل والذبح من أجل مجتمع إنساني يحترم الطبيعة والإنسان والحيوان، مع دين فردي يحترم الإبداع الإنساني.

عبد الله عنتار/ 05 أكتوبر 2014/ المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (60)
- شمس الخريف
- كئيب الروح والحياة
- منزلنا الريفي (59)
- زهرة الناي
- منزلنا الريفي (58)
- منزلنا الريفي (57)
- رحلة إلى فضالات ...غبن يرتدي معطف الاستحمار
- منزلنا الريفي (56)
- رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع
- على شاطئ الموت
- دموعي من دموع غايا *
- أحلامي المقصوصة - قصيدة شاعر كرزازي مجهول
- منزلنا الريفي (55)
- رحلة بطعم الهدر
- قريتي العائمة
- أولى المحاولات
- رحلتي أنا و زيزو : بحث عن المواطنة الضائعة
- هارب من المنفى
- سطوة الأفول


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (61)