أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع














المزيد.....

رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4558 - 2014 / 8 / 29 - 12:17
المحور: الادب والفن
    


يعجني الصمت، وتستقبلني نسمات حارة ترتطم على خدودي إيذانا بنهاية الصيف، أمتطي الحافلة، أجلس في الصف الثاني، الحافلة تأخذ رحلتها صوب بوزنيقة، على ضفاف الشارع الكبير بمدينة بنسليمان، أمواج بشرية تراوح الهبوط والصعود، على القارعة باعة متجولون، وجموع من المتسولين يربضون قرب المحلات والمساجد، وعلى أبواب الدكاكين أغلبيتهم من النساء الشائخات يحملن على ظهورهن أطفالا، في الصف الأمامي يجلس رجل شائخ يتحدث عن الحرارة المرتفعة التي عمرت بالمدينة في هذه الآونة، يعلن أنها قدر مقدر، وما على الإنسان سوى الاستسلام لمشيئة الإله، يشاطره في الرأي صاحب الحافلة معتبرا أن الإنسان وجد في العالم ليتألم لكي يختبر الإله مدى قدرته على العبادة !!! و يضيف الرجل أن هذه الحرارة ليست سوى جزء ضئيل من حرارة جهنم، وعلى الإنسان أن يستعد لتحمل الحرارة المقبلة، بمعنى أنه محكوم عليه بالألم في كلا العالمين، ويبرر الرجل هذا الزعم بالقول أن الإله قوي، وبالتالي على الإنسان أن يعبده راجيا رحمته !!! لكن كيف يمكن لمن يملك القوة والجبروت والقسوة، و يتسم بالسادية، وأكثر توقا لإذلال عباده أن يكون رحيما ؟؟؟ كيف لمن خلق الحرارة المرتفعة وخلق عبدا غير قادر على مواجهة الحرارة المرتفعة أن يكون رحيما ؟؟؟ أليس من الواجب على الرحمة أن تحاسب هذا الإله القوي الفاقد لكل رحمة ؟؟؟!!
تواصل الحافلة سيرها، ومن حين لآخر تتوقف بالعة بشرا جددا، لكن الذي لفتني هو همجية هذا النوع من البشر، إنه يتصارع من أجل الحصول على مقعد، ومن أجل ذلك تتمزق ملابس، وتتشابك أياد، حتى الزبونية تجد موطئا لها في هذه الحافلة القذرة الموبوءة بالدخان الذي يزكم الأنوف، ويلوث الطبيعة، وينشر السرطان الفتاك في ثنايا المدينة، العديد من الأشخاص يصعدون إلى الحافلة، ويستولون على أكثر من مقعد من أجل أشخاص يعرفونهم، ربما سيصعدون في نقطة أخرى، هذه هي العقلية البريمية التي تعتقد أن المقعد في ملكيتها تعطيه لمن تشاء، إنها عقلية تخشى الذهاب واقفة، فتحرم آخرين من الركوب، ولا تستطيع أن تحتج يوما من أجل حافلة تصون كرامة الراكب، وتضع حدا لسياسة التكديس كأن الحافلة علبة سردين. العقلية السليمانية عقلية انبطاحية، ليس لديها القدرة على النظر إلى الفوق، إنها تخشى ذلك وتحب أن تتلذذ بحقارتها، بل إن هذه الحقارة تقذفها نحو نفسها، ويكفيني أن أذكر العراكات التي تنشب بين العقول السردينية-البريمية داخل الحافلة، والأمر يعود إلى أتفه احتجاج يقع بينها !! فالنعاج تتناطح فيما بينها !!! أغادر الحافلة كمن خرج من السجن، فهي ساخنة كالحمام، مملة كالضجر، وأصوات الرعاع كخوار البقر، لا فرق !! أغادر عالما رعويا، ويستقبلني آخر بغباره الأسود الداكن، أتجول كالتائه، لا أعرف أية وجهة، إنني في السوق بضجيجه المقرف، أحس بعطش جديد، أشتري عصيرا، وأرحل بين الزقاق، يلفتني حذاء، أقتنيه، البائع المغربي يحتاج إلى مفاوضات، فالثمن دائما يتجاوز الحدود، حتى السياح فطنوا إلى هذه المكيدة، لقد قال لي أن ثمن الحذاء هو 200 د، قلت له 80 د، وبعد طول مفاوضات استقر رأيه عند المائة، لكن في الأخير اشتريته بتسعين د، لم يستسغ الأمر، فقال لي :
- أنت شلح !!
بمعنى أنني أمازيغي، فهذا الأخير عند العرب بخيل وشحيح خصوصا أمازيغ سوس الذين يلازمون دكاكينهم من أجل تكديس المال، وكنزه، وفي هذا السياق كثيرا ما نسمع بعض القرويين العرب يقولون أن سواسة (أمازيغ سوس) اقتحموا المقابر بكشافهم الضوئي بحثا عن كنوز التي لطالما كنزها القرويون العرب منذ زمن بعيد في المقابر صونا لها من الجنون أو الكائنات الشريرة في اعتقادهم .
أندس بين الباعة باحثا عن ملابس، لا أعثر على شيء، أشتري محفظة وحذاءا، وأغادر السوق، أتوغل في بوزنيقة، على طول الشارع الرئيسي يلفتني بعض الشباب يمارسون النكان، لكن الفتيات يتأففن رغم رغبتهن في ذلك، أواصل سيري، وفي الأخير أجد نفسي عند نقطة الحافلة، أصادف رجلا يحمل محفظة، يبادرني بالقول :
- ما رقم الحافلة المتوجهة إلى بنسليمان، لقد كثرت علي الأرقام يا ابني ؟؟
رديت عليه قائلا :
- إنني تائه وسط الأرقام، فالإنسان ليس رقما، بل هو كائن ممتلئ بالوعي والحرية والقيمة والكرامة والعاطفة والجنس والحب...، إنه كائن متعدد الأبعاد، لكنه مهدور ومقموع ومختزل، والعيب يعود إلى منظومتنا التنشئوية ...
أعجبته فكرتي، ثم أتمم مضيفا :
- يا ولدي، إن هؤلاء الذين يتحكمون في رقاب هذا الشعب لا يريدون منه أن يعي ويفهم حتى لو أراد هو الفهم، فهم من أجل ذلك يضعون الحواجز و المتاريس، وينظمون المهرجانات والتفاهات من أجل استحماره، فنبركة على سبيل المثال دافع عن الشعب، لكنه هرب من الوطن صحيحا فصيحا، فعاد إليه ذائبا في سائل حمضي (لاصيد)، إن من يعي داخل الجماهير القطيعية، ويسعى لتنويرها تطاله الملاحقة، لأنه خطر على البورجوازية الكمبرادورية التي تأتمر بأمر أمريكا قائدة الرأسمالية العالمية ..غير أن الاستحمار هو استحمارنا، أنظر إلى هذه الدواب التي تتصارع من أجل المقاعد كالحيوانات التي تتصارع على العلف !!

عبد الله عنتار/ بنسليمان - المغرب 28 غشت 2014



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على شاطئ الموت
- دموعي من دموع غايا *
- أحلامي المقصوصة - قصيدة شاعر كرزازي مجهول
- منزلنا الريفي (55)
- رحلة بطعم الهدر
- قريتي العائمة
- أولى المحاولات
- رحلتي أنا و زيزو : بحث عن المواطنة الضائعة
- هارب من المنفى
- سطوة الأفول
- لا تثق فيهن
- البون الذي ينزف دما
- فلتكبري في حلمي
- منزلنا الريفي (54)
- إسفين على جرحي الثخين
- لأن عيوني ماتت
- أرحل مضارعا السماء
- منزلنا الريفي (53)
- في انتظار اللحظة التي يبكي فيها العصفور
- منزلنا الريفي (52)


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع