أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (54)














المزيد.....

منزلنا الريفي (54)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4515 - 2014 / 7 / 17 - 22:25
المحور: الادب والفن
    



منذ أن أرغمت مريم على مغادرة المدرسة، كان ترى نفسها رازحة في سجن العائلة، فالأشغال المنزلية تهدها هدا، بالإضافة إلى الحراسة المشددة التي تحبس الأنفاس، لا يحق لها بتاتا أن تغادر تخوم المنزل، عليها أن تظل في مكانها في انتظار عريس قد يأتي أو لا يأتي، المهم حسب الأهل هو ألا تخرج لكي لا تجلب إليهم عارا، فجسدها في ملكيتهم، ومن ثمة عليهم صياغته بالطريقة التي يريدون، حتى الأفكار يصوغونها، فكم مرة سمعت مريم الأهل يتحدثون عن لا جدوى الدراسة ذاكرين هؤلاء الفتيات اللواتي أخفقن في متابعة مشوارهن الدراسي، مفسرين إخفاقهن أنه يعود إليهن، لا إلى المدرسة أو المجتمع القروي الذي يسد كل أفق دراسي أو حلم منشود، إن البيئة الثقافية متكلسة ومثقوبة بالهدر والتبخيس، وذم المرأة والرجل على حد سواء، وعلى الرغم من ذلك، كان حلم مريم بعيدا، حقا لقد صاغ الأهل جسد مريم بإرغامها على المغادرة، كما صاغوا طريقة تفكيرها بتبرير المغادرة بعد إخفاق كل الفتيات، لكنها كانت ترى نفسها أنها ليست مثلهن، فكل إنسان مشروع، وكل مشروع يتسم بالأصالة والتميز، ولهذا فهي كانت تحلم أن تصبح جيولوجية، فمنزل عائلتها الرابض في قدم الجبل كثيرا ما يطاله منسوب الفيضانات خلال فصل الشتاء، ولهذا فهي بحلمها كانت تريد أن تفهم العوامل المتحكمة في تعرية التربة، والسبل الممكنة لمواجهة التعرية...غير ذات يوم وجدت حلمها في سجن المطبخ، فرأت نفسها وجدت للآخر، ولم توجد لذاتها، فأحست بحنق كبير وراحت تفكر في الهروب .
كان عمر مريم أربعة عشر عاما، وفي الوقت الذي علمت فيه أن الأهل غادروا المنزل لحضور حفل زفاف، ارتدت لباسا أنيقا، وهمت بالرحيل، كانت تريد أن ترى الدار البيضاء التي لطالما رأت صورها في مقررات الدراسة، مفتونة بحركتها وحريتها، وأضوائها، هناك يمكنها أن تتمم دراستها، كما يمكنها ملامسة الحرية كطائر طليق، كان نموذجها الذي حرك مخيلتها هو جارتها فاطنة التي درست بالدار البيضاء، فبعد سنوات طويلة من البطالة، ها هي الآن أصبحت معلمة، لكن مريم لا يهمها العمل، بل الذي يهمها هو الدراسة، غير أن الأهل غيبوا هذا النموذج بالقول أن فاطنة كانت مجدة، أما أنت يا مريم فلست مجدة، ستجلبين عارا للأهل، وعليك أن تمكثي في مكانك حتى يجيء العريس ؟؟!!
استقلت سيارة أجرة، لكن صاحب السيارة عرفها وهي لم تعرفه، اتصل بأحد أفراد عائلتها الذي يعمل معه في نفس الميدان، فتلاشى الحلم كدخان تشظى في السماء ...
كان العالم حالكا كالسخام، دمويا حد النخاع، لا يكفي البكاء، ومناشدة السماء، لقد حبسته طيور الحرية المحتجة في الأجواء، كانت تصرخ من أجل تحرير مريم وتحرير كل الناس، بيد أن الأغلال كانت تلفها من كل جانب، وبين حركة وأخرى يمثل ألم قاس صادر عن النخنوخي، كان هذا الأخير وحشا، لقد ربطها من رجليها ومن يديها، وبين يديه يحمل سوطا، ومن حين لآخر كان يحثها على الإسراع، وإذا لم تفعل ذلك يصفعها بالسوط، كان هذا الوحش أخ أمها، غير أنها لم تقل له يوما خالي، فهي ترفض هذه التسميات المختزلة للإنسان، فكلنا ننتمي إلى الإنسانية، ولا داعي لاختزالنا في هذه الألقاب، فهي تسجننا مثلما سجنتنا تقاليد الأهل البالية ...
بعد جهد جهيد، وصلت إلى المنزل، فنامت بأغلالها وقيودها...وذات فجر داهمها النخنوخي رفقة إخوانه، فرفعها إلى علو السماء، ثم صفعها مع الأرض، فأهرقت بالدماء، ولكن هذا لم يشفع لها دون تلقي اللكم والركل والدوس والصفع، فهي لم تكن تساوي شيئا في نظرهم، ففعلها ذاك خول لهم إباحة جسدها وهدره، وبالتالي قام كل واحد بأخذ نصيبه من جسدها، ومن ثمة فهذا نوع من القصاص يقتص من خلاله هؤلاء الأشخاص نصيبهم بعد أن مس شرفهم المريض ؟؟!!! أي شرف ؟؟!! هل شرفهم هو أن يحرموا فتاة تتطلع لكي تدرس وتثقف وتصنع مجتمعا جديدا ملؤه إنسان ممتلئ وجوديا يتمتع بكل ضروب السلامة النفسية والاجتماعية ؟؟ فليرموا شرفهم في قاع بئر، أو ليدفنوا ذواتهم في قبر مثلما فعل النخنوخي ذات ليلة مع حصان هاجم حقله، لقد صفعه بقضيب حديدي حتى أسقطه أرضا، ثم حفر له حفرة عميقة جوار جدول مائي، لكن الحقيقة ظهرت حينما جرف الفيضان الحصان ؟ فلماذا لم تظهر حقيقة هذا الشرف المزعوم والدائر على كل لسان كأنه منتهى الأماني ؟؟!! أما وقد آن لنا أن ندفن هذه الشخصيات المسعورة ونخرج مريم من قبرها ؟؟ ذلك الحصان الذي قتل بتلك الوحشية هو اختزال لثقافة الانتقام السائدة في المجتمع القروي، فما قام به النخنوخي ضد الحصان هو انتقام من عائلة مجاورة تدعى " العوكتش " التي سبق لها أن ارتكبت جريمة ضد حمار النخنوخي، لقد قام العوكتش بعد أن هاجمه الحمار بأخذ منجل، وعمل على قطع فمه لكي لا ينهق ثانية، ولا يتجرأ مرة أخرى على مضاجعة أتانه، فإذا كانت مريم أرغمت على الإسكات وألا تحلم يوما، فإن الحمار مثله مثل الحصان أرغم على الإخصاء، بينما بني البشر سارعوا نحو الاختزال الذي ينم عن كل ضروب الهمجية والتوحش...حتى الأسماء تتسم بهذه الصفات، إنها تسعى إلى خندقة الأشخاص، فمعنى النخنوخي هو ذلك الإنسان الذي يكون فمه دائما مفتوحا كالكلب، والذي لا يعبر جيدا، ويرسل كلمات متقطعة وغير واضحة، فتعجز الكلمات عن احتراق حلقه، فيتنرفز، وتكون لغته هي العنف، أما العوكتش فتعني فارع القامة، وهذه هي عقدته، فيغار من الجميع، فينتقم من الإنسان والحيوان .

عبد الله عنتار / 17 يوليوز 2014 / بنسليمان – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسفين على جرحي الثخين
- لأن عيوني ماتت
- أرحل مضارعا السماء
- منزلنا الريفي (53)
- في انتظار اللحظة التي يبكي فيها العصفور
- منزلنا الريفي (52)
- راحلتي
- الشفق الراحل
- منزلنا الريفي (51)
- منزلي توقد بالنار
- حلمي المصلوب
- لا ترميني بالحجر
- تائه في دروب الذاكرة
- اليوم، أجمع الرحيل باكيا
- النباش
- ولترحل الرياح
- المصلوب
- منزلنا الريفي (50)
- عرائش الريح
- باراكاااااا


المزيد.....




- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (54)