أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (63)














المزيد.....

منزلنا الريفي (63)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4613 - 2014 / 10 / 24 - 17:50
المحور: الادب والفن
    


إلى أمي، إلى أسرتي، إلى بلادي ...

لماذا اهتممت بالفلسفة ؟

إنه سؤال لطالما طرح علي من قبل أصدقائي وأقاربي، فهم يطرحون علي هذا السؤال كأنهم يعرفونني، ولكن الأمر ليس كذلك، فتلك المعرفة التي يعرفونها عني هي معرفة سطحية لا تنفذ إلى كينونتي، فهذه الأخيرة منذ أن وجدت نفسها في العالم، وفي مواجهة الآخرين حاولت أن توظف كل الوسائل لكي تبحث عن أصلها، وأن تفهم ذاتها والآخرين والعالم، إن معرفة هذه العناصر الوجودية ليست معطاة، بل مبنية، والذي يبنيها هو الأنا، فكانت رحلة البناء من أجل تشكيل صورة عن الذات والآخر والعالم.
ولدت في أسرة قروية لا تملك ثقافة عالمة، بل تملك ثقافة شعبية بمثابة إجابة وجودية عن الحياة، لم يكن يشغل هذه الأسرة الزاد الثقافي، بل يعتبر الخبز هو الهم اليومي، ومن ثمة عانت من الفقر الثقافي والاقتصادي على حد سواء. في هذه الظروف ولد ذلك الأنا، ترتسم صورة الوالد على محيا ذاكرته، يظهر له عائدا من العمل، متعبا، حاملا بقايا خبز، يلتقيه بفرح طفولي، يعانقه، فيعطيه كسرة خبز، وتحت تلك الشجرة الوارفة تجلس الأم، وهي تخض اللبن، يجلس بالقرب، تشبعه ثقافة شعبية ملؤها الحكايات والأمثال، مثل حكاية هاينة ونهايتها المأساوية. كانت الطبيعة هي المجال الذي يتحرك فيه، فمنزله الريفي تحيط به الغابة، والصخور الكلسية الرابضة على السفوح، فلطالما كان يرافق والدته نحو المرعى، ويرتع بين الأغنام، وينام بين الأعشاب، ويعاين رحلات السنونو في السماء، تعلق بالطبيعة حد الجنون، وما عاد يستهويه شيء آخر، لكن سؤالا ظل يحير هيامه بالطبيعة، من أين أتينا ؟ وما أصلنا ؟ خلال العطل، كان يرافق أخته إلى الطبيعة، وما فتئ يطرح عليها هذا السؤال، وكانت تجيبه بالقول : أن جسدنا من تراب، وروحنا من السماء، فالروح هي التي تضفي الحركة على الجسد، وتجعله قابلا للحياة، إنها طاقة حيوية تسري في الجسد، وحينما يموت الإنسان، تغادر روحه السماء، ويلتحم جسده بالأرض. تقول الأخت أننا مهاجرون، أما بلادنا الأصلية هي السماء، وتلك الأجساد التي نحن عليها فانية كالدواب التي نركب عليها خلال سفرنا من مكان إلى آخر، ومن ثمة تكون أرضنا هي السماء. لم تكن هذه الفكرة لتعجبه، بل ظل على الدوام يطرح السؤال تلو السؤال، تقول الأخت أن الطبيعة هي أجساد بلا حركة، ولكنها نسيت أن الطبيعة هي الحركة، فلتنظر إلى الإنسان كيف يكون، وكيف يصبح، فالحركة هي قانون الطبيعة، هي الروح الناظمة لها، إن الطبيعة متحركة من تلقاء ذاتها، لا تحتاج إلى السماء، فالأجساد حينما تتوقف عن الحركة، فإنها تشارك في الحركة الكلية للطبيعة، ومن ثمة فهي لا تموت، بل تنضوي تحت الحياة الزاخرة للطبيعة، فليست الطبيعة سوى انتقال لأشكال الحياة، لذا فالإنسان لا يموت، بل يتماهى مع الطبيعة، ثم إن أفكارنا التي نحمل ليست هي روحنا أي ذلك الجزء الذي يضفي الحياة على الإنسان، بل لا تمثل سوى انعكاس للطبيعة في حركتها وعنفوانها، ومن ثمة تكون أجسادنا هي صدى للطبيعة.
تعتبر الأرض هي بلادي، وكل تراب فوقها يعني لي رمزا مقدسا، كما تعتبر المياه رمزا للحياة، أما الغابة فهي الطريق لاكتشاف الحياة، لكن في قريتنا لم يعد التعلق بالأرض يحظى بالقيمة، فإذا كانت الأرض هي أمنا التي تمنحنا ثديها بكل سخاء، فإن القرويين تنكروا لهذه الأم، كما تنكروا لثديها المدرار الذي يزودهم بالمياه. منذ بيع الأرض سنة 1987، توقفت المنابع عن السيلان، وعرف الوادي أسوأ جفاف، فأبيدت الأسماك، وجفت الآبار، ولم يبق أمام الكرزازيين سوى أن يذهبوا لأماكن أخرى، أو أن يتوسلوا الذي باعوا له الأرض مقابل قطرة من المياه. حفرت الجماعة بئرا، لكن مياهه غير صالحة للشرب، وفي السنوات الأخيرة أدخلت المياه عبر السواقي، لكن هذه المياه اصطناعية.
هذا هو مجالي، واهتمامي بالفلسفة كان من أجل أن أفهم ذاتي، وأفهم هذا العالم الذي أتحدر منه، وهذا الفهم لن يحصل سوى بالسؤال باعتباره أداة من أدوات التفكير الفلسفي، فإذا أردت أن أفهم، علي أن أشق دروب ذاتي بالسؤال، وعلي ألا أركن للجاهز، بل علي أن أسأل دائما. إن العالم ليس معطى، بل مغلف بالوثوقيات خصوصا في الوسط القروي الذي أتحدر منه، فهو مليء بالتوافه التي تقودني نحو عدم السؤال، فمسألة الأرض ليست هاجسا لديهم، هاجسهم هو إشباع البطن، وتكثير النسل، أما ماذا يأكل هذا النسل؟ وأين يدرس؟ وأين يتطبب ؟ وأين ينام ؟ وأين يلعب ؟ وأين هي الطريق التي يسلكها ليتوجه إلى المدرسة ؟ كل هذه الهواجس مغيبة، في عداد الممنوع التفكير فيه، ومن ثمة نصنع جيشا من القطيع، مبتورا من الحقوق، همه هو أن يأكل وينام، ولا يفكر، ولا يحقق التوازن النفسي المطلوب...إن دور الفلسفة هو فضح هذه اللعبة المقيتة مبرزة أن الإنسان من حقه أن يفهم، ولا ينبغي بتر هذا الحق. لذا تكون الفلسفة هي جسر ليتصالح الإنسان مع ذاته ومع العالم مستعملا في ذلك تفكيرا نقديا ما فتئ يطرح السؤال مكسرا كل القيود والأغلال، لكي يصبح الإنسان سيد نفسه.

ع ع / 24 أكتوبر 2014/ المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلمة الأثر
- منزلنا الريفي (62)
- منزلنا الريفي (61)
- منزلنا الريفي (60)
- شمس الخريف
- كئيب الروح والحياة
- منزلنا الريفي (59)
- زهرة الناي
- منزلنا الريفي (58)
- منزلنا الريفي (57)
- رحلة إلى فضالات ...غبن يرتدي معطف الاستحمار
- منزلنا الريفي (56)
- رحلة إلى بوزنيقة ...رحلة بين أحضان الرعاع
- على شاطئ الموت
- دموعي من دموع غايا *
- أحلامي المقصوصة - قصيدة شاعر كرزازي مجهول
- منزلنا الريفي (55)
- رحلة بطعم الهدر
- قريتي العائمة
- أولى المحاولات


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (63)