|
مواقف سياسية وثقافية أكثر من مريبة
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 1303 - 2005 / 8 / 31 - 11:23
المحور:
الصحافة والاعلام
ندبة اخلاقية غير حضارية تعليق عضوية اتحاد الادباء في العراق تمثل حقبة ما بعد سقوط النظام الشمولي تداعيات كثيرة شملت العديد من القضايا من بينها قضايا الحصار المفروض على العراق والعرقيين تحت حجج ومسوغات تكاد ان تقول للفضيحة قومي وانا اجلس بدلاً منكِ.. ويذكرنا ذلك بآلية الحصارين القديمين ، حصار الامم المتحدة على العراق وحصار النظام الشمولي على الشعب حيث بقى حتى بعد سقوط النظام واجراء الانتخابات ولكن بطريقة جديدة لا تشبه القديمة وقد تنوعت آخذةً مناحي مختلفة في تعاملها مع الشعب وقضاياه الجوهرية مع العلم ان الظاهر العلني يبدو تظامنياً وحرصاً عليه لكنه في الحقيقة مختلف عما يحاك ويدبر في السر، وعندما نتحدث عن الحصارين السابقين نهدف الى كشف ناحية قد تكون مغيبة عن البعض وهي ان هذا الحصار الذي انتهى دولياً وبقرارات دولية مازالت اطرافاً عربية مع شديد الأسف تمارسه بطريقة مريبة لكنها مثيرة جداً مع العلم ان هذه الاطراف سبق وان وطدت علاقاتها بالنظام الشمولي بحجة مساعدة الشعب العراقي والوقوف ضد ذلك الحصار الاقتصادي الذي لم يكن فعلاً حصاراً على السلطة بل على الشعب الذي دفع الثمن غالياً من العرق والجهد والجوع والامراض ومشاكل اجتماعية كثيرة، الحصار الحالي من قبل هذه الاطراف وبخاصة من اطراف عربية يثير الريبة اكثر من غيره وبدلاً من وقوف هذه الاطراف الشقيقة حسبما تدعيهِ مع المحنة التي يمر بها وطن العراقيين في زمن الاحتلال والمحاولات الوطنية المخلصة التي تعمل في سبيل التخلص من هذا الوقع أصبحت كرأس الحربة تدميه وتضعفه حتى لا يستطيع ان يقف على قدمية وهذه الحقيقة تتجلى في قضايا اساسية في مقدمتها السياسية والامنية منها ولهذا نرى الموقف اللاشقيق للامين العام السيد عمرو موسى والجامعة العربية التي تنتهج سياسة غير طبيعية تجاه العراق وشعبه ارضاء لتلك الاطراف الهادفة في استمرار الاضطرابات السياسية وعدم استقرار الاوضاع وفي معادة التحولات الديمقراطية ونجاحها لكي لا تصاب المنطقة بهذا التحولات التي أخذت تقلق البعض على مستقبلهم ومصير كراسيهم ، وباحتمال اتخاذ هذه التجربة كمثال تحتذي به وقد نستشهد بما كتبه رئيس تحرير صحيفة القدس العربي عبد الباري عطوان في مقالته "تشريع تقسيم العراق " وهي مقالة تحريضية رخيصة مدفوعة الثمن تعبر بوضوح عن الرؤيا الجديدة للتحولات الديمقراطية الراهنة، ففي مقالته هذه حاول كعادته في التشويه وخلط الاوراق، ان يشوه مفهوم الفيدرالية التي تكرست في مسودة الدستور العراقي واعتبر الشعب العراقي غير مؤهل وملائم لها كما هو الحال في سويسرا والمانيا والولايات المتحدة الامريكية، اي امي غير واعي لا يعرف معنى الديمقراطية ولا العلمانية ويعتبرها اي الفيدرالية " سابقة جديدة في المنطقة فلا توجد هذه الصيغة في اي دولة عربية او حتى اسلامية " ويحرض في الوقت نفسه الدول العربية قائلاً " فيروس التقسيم قطعاً سينتقل الى دول الجوار مثلما انتقل لها العنف والقلق " هذا الرأي ليس رأياً شخصياً لكاتب يمثل نفسه بل عبارة عن نهج تتبناه بعض الاطراف العربية. لهذه الاسباب واسباب اخرى نلاحظ ان الاطراف القلقة والجامعة العربية تتعامل بمكيالين مع قضية اخرى ترغب ام لا ترغب تؤدي الى اطالة امد بقاء القوات الاجنبية ليتسنى لها افشال هذه التحولات واعطاء الضوء الاخضر للمعادين لها داخلياً الى التحرك العلني المضاد بعدما كان التحرك بشكل سري تكتنفه الاعمال الارهابية المسلحة وهذا ماشهدناه في المظاهرات العلنية المضادة لمسودة الدستور من قبل بعض البعثيين الصدامين الذين كانوا يحملون صوراً للطاغية بدون خجل من ذلك الماضي الدموي وبدون اعتبار لمشاعر عشرات الآلاف من ضحايا المقابر الجماعية والانفال وحلبجة وغيرها.. وعلى الرغم من اننا نقر ان مسودة الدستور لم تلب طموح العراقيين اجمعهم ولدينا ملاحظات على البعض من الصيغ والفقرات التي تتعلق بالطابع المدني الديمقراطي وحقوق المرأة والمساعي الهادفة الى تكوين فيدراليات طائفية فأن المظاهرات والاعمال الارهابية تختلف عن هذه الاعتراضات الوطنية على مسودة الدستور، لأن الاولى تريد ان تنسف العملية السياسية برمتها بحجة الاحتلال وبحجة التقسيم والطائفية (ولا نعرف لحد هذه اللحظة أية جهة طالبت وتتطالب بالتقسيم علناً ) ولكن خلف الكواليس مخطط لعودة الدكتاتورية والارهاب البوليسي اما الثانية من الاعتراضات فهي تريد ان تصحح المسيرة الديمقراطية واستقلالية المؤسسة الدينية عن الدولة والعكس ايضاً وبالضد من الطائفية والشوفينية والتعصب القومي واقرار حق المرأة ومساواتها في الحقوق مع الرجل واحترام حقوق الانسان لكي تنجح العملية السياسية التي تتوج بخروج القوات الاجنبية من البلاد مع استكمال بناء الدولة الديمقراطية التعددية الفدرالية الحديثة الموحدة ومؤسساتها المختلفة، ونرى مدى اختلاف وجهة الاعتراضين على مسودة الدستور في النهجين المختلفين المتضادين على الرغم من الموقف المتشابه المعلن من مسودة الدستور. الجامعة العربية وامينها السيد عمرو موسى انخضت واصيبت بانهيارعصبي لان المسودة اشارة الى ان الشعب العربي في العراق جزء من الامة العربية، بينما المنطق الذي لا تثريب عليه يقول ان العرب في العراق بمختلف مشاربهم ومعتقداتهم واحزابهم ومذاهبهم هم فعلاً جزء من الامة العربية فلماذا هذا الانهيار العصبي؟ ولماذا يريد السيد عمرو موسى ان يستفسر اكثر من ذلك ؟ لا نعرف الا اننا نعرف ان هذا الموقف يدل على الموقف العام والخاص من نجاح العملية السياسية والتطورات الجارية في العراق وليس غير ذلك. ان التاريخ يكشف لنا بدون لبس او تشويه ان بعض الدول العربية لم تكن تعمل تماماً من اجل صالح الامة العربية ولا قضيتها المركزية وبقت الجامعة العربية والامناء العامين وبعض الاطراف لا تعترض ولا تعارض على وجودها عضوة في هذه الجامعة والمثال الذي نضربه كي لا ندخل في تفاصيل ومواقف عديدة وكي لا نجرح احداً هي مواقف النظام الشمولي في العراق من القضايا العربية ليس المعلنة في الخطابات الرنانة التي تذر الرماد في العيون بل حقيقتها ونتائجها المأساوية على الامة العربية وقضايها المصيرية ومدى تدني تضامنها ووقوفها الى جانب بعضها وبخاصة بعد احتلال دولة الكويت وهي دولة كاملة العضوية في الجامعة العربية والامم المتحدة .. وتبقى هذه القضية، قضية الحصار رهينة تلك العقليات التي لا تريد ان ترى العالم والمنطقة تتحرك وتتقدم الى امام بل تراها واقفة وجامدة كما هي في الاربيعينيات والخمسينيات والستينيات.. الخ من القرن العشرين ولا تمنح لنفسها فرصة للقراءة العلمية المتفحصة لواقع التطورات الكبيرة التي عمت العالم وتمخضها عن صراعات قديمة استجدت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية والتي تتمثل الآن بجبهة الشعوب بالضد من القوى الدولية ذات المنهج الاستغلالي الاستعماري عن طريق العولمة الرأسمالية الخاصة بهم، هذه القراءة التي من الممكن ان ترى فيها مستقبل الامة العربية ومواقفها من هذه المستجدات ثم الانتقال الى اصلاحات جذرية، اصلاحات وطنية تتبنى الديمقراطية وحقوق الانسان واحترام الرأي الأخر والتخلص من ماكنة الاضطهاد والاستبداد، ونحن نرى ان هذه القضايا الجوهرية كفيلة ايضاً بتحقيق جزء كبير من العدالة الاجتماعية والتخلص من بقايا الماضي المقرف لكي يجري بناء الانسان الجديد الذي يتحمل المسؤولية في تثبيت دعائم التقدم الحضاري المنشود.. الحصار الذي تحدثنا عنه انتقل الى مرافق اخرى مختلفة وان ادعي كذباً عدم صحتها ونحن في غنى عن ذكرها في هذه المقالة التي تهدف الى تعرية مواقف ثقافية تنتج من الهلوسات تجيش بها عقليات بعض المثقفين من العرب التي تفسح المجال الى بعثرة الحقائق وخلق الازمات المفتعلة واغلاق صوت العقل الحضاري الذي يراهن على المنظور العلمي لما يجري حولنا في العالم ومنها موقف الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب الذي اتخذه في اجتماعه الاخير في مدينة ( سرت في ليبيا ) اواخر تموز 2005 بتعليق عضوية الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، ولا ادري كيف يمكن ان يصادر حفنة من المجتمعين حق منظمة ثقافية وطنية لها تاريخ طويل في الوسط الثقافي العربي والعالمي وباسماء معروفة على نطاق واسع وان اختلفنا معها في الرأي والانتماء.. مع العلم ان هناك شكوك حقيقية من الكثيرين على من اتخذوا هذا القرار وعلى عمليات انتخابهم غير الديمقراطي لعضوية اتحاداتهم الوطنية.. ثم اليس هذا الموقف يدل على انه موقف سياسي لا يرتبط بالموقف الثقافي الذي يجب ان ينقذ من براثن القرارات الحكومية الرسمية وهو لا يختلف عن المواقف التي تتخذها بعض الاطراف وفي مقدمتها الجامعة العربية وامينها السيد عمرو موسى؟ والا ماهو الضرر ان يبقى الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق عضواً في الاتحاد العام؟ ويأخذ بيده بعد سنوات من القهر والهيمنة والتدخل في شؤونه الداخلية لما هو صالح الثقافة والعمل الثقافي المستقبلي في العراق وعلى الاقل مساعدته للقيام بواجبه الوطني السياسي الثقافي والنقابي المطلبي كمؤسسة نقابية ثقافية تهدف الى تحسين اوضاع الادباء والكتاب والمثقفين العراقيين الذين يعيشون المأساة الحقيقية وهي مأساة امتدت لسنوات طويلة من الحرمان ومن الحصار الفكري والثقافي والاقتصادي والمعيشي. ام ان الاتحاد العام للادباء العرب هو الاخير مسير غير مخير؟ ولهذا عليه ان يُرضي من يقف خلف الكواليس ويدفعه لاتخاذ قرارات فوقية لصالحهم وليس لصالح الثقافة وعناصرها الحقيقية. والا لماذا لم يكن الاتحاد العام للادباء العرب بمستوى المسؤولية عندما كان مئات المثقفين والادباء والكتاب يرسخون تحت القوانين الاستثنائية وتحجب عنهم ابسط الحقوق المتعارفة عليها؟؟؟ اضافة الى اعتقال وسجن واعدام وهروب وهجرة الآلاف من المثقفين العرقيين والعاملين في مجالات الثقافة بجميع انواعها من الاضطهاد والتعسف والدكتاتورية وتغربهم لسنوات طويلة عن وطنهم واهلهم ومحيطهم الثقافي. لا شك ان قرار التعليق الموما اليه هو قرار سياسي تبعي لرؤيا سياسية خاطئة وهي كثيرة في بعض الرؤى السياسية العربية الباقية على العهد القديم ولن يتشرف به احداً بل العكس فهي ندبة اخلاقية ثقافية غير حضارية في تاريخ الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب ولا تمت بصلة للموقف الثقافي الوطني وقد تجعل الكثير من الاتحادات الثقافية الوطنية تفكر بمدى جدية واهلية هذا الاتحاد في تمثيل الادباء والكتاب وفي التعامل مع الواقع العربي الراهن واستقلالية قرارته عن القرارات والسياسات الحكومية الرسمية ولنا تجربة عسيرة في هذا المجال مع الاتحاد العام لنقابات العمال العرب الذي بسطت عليها سياسة الحكومات العربية الرسمية فاصبح بالتالي لايتحرك الا من خلال هذه السياسات وفقد دوره كمنظمة قومية نقابية مستقلة تدافع عن الطبقة العاملة في البلدان العربية وحقوقها النقابية المشروعة وعلى ما يبدو ان المصير الفاقع الذي ينتظر الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب لن يكون افضل من ذلك.. ولهذا نحث الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق الى عدم الانغلاق وخلق المناخ الثقافي الديمقراطي ومدّ الجسور مع الاتحادات الوطنية لتعرية هذا الموقف والمواقف الهادفة الى تشويه الواقع والموضوعات الوطنية في العراق
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طارق عزيز بريء كلّ البراءة ونظيف اليدين زيادة
-
وأخيراً.. ها هي مسودة الدستور امامكم لعلكم تعقلون
-
هل ستضيع حقوق الناس بهدوء...! ولكن التاريخ لن يرحم
-
لا..للمساواة بين المــرأة والرجـــل
-
ايران ــ لماذا الإصرار على القنبلة النووية بحجة الطاقة؟
-
فيدراليــة للشيعة أم ضد مطالب الكرد وفيدراليتهم.. يكــاد الم
...
-
رحلـــة الكاتب حسن اللواتي للبحث عن الذات في الألم واللذة
-
ليكن الدستور القادم عراقياً فدرالياً تعددياً كي يبقى العراق
...
-
الطائفية المبررة في طلب الحصانة ومساعٍ أخرى للتشابه بثوب جدي
...
-
لتكن حقوق المرأة في الدستور مسؤولية كل الضمائر الحية
-
دعـــــاء زكيـــة
-
ايتها الدول العربية ايتها الحكومات العربية هذا هو الارهاب
-
المحـاولة الثانية لإغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم
-
نهــج جديد لكنه في الجوهــر من الرحم القديم
-
التطرف الديني ـــ السلفي، الاصولي.. وصنوهما الارهاب الحالي
-
الجمهوريــة العراقية الاسلامية الاتحادية الى أين؟
-
ثمــة سكون.. ثمــة حركة في البار الصيني
-
هل كانت ثورة 14 تموز انقلاباً عسكرياً منعزلاً عن الشعب العرا
...
-
المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة مالها وما عليها
-
كركوك بموقعها الجغرافي وتطبيع الاوضاع فيها
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|