أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - محاكم تفتيش طائفية في شارع المتنبي















المزيد.....

محاكم تفتيش طائفية في شارع المتنبي


زكي رضا

الحوار المتمدن-العدد: 4640 - 2014 / 11 / 21 - 08:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في هزيمة جديدة للعقل العراقي وامتدادا لهزيمة العقل العربي والاسلامي الذي تعثر ويتعثر أمام العقلية الغربية التي تجاوزت كل مخلفات محاكم التفتيش أثناء القرون الوسطى تلك التي ادارتها الكنيسة، مخلّفة ورائها تقييد الحريات وقمع الفكر الحر والمآسي التي تسببت بقتل الالاف من البشر بينهم عدد كبير من المبدعين في مختلف مجالات المعرفة ، لتنطلق من حينها في فضاء العلم والثقافة التي أبدعت من خلالها أيما أبداع نتيجة شيوع ثقافة حرية الرأي والمعتقد لتقدم للبشرية ما لم تستطع أن تقدمه أية نهضة قبلها. سيقدم بعضا ممن يحسبون على الثقافة زورا في عراق الطوائف بحرق مجموعة من دواوين الشاعر العراقي "سعدي يوسف" في شارع الثقافة العراقي الوحيد " المتنبي " الذي لا يزال يتنفس برئة معطوبة متحديا الجهل والتخلف الذي بدأه المجرم "صدام حسين" نتيجة حروبه العبثية وحملته الايمانية ولتصل اليوم الى جهل مطبق نتيجة تزاوج السلطة مع رجال الدين وميليشيات منفلتة من عقالها تتحرك في كل "مؤسسات الدولة" كأذرع الاخطبوط.

إن لمنظمي هذه الفعالية التي يراد منها أن تكون بداية لحملة مستقبلية هدفها تكميم الافواه وعدم المساس بما يراد منها ان تكون ثوابت في السياسة العراقية، لها هدفان ، أولهما أن يتبوأ المشهد الثقافي عنوة بعض من الفاشلين والمغمورين ادبيا وثقافيا من المتحمسّين لمثل هذه الجريمة الفكرية، وثانيهما هي أصابع تحرك هؤلاء الفاشلين ليكونوا مسدساتها التي توّجه فوهاتها الى كل مثقف له موقف من مجمل العملية السياسية التي يمر بها البلد والتهديدات التي تحيط به من كل جانب، دوليا واقليميا وداخليا عن طريق تكفير المثقف فكريا والنيل منه. هذا التكفير الذي بدأ نتيجة صراع المذاهب والمدارس الدينية أثناء العقود الاولى للأسلام والذي تطور اليوم ليصبح سلاحا سياسيا للقمع بيد مجموعات دينية وحكومات طائفية تستمد مشروعيتها من مؤسسات دينية طائفية وميليشيات مسلحة وآلة أعلامية تستغل اكثر الناس تخلفا وجهلا كوقود لتمرير مخططاتها بالهيمنة على مراكز القرار خدمة لمصالحها الحزبية والفئوية الضيقة وعلى الضد من مصلحة الوطن والمواطن.

أن جريمة حرق كتب الشاعر "سعدي يوسف" هي ليست الاولى في غياب الفكر العقلاني العربي وهزيمته أمام قوى الاستبداد لأغراض سياسية، ولن تكون الاخيرة مادامت القوى العلمانية من يسارية وديموقراطية عاجزة عن التغلغل بين صفوف الجماهير وتثوريها لنيل حقوقها في بلد هائل الثروات والامكانيات كالعراق. فقد سبق هذه الجريمة جرائم احراق كتب أبن رشد وأبن حزم الاندلسي وغيرهم سابقا ومحاولة حرق كتب الشاعر "أدونيس" في عصرنا الحديث. علما أن عملية حرق الكتب في العصر الراهن ليست أكثر من مسألة رمزية ومضحكة خصوصا مع تقدم العلم في تسهيل جميع أمور الحياة ومنها دوره البارز في أيصال المعلومة لأكبر عدد ممكن من الناس في أقل فترة زمنية علاوة على حفظ النتاج العلمي والتراث الادبي الانساني.

من الطبيعي جدا أن تكون هناك مواقف سياسية مختلفة من الشاعر "سعدي يوسف" خصوصا تلك التي نحى بها بعيدا عن أفكاره ورؤاه التي عاش معها عقودا طويلة من حياته، وهذا بنظري حق طبيعي له كون الافكار والمواقف تتغير من ظرف الى آخر ومن موقف الى آخر. ولكن عندما تتجاوز هذه الافكار والمواقف الثوابت علينا حينها أن نتوقف قليلا عندها. ومن هذه الثوابت هي الطائفية والقومية العنصرية تلك التي انحدر اليها الشاعر بسرعة قياسية ليقترب بشكل دراماتيكي وبائس من تفكير البعث وهو يهين جزء كبير من العراقيين حينما نشرت صحيفة "الثورة" البعثية سلسلة مقالات بذيئة واصفة أياهم بأبشع الاوصاف بعد فشل أنتفاضة آذار المجيدة التي يعمل الاسلاميون اليوم على سرقتها كما سرقاتهم الاخرى بحق ثروات الشعب والوطن . فبدلا من أن يتخذ الشاعر موقفا من الاحزاب الشيعية وميليشياتها وأمتدادتها الفكرية المرتبطة بطهران وفي هذا يتفق معه الكثيرون، نراه للاسف الشديد يرحل بنا بعيدا في عمق التاريخ قائلا، مادام ان اسم العراق جاء من "أوروك" فلا معنى لأن يتحكم بالبلد أكراد وشيعة "وفرس حسب وصفه لهم".

من دون الخوض في تسمية العراق التي يختلف المؤرخون حولها، أن كانت من اصل عربي او فارسي او عراقي قديم يعود الى عصور ما قبل سومر وهي "أوروك" كما قال الشاعر.علينا أن نسأل من سكن "اوروك " هذه منذ قدم التاريخ، هل هم العرب من الطائفة السنية دون غيرهم بعد ان يبدي الشاعر تعجبه واستهجانه من ان يكون اكراد وعرب شيعة "يسميهم الشاعر فرس كما البعث" من يتحكّم بالبلد!!؟؟ أعتقد هنا ان رحلة سريعة مع ساكني هذه الارض وفق المؤرخ العراقي "طه باقر" ضرورية جدا كي يعرف الشاعر وغيره من الطائفيين والقوميين من ان هذه الارض "اوروك" كانت موضع هجرات كبيرة وعديدة على مرّ التاريخ إذ يقول "طه باقر" (.. وعلى ضوء ذلك ينبغي للمؤرخ أن ينظر الى تركيب سكان ما بين النهرين. فمن الجزيرة العربية والبوادي الشمالية الغربية "مهد الاقوام السامية" نزحت الى بلاد ما بين النهرين في مختلف عصور التاريخ الاقوام السامية المختلفة ومنها القبائل العربية التي يرجع اصولها الى القسم الاعظم من سكان العراق اليوم "عكس الشاعر لم يحدد هويتها أن كانت شيعية ام سنية بل اكتفى بكونها عربية" . ومن المنطقة الثانية ، اي الاقاليم الشرقية والشمالية الشرقية، نزحت الى العراق اقوام عديدة من بينها جماعات من اصول الاقوام الهندية - الاوربية. والعراق من هذه الناحية مفتوح لهجرات الاقوام والغزوات بالمقارنة مع وادي النيل الذي يعد اقليما مغلقا بوجه نسبي) (*) . إذن فالاكراد وغيرهم من الاقوام التي تسكن هذه الارض هم من ابناء هذه الارض ولهم الحق كما غيرهم في ان يكونوا جزء من الدولة التي يريد الشاعر احتكارها لجهة قومية معينة على ان تدين بمذهب لا يرى الشاعر غيرها لها الحق في قيادة البلد!!

نعود لنقول ثانية أن من حق الشاعر ان يكون له موقفا سياسيا و"معه الكثيرون" مناهضا للساسة الكرد وطريقة أدارتهم للصراع مع حكومة المركز، وله نفس الحق في أنتقاد حكومة الاقليم على قرارات عديدة منها أهمال اللغة العربية وتجاوزها علما انها اللغة الاولى بالبلد وفقاً للدستور كما وان الاقليم لازال جزء من الدولة المركزية العراقية. ولكن هذا الحق يضيع بأكمله وهو يصف شعب عانى الأمرين من السلطات العراقية المختلفة وخصوصا عهد البعث الفاشي بكلمة نابية محملّا اياهم ما يقوم به ساستهم.

أن قوله "ما معنى أن تُنْفى الأغلبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية ؟" لا يمكن تفسيره الا كونه نظرة طائفية مقيتة كان عليه ان يترفع عنها، فبعد أن عزل وشكك في عراقية الكرد والشيعة "فرس" لم يبقى لهذه الاغلبية معنى الا العرب السنة. كم كنت اتمنى على شاعر في شتاء عمره أن لا ينهي تاريخه السياسي بهذا الشكل البشع، ولا اقول الادبي إذ لا غبار على قامته الشعرية وجمالية وغزارة اشعاره التي لا يختلف فيها اثنان. كما كان عليه أن يراجع ذاكرته قليلا وهو يسأل عن معنى استقدام الجيوش لقتل العراقيين ليعرف أن الذي جاء بهذه الجيوش فاتحا أبواب جهنم على العراق وليدخل شعبه في دورات لم تنقطع من الموت هو المجرم "صدام حسين" ولا أظن أن "صدام حسين" - ويشاطرني الشاعر الرأي - كرديا أو فارسيا!!

تبقى عملية حرق كتب الشاعر "سعدي يوسف" ذات طابع سياسي وليس شيئاً آخر ، فالشاعر مثلا لم يشتم المقدسات الاسلامية ولا أساء لشخصية دينية كي يقوم بعض الباحثين عن الشهرة في حرق كتبه مع سكوت مريب للمؤسسة الثقافية، التي يعمل بعض المتخلفين فكريا وثقافيا وادبيا من اتباع الاحزاب والميليشيات الطائفية استغلالهم لايصال رسالة الى العاملين بالحقل الفكري والثقافي من ان هناك "محاكم تفتيش دينية طائفية" هي على أهبة الاستعداد لأعدام حرية الفكر والرأي والمعتقد.

أحرقوا كتب الشاعر في حسينية أو في مقر لحزب اسلامي شيعي وليس في شارع المتنبي.


(*) مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة "الوجيز في تأريخ حضارة وادي الرافدين" الجزء الاول ص 24-25



#زكي_رضا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة ا ...
- أحزاب المحاصصة ودعارة غسيل الاموال
- د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة ا ...
- باقات ورد من مجرمي المحاصصة لذبّاحي داعش
- د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة ا ...
- المصالحة الوطنية وآفاق نجاحها
- د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة ا ...
- د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة ا ...
- د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة ا ...
- د . علي شريعتي وأقطاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي (الحلقة ل ...
- - قراءة في كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي -
- النظام الطائفي في بغداد متعفّن وغير قابل للأصلاح
- هَزُلَت وربّ بغداد
- الى كوباني -دل كورد- ليحجّ الأحرار
- لو في يدي لحبست الغيث عن عراق مستسلم *
- إلى متى يا بغداد، وهل سقط الكورد الفيليون من المقالة سهوا؟
- أنطلاق سهام عصابة المالكي نحو حيدر العبادي
- هل سيتقدم ساسة المنطقة الغربية خطوة مقابل خطوة العبادي؟
- لنرفع قبعاتنا عاليا للسيد حيدر العبادي
- -لاله شجر- ودولة رئيس الوزراء وفخامة نائب الرئيس نوري المالك ...


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زكي رضا - محاكم تفتيش طائفية في شارع المتنبي