أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الفرق بين الإنسان الواقعي والإنسان الافتراضي















المزيد.....

الفرق بين الإنسان الواقعي والإنسان الافتراضي


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4626 - 2014 / 11 / 7 - 07:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في البداية تعال نتعرف على ماهية "الواقع" وماهية "الافتراض":

فأما "الواقع" فهو: حال الشيء وكينونته التي هو عليها، في لحظته الراهنة ونتيجته الحالية، دون أي تدخل من الشيء ذاته أو من غيره في تغيير حاله أو تبديله أو تعديله، وهو وجود الشيء كما هو موجود بالفعل، سواء كان ثابتا أو متغيرا، والذي يحكم بقانونية ومشروعية وواقعية وحقيقة هذا "الواقع" جريان سنن وقوانين ومقاييس وموازين الواقع الحقيقي عليه، فالشيء الذي لم تجر عليه سنن وقوانين ومقاييس وموازين وأعراف الواقع الموضوعي التي يسير بها فهو ليس من جنس ذلك الواقع وليس من مكوناته، والواقع ليس منه، إنما هو جسم ناتئ شاذ غريب أتي من خارج الواقع الحقيقي المتعارف عليه.

وأما الافتراض: فهو ليس كما يقول بعض الكتاب والباحثين أنه هو المحاكاة والتجسيد للواقع، كلا، إنما "الافتراض" هو نشاط يقوم من خلاله صاحب النشاط بلملمة بعض قصاصات من صور وأجزاء وتفاصيل ذهنية من الواقع الحقيقي، وجمع بعضها إلى بعض، لخلق شيء جديد أو كيان جديد لا حقيقة له ولا نشاط ولا عمل ولا فعل في الواقع الحقيقي الموضوعي، لأنه ليس في حقيقته من جنس الواقع الحقيقي الموضوعي، ولا يخضع لمقاييسه وموازينه الحقيقية المتعارف عليها في الواقع الحقيقي، وينحصر وجوده فحسب في ذلك الحيز الضئيل من الوجود في الذهن أو في النفس أو في الذاكرة أو حتى في الكيان الذي ظهر فيه، لأن لبناته التي تأسس عليها وتكوَّن منها _وإن كانت عبارة عن قصاصات من صور وأجزاء وتفاصيل ذهنية منتقاة ومقتطفة من الواقع الحقيقي_ إلا أنه لا يصلح للمرور ولا للتواجد في الواقع الحقيقي، لأن قوانين ومعايير ومقاييس وسنن الواقع الحقيقي لن تسمح له بالمرور ولا بالتواجد الطبيعي في البيئة الواقعية، لأنه ليس منها وليست منه.

لهذا كثيرون لأسباب نفسية "ضعف، نقص، حرمان، عُقَد، عته، تشوهات، أمراض" يرضون لأنفسهم التفاعل مع الكيانات الافتراضية على أنها واقع حقيقي، بل إنهم ينفعلون شعوريا وعاطفيا بالشيء أو بالكيان "الافتراضي" رغم يقينهم بأنه مفارق للواقع الحقيقي والموضوعي.

ربما بعض أو كثير من الناس يعتقدون أن العوالم الافتراضية أو الشخوص الافتراضية بدأت مع ظهور أجهزة الحاسوب والشبكة العنكبوتية فحسب، لكن في الحقيقة أن العوالم الافتراضية والشخوص الافتراضيين وجودهم على ألسنة الناس وفي أذهانهم قديم قدم الإنسان نفسه، وكانت تتمثل في القصص والأحاجي والأساطير التي تتحدث عن كائنات وأشباح عملاقة ومخيفة وغريبة، أو قصص وأحاجي خيالية حالمة لا يمكن أن تنتمي لعالم الواقع الموضوعي من قريب أو بعيد، ثم تطورت البشرية وتقدمت في التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال لدرجة أنه قد أصبح من السهل واليسير على أي شخص عن طريق الحاسوب أن يصنع كياناً "إنسانا" افتراضياً بمواصفات محببة لدى الآخرين أو لافتة وجاذبة لانتباههم، حيث يقوم بلملمة بعض قصاصات من صور ذهنية للواقع الحقيقي وصورا من بعض تفاصيله ومكوناته التي يرغب في أن يظهر عليها أمام الناس أو التي يهوى الناس أن يروه عليها، فيرتديها لهم، بينما هو بحقيقته الواقعية الموضوعية التي هو عليها مختبئ خلف الكيان "الإنسان" الافتراضي الذي صنعه بيديه.

أما "الإنسان الواقعي" الحقيقي فهو ذلك الشخص القريب زمانيا ومكانيا والماثل أمامك واقعا وحقيقة بكامل مفرداته وتفاصيله الحقيقية الواقعية، بعيوبه ومزاياه، بسلبياته وإيجابياته، بحلوه ومره ونقصه، وبما فيه من جمال وبما فيه من قبح وتشوهات، لأنه خاضع بشكل كامل وحتمي لكافة سنن وقوانين وموازين ومعايير ومقاييس الواقع الحقيقي الذي ينتمي اليه ولا يستطيع التواري منه، بل لا يجرؤ ولا يمكن أن تسول له نفسه ولو للحظة أن يمد يده إلى حقيقة نفسه الواقعية الموضوعية التي هو عليها فيعدل أو يجمل أو يغير أو يبدل منها أو فيها ما يريد ويهوى. ومدى قرب علاقتك الواقعية الحقيقية منه هي التي تكشف لك كامل حقيقته التي هو عليها كلما ازداد قربك منه.

بينما الشخص الافتراضي الذي لم تقربه من قبل في الواقع، فيقدم لك كيانا "إنسانا" افتراضياً، من خلال شاشة الحاسوب، عبر الكلمات الدافئة والخطب الرنانة والشعارات البراقة والبلاغة الصارخة والشعر الهائم أو حتى عبر الصور الثابتة أو المتحركة، ويكون قد أغرق لك ذلك الكائن الافتراضي بعشرات من الدهانات والأصباغ والطلاء الذي يخفي به حقيقته الواقعية، وكلما زاد اقتناعك بالكائن "الإنسان" الافتراضي الذي قدمه لك عبر الحاسوب وكلما وجدت نفسك منجذبا للتفاعل معه ومستثارا للانفعال معه عاطفيا وشعوريا فيكون قد نجح بالفعل وببراعة فائقة في أن يخدعك ويخفي عنك حقيقته الواقعية الفعلية، وقد نجح وببراعة في أن يخرج لك بديلا عنه هو ذلك الكائن "الإنسان" الافتراضي الذي كنت تحلم وتتمنى أن تجده، وللأسف كثيرون من الأشخاص الواقعيين يتقبلون بل ويبتلعون ذلك الكائن "الإنسان" الافتراضي ويتفاعلون معه وينفعلون به وكأنه كائن حقيقي ماثل أمامهم وقريب منهم.

فكم نبتلع يوميا محبين وأصدقاء ومعارف وأبطالا وزعماء ومناضلين ومجاهدين افتراضيين مصنوعين من وهم وخيال، وهم ربما متجردون تماما من كل حقيقة واقعية موضوعية، وكل ما يقدموه وكل ما يظهروا به أمامنا هو في حقيقته وبلا أدنى شك إبداعات افتراضية، من صنع أيديهم ليس إلا، فكم من داع افتراضي إلى الشرف والعفة والفضيلة والمبادئ وهو في حقيقته الواقعية مستنقع قذر للعهر والرذيلة، وكم من متحدث باسم العقل والمنطق وهو في حقيقته الواقعية صندوق من الوهم والخيال والعبث والجهل والتخلف، وكم من صانع محترف وبارع في تدبيج العواطف وتطريز الأحاسيس والمشاعر الجياشة التي يطوف بها على الأبواب كي يبيعها للحمقى والسذج والسفهاء، وكم من مناضلات افتراضيات مناديات بحقوق المرأة وحرية المرأة وكرامة المرأة وهن في حقيقة واقعهن محض جواري وإماء مملوكات لأزواجهن وأهلهن ويلتزمن بكافة الأوامر والفروض والإلزامات التي تلتزم بها الجواري والإماء. وكم من الكائنات الافتراضية التي تظهر لنا كل لحظة وقد صنعت بيديها مشاعر وعواطف ونبلا ومحبة وحياء وشرفا ونضالا وإخلاصا وشوقا ورقة ونعومة وغراما، ثم إذا ما حاولت أن تجر أحدهم من ظلمة الافتراض وسحبه إلى شمس الواقع الحقيقي كان من أول الفارين الهاربين منك، خشية من أن تحرق شمس الواقع أوراقه التي يستر بها سوءاته، وخشية من أن تزيل حرارة شمس الواقع عن وجهه كل الدهانات والأصباغ والطلاء فتراه على حقيقته الأصلية الواقعية التي هو عليها.

فما أجمل وما أبهى وما أروع "إنسان الواقع" مهما كان به من عوار ونقص ومساوئ وتشوهات وعيوب وسلبيات، بادية فيه وظاهرة، لم يخفها منك ولم يسترها عنك، فإن قبلته، فقد قبلت به كما هو دون دهانات ولا أصباغ ولا طلاء. وليذهب "الإنسان الافتراضي" إلى الجحيم حتى ولو كان ملكاً يرفرف بجناحيه.


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك: https://www.facebook.com/nehro.tantawi.7
مقالات وكتابات _ نهرو طنطاوي:
https://www.facebook.com/pages/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%86%D9%87%D8%B1%D9%88-%D8%B7%D9%86%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A/311926502258563



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرق بين -حقائق الأشياء- و-زخرف الكلمات- و-عوالمنا الخاصة-:
- آخر الهوامش: هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 ي ...
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (26)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (25)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (24)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (23)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (22)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (21)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (20)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (19)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (18)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (17)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (16)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (15)
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (14)
- (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ...
- القرءانيون وخرافة تواتر القرءان – الحلقة الثانية
- القرءانيون وخرافة تواتر القرءان – الحلقة الأولى
- من بدل دينه فاقتلوه
- هوامش يومية على جدران الثورة المصرية -ثورة 25 يناير- (13)


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - الفرق بين الإنسان الواقعي والإنسان الافتراضي