أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - العباءة















المزيد.....

العباءة


ماجد رشيد العويد

الحوار المتمدن-العدد: 1299 - 2005 / 8 / 27 - 07:46
المحور: الادب والفن
    


ـ (( صفّي البلورة يا بن العورة. ))
ـ (( وين الصورة يا بن البورة. ))
هكذا كنا نوقّع شتائمنا، وكأنه بهذا التسجيع ستعود الصورة إلى طبيعتها، نظيفة، ويعود الصوت واضحاً.. أيامها كنا لا نبالي بشيء. أما أكثر ما كان يخيفنا فهو منظر رعاة البقر عندما يطارد بعضهم بعضاً، متراشقين بالنار. كانت تحتبس أنفاسنـا، فنقول: سيدعسنا هذا الحصان، هيه، انظر إنه يقترب منا. ولأجل ألا يحدث هذا نختبئ من الرعب تحت المقاعد لأنه سيفعل لو ظللنا في مكاننا.
من هذا أنه شاهدنا مرة فيلماً لرعاة البقر، ومن مشاهد الفيلم أن (( البطل )) أطلق على المجرم ناراً كثيفة. كانت الكاميرا متوجهة تماماً إلى فوهـة المسدس. عندما دوى صوت الرصاص، صاح زميلي وبصوت عال مملوء رعباً دفع بالمشاهدين، ومن خلال السكون الذي فرضته مشاهد الفيلم المؤثرة إلى الالتفات جهة الصوت:
ـ أخ.. لقد أصبت.
مسح بيده على مكان الإصابة ثم قلبها على بطنها فإذا بها مملوءة دماً، استطعت أن أراه رغم العتمة. وضعت يدي على يده فإذا هي رطبة ساخنة. بدا ذلك شيئاً مروّعاً، فكيف تخرج الرصاصة من الشاشة إلى صدره وتستقر في القلب، فينتفض انتفاضته الأخيـرة ويموت؟
كنت مغموراً بالدهشة، فاغر الفم، جاحظ العينين. الناس من حولنا تركوا الفيلم واتجهوا بأنظارهم إلينا. أحدهم قال:
ـ نعم رأيت الرصاصة وهي تخرج من الشاشة، أقصد كما ترون لقد احترقت...
وتابع آخر:
ـ لقد قامت الساعة!!!
وقال ثالث:
ـ شيء لا يقبله العقل!!!
توقف العرض على الضجة التي أحدثتها الوفاة. امتلأت الصالة بالنـور فتوجهت أبصارنا، وبشكل عفوي، إلى مكان العرض. فبرزت حقيقة ما قاله الرجل، النار تأكل الشاشة. عند ذلك تدافع الحضور إلى الخروج خوفاً من أن تصيبهم اللعنة وتقتلهم رصاصة طائشة، وكدت بدوري أن أصدق ما قاله الناس لولا أني أعلم طبيعة الأمر...
***
حدث هذا في ستينات القرن الماضي. لم يكن في بلدتنا غير سينما فؤاد تهفو إليها الأفئدة للترويح والمتعة، وكانت إلى جانب هذا شيئاً كالأعجوبة، وحال خروجنا منها نقوم بتمثيل الأدوار التي أعجبتنا، ونقلّد أصوات الممثلين، ولا نتورع عن ضرب المارة بسيوفنا الخشبية لإضفاء طابع الحقيقة على المشهد، ليكون في الواقع كما رأيناه على الشاشة. وأما النساء فكن ينتظرن حفلتهن في موعـدها، صيفاً، في الساعـة الخامسة من يوم الأحد. وكن إذا ما شاهدن فيلماً فإنهن يتزودن بالمناديل الورقيـة، لأنهن سيبكين عند رؤية الصور وهي تتحرك مثيرة فيهن ألواناً من الشجن، ويتذكرن من مات من الأحبة ومن سافر بغير رجعـة.
كان رجلان يحملان الإعلان عن الفيلم المخصص للنساء عـلى لوحـة خشبية، يدوران بها على البيوت ليأخذن فكرة عنـه. كان القيظ يحملنا على الاحتماء بالظـل حماية لرؤوسنا من الشمس، نتخذ من الزوايا مكامن نرى من خلالها إناث مدينتـنا وقد غطـين أجسادهن بعباءات سود.
آنذاك.. كنا على شقاوة نادرة. الحر يخترق جلودنا وأدمغتنا فتلتهب منا المشاعر، ونسعى إلى المغامرة غير آبهين بالعادات والتقاليد. ولأجل أن يرى الواحد منا حبيبته وضعنا أرواحنا على أكف العفاريت.
بدوري كنت أنتظر هذه الساعة لرؤية الفتاة التي عزمت على الزواج منها. إذا لم أرها الآن فلن أراها أبداً، ولذا فلابد من المغامرة. أما زميلي فقد هيأ نفسه وأخرج العباءة من حقيبة كان يحملها معه، وفي غفلة من الناس ارتداها، وغطى وجهه بأطرافها العلوية، ثم انخرط في صفوف النسوة على أنه واحدة منهن.
في الصالة وعندما انطفأت الأضواء سلّم عليها. وعندما سمعتْ صوته ارتجفت وارتعدت. وبرغم الظلمة فقد ملأها الوجل فأخذت تتخبط في كرسيها. أما بالنسبة لي فهي مغامرة لا أجرؤ على القيام بها، ولذا فلقد اكتفيت بالإشارة والابتسامة.
قلت له قبل أن يدخل معهن إلى صالة العرض:
ـ إن تصرفك هذا قد يودي بحياتك لو علم أهلها. إلا أنه لم يكن يهتم بردة فعلهم، أيامها كان كل ما يعنيه هو أن يلقاها فقط. قال لي:
ـ لا يهم، هي حياة واحدة.
كانت السينما شيئاً جديداً في حياتنا، تعامل معها كبار السن على مضض، ولكنهم قبلوا مع ذلك أن يدفعوا ببناتهم إليها ليرفعن عن أنفسهن تعب الأسبوع. غير أنه لم يكن من المتوقع أن يدخلها شاب في زي امرأة.
مرّت اللحظات بطيئة قاسية. مدّ يده إلى يدها فارتعدت ثم ما لبثت أن توسلت إليه باكية حتى يذهب، ولكنه لم يفعل حتى أخذ موعداً. وكلما أراد لقاءها ومانعت لجأ إلى هذه الحيلة.
وفي يوم ذهبنا أنا وهو لمشاهدة فيلم جديد. بدت الصالة ممتلئة تماماً. ولانقطاع التيار الكهربائي مرات عديدة كنا نصيح صياحاً شديداً دون أن نضع اعتباراً لأحد، ونشتم دون أن يردعنا رادع، وفي فترة الاستراحة رأيت أخاها، عابس الوجه مكفهراً. آنـذاك انتابني الرّوع لا أدري مم؟ ولكنه الخوف ملأني لما رأيته، ولعله الإحساس البعيد بأن شيئاً ما سيحصل. عندما حلّت الظلمة من جديد همست في أذن صاحبي:
ـ إنه هنا
ـ من؟
وأجبته خائفاً:
ـ أخوها!!
كنت مذعوراً إلى الحد الذي بدأت أفقد فيه السيطرة على أعصابي.
ـ من تقصد؟!!
ـ منى، إنه أخوها، هل تفهم؟!!
أحسست به لحظتها أنه كمن وقع في كمين. سألني هامساً:
ـ أين يجلس؟
ـ يتقدمنا بصفين. ابق هادئاً، وسنغادر بصمت.
كنت في غاية القلق، فأخوها لا يتورع عن شيء وإن كان القتل، ولابد أن إحدى الفتيات قد سرّبت إليه خبر الحيـلة التي كان يتبعها للقاء فتاته، وتحديد مواعيد الغرام معها. وفي مثل سريـان النار في الهشيم، جرى الخبر فاستفز الناس، وتنادى أهلها إلى شراء شرفهم بالدم.
كنا ومن مقعدينا ننظر أمامنا، إلى حيث يجلس، وكان بدوره ينظر خلفه حيث نحن. عندها أدركت تماماً أنه يقصدنا...
لم يكن وحده، فقد رأيته يميل ناحية شاب آخر يجلس إلى جانبه. همس في أذنه ببضع كلمات نهض على إثرها واتجه إلى باب الدخول فعلمت لحظتها أنه قد أحكم الحصار على صاحبي، الذي بدا عليه التوتر.
حاولنا الهرب فلم نتمكن. فوجئنا بأن إلى جانبينا شابين كانا يمسكان بنا كلما انقطع التيار. وعندما حانت اللحظة المناسبة، وصوّب فيها راعي البقر رصاصته إلى صدر عدوه اتجهتْ أخـرى إلى صدر صاحبي، وثالثة من حولي إلى الشاشة لتحترق، ويدب الذعر في الناس، وأرى بدوري آخر نظرات أخيها وقد امتلأت شرّاً وتحذيراً من أنني سألاقي المصير ذاته إن لم أنس ما حدث.
***



#ماجد_رشيد_العويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الجحيم
- في الليلة الأولى
- التماعة
- المِذَبّة
- مشكلتنا ليست في اللغة
- شهداء الغضب
- صناعة الألقاب
- حديث إلى الشريك في الوطن
- لنبدد معاً سوء الفهم
- مع وزير الإعلام مرة أخرى
- مع وزير الإعلام في الرقة
- شيء من الروح
- مع وزيرة المغتربين بثينة شعبان
- مواطن فرنسي من أصل سوري
- كلمة حب في سمير قصير
- العلاقة الخاطئة بين الحكام العرب وشعوبهم
- البعثيون السوريون في مؤتمرهم القادم
- البعث مفرخة للشعارات وفقط
- ماذا عن الخيار الثالث


المزيد.....




- “القط والفار مشكلة” تردد قناة توم وجيري Tom and Jerry لمتابع ...
- فنانة سورية شهيرة ترد على فيديو -خادش- منسوب لها وتتوعد بملا ...
- ينحدر صُناعها من 17 بلدا.. مؤسسة الدوحة للأفلام تعلن 44 منحة ...
- المغربي أحمد الكبيري: الواقعية في رواياتي تمنحني أجنحة للتخي ...
- ضحك من القلب مع حلقات القط والفار..تردد قناة توم وجيري على ا ...
- مصر.. الأجهزة الأمنية تكشف ملابسات سرقة فيلا الفنانة غادة عب ...
- فيودور دوستويفسكي.. من مهندس عسكري إلى أشهر الأدباء الروس
- مصمم أزياء سعودي يهاجم فنانة مصرية شهيرة ويكشف ما فعلت (صور) ...
- بالمزاح وضحكات الجمهور.. ترامب ينقذ نفسه من موقف محرج على ال ...
- الإعلان الأول ضرب نار.. مسلسل المتوحش الحلقة 35 مترجم باللغة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - العباءة