أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - القومية العربية والقومية المصرية : نقيضان















المزيد.....

القومية العربية والقومية المصرية : نقيضان


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4588 - 2014 / 9 / 29 - 11:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



صــدّق العروبيون (من ناصريين وماركسيين) أنّ (العرب) لهم الفضل فى إنشاء (جامعة الدول العربية) وتغافلوا (سواء عن جهل أو عن تعمد) السؤال الذى يطرحه العقل الحر: لماذا كان إصرار بريطانيا على إنشاء كيان معنوى يجمع الدول العربية؟ وهو الكيان الشهير باسم (جامعة الدول العربية)؟ إصرار بريطانيا وصل لدرجة دفع المال من الخزينة البريطانية لبعض الشخصيات حتى يتم تنفيذ مشروع الجامعة العربية. ولأننى أعلم أنّ الناصريين وأغلب الماركسيين المصريين يُصدقون كل ما يقوله أستاذهم المقدس (هيكل) الصحابى الأول لنبى العروبة (عبد الناصر) لذلك أدعوهم لقراءة الوثيقة التى وضعها فى كتابه (الاتصالات السرية بين العرب وإسرائيل) وهى برقية وردتْ من وزير الخارجية البريطانى السير إدوارد جراى إلى المعتمد البريطانى فى مصر (هنرى ماكماهون) المسئول عن المكتب العربى ، جاء فيها ((تستطيع أنْ تـُقدم أى تأكيدات تقترحها لعزيز المصرى باسم الحكومة البريطانية ، أنّ الحركة العربية لابد من تشجيعها بكل وسيلة ممكنة. ويمكن لعزيز المصرى أنْ يبدأ فى تنظيم القوة التى يُريدها . وتستطيع أنْ تضع تحت تصرفه ألفين جنيه استرلينى إذا كنتَ ترى ذلك مفيدًا. ولك أنْ تطلب منه أنْ يظل على اتصال بمكتب القاهرة للمخابرات البريطانية وبالمعتمد البريطانى . وأنْ تتعهد له بأننا سوف نـُساعد حركة القومية العربية بمقدار ما يبدو من تأثيرها))
أما الفصل المطموس من تلك المسرحية (الواقعية/ العبثية) فهو فصل الصراع بين الدولتيْن الاستعماريتيْن (بريطانيا وفرنسا) حول من منهما يكون له فضل السبق والريادة فى إنشاء جامعة الدول العربية. والتفاصيل رواها د. عبد الرحمن البيضانى نائب رئيس الجمهورية اليمنية ورئيس وزراء اليمن الأسبق الذى كتب ((أعلن مستر إيدن وزير الخارجية البريطانى يوم 29/5/41) فى دار بلدية لندن أنه يدعو إلى إنشاء جامعة عربية. ووعد بمساعدة هذه الجامعة. وعندئذ أسرع المسيو كاترو المُـفوض الفرنسى العام فى سوريا ولبنان فكتب إلى الجنرال ديجول يقول : إنّ تبنى بريطانيا لقضية الوحدة العربية يجعلها تأخذ زمام المبادرة ، لذلك يجدر بفرنسا أنْ تدعو إلى نفس الفكرة وتنقل محورها من بغداد والقاهرة إلى دمشق وبيروت حيث النفوذ الفرنسى . ثم ألقى مستر إيدن خطابًا أمام مجلس العموم البريطانى يوم 24 فبراير42 ألحّ فيه على إنشاء جامعة عربية)) (أهرام 9/8/2003)
والحقائق التى ذكرها هيكل ود. البيضانى أكدها المؤرخ عبد الرحمن الرافعى الذى كتب إنّ ((إنشاء جامعة الدول العربية كان بإيعاز من بريطانيا)) (مصر بين ثورة 1919 وثورة 52- مركز النيل للإعلام – مطابع الشروق – عام 77- ص 53)
استلم نبى العروبة (عبد الناصر) الراية فألقى خطابًا يوم 8/3/58 مزج فيه بين العروبة والدين ووضعهما فى (الخلاط الناصرى) فقال ((إنّ هذا الاتحاد إنما يُعبّر عن آمال الأمة العربية. وهو أيضًا تعبير عن الدعوة التى تنص على أنّ الاتحاد قوة. هذا الاتحاد الذى نادتْ به الكتب السماوية وعبّر عنه الإسلام . وإننا نرجو الله العلى القدير أنْ يُديم هذا الترابط)) (مجلد مصلحة الاستعلامات – خطب وتصريحات عبد الناصر- القسم الثانى : فبراير58- يناير60) وفى خطاب 20/3/58 قال ((وبعد أنْ قام الاتحاد وأعلنتْ الجمهورية العربية المتحدة كان من البديهى أنْ نبدأ سياسة جديدة عسى الله أنْ يكون قد هدى الضالين)) (المصدر السابق- ص89) ويستمر (الخلاط الناصرى) فى مزج الدين بالعروبة فقال عبد الناصر فى خطاب 25/2/59 ((فى هذه الأيام المجيدة التى نقف فيها لنـُجدّد العهد لأبناء أمتنا العربية، أشعر بقوة مُستمدة من قوتكم ، لأنّ هذه الروح التى أراها إنما هى روح من عند الله)) (المصدر السابق- ص311)
ورغم أنّ أغلب الفصائل الماركسية المصرية أيّدتْ الوحدة المصرية السورية ، بينما العدد القليل من الشيوعيين أبدى بعض التحفظات على تلك الوحدة (الفوقية المُـتسرعة. وفرض نظام الحزب الواحد على السوريين كما حدث فى مصر الخ) فإنّ نبى العروبة لم (يغفر) لهؤلاء (كفرهم) بتوجهاته الوحدوية فقال فى خطاب 11/3/59 ((إنّ الشيوعيين الذين قاموا يُدبّرون المظاهرات ويهتفون ضد قادة الجمهورية العربية المتحدة وشعبها لن يجدوا فى العالم العربى من يستجيب لهم إلاّ العملاء. لأنّ الشيوعيين عملاء)) (ص354) وتهمة العمالة تؤدى إلى الإعدام ولا يمكن أنْ تصدر إلاّ عن شخص بلا وازع من ضمير إنسانى يحترم معتقدات وآراء البشر وإنْ اختلف معهم ، وليستْ مصادفة أنْ كرّر ذات التهمة بالعمالة أكثر من مرة فى الخطاب الواحد . وفى خطاب 23/12/59 اتهم الشيوعيين المصريين والعراقيين والسوريين بالتعاون مع الاستعمار والصهيونية من أجل القضاء على القومية العربية. وفى هذا الخطاب استخدم صيغته المُـفضلة (الشيوعيين العملاء) 26مرة. بخلاف إطلاق الصفات التى تمس الكرامة مثل الوضاعة والسفالة الخ (من ص693- 705)
والسؤال الذى يطرحه العقل الحر هو: لماذا كان عبد الناصر عنيفـًا ضد كل من انتقد تجربة الوحدة المصرية السورية ؟ أعتقد أنّ الإجابة تكمن فيما حدث يوم 6يوليو53 حيث تمّ افتتاح محطة إذاعة (صوت العرب) فى مصر وليس فى الجزيرة العربية ، بتخطيط وتنفيذ وتمويل المخابرات الأمريكية وخبراء أمريكان اختاروا لها اسمها وتزويدها بكل الأجهزة اللازمة لتشغيلها (حبال من رمال- تأليف ويلبر كرين إيفلاند- ترجمة على حداد- دار المروج عام 85- ص 69، 72) مع ملاحظة أنّ المؤلف مستشار سابق لدى الاستخبارات المركزية الأمريكية وعضو سابق فى هيئة التخطيط السياسى للبيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية. وهذا المؤلف الأمريكى ذكر معلومات تـُساعد على تجميع عناصر الصورة ، من ذلك مثلا أنّ (كيم روزفلت) ضابط المخابرات الأمريكية الشهير تعامل منذ عام 1950 مع ثلاثة صحفيين مصريين هم محمد حسنين هيكل والأخويْن مصطفى وعلى أمين (المصدر السابق- ص207) وأنّ الإدارة الأمريكية هى التى ساعدتْ ((عبد الناصر ليكون رجل الساعة)) (ص202) وأنّ (مايلز كوبلاد) مؤلف كتاب (لعبة الأمم) قال إنّ ((عبد الناصر سيُصبح قريبًا المتكلم باسم القومية العربية)) (ص65) وأنّ المخابرات الأمريكية ((تـُقدّم المساعدات السرية لعبد الناصر)) (105) هذا غير مساعدة أميركا لضابط يوليو بالسلاح حتى يتم خروج الإنجليز من مصر(من 58- 60) أما الهدف الثانى من الأسلحة الأمريكية لضباط يوليو فهو (تطوير قدرة مصر على ضبط الأمن الداخلى) (64) أى أسلحة قمع الجماهير واعترف إيفلاند ((أننا نحن الأمريكان جعلنا من عبد الناصر عملاقــًا)) (116)
ولأنّ عبد الناصر ((سيُصبح المتكلم باسم القومية العربية)) كما قال مايلز كوبلاد ، لذلك كان لابد من التزوير الفج الذى روّج له عبد الناصر لمحو هويتنا المصرية ، فوقف أمام الشعب السورى فى ساحة الجلاء أمام قصر الضيافة فى دمشق يوم 9/3/58 وقال ((كنا نشعر بكم فى هذه المنطقة من العالم وقد عزلونا عنكم وأرادوا أنْ يُقيموا فى مصر بلدًا يتنكر لعروبيته وينتمى للفرعونية)) ومما يؤكد أنّ عداءه للقومية المصرية يدخل فى جديلة واحدة مع لغته الدينية فقد أنهى هذه الفقرة قائلا ((ومهما حاول أعوان الاستعمار أنْ يُفرّقوا ويقيموا الحدود فلن يستطيعوا مطلقــًا أنْ يقضوا على ما أقامه الله وما بثه فى قلوبكم من وحدة)) (مجلد مصلحة الاستعلامات- مصدر سابق- ص55) ولم يكتف البكباشى عبد الناصر بهجومه على (جدوده) المصريين القدماء وإنما تعمّد تزوير الحقائق (والعالم كله يسمعه) فقال ((واستطعنا أنْ نرى أنّ الدعوة الفرعونية التى حاول الاستعمار أنْ يبثها ضمن الدعوات الأخرى التى حاول أنْ يبثها بين الأمة المصرية (لاحظ قارئى التناقض فى كلامه) إنما هى محاولة زائفة يُحاول الاستعمار بها أنْ يُقسّم الأمة العربية ليقضى عليها جزءًا جزءًا ويقضى على العرب والقومية العربية ليحل محلها قوميات أخرى)) (خطاب 22/7/59- ص 468) فهل كان نبى العروبة يتصوّر أنه يُخاطب مجموعة من البلهاء سيُصدقون كلامه عن الاستعمار (الخبيث) الذى أقنع شعبنا المصرى أننا ننتمى لجدودنا (الفراعنة) ومن هى تلك الدولة (الاستعمارية) التى قالت هذا الكلام الفج؟
وإذا كانت أميركا هى التى طرحتْ عبد الناصر ((زعيمًا للقومية العربية)) وإذا كانت بريطانيا هى التى أنشأتْ جامعة الدول العربية ، فإنّ اتهام الاستعمار بمحاولة ((تقسيم الأمة العربية.. الخ)) هو اتهام فى العلن تسعد به أميركا التى تسعى إلى القضاء على الخصوصية الثقافية لأى شعب يُقاوم من أجل الحفاظ على تراثه الحضارى ، وأنّ هذه المقاومة تتمثل فى تماسك شخصيته القومية.
ورغم الدعاية الناصرية الفجة عن (عروبة مصر) فإنه بعد الوحدة المصرية السورية كما كتب د. أنور عبد الملك ((هكذا تمّتْ الوحدة وسط تهليل عام ، رغم أنّ رجل الشارع فى مصر لم يخف دهشته للاتجاه العربى الذى طرأ على مصيره)) (المجتمع المصرى والجيش- طبعة مكتبة الأسرة- عام 2013- ص140) وقد تعمدتُ الاستشهاد بما كتبه د. عبد الملك نظرًا لميوله الناصرية (رغم ماركسيته) ونظرًا لإيمانه ب (العروبة) وأنّ ((مصر عربية)) (ص9، 310) وأنّ ما حدث فى يوليو52 (ثورة وطنية)) (ص11) وأنّ عبد الناصر ((كان يمتلك نظرة عملية للمستقبل)) (ص25) لذلك فإنّ شهادته غير مجروحة ولا يمكن الطعن عليها، خاصة وقد تناقض مع نفسه عندما كتب ((كان الشعب المصرى يريد أنْ يكون عربيًا لكنه لم يكن على استعداد للتخلى عن شخصيته التى مضى عليها سبعون قرنـًا)) (ص254) فمن الذى (أوحى) إليه بأنّ شعبنا (المصرى) يريد أنْ يكون (عربيًا) ويشطب 70 قرنـًا من تاريخه وثقافته القومية التى هى دون أدنى مبالغة- النقيض التام للثقافة العربية ؟ ولكن د. عبد الملك كان موضوعيًا عندما كتب أنّ عبد الناصر – بعد الوحدة المصرية السورية- ((كان يُـدرك بدقة ووضوح أنّ الرأى العام المصرى مُـتردد فى السير قلبًا وقالبًا فى اتجاه الوحدة)) (256) وذكر أنّ المُـنظــّر الرئيسى للقومية العربية فى جريدة المساء كان د. عبد العظيم أنيس ، وقد ساعده وأيده آخرون لكنهم ((عمدوا إلى التأكيد على الناحية الشعبية للقومية العربية ، رافضين ضمنـًا مفاهيمها حول محو الشخصية المصرية)) (266) ومع تقديرى واحترامى لهؤلاء الباحثين إلاّ أنهم وقعوا فى التناقض : فكيف يكون الحرص على الشخصية المصرية وعدم محوها ، فى الوقت الذى تمّ فيه شطب اسم مصر بأمر نبى العروبة ؟ والتأكيد (فى المقالات والنشرات والكتب والأغانى) على أنّ (مصر عربية)؟! وللتأكيد على خصوصية كل شعب أصدر الحزب الشيوعى المصرى فى 15 سبتمبر58 بيانـًا جاء فيه ((فى ظل قومية كالقومية العربية ممتدة فى بلاد مترامية الأرجاء تسودها ظروف اقليمية واقتصادية وسياسية واجتماعية متفاوتة ، يُصبح من الضرورى أنْ نضع فى الاعتبار دائمًا حقيقتيْن أساسيتيْن هما : الخصائص الاقليمية والظروف الاقتصادية)) (272) ورغم أهمية هذا الكلام العلمى فإنّ أعضاء الحزب الشيوعى المصرى وكذلك أغلب الشيوعيين المصريين مشوا وراء نبى العروبة ، ولم يصدر بيان واحد أو مقال واحد يرد فيه على تزوير حقائق التاريخ وأنّ (القومية العربية) نقيض (القومية المصرية) والعدد القليل من الماركسيين المصريين الذين قرأوا بعض الكتب عن الحضارة المصرية ، ودافعوا – على استحياء – عن خصوصية ثقافتنا القومية، فإنهم لم يعترضوا على (القومية العربية) واعتبروها مثل أية مُسلــّمة ميتافيزيقية عليهم الإيمان بها. بل إنّ شهدى عطية الشافعى (الماركسى/ الناصرى) الذى قتله زبانية عبد الناصر بكل وحشية ومات على إيمان بالناصرية ، خصّص صفحتيْن فى كتابه الشهير (تطور الحركة الوطنية المصرية : 1882- 1956) عن (الجبهة العربية) وأنّ ((سياسة الجبهة العربية جزء لا يتجزأ من السياسة المصرية)) ثم أشاد بالدور الحاسم الذى قام به عبد الناصر فى (تعريب مصر) وفى بيان للحزب الشيوعى المصرى جاء فيه أنه ((بدلا من توجيه الانتقاد إلى حل الأحزاب ، يحسن أنْ نستفيد من المد الثورى الذى أحدثته الوحدة ، وأنْ نـُحرك الجماهير من أجل حماية الوحدة.. افضحوا جميع المناورات التى تـُريد إظهار الشيوعيين بمظهر معادٍ للوحدة سواء فى سوريا أو فى مصر)) وفى بيان آخر صادر فى 27 فبراير58 عن المكتب السياسى للحزب الشيوعى المصرى ، كان عبارة عن ترديد ببغاوى لكل ما كان يقوله عبد الناصر ويكتبه هيكل إذْ جاء فيه تحت عنوان (نداء) للشعب المصرى ((هذه الوحدة هى جوهر صراعكم مع الاستعمار.. جوهر نضالكم من أجل رفع مستوى معيشتكم الخ)) أما البيان الأكثر فجاجة فصدر فى يوم 13 مارس58 وجاء فيه ((وعيد الجمهورية العربية المتحدة هو فى الوقت ذاته عيد البشرية التقدمية كلها.. الخ)) ( المصدر السابق- ص270)
وفــّر د. عبد الملك على الباحثين مشقة البحث عن مطبوعات الأحزاب الشيوعية ، لأنه ذكر العديد من وثائق تلك الأحزاب (المصرية والعربية) وتاريخ صدورها وكلها تدور فى فلك نبى العروبة عن أكذوبة (القومية العربية) وبالتالى ضرورة (الوحدة العربية) ارتكب الشيوعيون تلك الجريمة عن جهل تام بالتعريف العلمى لمفهوم الثقافة القومية التى تـُميز الشعوب. وأنّ هذا التميز لا يعنى الاستعلاء على الآخرين وإنما يعنى تحدى الذوبان فى شخصية قومية دخيلة على ثقاقته التى توارثها عن جدوده عبر آلاف السنين ، والأكثر فداحة أنّ الشيوعيين فعلوا ذلك رغم ما عانوه من سياسة نبى العروبة فى دولته البوليسية من تعذيب وصل لحد قتل حوالى 20 مناضلا شيوعيًا. ولدرجة أنْ يكتب الصحابى الأول (هيكل) تحذيرًا للشيوعيين فى (أهرامه) أنّ عليهم أنْ يضعوا أقفالا من حديد على أفواههم وإلا... والنقط وضعها هيكل لأنه يعرف أنهم سيضعون الكلمات التى لم يكتبها عن الخوزقة والكى بالكهرباء والكلاب البوليسية المدربة على انتهاك الإنسان والتعليق على (العروسة) والحبس فى حفرة بها فضلات المعتقلين كما حدث مع العامل نجاتى عبد المجيد. ورغم أنّ هيكل أهم عضو فى فريق المداحين الذين روّجوا لأسطورة البطل الفرد وزعيم الأمة العربية (عبد الناصر) ومع ذلك كتب بعد انفصال سوريا عن مصر ((كنتُ فى كثير من الأحيان أشعر بالخطر الذى لابد أنْ تواجهه تجربة الوحدة التى قامتْ سنة 58 من جراء ارتكازها على شخصية البطل.. وهذا يعنى أنّ الوحدة مع سوريا فــُرضتْ على مصر فرضًا وأنها لم تكن منسجمة مع الواقع الموضوعى)) (أهرام 6/10/61) ومثل أى براجماتى خاصة بعد أنْ أخذ (الوحى) من خطب زعيمه (نبى العروبة) بدأ التراجع فى شكل تقديم مُبرّرات الانفصال فكتب عن ((الانقسام الجغرافى إلى منطقتيْن منفصلتيْن غير متصلتيْن إلاّ عبر البحر)) والمعنى الذى رفض أنْ يقوله بوضوح هو أنّ موقع مصر الجغرافى شمال شرق أفريقيا بينما سوريا تقع فى غرب آسيا. وبدأ التراجع أكثر عندما قال نبى العروبة أنه وافق على الوحدة ((نزولا على توسلات السوريين لانقاذ سوريا)) وكان تعقيب د. عبد الملك ((كان ذلك تراجعًا لا يختلف عن التراجع من سيناء عام56 أمام التفوق الساحق للدول الثلاث)) وعندما ((شنّ عبد الناصر هجومًا قاسيًا على الملوك العرب كلــّـف هيكل بتطوير وجهة النظر الرسمية)) فكتب هيكل بأسلوبه المميز باللعب بالألفاظ ((إننا لسنا فى حاجة إلى التضامن العربى ، وإنما نحن فى حاجة إلى انشقاق كامل ، كانشقاق النهار من الليل)) وكان تعقيب د. عبد الملك ((بدتْ سوريا وكأنها فخ.. وأنّ عبد الناصر لم يعترف بالسبب الحقيقى الذى أضعف الوحدة فى أعين الجماهير السورية. وهذا السبب هو الطابع الدكتاتورى للحكم وكراهيته للديمقراطية بجميع صورها وخنقه للحريات المدنية وحل الأحزاب السياسية وسطوة الدولة البوليسية)) (من 273- 275) ولعلّ هذا ما دعا الوفد السورى فى مؤتمر شتورا بلبنان للهجوم على مصر وأنها تسعى للتوسع بالتواطؤ مع الصهيونية. كما صدر بيان عن الحزب الشيوعى السورى تكلم عن (استعمار فرعونى لسوريا) وهذا ما أدى إلى انسحاب مصر من الجامعة العربية. وامتشق هيكل سلاحه فكتب سلسلة مقالات بعنوان (إنى أتهم) شنّ فيه الهجوم على حزب البعث لأنه عازم على سحب الثقة من عبد الناصر وعرقلة الوحدة ، فانفجرتْ المظاهرات بين البعثيين والفئات المؤيدة للناصريين فى دمشق مما أدى إلى إعلان حظر التجول (من 277- 280)
وإذا كانت بريطانيا وفرنسا دخلا فى تنافس حول من منهما يكون له فضل ريادة (القومية العربية) وإنشاء (جامعة الدول العربية) فإنّ إيدن (رئيس وزراء بريطانيا) له تصريح ذات دلالة قاله يوم 29مايو41 ((أجد من الطبيعى ومن المناسب أنْ تتعزز الصلات الثقافية والاقتصادية والسياسية بين الدول العربية)) (251) فما مصلحة إيدن (الاستعمارى) فى أهمية التعاون بين الدول العربية ؟ وبالتالى لماذا صوّر الإعلام العروبى/ الناصرى (الاستعمار) سواء البريطانى أو الأمريكى على أنهما ضد الوحدة العربية وضد (القومية العربية) ؟ أليس ما حدث طوال الحقبة الناصرية/ العروبية يُشكل جريمة فى حق شعبنا المصرى بتزوير الحقائق مثل الإدعاء بأنّ الاستعمار ضد الوحدة العربية وضد القومية العربية (مع إنّ هذا الاستعمار هو الذى تبنى هذه الشعارات والأهداف) ومثل قول عبد الناصر أنّ (الاستعمار) ضحك على شعبنا وأقنعه أنه ينتمى لجدوده (الفراعنة)؟! ثم تكتمل الكوميديا العبثية عند مراجعة خطب وأحاديث عبد الناصر (نبى العروبة) إذْ كان يتكلم بالمصرى ليصل كلامه إلى جماهير شعبنا ، وهى الملحوظة التى أدركها د. عبد الملك ولكن بصياغته الخاصة فكتب أنّ عبد الناصر ((لم يغفل أية فرصة ليخطب فى الجماهير باللهجة العامية المصرية وهى أبعد وقعًا وأعمق تأثيرًا من اللغة المكتوبة)) (261) وهو ما فعله فيما بعد النجم التليفزيونى الشيخ الشعراوى . فكيف تكون مصر (عربية) وشعبنا لا يتكلم اللغة العربية فى حياته اليومية ، بل إنّ نبى العروبة نفسه يلجأ للغة شعبنا ليصل إلى عقول وقلوب شعبنا ، ولكنها الأيديولوجيا المُدمّرة التى دفعتْ العروبى الكبير(ميشيل عفلق) أنْ يقول لعبد الناصر ((أنت عربى ولكن مصر ليست عربية)) هنا جمع عفلق بين الصدق والتناقض بينما المفكر الكبير أ. أحمد أمين كان أكثر وضوحًا وصراحة عندما كتب أنّ العرب ((أزالوا استقلال فارس وحكموا مصر والشام والمغرب وأهلها ليسوا عربًا)) (ضحى الإسلام- ج1- مكتبة الأسرة- عام 97- ص76)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجرة والعودة للوطن الأم
- الوحدة العربية والوحدة الأوروبية : مفارقات
- الجوائز الدولية والأغراض السياسية
- اعتذار وتوضيح
- الوسطية الدينية : وهم أم حقيقة
- المعامل الأمريكية لتفريخ الإرهابيين
- أينشتاين عضو فخرى بنقابة السباكين
- عندما يكون الصحافى مجرد بوق للنظام
- الناصرية ومتوالية الكوارث
- لماذا كان الصراع بين (حور) و(ست) ؟
- العروبيون ورفض الاعتراف بالشعر المصرى
- الشعر فلسفيًا والفلسفة شعرًا
- السنة المصرية وجذور التقويم العالمى
- الحمساويون دمّروا غزة
- العلاقة بين الكلمة والفنبلة
- بيرم التونسى والشعر المصرى
- عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)
- الأدب والقمع الدينى والسياسى
- مصر بين العدوان الإسرائيلى والإرهاب الحمساوى
- الترجمة من المصرى للعربى


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - القومية العربية والقومية المصرية : نقيضان