|
أمريكا بين محاربة الإرهاب وصناعة الأصنام
ابراهيم ابوعتيله
كاتب
(Ibrahim Abu Atileh)
الحوار المتمدن-العدد: 4585 - 2014 / 9 / 26 - 11:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمريكا بين محاربة الإرهاب وصناعة الأصنام من عجائب القدر بل ومن فضائح الزمن ، أن تتباهى أمريكا وتتبجح بمحاربتها للإرهاب ، فمن يتابع التاريخ لا بد له وأن يصل الى حقيقة ثابتة مفادها أن الإرهاب كان وما زال علامة أمريكية مسجلة بامتياز ، علامة تضمنها اتفاقية حقوق الملكية الفكرية ، وإن كان هناك من تواجد للإرهاب خارج حدود أمريكا فما كان ليتواجد دون ترخيص ورعاية أمريكية ، أقول ذلك وانا أستذكر المذابح الجماعية لسكان أمريكا الأصليين وحروب الإبادة التي مورست ضدهم كما واستذكر استعمال أمريكا للمرة الأولى واليتيمة في عمر البشرية القنابل الذرية في هيروشيما ونغازاكي ، وأتابع بامتعاض وقهر شديدين دعم أمريكا المطلق لربيبتها "إسرائيل " التي تعلمت من أمريكا كل دروس حرب الإبادة ، وهي بحربها ضد الفلسطينيين إنما تكرر ما فعلته أمريكا مع الهنود الحمر وما انتهكته في اليابان وما اقترفته في فيتنام . في النصف الثاني من القرن العشرين وبعد أن خرجت أمريكا من الحرب العالمية الثانية بلقب البطولة المطلقة ، مارست إرهابها ومجازرها في مناطق العالم المختلفة إما بشكل مباشر أو غير مباشر ، وتفوقت برعايتها للإرهاب من خلال دعمها المطلق للكيان الصهيوني في وجوده وفي حروبه على الفلسطينيين بشكل خاص وعلى العرب عموماً ، ومن خلال دعم هذا الكيان فقدت منطقتنا وما زالت تفتقد الأمن والهدوء والاستقرار علاوة على خسارة الشيء الكثير من الموارد والطاقات العربية ، وفي السبعينات من القرن الماضي اخترعت أمريكا ما أطلقوا عليه في حينه جنود الحرية ، هؤلاء الذين قاتلوا الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وهم مقاتلون تميزوا بنقص في التعليم وتفشي الأمية مع ما يصاحب ذلك من نقص في الوعي ومحدودية التفكير، اصطادتهم أمريكا من جيوب الفقر المنتشرة في العالمين العربي والاسلامي ، وهي جيوب كانت لأمريكا ولحلفائها مساهمة واضحة في خلق تلك الجيوب من خلال سياساتها وسياسات البنك الدولي هذه السياسات التي أدت فقدان العدالة الاجتماعية والاقتصادية ، وما أن فرغت أمريكا وجنودها المتخلفين فكرياً من هزيمة الاتحاد السوفييتي ، حتى مارس هؤلاء الجنود أبشع أنواع التعصب الفكري والديني ، وهم الذين تربوا ولم يعرفوا غير ذلك ، فقد انصب تدريبهم على أيدي من وظفتهم يتركز على التعصب الديني ، والترويج ترهيباً في الغالب وترغيباً في بعض الأحيان لما يؤمنون به من دين بتعاليمه المحرفة والتي لا تتفق ولا تتوافق أو تنسجم مع تعاليم الإسلام بشيء ... فرغت امريكا وصنيعتها القاعدة من هزيمة الإتحاد السوفييتي ، وأصبحت خطراً يهدد من صنعها ، فاخترعت أمريكا رواية من انتاج وإخراج هوليوود تتلخص بقيام ساكني تورا بورا بالسيطرة على الأجواء الأمريكية ، وتدمير برجي التجارة العالمي والهجوم على مواقع حساسة اخرى ، الأمر الذي خلق لأمريكا مبرراً لضرب القاعدة وحليفتها طالبان والسيطرة على أفغانستان، فكان لها ما أرادت فضربت القاعدة واحتلت افغانستان بترحيب من عملائها هناك، ورغم ذلك لم تستطع فرض سيطرتها الكاملة هناك فتنظيمات الإرهاب مازالت قوية ومنها خرج الكثيرون إلى مناطق العالم المختلفة ، ولم يقف الأمر عند ذلك فقامت أمريكا باتهام العراق بامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل مستغلين تبجح القيادة العراقية بذلك حينذاك ، وكأن أمريكا لاتمتلك مثل هذه الأسلحة ، بل وتجاوز الأمر ذلك ، فزينت أمريكا للعراق دخول واحتلال الكويت وكان لها ما ارادت من ايجاد مبرر لضرب العراق وتدمير فكرة وجود الأسلحة المزعومة وكل ذلك بهدف إبقاء مثل تلك الأسلحة في يدي " اسرائيل " فقط ، وقامت امريكا باحتلال العراق للسيطرة على ثرواته والقضاء على الدولة الواعدة ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل وعلى المستوى العالمي أيضاً فهي دولة تمتلك المال والموارد البشرية الكافية لتلعب دوراً كبيراً في المنطقة ، احتلت أمريكا العراق وفككت جيشه ووضعت أسس نظام بُني على الطائفية البغيضة ، فصار التعصب والانقسام هو السمة الغالبة بين أبناء الشعب العراقي وتم توزيع المواقع القيادية والوظيفية تبعا لذلك ، وبعد الاستقلال غير المعلن للأكراد ، أصبحت طائفة السنة تشكل أقلية في بقية المناطق مما حرم السنة من قبل الحكم الطائفي مما يستحقونه من مواقع تعتمد الانتماء والقدرات كأساس ، فاستشرت المحسوبية والفقر ، وأضحت العراق مكاناً خصباً للتنظيمات التي تتخذ من التعصب الطائفي والفكري أساسا لانطلاقتها ، فكان العنف والعنف المضاد وذهبت العراق إلى التعصب والدموية والإرهاب بأبشع صوره ، وتكرر الأمر في سوريا معارضة مسلحة تم خلقها برعاية أمريكية ثم عنف وقتل على الهوية ، وطائفية مغرقه في التطرف وإرهابيون يدخلون سوريا من كل بلاد العالم ونظام يشكو من هؤلاء ولكن هيهات ،،،، فسيل الإرهابييين لا ينقطع ،،، واكتملت الصورة بتجمع المنغلقون فكرياً من كل اصقاع الارض في سوريا والعراق ، وهاهم ينادون بدولة في العراق والشام ، يهدمون آثار حضارت سابقة ويدمرون أماكن لها قدسيتها ، يقتلون كل من هو ليس على هواهم ، لايهمهم إن كان من يقتلون من المسلمين بسنتهم أوشيعتهم أو من المسيحيين أو الأزيديين او العلويين .. فلا فرق لديهم ولا دين يردهم ... استشرت داعش وانتهكت كل معايير الدين والإنسانية ، قتلت ، شردت ، ذبحت ، وبدأت تلوح بتهديداتها لبقية دول المنطقة ، وبسعي أمريكي ، أصدر مجلس الأمن الدولي " ممثل الشرعية الدولية " قراراً أدان فيه «التطرف العنيف الذي قد يهيئ المناخ للإرهاب والعنف الطائفي وارتكاب الأعمال الإرهابية من قبل المقاتلين الإرهابيين الأجانب». ودعا القرار رقم 2178، الصادر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلى «نزع أسلحة جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب... ووقف جميع الأعمال الإرهابية أو المشاركة في الصراع المسلح». وبدأت الحرب ضد داعش ، حرباً أراها مشروعة ولا بد منها ضد كل ارهابي حيثما وجد ، سواءً كان هذا الارهابي فرداً أو تنظيماً او دولة ، فحق البشر في العيش بسلام وطمأنينه حق كفلته كل الشرائع ، ومع أهمية القضاء على داعش بافكارها وأفعالها إلا أنني أتساءل : - • ماهو الارهاب الذي تعنيه أمريكا وهل هو محصور ببعض ببعض التنظيمات التي تحارب المصالح الأمريكية ومصالح حلفاءها ، وهل يشمل الإرهاب في الفكر الأمريكي محاربة ومقاومة المحتلين أم ليس من حق أحد أن ينادي بالحرية في ظل وجود حامية الحرية في العالم ، كيف لا وهي التي تمتلك تمثال الحرية . • واستغرب متسائلاً لماذا لم تستنكر أمريكا كل أعمال الإرهاب التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني في منطقتنا وغزة ما زلت تعاني من الدمار ودماء الشهداء والجرحى ما كاد يجف أم أن ما تقوم به " اسرائيل " لا يعتبر إرهاباً ، نعم لقد بكت أمريكا لطفل قتل في مستعمرات الصهاينة على أرض فلسطين ولم يهتز لها جفن لإثنا عشر ألفاً أو يزيد من الشهداء والجرحى الذين سقطوا بين الفلسطينيين علاوة على الدمار الهائل الذي قد يحتاج أكثر من عقدين لإصلاحه. • ومع قناعتي بأن كافة التنظيمات الارهابية هي إنتاج أمريكي بامتياز ومع قناعتي بالماضي والواقع الأمريكي الملوث بدماء الشعوب ،، فإنني أتساءل هل يحق لأمريكا قيادة التحالف الدولي ضد الإرهاب . • وهل يمكن القضاء على التنظيمات الإرهابية باعتماد الاسلوب الأمريكي ، أم أن القضاء على مثل هذه التنظيمات يتطلب القضاء على محاور ومرتكزات انطلاقتها بتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الجهل والفقر ومنع أمريكا من احتضان مثل تلك التنظيمات ورعاية وتدريب عناصرها لهدف مرحلي يتوافق مع الرغبة الأمريكية فقط . • ألم يكن بالإمكان تعزيز التعاون العربي والاسلامي للقضاء على الارهاب اقليمياً، فالعرب كما المسلمون مستهدفون وتلطيخ سمعتهم بوصمة الإرهاب هدف تسعى له أمريكا وإسرائيل بكل الوسائل والسبل . • ما هي الخطط المستقبلية والبرامج للحد من االإرهاب ومحاصرة تواجده والقضاء على بؤره ومسبباته ، وما هو دور رجال العلم والدين والسياسة والاقتصاد في ايجاد استراتيجية عربية وإسلامية لمعالجة كل ذلك . • لقد بارك النظام السوري ورحب بالحرب ضد داعش بالرغم من كونه ما زال المستهدف الاول في هذه الحرب فهدف القضاء عليه يأتي على رأس الأولويات الأمريكية ، وبالرغم من عدم اعتراف امريكا بأهمية أو ضرورة التنسيق مع النظام السوري لهذه الغاية ومع ترحيب النظام يبرز السؤال فهل تم التنسيق والتعاون مع النظام السوري بهذا الشأن ولو بطرق غير مباشرة ، فإن كان مثل هذا التنسيق قد حصل ، فماذا يعني ذلك ، فهل أختلفت النظرة الأمريكية للنظام السوري أم ماذا . • ترى ، ماذا تخبئ لنا أمريكا من مفاجأآت مستقبلاً وما هي نظرتها لمنطقتنا وهل نحن فعلا أمام تقسيم جديد لمنطقتنا يلغي اتفاقية سايكس بيكو . لقد علمتنا التجارب مع أمريكا ، وليس هنا فحسب ، بل وفي كافة مناطق العالم ، بأن أمريكا لاصديق لها إلا مصالحها والكيان الصهيوني فقط فهما الثابتان الوحيدان في السياسة الأمريكية ولا شيء غيرهما أما غير ذلك فلا، نعم ، إن أمريكا تصنع الشي لمرحلة وهدف محددين سلفاً وما ان يتحقق الهدف حتى تستغني عن صنيعتها بل وتتخلص منها نهائياً ، فما فعلته أمريكا مع القاعدة ومع تلك التنظيمات الإرهابية المتطرفة ما هو إلا مثال بسيط على الاستراتيجية الأمريكية وهو يذكرني بحال العرب في الجاهلية عندما كانوا يصنعون أصنامهم من التمر بحجة العبادة وعندما يجدوا عندهم حاجة بالصنم غير العبادة لا يترددون لحظة عن أكله والتمتع بطعمه .
ابراهيم ابوعتيله عمان – الأردن 26/9/ 2014
#ابراهيم_ابوعتيله (هاشتاغ)
Ibrahim_Abu_Atileh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقص المناعة العربية
-
ابو مرزوق وشرعنة المفاوضات
-
وتبدد الحلم من أجل السلطة والحكم
-
عباس وحماس ومحاضر الاجتماعات المسربة
-
طربوش أم رئيس ...
-
أمريكا رأس الحية
-
وانتصرت فلسطين ...
-
عباس بين عدم الممانعة والمفاجأة ...
-
غزة تقول .. المخفي دائماً أعظم
-
أوسلو 2014
-
النصر .. بين القسام والشعب الغزي / الغزاوي ....
-
- من وحي غزة - الهزيمة يتيمة ...أما النصر فله ألف أب
-
الحرب على غزة .. بين حماس والإرهاب ... وشؤون أخرى
-
المخاض الفلسطيني العسير ...
-
التنسيق الأمني ... الوسيلة الأقوى لمنع الانتفاضة
-
- لن نعود لانتفاضة تدمرنا - ...
-
من مهبط للرسالات إلى هدف للمؤامرات فضحية للصراعات ...
-
حماس ... بلا لباس
-
شرعية منظمة التحرير الفلسطينية ... إلى أين
-
تحية لقداسة البابا ..
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|