القاضي زهير كاظم عبود
يشكل الإعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر بتاريخ 10/ كانون الأول /1948 بإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وثيقة إنسانية مهمة وبيان أنساني صريح يشير الى الإجماع على الإقرار بالحقوق المتساوية للبشر ويدعو الإعلان لضمان كرامة الأنسان وحقوقه الأساسية في الحياة الحرة والكريمة ، وأن يكون الناس متساويين في الحقوق والواجبات تحت ظل حياة مدنية قانونية تضمن العدل والسلام والمساواة بين الجنسين ، ومن ضمن ما نادت به اللائحة كون البشرية تنادي ببزوغ عالم يتمتع فيه الأنسان بالحرية في القول والفعل والعقيدة وأن يتحرر الأنسان من الفقر والخوف كأسمى ما ترنو أليه النفوس البشرية ، وأن يساهم الجميع في بناء عالم تسوده العلاقات الودية بين البلدان وصولاً الى النهوض والتقدم الاجتماعي وتحسين مستويات الحياة في جو فسيح من الحرية .
وقد قامت المنظمة الدولية بوصفها القاسم الدولي المشترك للبشرية نشر وإذاعة هذا الإعلان على الملأ سعياً الى قيام الحكومات والأفراد بالتقيد والتطبيق العملي والالتزام بما ورد فيه حرفياً بأعتباره يمثل الحقوق الأساسية للبشر والتي تمثل الحقوق الطبيعية للأنسان وبما لايمكن التنازل عنها أو قسم منها وبما لايمكن خرقها أو تجاوزها .
وبصدور هذا الإعلان العالمي الذي أعتبر بحق وثيقة عالمية ملزمة لجميع الدول المتحضرة المنضوية تحت خيمة الأمم المتحدة فقد فصل الإعلان النصوص والمبادئ العامة التي أوردها في العام 1948 وبهذا يكون قد مضى على الإعلان ( 54 سنة ) تطورت فيها أساليب وطرق ضمان حرية وكرامة الأنسان وص الى حد القدسية في بعض الدول والدساتير ، وتسابقت الدول في ضمان حرية الأنسان ووصلت لحد المغالاة في إطلاق هذه الحريات .
وبعد هذا الشوط الزمني الطويل يمكننا أن نلمس بشكل دقيق مدى تطبيق النصوص التي أوردها الإعلان في مسار عمل السلطة الحاكمة في بغداد بشكل موجز وبما يتناسب مع النصوص .
تؤكد المادة الأولى أن الناس ولدوا أحراراً ومتساويين في الكرامة والحقوق ، وفي العراق لا يتساوى الناس أمام القانون ولا يتساوون في الحقوق ، فقد تم خلق أفراد فوق القانون ولايمكن مساواتهم بالأفراد العاديين ، أضافة الى كون الكرامة متناسبة مع مكانة الشخص ومركزه الوظيفي والرسمي .
وتكرس المادة الثانية على حق الأنسان في التمتع بجميع حرياته وحقوقه المذكورة دون تمييز في اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي .
وفي العراق يتم أعتماد مبدأ التفرقة الطائفية والقومية كمبدأ عام في التعامل مع الناس ، أما مسألة حق الرأي فهي مسألة محسومة بقطع اللــسان والأذان والأيدي وقطع الرؤوس بالسيوف ، كما أن السلطة تقوم بتكريس الأختلاف القومي بتسجيل قومية الشخص في هوية الأحوال المدنية الرسمية ، وتضع بعض الموانع والتقييدات أمام الشخص من القومية غير العربية ، وتدعو وبشكل سافر وعلني الى تغيير القومية الى العربية مساهمة منها في أضعاف بقية القوميات التي تشكل بمجموعها هيئة المجتمع العراقي .
المادة ( 3 ) لكل فرد حقه في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه .
أن الحياة في العراق ترتبط بالابتعاد عن كل مامن شأنه أن يزعج السلطة والأجهزة الأمنية ، وليس للأنسان حق التمتع بالحياة الحرة والكريمة بأرادته لأن ذلك يرتبط برغبة السلطة في قيام الحروب والمعارك وزجها بها دون رغبته ودون أرادته بحجة الدفاع عن الوطن .
ويحق للأجهزة الأمنية استدعاء واستقدام أي مواطن والقبض عليه دون أية تهمة أو قضية تحقيقية وأجراء التحقيق معه في أماكن سرية وممارسة التعذيب الجسدي الرهيب في الأقبية وبواسطة أساليب والآت ميكانيكية لا يستطيع الجسم البشري أن يتحملها ن ودون أن يحق للمواطن المذكور أن يسأل عن أسباب اتهامه مثلما لا يحق لعائلته ذلك ، وبذلك فأن الأمان على حياة الأنسان غير مضمونة وغير مؤكدة في العراق أذا ما فكر الأنسان في المناداة بحياة حرة وكريمة .
المادة ( 4 ) لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده .
وتقوم السلطة العراقية باستعباد المواطن العراقي وانتهاك خصوصيته وذلك بزجه كرهاً في التدريبات العسكرية وتدريبه على الأسلحة وحرمانه من التمتع بوقته ووقت عائلته ، ووفق هذا المفهوم تم استعباد وامتهان الناس في تشكيلات عسكرية مثل قوات الجيش الشعبي وقوات تحرير القدس وقوات فدائيو صدام وجميعها تشكيلات عسكرية تقوم بتطبيق الأوامر والتعليمات العسكرية على المدنيين ، أضافة الى اعتبار المتمرد على الانخراط في هذه التشكيلات خائناً للوطن ويمكن استباحة حريته وكرامته وإنهاء حياته ومعاقبة عائلته .
كما تقوم السلطة باستعباد الأشخاص حين تقوم بتوظيف الأقارب وأفراد العشــيرة في تشكيلات ( الأمن الخاص ) وتوظفهم لخدمة أغراضها الشخصية وتوظيفهم لحراستها وربطهم مصيرياً بهذه السلطة دون أن يكون لديهم المؤهل الثقافي المطلوب .
المادة ( 5 ) لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحط بالكرامة .
والتعذيب في عمل أجهزة السلطة نهج عملي لايمكن الأختلاف عليها ، والتعذيب الذي تتم ممارسته معروف بشكل علني في العراق ويوصل بالكثير من الحالات الى الإعدام أو العوق الجسدي ، كما أن العقوبات القاسية المفروضة والتي لا تتناسب مع نوع الفعل المخالف للقانون أو نوع الجنحة أو الجناية وأعتماد عقوبات الإيذاء الجسدي كقطع اللسان وبتر الأذن والوشم على الجباه وقطع الرؤوس وقطع الكف ودون محاكمة قانونية يشكل خرقاً كبيراً وعميقاً لمجمل حقوق الأنسان .
والمادة ( 6 ) أن لكل أنسان في كل مكان الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية .
وفي أغلب الأحيان لايمكن أن يطالب المواطن العراقي أمام السلطة بأعتباره متساوياً مع آخرين في الحقوق والمركز القانوني .
المادة ( 7 ) الناس جميعاً متساوون أمام القانون .
والقانون رغم أنه نتاج أرادة السلطة الحاكمة ، الا أن السلطة العراقية كرست العمل على عدم المساواة في القانون ، والحماية القانونية لاتشكل غطاء متساوي للمواطن العراقي ، وما يسري على عائلة الطاغية لايسري على المواطن العراقي ، ويستطيع أبن الرئيس على سبيل المثال ممارسة فعل القتل العمد دون أن تتم مسائلته قانوناً ودون أن تتمكن سلطة ما من مسائلته أو أجراء التحقيق معه أو محاكمته ولو شكلياً .
المادة ( 8 ) لكل شخص حق اللجوء الى المحاكم الوطنية المختصة لأنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون .
وفي العراق لايمكن للمواطن أن يلجأ الى المحكمة الجنائية أو المدنية لأنصــــــافه من خر وقات في الحقوق الأساسية التي نص عليها الدستور ، لأن المحاكم العراقية ممنوعة من النظر في مثل هذه الدعاوى أولاً باعتبارها من أعمال السيادة ، والثاني أن السلطة لاتسمح لأية جهة أخرى بتدقيق الخروقات في مسألة الحقوق في الدستور ، أضافة الى قيام السلطة باعتماد محاكم استثنائية لا تلتزم بالقوانين ولا بأصول المحاكمات ولا يرأسها قضاة تقوم بإصدار الأحكام الباتة والنافذة والتي تقوم الأجهزة الأمنية بتطبيقها فور صدورها رغم بطلانها وعدم مشروعيتها لمحاكمة المواطن العراقي في المخالفات والجنح الصادرة والتي تمس السلطة أو رؤوسها .
المادة ( 9 ) لا يجوز اعتقال أي أنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً .
التعسف في العراق مبدأ عام يتلازم مع عمل الأجهزة الأمنية وبموافقة السلطة الحاكمة ، فالاعتقال لا يستوجب أذن قضائي والتوقيف لا يتطلب أمر قاضي أو وجود قضية تحقيقية ، والحجز أصبح في العراق عقوبة من العقوبات التي تفرضها السلطة على ذوي المعارضين والمناوئين لسياسة السلطة ، وبذلك فأن الأجهزة الأمنية تعمل خارج القانون ولاسلطة للقانون عليها .
المادة ( 10 ) لكل أنـــــسان الحق في أن تنظر محكمة مختصة قضيتة بشكل متساوي مع الأخرين .
وهذا الحق يتناقض مع الخرق الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في أعمالها ، فالمواطن العراقي في نظر السلطة لايتم تقييمه بمقدار وعيه الوطني وتضحيته وثقافته السياسية وأنما بمقدار ولاءه الأعمى للسلطة ، فالناس في حضرة السلطة صنفان أما مع صف السلطة ومن ذيولها أو معارض ضدها تعمل على إنهاء حياته ومنعه من أيصال صوته الى العالم بأي شكل كان .
المادة ( 11 ) كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً الى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً ، ومن الطريف أن يتضمن الدستور العراقي المؤقت مثل هذا النص ، ولكن حقيقة الأمر التي يعرفها كل أهل العراق أن المواطن العراقي متهم حتى يثبت العكس ، ولهذا فأن المواطن عرضه للتحقيق والاستجواب في أي وقت تشاء الأجهزة الأمنية للسلطة وفي أي مكان ومهما كان الفعل الصادر منه .
المادة ( 11 ) لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته أو شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته ولا لحملات تمس شرفه وسمعته .
وفي العراق تنسحب التهمة الى عائلة المتهم وتتم معاقبة من لاناقة له فيها ولاجمل ، وتقوم السلطة بحجز ذوي المعارضين لمدد غير محددة وفي المواقف الرديئة ، كما تعمد السلطة الى حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة للمعارضين وتقوم بمصادرة الدور السكنية التي تسكنها عوائلهم دون قرار قانوني من جهة قضائية معتبرة ودون وجود قضية تحقيقية ضدهم سوى اختلافهم بالرأي مع نهج السلطة ، كما أن مراسلات المواطن العراقي مستباحة من خلال دوائر الرقابة البريدية التابعة الى الأجهزة الأمنية العراقية مثل حال الهواتف والاتصالات بين الناس التي تخضع الى رقابة السلطة .
كما تنهج السلطة في الكثير من الأحيان الى سلوك طريقة غير معهودة في العمل السياسي ولم تتبعها سلطة من السلطات سابقاً ، وهي أعتماد تلويث سمعة السياسي المناوئ لها ومحاولة المساس بشرفه وسمعته بواسطة الأجهزة الإعلامية الواسعة الواقعة تحت خدمة السلطة وتصرفها .
المادة ( 13 ) لكل فرد الحق في حرية التنــــقل وفي اختيار محل أقامته داخل حدود الدولة ، ولكل فرد حق مغادرة بلده والعودة أليه متى شاء .
وفي العراق تصدر التعليمات وفقاً للمخططات الأمنية والمخابراتية الرامية الى رصد حركة المواطن ومتابعته وحصره في زاوية محددة يمكن للسلطة مراقبته والإجهاز عليه بالوقت التي تراه مناسباً فتصدر التعليمات بمنع المواطن العراقي من الانتقال الى أماكن محددة أو محافظات محددة ، وأستحصال الموافقات الأمنية والإدارية والحزبية في أماكن أخرى .
أما عن مغادرة البلد فيمكن أن تكون الفترة السابقة لوجود السلطة نعبير حقيقي عن مدى مخالفة هذا الحق وحجبه عن المواطن العراقي بحجة حماية الوطن والمساهمة في الحروب الكارثية التي شنتها السلطة وفق حسابات خاصة لاعلاقة للشعب بها ، ووفق ذلك يتم منع المواطن العراقي من السفر وفي أحيان أخرى يتم فرض ضريبة غير معقولة للحد من سفره ، كما يتم منع مواليد عديدة ووجبات احتياطية من السفر تحت ذرائع شتى ، أضافة الى كون سجلات الأجهزة الأمنية تحفل بالآلاف من اسماء العراقيين الممنوعين من السفر .
مثلما لا يحق للعراقي المعارض للسلطة من العودة الى وطنه ولوعاد لأنتهى به الأمر جثة مقطعة أو مذابة فهو محكوماً بالموت دون حكم قضائي صادر من محكمة مختصة ، ويكفي دليلاً على هذا منع السلطة لجثث العراقيين المتوفين في الخارج من العودة الى وطنها وأهلها لدفنها وفق المراسيم والتقاليد العراقية .
أن المواد المذكورة تشكل حوالي نصف المواد التي وردت في الإعلان وقد درجت السلطة العراقية العمل على خلافها ليس حباً بالخلاف مع المجتمع الدولي ولا المنظمة العالمية بل للتفرد بالعمل ضد الأنسانية وضد حقوق وكرامة الأنسان .
ويمكن أن تعتبر الجريمة الإنسانية الكبرى التي أرتكبها النظام بحق الأكراد الفيلية وهم من العراقيين الأصلاء من الجرائم التي يتفرد بها أبشع نظام ضد شعبه ووطنه .
وحيث أن البشر ولدوا أحراراً ومتساوين في الحقوق والواجبات مما ينبغي تجسيد هذه الحقوق من قبل السلطات وعدم مخالفتها ، ألا أن مسار الحياة المتناقض مع كل هذه الحقوق في العراق يسير في اتجاه بعيد عن المفاهيم الخيرة للأنسان وتتم اعتماد القوة وأساليب البطش والتعذيب لمعالجة الخلاف في الرأي ، وإخضاع المواطن الى عمليات التطويع النفسي لرغباتها وقراراتها بالخوف والقمع وبكل الوسائل التي تقوم بتدمير حياته وكرامته و مصادرة حقوقه دون أي سبب ودون وجه حق ، بالوقت الذي يتم إلزام جميع الدول على الالتزام بشكل أكيد ومراعاة ما ورد بالنصوص الواردة في الإعلان وفي الديباجة ضماناً لحقوق الأنسان وانسجاما مع الطبيعة الأنسانية التي يعتمدها في بناء النصوص الواردة وصولاً الى حياة طبيعية ومستقرة للبشرية في كل أرجاء الدنيا .