أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - فكر ديفيد ريكاردو















المزيد.....

فكر ديفيد ريكاردو


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 4563 - 2014 / 9 / 3 - 01:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


1- يتقدم ريكاردو بالاقتصَاد السياسي خطوات إلى الأمام، على الأقل على مستوى نظرية القيمة، فلم يعتبر ريكاردو أن المشكلة المركزية في الاقتصَاد السياسي هي الإنتاج ونمو قوى الإنتاج وتنمية الثروة بوجه عام، كما كان يرى آدم سميث، وانما اعتبر أن الإشكالية الأساسية في الاقتصاد السياسي إنما تتعلق بمسألة تحديد القوانين التي تُنظم عملية توزيع القيمة التي تخلقها العمال، أي الكشف عن القوانين الموضوعية التي تحكم توزيع الثروة بين الطبقات الاجتماعية المشاركة في عملية الإنتاج، وهي طبقة الرأسماليين وطبقة الملاك العقاريين وطبقة العمال. وإذ يُرجع ريكاردو جميع دخول السكان إلى مصدر واحد هو العمل؛ فإنه يصل إلى الاستنتاج: بأن مصالح الطبقات تتقارب مع بعضها وتتناقض، ولكن هذا التناقض ليس في حقل الإنتاج، وإنما في حقل التوزيع؛ حيث يجري الصراع بين الطبقات على اقتسام الناتج الإجمالي. وعلى الرغم من وجه الاختلاف بين سميث وريكاردو على هذا النحو، فإن كلاً منهما يصدر في تحليله لدائرة انشغاله عن نظرية في القيمة.
2- والواقع أن الاختلاف بين ريكاردو وسميث بشأن موضوع الإشكالية الأكثر أهمية في الاقتصاد السياسي إنما هو انعكاس مباشر لحركة الواقع؛ فسميث حين فكر في إنتاج ثروة الأمم، إنما كان يعيش عصر الثورة الصناعية والرأسمالية الناشئة أي المرحلة الصَاعدة للرأسمالية، وكانت المشكلة الأساسية حينئذ هي مشكلة تنظيم الإنتاج ونموه، بينما جاء ريكاردو كي يُعايش مرحلة تالية أخذت فيها مشكلة توزيع الدخل حيزاً كبيراً على صعيد الاقتصاد القومي بين: طبقة الرأسماليين، وطبقة الملاك العقاريين، فالتعارض كان واضحاً وشرساً بينهما. حيث تبلور الصراع بين رجال الصناعة الذين يريدون خفض أثمان المنتجات الزراعية كيّ لا يضطروا لدفع أجور مرتفعة تَتَناسب مع ارتفاع أثمان الغذَاء، ورجال الزراعة الذين يرغبون في رفع أثمان هذه المنتجات لتحقيق أقصى ربح.
3- وعلى صعيد المنهج، نظر ريكاردو إلى المجتمع، كما نظر إليه آدم سميث، باعتباره عدداً معيناً من الأفراد الذين وهبوا ملامح "طبيعية خالدة". والتجريد، أو العلو بالظاهرة محل الدراسة عن كُل ما هو ثانوي، هو طريقة التفكير التي تلقاها ريكاردو عن آدم سميث، وغيره من الأسلاف الكلاسيك بوجه عام، والذين توصلوا إلى نتائج علمية هامة مستخدمين في ذلك هذا المنهج. ويمكن القول أن سميث استخدم، في الواقع، منهجين: فإلى جانب المنهج التجريدي، استخدم المنهج الوصفي في شرحه للظواهر محل تحليله. أما ريكاردو فهو يتجاوز هذه الازدواجية ويرفض بشكل حاسم المنهج الوصفي. ويلتزم بأعلى درجات التجريد.
كان ريكاردو منشغلاً بهدف أساسي هو صياغة القوانين الاقتصادية التي توجه المجتمع وبصفة خاصة في حقل توزيع الناتج الاجتماعي؛ وتمكن باستخدام التجريد من التغلغل في بنية المجتمع بشكل أعمق مما أستطاع سميث، والكلاسيك بوجه عام.
4- أعاد ريكاردو النظر في تصور سميث للقيمة. إذ رأى أن قيمة السلعة تعتمد على كمية العمل النسبية الضرورية في سبيل إنتاج السلعة، وليس بوقت العمل اللازم في سبيل إنتاج السلعة الأخرى المتبَادل بها، كما كان يرى سميث. ولكي يحل المشكلة واجهت سميث توصل إلى أن السلع تَتَبادل وفقاً لكمية العمل النسبية الضرورية في سبيل إنتاجها دون الوقوف كثيراً أمام اعتبارات شدة العمل وبراعته؛ حيث رأى أنه يمكن المقارنة بين كميات العمل المختلفة على أساس العمل البسيط والعمل المركب، فكمية (س) من العمل المركب يمكن مقارنتها بالكمية (ص) من العمل البسيط. وبذلك حل ريكاردو المشكلة، ولم تعد المقارنة بين عمل شاق وعمل سهل أو بسيط، تمثل أزمة؛ إذ يمكن المقارنة، وفقاً لحل ريكاردو، بين العمليّن على أساس أن ساعات العمل الشاق يمكن أن تنحل إلى عدد معين من ساعات العمل البسيط، ولتكن ساعة عمل شاق تساوي ثلاث ساعات من العمل البسيط.
والواقع أن ريكاردو يَعتنق نفس نظرية سميث التي ترى أن السلع، في المجتمعات البدائية، تتبادل على أساس كمية العمل المبذول في إنتاجها. ولكنه لم يرتبك كما ارتبك سميث؛ وقرر أن نفس المبدأ واحد ولم يحدث تغيّر، ومن أجل المقارنة بين قيمة سلعتين يمكن أن نُقارِن بين وحدات من العمل البسيط والعمل المركب، والعمل الشديد والعمل السهل، والعمل البارع والعمل العادي.
5 - فإذ ما توصل ريكاردو إلى قيمة السلعة وأن مقياسها العمل، رأى أن القيمة لا تتوقف فقط على العمل المنفَق مباشرة في إنتاجها، بل أيضاً على العمل المنفَق في سبيل إنتاج الأدوات والمعدات والمباني الضرورية لتحقيق العمل. أي العمل المختَزن.
وبناءً عليه؛ وباستخدام التجريد، كما ذكرنا، يصيغ ريكاردو جميع أفكاره الأخرى، وكان في كل مرة يطرح على نفسه السؤال: هل تُطابق المقولة التي يدرسها أم تناقض تحديد القيمة بوقت العمل؟ كما كان غالباً ما يذكر رأي آدم سميث ثم يعقبه برأيه المتفِق معه أو المخالِف له سارداً لحججه وبراهينه.
6- وحينما انتقل ريكاردو لمناقشة قيمة المبادلة وجد أن السلع تعتمد في قيمتها التبادلية على أمرين: الندرة، وكمية العمل التي تحتويها. فحينما تصدى ريكاردو لتفسير لغز القيمة الذي لم يتمكن سميث من تفسيره؛ فكيف تكون أشياء ذات قيمة استعمال عالية مثل الماء ولكن قيمة مبادلتها منعدمة تقريباً؟ وبالعكس، كيف تكون أشياء ذات قيمة استعمال قليلة ولكن ذات قيمة مبادلة مرتفعة مثل الماس؟ رأى ريكاردو أن حل هذا اللُّغز إنما يبدأ من فكرتي الندرة والمنفعة؛ فالماء ليس نادراً في الطبيعة؛ ولذلك تكون قيمة مبادلته قليلة، على العكس من ذلك الماس الذي يتميز بالندرة، ولذلك تكون تكون قيمة مبادلته كبيرة.
ولا يتوقف ريكاردو عند هذا الحد من التفسير، بل يتقدم خطوة أكثر أهمية حين يُقرر أن المنفعة شرط القيمة وليست مقياساً لها كما ظن سميث الذي تصور أن المنفعة تؤخذ في الاعتبار حين قياس القيمة. فقد أوضح ريكاردو أن الأشياء كي تكون ذات قيمة يشترط أن تكون ذات منفعة مهما كانت ندرة السلعة ومهما كانت كمية العمل الضرورية المبذولة في إنتاجها. ولكن هذه المنفعة يقتصر دورها على ذلك ولا يتعداه إلى أن تكون مقياساً للقيمة.
7- وفي سياق انشغال ريكاردو بمشكلة القيمة يصل إلى منظم القيمة، موضحاً أنه لو كانت كمية العمل الموجودة في السلعة تُنظم قيمة مبادلتها؛ فإن أي تغير في كمية العمل التي تحتويها السلعة يستصحب، مباشرة، التغير في قيمة السلعة ذاتها.
8 - وعلى الرغم من أن ريكاردو قد حدد، على نحو صائب إلى حد كبير، مفهوم القيمة ومقياسها ومنظمها؛ إلا أنه لم يستطع تفسير عملية التبادل بين العمل والرأسمال ابتداءً من نظريته في القيمة. فلماذا يكون للعمل الحي الذي يقدمه العامل قيمة أقل من قيمة العمل المجسد التي يحصل عليها مقابل عمله، أيّ: لماذا يكون الأجر أقل من القيمة التي يخلقها العمل؟ يتعين هنا أن ننتظر تدخل ماركس كي يحل هذه المشكلة ويقدم إجابة تعتمد على التفرقة بين العمل وقوة العمل.
9- يفرق ريكاردو، كما سميث، بين الأثمان، وبصفة خاصة الثمن الطبيعي وثمن السوق، وهو يُعمم تلك التفرقة على جميع ما يُباع ويُشترى في السوق من سلع، وطالما العمل سلعة تُباع في سوق العمل لمن يشتريها في مقابل الأجرة، فإن ريكاردو يرى أن الثمن الطبيعى للعمل هو الذي يكون ضرورياً لتمكين العمال من العيش وإدامة عرقهم، دون زيادة أو نقصان، إنما يعني حد الكفاف، وحينما تطرح سلعة العمل في السوق نكون أمام ثمن السوق للعمل، وهو يراه هنا، كما سميث، خاضعاً لقوى السوق ولكنه يتأرجح ارتفاعاً وانخفاضاً حول الثمن الطبيعي.
والحد الضروري من وسائل المعيشة بالنسبة لريكاردو ليس ثابتاً وإنما يتأثر بشروط تاريخية وجغرافية تحدد مكوناته. وسوف يشير ماركس إلى دخول عنصر تاريخي وآخر معنوي في تحديد قيمة قوة العمل بخلاف جميع السلع الأخرى.
10- ويقرر ريكاردو أن العمل المباشر يحصل على أجر مقابل مساهمته في الإنتاج، والعمل المختَزن يحصل على ربح، وهذا هو مقابل تكوين الرأسمال أو اختزان العمل، ولكن ريكاردو يرى إمكانية زيادة الأرباح عن ذلك المستوى الذي يعوض أصحاب الرأسمال على مجهوداتهم التي بذلوها في سبيل إنتاج السلعة. وهذه الزيادة في الأرباح تشبه الريع الذي يحصل عليه مُلاك الأراضي من حيث كانت في رأي ريكاردو نتيجة لندرة الرأسمال وليست نتيجة للمجهود الذي بذل في سبيل تكوينها.
11- ويفرق ريكاردو بين الأجور الأسمية والأجور الحقيقية: فالأجور الأسمية هي في نظره، كما سميث، كمية معينة من النقود تُدفع للعامل لقاء عمله خلال فترة معينة من الزمن، أما الأجور الحقيقية فهي زمن العمل الضروري لإنتاج وسائل معيشة العامل الضرورية خلال الفترة التي يتقاضى عنها أجره الأسمي.
12- يستكمل ريكاردو، ابتداءً من قانون القيمة، الخط المنهجي الذي وضعه آدم سميث بشأن التفرقة ما بين الرأسمال الأساسي والرأسمال الدائر، بيد أن استكماله لهذا الخط المنهجي إنما هو في الواقع اعادة نظر ليس في التقسيم أو في محتواه، وإنما في معياره؛ ففي حين يرى سميث أن معيار التفرقة بين الرأسمال الأساسي والرأسمال الدائر يعتمد على شرط مدى بقاء ملكية ذلك الجزء من الرأسمال الذي يتجسد في السلعة، على نحو ما رأينا أعلاه، يعتمد ريكاردو معياراً جديداً يرتكز على معدل الاستهلاك، أو الديمومة؛ فإذا كان ذلك الجزء من الرأسمال مما يُستهلك في وقت قصير، أو يُستهلك كلية في فترة وجيزة، مثل الجزء من الرأسمال المدفوع كأجرة، فإن ذلك من قبيل الرأسمال الدائر. أما إذا كان مما يطول بقاؤه ويدوم استخدامه في الوظيفة التي تم إعداده لأجلها، كالآلات والمباني، فإننا نكون أمام رأسمال أساسي، كما يقول ريكاردو، مع ملاحظة أنه لا يُحدثنا عن المواد الأولية أو عن المواد المساعدة.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكر آدم سميث
- الاقتصاد السياسى علم قانون القيمة
- النشاط الاقتصادى فى العالم الوسيط (3)
- النشاط الاقتصادى فى العالم الوسيط (1)
- النشاط الاقتصادى فى العالم الوسيط (2)
- النشاط الاقتصادى فى العالم القديم
- قانون حركة الرأسمال
- الجغرافية العامة لإيران
- الجغرافية العامة لمصر
- أصول الاقتصاد السياسى
- التاريخ العام للرأسمالية
- فى المسألة الفنزويلية
- كيف نفهم، كعرب، إيران؟
- السودان بعد التفكيك
- ملاحظة بصدد أزمة التعليم فى العالم العربى
- النداء الأخير
- نقد المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى
- نقد ديالكتيك ماركس فى رأس المال
- هيكل اقتصاد مصر
- خلاصة الرأسمالية


المزيد.....




- ماذا قالت المصادر لـCNN عن كواليس الضربة الإسرائيلية داخل إي ...
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل
- CNN نقلا عن مسؤول أمريكي: إسرائيل لن تهاجم مفاعلات إيران
- إعلان إيراني بشأن المنشآت النووية بعد الهجوم الإسرائيلي
- -تسنيم- تنفي وقوع أي انفجار في أصفهان
- هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني - لحظة بلحظة
- دوي انفجارات بأصفهان .. إيران تفعل دفاعاتها الجوية وتؤكد -سل ...
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - فكر ديفيد ريكاردو