أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - نقد المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى















المزيد.....

نقد المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 00:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى
(الجزء الأول)
يتخذ ماركس (1818- 1883) من أوروبا بوجه عام، وبوجه خاص إنجلترا، حقلاً للتحليل. وابتداءً من ذلك يعتنق مبدأ تقسيم تاريخ العالم، الذى يعتمد على أنماط الإنتاج، إلى أربع مراحل: المشاعية البدائية، ثم العبودية اليونانية والرومانية، ثم الإقطاعية الفرنسية والإنجليزية، ثم الرأسمالية الإنجليزية أيضاً. وقد نجد لديه بعض الإشارات المتفرقة إلى أحوال مصر القديمة أو الأجزاء البعيدة فى الهند أو الصين أو أمريكا، ولكن دون أن يتخلى عن المركزية الأوروبية التى ترى تاريخ العالم ابتداءً من تاريخ أوروبا.
وفى رأس المال، أهم مؤلفات ماركس وقمة إنتاجه الفكرى على الاطلاق، بل وقمة نضج الاقتصاد السياسى نفسه، تقوم فرضيات ماركس على أساس أن الرأسمالية فى أوروبا، وفى إنجلترا بوجه خاص، تحمل من الخصائص والسمات ما يجعل منها نظاماً مختلفاً عن التنظيمات الاجتماعية السابقة عليها (أى: البدائية والعبودية والإقطاعية) إذ رأى ماركس أن الرأسمالية تتميز بظاهرتين حاسمتين غير معروفتين فى المجتمعات السابقة على الرأسمالية.
الظاهرة الأولى: هى ظاهرة بيع قوة العمل؛ إذ كان العبد بأكمله، فى المجتمع العبودى، ملكاً لسيده، بما يحتويه من قوة عمل. فالعبد، فى المجتمعات السابقة على الرأسمالية بوجه عام، لا يَبيع قوة عمله لسيده، وإنما يُباع بأكمله. والرأسمالية فقط، وفقاً لماركس، هى التى تعرف ظاهرة بيع قوة العمل.
أما الظاهرة الثانية، فهى الإنتاج من أجل السوق: فحينما ينحل المجتمع العبـودى، فى روما، ويأتى المجتمع الإقطاعى؛ فسوف يرى ماركس أن القاعدة، فى المجتمـع الأخير، هى أن الفلاحين يُنتجون منتجاتاً لا سلـع. لأن المنتَـج كى يكون سلعة لابد وأن يكون معداً للتبادل. للبيـع من خلال السوق. وهو ما ينفيه ماركس بصدد المجتمعات الإقطاعية فى أوروبا الغربية؛ فجزء من المحصول، وفقاً لإضافة إنجلز للطبعة الرابعة من رأس المال، الذى كان يُنتجه الفلاح الأوروبى فى القرون الوسطى كان يدّخر جزء منه من أجل اعادة الإنتــاج، وتجديد إنتاج المنتجين المباشرين أنفسهم، والجزء الآخر يذهب إلى السيد الإقطاعى على شكل الخراج، وإلى القساوسة على شكل العشـور. ولكن، كما فى رأس المال، لا القمح المقدم على شكل الخراج ولا القمح المقدم على شكل العشور صارا سلعة لمجرد كونهما أُنتجا من أجل اعطائهما لأشخاص آخرين؛ فلا يكفى، كى يُعتبر المنتَج سلعة، أن يتم إنتاجه من أجل الآخرين فحسب، إنما يجب أن يمثل لمنتجه قيمة مبادلة.
فالناتج كى يكتسب صفة السلعة يتعين أن يكون منتجاً من أجل السوق. من أجل المبادلة النقدية. من أجل البيع. وهو الأمر الذى يرى ماركس، كما ذكرنا، أنه غير متحقق فى نمط الإنتاج الإقطاعى، ولن يتحقق إلا مع نمط الإنتاج الرأسمالى. فمع النظام الرأسمالى سوف يحدث التغير الجذرى؛ فمن جهة، ستصبح قوة العمل سلعة تُباع وتشترى فى سوق خاص بها. ومن جهة أخرى، سوف تصبح كل المنتجات سلعاً معدة للتبادل فى السوق. ووفقاً للتصور العام لماركس، يعد بيع قوة العمل والإنتاج من أجل السوق من الأمور غير المسبوقة تاريخياً. والرأسمالية بمفردها هى التى شهدت هاتين الظاهرتين.
(2)
وبعد ماركس، لدينا من النماذج ما يوضح أن أوروبا صارت، وبشكل نهائى، حقل التحليل المعتمد فى أبحاث الاقتصاد السياسى. النموذج الأول: روزا لوكسمبورج (1871- 1919)، والنموذج الثانى: روبرت هيلبرونر(1919- 2005)؛ فمن أجل أن تثبت روزا أن قبل الرأسمالية (الأوروبية طبعاً!) لم تكن هناك حاجـة تستدعى ظهور علم الاقتصاد السياسى، حيث علاقات الإنتاج شفافة، كما تقول، ومظاهر النشاط الاقتصادى، بوجه عام، كانت بسيطة لا تحتاج إلى عِلم يشرح ظواهرها أو يكشف عن قوانينها الموضوعية، كتبت متخذة من إمبراطورية شارل مان (742- 814) نموذجاً:"فى القرون الوسطى، نجد أن الفلاح الصغير في مزرعته، تماماً مثل العاهل الكبير فى أملاكه، يعملان تماماً ما يودان الحصول عليه عن طريق الإنتاج. غير أنه ليس فى الأمر من سحر: فالإثنان إنما يريدان سد حاجات الإنسان الطبيعية من الغذاء والشراب والثياب، وبعض شؤون الحياة الأخرى. أما الفارق الوحيد فهو أن الفلاح ينام على القش، بينما المالك العقارى الكبير ينام على فراش من ريش النعام، والفلاح يشرب إلى المائدة بيرة أو شيئاً يشبهها، بينما يشرب المالك الكبير، خموراً ثمينة. إن الفارق الوحيد يكمن فى كمية ونوعية المواد المنتجة. بيد أن أســاس الاقتصاد وغرضـــه الذى هو سد الحاجات البشرية، يظلان أنفسهما. مقابل العمل، الذي ينطلق من هذا الهدف الطبيعى، هناك نتيجته الواضحة. وهنا، مجدداً، في عملية العمل نفسها، ثمة فوارق عديدة: فالفلاح يشتغل بنفسه. برفقة أفراد أسرته، ولا يحصل من ثمار العمل إلا على ما توفره له قطعة الأرض التي يملكها. أو حصته من الأرض المشاعية... ولكن سواء أعمل كل فلاح لنفسه برفقة عائلته، أم عمل الجميع معا لحساب السيد الإقطاعى بقيادة العمدة أو المشرف الملكى، ليست نتيجة هذا العمل سوى كمية معينة من وسائل العيش بالمعنى الواسع للكلمة، أى بالضبط ما يحتاجه الفلاح للعيش، أو تقريباً، بمقدار ما يحتاج لهذا العيش. بامكاننا، طبعاً، أن ندير مثل هذا الاقتصاد فى كل الاتجاهات، وأن ننظر إليه من كل جانب، وسنجد أن لا سر فيه، ولفهمه، نحن لا نحتاج لأى علم خاص، ولا لأبحاث عميقة". فى هذا المجتمع (الأوروبى!) الذى تحلله روزا لوكسمبورج لا تُباع قوة العمل أو تُشترى، كما أن مُنتجات الفلاحين ليست معدة، كقاعدة عامة، للبيع فى السوق. ويتعين أن ننتظر مجىء الرأسمالية كى نرى بيع قوة العمل، والإنتاج من أجل السوق، كظاهرتين غير مسبوقتين تاريخياً؛ أى كما لاحظ وأوضح ماركس بالتمام والكمال!
وابتداءً من المركزية الأوروبية نفسها، أى كتابة تاريخ العالم ابتداءً من تاريخ أوروبا، الغربية تحديداً، يقدم هيلبرونر فرضيته، وفقاً للتقليد الماركسى، وهى أن الذى يمـيز الرأسمالية هو أن "عناصر الإنتاج"، (وفقاً لاصطلاحات النيوكلاسيك!) الممثلة فى العمل والأرض لم يكونا، قبل الرأسمالية محلاً للتبادل. وأن الرأسمال أيضاً كأحد عناصر الإنتاج لم يكن أكثر من ثروة مكنّزة. ولكن مع الرأسمالية تبدل الحال. فوفقاً لفرضية هيلبرونر، لم تكن الأرض، كقاعدة عامة، قبل الرأسمالية، محلاً للتداول. ولم تصبح هكذا إلا عندما تمكنت الرأسمالية من فرض هيمنتها على المجتمعات؛ فصارت الأرض خاضعة لمنظومة البيع والشراء، بعدما أصبحت مما يمكن التخلى عنه وبيعه وشرائه ورهنه والتصرف فيه بجميع أنواع التصرفات الناقلة للملكية. فقد كانت القاعدة فى الريف، مع نمط الإنتاج الإقطاعى، أى قبل الرأسمالية، أن الفلاح فى أوروبا فى القرون الوسطى، عاش مرتبطاً بضيعة سيده؛ فيخبز فى فرن السيد ويطحن فى طاحونته، ويزرع حقوله ويخدمــه فى الحرب، ولكن نادراً ما كان يؤدى له أجر عن خدماته، وحتى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر لم تكن هناك أرض بوصفها ممتلكات قابلة للبيـع الحر. لقد كانت هناك أرض بطبيعة الحال، ضياع وأبعاديات إقطاعية وإمارات، لكنها لم تكن بالتأكيد، كما يقول هيلبرونر، عقاراً يُباع ويشترى كلما دعت المناسبة. كانت مثل هذه الأراضى تشكل جوهر الحياة الاجتماعية وتهيىء الأساس الذى تقوم عليه سمعة المرء ومكانته فى المجتمع. وبالرغم من أن الأرض كانت قابلة للبيع وفق شروط معينة، إلا أنها لم تكن بوجه عام للبيع. فالنبيل الذى كان يشغل مركزاً طيباً لم يفكر فى بيع أرضه. إن كل مجتمع يستبعد أشياء لها قيمتها من نطاق البيع والشراء، ومن هذه الأشياء الأرض فى نظر العصور الوسطى.
ومن جهة أخرى، فقبل الرأسمالية، وفقاً لهيلبرونر أيضاً، فحين يتم الحديث عن سوق العمل مع النظام الرأسمالى المعاصر فسيكون المقصود مباشرة تلك العملية من المفاوضة التى يَبيع فيها الأشخاص قوة عملهم لمن يدفع أعلى ثمن، وهنا يَكتب:"وكل ما يمكن قوله إن هذه العملية (يقصد بيع قوة العمل م.ع.ز) لم يكن لها وجود فى العالم السابق على العصر الرأسمالى. كان هناك خليط من الأقنان والصبيان وعمال اليومية مما يقومون بالعمل، ولكن هذا العمل لم يكن على الإطلاق له سوق يُباع فيه ويشترى"
وأخيراً، وفقاً لنفس الفرضية، لم يكن الرأسمال أكثر من تعبير عن ثروة مكتنزة، إنما مع الرأسمالية، فلن يعد الرأسمال كذلك، إنما سيصبح علاقة اجتماعية تنتمى إلى حقل الإنتاج. فقبل الرأسمالية كان الأسلوب المفضل فى الإنتـاج (فى أوروبا فى القرون الوسطى!) هو العملية الإنتاجية التى يستغرق أداؤها أطول فترة وأقل قدر من العمل. وكان الإعلان محرماً، وكانت الفكرة التى تخطر إلى عضو النقابة الحرفية أن يخرج منتجاً أفضل نوعاً من زملاءه، فكرة تنطوى على الكثير من الخيانة، كما يقول هيلبرونر. وفى إنجلترا خلال القرن السادس عشر حين أطل الإنتاج الكبير فى صناعة النسيج برأسه لأول مرة احتجت نقابات الحرف لدى الملك الذى اعتبر الورشة العجيبة التى تضم مائتى نول وعدد من الجزارين والخبازين لتوفير الغذاء للقوة العاملة، خروجاً على الأعراف والقانون.
(3)
إذاً، نحن أمام، على الأقل، ظاهرتين جديدتين على العالم المعاصر. وفقاً لماركس ومَن تبنى نظرياته، هما بيع قوة العمل، والإنتاج من أجل السوق. وهذه الظواهر بتلك المثابة هى التى تميز العالم الرأسمالى المعاصر من جهة، وسبب ظهور الاقتصاد السياسى كعلم كى يفسر هذه الظواهر (الطارئة/الجديدة!) ويكشف عن قوانينها الموضوعية من جهة أخرى.
ولكن، هل هذه الظواهر حقاً غير مسبوقة تاريخياً؟ ولم يكن لها وجود، كما ذهب ماركس وتابعوه، إلا مع النظام الرأسمالى المعاصر الذى هيمن منذ خمسة قرون فقط؟ أم هى ظواهر معروفة تاريخياً قبل الرأسمالية بمئات السنين؟ وإذ ما كانت فعلاً معروفة فلمَ لم يظهر الاقتصاد السياسى كى يفسرها ويكشف عن قوانين حركتها؟ إن الطريق الذى سوف يسلكه الذهن فى سبيله لتقديم إجابة على هذه الأسئلة يتعين أن يكون مُعبّداً بموقف واضح للمركزية الأوروبية الاستعمارية، والاتخاذ من تاريخ العالم بأسره حقلاً للتحليل.



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد ديالكتيك ماركس فى رأس المال
- هيكل اقتصاد مصر
- خلاصة الرأسمالية
- محاضرات دورة كتاب رأس المال
- موضوع الاقتصاد السياسى
- مسخ الاقتصاد السياسى
- نظرية القيمة عند الكلاسيك وماركس
- من ماركس إلى قانون فى القيمة
- الاقتصاد المصرى
- التبعية مقياس التخلف
- مبادىء الاقتصاد السياسى
- للحق، لا للقضاء، للمحامى المصرى رامى الحدينى
- ما قبل هيمنة ظاهرة الرأسمال
- ما قبل هيمنة الرأسمال
- نقد قانون القيمة عند ماركس
- تاريخ الرأسمال
- كل شىء متوقف على كل شىء
- السلفيون ووهم تطبيق الشريعة
- المنهج والتجريد والعلم والاقتصاد السياسى
- بعد أن تحول العالم والكاهن إلى شغيلة فى عداد المأجورين


المزيد.....




- لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ ...
- تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
- السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف ...
- توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير ...
- بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و ...
- قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم ...
- مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها ...
- الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي ...
- ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عادل زكى - نقد المركزية الأوروبية فى الاقتصاد السياسى