أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد عادل زكى - الاقتصاد المصرى















المزيد.....



الاقتصاد المصرى


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 4449 - 2014 / 5 / 10 - 12:42
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مدخل
ولأن المقدمة عادة لا تقرأ، ولا تلقى الاهتمام اللازم، والقارىء محق؛ فكثير من المقدمات التى يكتبها الباحثون فى اقتصاد مصر، دون وعى هيكلى بتخلفه التاريخي، تدفع القارىء دفعاً كى "يقلب" المقدمة، وربما صفحات الكتاب بأكمله. ويترك الكتاب راقداً بسلام على أرفف الباعة. ولذلك فسوف أختصر فى المدخل وأقول، وبإيجاز، إنى لآمل أن يسهم هذا البحث فى فتح باب المناقشة التى تعى أن درس الحاضر فى ضوء الماضى لفائدة المستقبل، إنما يعنى الفهم الناقد الواعى بحركة التاريخ البطيئة والعظيمة، التى كونت فى رحمها الحاضر بجميع تفاصيله، وتركت لنا تشكيل المستقبل، نعم تشكيل المستقبل، بل الاختيار بين الموت والحياة... إما الموت انتحاراً جماعياً على ظهر كوكب يعتصره نظام عالمى لا يعرف العدالة أو الرحمة، وإما الحياة بدفع عجلات التاريخ نحو مستقبل لديه مشروع حضاري وإنساني يستلهم وجوده من تراث البشرية المشترك. حقاً إما الطموح إلى أكثر من الوجود. وإما الصلاة لئلا يأتى المخرب شتاءً بعدما قاد المخبولون العميان. هلا طمحنا إلى أكثر من وجودنا؟ فلنطمح إلى أكثر من الوجود.
وعليه، فقد قسمت البحث إلى قسمين:
القسم الأول: التكون التاريخى للتخلف فى مصر
القسم الثانى: التبعية مقياس التخلف











القسم الأول
التكون التاريخى للتخلف فى مصر














1- الغزو مستمر
تعد مصر من أكثر بلدان المعمورة تعرضاً للغزو من الغرباء أو الأجانب أو الأعداء، وكلها كلمات تم استخدامها تاريخياً لتعبر عن الغزاة والمستعمرين؛ فخلال حكم الأسرات الفرعونية تعرضت مصر لغزو الهكسوس، ومع نهاية عصر الفراعنة خضعت، على التوالى، لحكم الفرس، واليونان، والرومان، والعرب، والأتراك، والفرنسيين، والإنجليز.
فى جميع الأحوال تتطلب الأمر حدوث التفاعل الحضارى والثقافى بين المصريين وهؤلاء الأجانب، ولكن بقدَرّ، وكان من المؤكد أن لدى هؤلاء الغزاة ما يضيفونه إلى مصر، كما كان من المؤكد أن لدى مصر ما تضيفه إليهم. مع الأخذ فى الاعتبار أن العصور المختلفة التى مرت على مصر لم تكن لتخل من بعض الاندماج بين الأجناس المختلفة، ليس التفاعل الحضارى فحسب. وبصفة خاصة حينما جاء"الفتح" الإسلامى فى القرن السابع؛ فلم يكن، ذلك "الفتح" مجرد احتلال كغيره، بل زاد على ذلك أنه كان اختلاطاً واندماجاً، فقد استقرت القبائل العربية فى مصر، وبخاصة فى الجنوب، وساكنت أهله. وبفضل لغة القرأن فرض العرب لغتهم، كما فرضوا ديانتهم كمنتصرين، وأدخلوا الكثير من أعرافهم، وبصفة خاصة جداً أدخلوا قانون الغزوة، كقانون اجتماعى، فالقرى، كما سنرى، التى كانت يجاورها العرب كانت دوماً مهددة بأعمال السلب والنهب من قِبل هذه القبائل العربية.
وعلى العموم، فإن كثرة عدد المصريين، وعلى الأخص فى القرى، بالإضافة إلى أن الغزاة كان همهم الأول السلطة والثروة، واكتفوا، فى الغالب، باستغلال الشعب المصرى، والفلاح بالأخص، دون أن يلفت نظرهم الاختلاط بالشعب، ساهم بحسم فى أن ظل عنصر المصريين، نسبياً إلى حد ما، موحداً ونقياً، ولم تُصبح مصر مستعمرة بالمعنى الصحيح؛ إذ لم يجد هؤلاء الغزاة لهم مكاناً فى الحياة المصرية لقلة عددهم، ولاكتفائهم، كما ذكرنا، بالحكم والسيطرة دون الاندماج فى أهل البلاد، أو الحلول محلهم.(1)
ومن زاوية ما، يصح أن يكون تاريخ مصر العام تأريخاً عاماً للبشرية، وتطورها الجدلى، على أقل تقدير يصح أن يكون تاريخ مصر تأريخاً لحضارات العالم القديم، إذ يرجع تاريخ مصر، الذى نعرفه، إلى عصور ما قبل التاريخ(2)، ثم عصر الأسرات الفرعونية (3400ق.م-525ق.م) ويتخلل هذا العصر غزو الهكسوس (1648ق.م-1540ق.م)، ومع انتهاء عصر أسرات مصر القديمة يأتى الفرس (525ق.م-323ق.م) بحضارتهم التى نهلت من حضارات الشرق القديم فى بابل ومصر وعيلام، ثم يأتى البطالمة (332ق.م-30ق.م) ومعهم الحضارة الاغريقية بفلسفاتها وفلاسفتها، والتى تتناغمت مع الحضارة المصرية القديمة واقتبست منها وأضافت إليها، ومن بعد الاغريق أتى الرومان (30ق.م-639م) وشرائعهم التى أبهرت العالم القديم، ولم تزل تمثل الشريعة اللاتينية العظيمة هى الأساس التشريعى للعديد من دول العالم، وفى مقدمتها فرنسا ومصر. ومن بعد الرومان تتأتى جيوش الإسلام (639- 868) كى "تفتح"مصر، وتنشر الإسلام، بيد أن الجيوش الإسلامية لم تجد همجاً ورعاعاً عراة، وإنما وجدت حضارة عمرها، على الأقل، ثلاثة ألاف عاماً.
وإذ تنتشر جيوش المسلمين فى قلب العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، تتشكل الدولة الأموية كإمبراطورية عالمية مهيمنة تَبسط نفوذها على قلب العالم وأطرافه المترامية، بيد أن تلك الدولة سيرثها العباسيون، كخصوم تاريخيين، ومن ثم ستتحول مصر إلى ولاية من ولايات الدولة العباسية (749-1258) وحينما تضعف السلطة المركزية فى بغداد، عاصمة الخلافة، سوف تبسط الدويلات نفوذها فتنشأ الدولة الطولونية (868-905)، ثم الفاطمية (953-1171)، ومن بعدهم يأتى الأيوبيون(1174-1252)، ثم المماليك البحرية (1250-1382) ومن بعدهم المماليك الجراكسة (1382- 1517) حتى تظهر فى الآفاق إمبراطورية جديدة تتمكن من إقصاء المماليك، ظاهرياً، والإنفراد بمصر، ومد نفوذها إلى بقاع بعيدة فى قارات العالم الوسيط. انها الدولة العثمانية.
وخلال خضوع مصر لسلطان العثمانيين، شكلياً، والمماليك واقعياً، جاء بونابرت بجيوشه (1798-1801) وسعى إلى إقامة دولته الاستعمارية فى الشرق(3)؛ إلا أن إنجلترا، سيدة البحار آنذاك، لم تترك له الفرصة وأغرقت أسطوله فى أبو قير(4)، وأخذت تتربص بمصر حتى احتلتها (1882-1922) وحولت الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد تابع كليةً يُصدّر المواد الخام، وفى مقدمتها القطن، للاقتصاد المتبوع، بريطانيا، ويستورد السلع والمنتجات الصناعية (التى يغلب عليها طابع المنتجات الاستهلاكية) وعلى الرغم من أن مصر استقلت فى عام1922 إلا إن بريطانيا لم تخرج فعلياً إلا مع ثورة الجيش بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى يوليو1952.
ومنذ أن استقلت مصر، عسكرياً، عن بريطانيا، اتجهت للعمل نحو الاستقلال الاقتصادى، بالاتجاه نحو التصنيع، الأمر الذى بدا كإعادة هيكلة شاملة للاقتصاد القومى. واستطاع الاقتصاد فعلاً أن يحقق قاعدة صناعية حقيقية وتنمية ملحوظة وطفرات هائلة... إلا أن عقد السبعينات أثناء حكم الرئيس الراحل أنور السادات، وما تلاه من عقود تحت حكم الرئيس مبارك، وحتى الأن بعد سقوط جماعة الإخوان المتأسلمين، لم تشهد مصر، فى إطار تشجيع الاستثمار الأجنبى وتحرير التجارة الخارجية وحركة الرساميل عبر الحدود، سوى المزيد من الإدّماج فى السوق الدولية والنظام الرأسمالى العالمى. وإنما كأحد الأجزاء المتخلفة من هذا النظام. ونحن نقول لم تشهد سوى"المزيد"من الإدّماج، لأن مصر إندمجت، بالأدق أُدّمجت، فعلياً فى السوق الدولية والنظام الرأسمالى العالمى منذ أول تعارف عدائى مع الرأسمال الدولى مع مجىء الحملة الفرنسية.
2- ما قبل الحملة الفرنسية
فقبل الحملة الفرنسية على مصر، أى قبل أن يتعرف المجتمع المصرى على الرأسمالية العالمية وسوقها الناشىء، كان المجتمع المصرى، فى آواخر القرن الثامن عشر، بمثابة ولاية من الولايات العثمانية، يحكم قبضته عليها أحد الأتراك الذى يعيّنه السلطان العثمانى فى الآستانة، ومن الناحية الواقعية كانت السيطرة الحقيقية والسلطة الفعلية بيد فئة المماليك.
كانت الأرض دائماً ملكاً للحاكم منذ عهد الأسرات الفرعونية. وإذ ما نظرنا إلى الأرض فى زمن المماليك تحت الهيمنة العثمانية(5)، فسنجد أن الأراضى، بوجه عام، كانت مقسمة إلى أراضى الفلاحة التى يزرعها الفلاح، ويدفع عنها الضريبة، ولم تكن له عليها أية حقوق قانونية ثابتة. وأراضى الأوسية وهى التى تمنح من السلطان للملتزمين من المماليك، أو شيوخ البدو، وبعض العلماء، وهذه الأرض تكون معفاة من الضرائب. وإلى جانب نوعى الأراضى، يوجد نوع ثالث هو أراضى الرزق، وكانت هذه الأراضى معفاة أيضاً من الضرائب، وهى بقايا إقطاعات كان السلاطين قد أنعموا بها على بعض المقربين، وقد تحول معظمها إلى أوقاف. ولم تكن أراضى الأوسية والرزق والأوقاف هى كل الأراضى المعفاة من الضرائب فقد امتدت الإعفاءات إلى أنواع أخرى فهناك مسموح المشايخ "العلماء"والذى كان فى بعض الأحيان يشمل قرى بأكملها، إلى جانب مسموح البدو"العربان"، وهذا أيضاً شمل مساحات ليست قليلة.
بلغت الحياة الاجتماعية والاقتصادية فى مصر، فى عهد المماليك تحت الحكم العثمانى، مبلغاً ملحوظاً من الانحطاط والتدهور؛ فلقد هُجرت بعض الأراضى الزراعية من قِبل الفلاحين الذين أرهقتهم الضرائب والإتاوات، وأصبح الفلاح يجد صعوبة فى الحصول على قوت يومه، فى الوقت نفسه الذى أهملت فيه الإدارة الحكومية مشروعات الرى والسدود والجسور، وما هو من الضرورى واللازم من أجل النشاط الزراعى ككل؛ وهى مشروعات لا يمكن أن تتم بجهود فردية.
وما يمكن قوله عن سوء أحوال الزراعة والنشاط الزراعى، يمكن، وبدقة، قوله بشأن الصناعة والنشاط الصناعى.
وبشأن التجارة، شهد المجتمع المصرى أيضاً إنحداراً تاريخياً ومال إلى أن يمسى اقتصاداً معيشياً، فالحرفيون الذين يُنتجون بعض الصناعات الأولية كالحصر والسلال والأوانى يقومون ببيعها بأنفسهم فى الأسواق، والزراع كانوا، أيضاً، يبيعون ما يزرعونه إلى المستهلكين مباشرة، ويشترون ما يحتاجونه من الحرفيين الذين كانوا هم أيضاً يشترون حاجاتهم من هؤلاء الفلاحين. فالتبادل يتم دون وسطاء.
ولأن السادة الأتراك والمماليك لم يتركوا للفلاح من حاصلات زراعته ما يحفظ رمقه ويجعله من القادرين على الاستمرار فى زراعة الأرض التى لم يكن له حق ملكيتها أو التصرف فيها بأى طريق من طرق التصرفات القانونية، اضطر الفلاحون إلى تطبيق مبدأ الاكتفاء الذاتى(6) بمعنى أن تكفى القرية نفسها بنفسها فهى تستخدم طمى نيلها فى بناء أكواخها وتحصل من أشجار النخيل وغيرها على ما يلزمها من أخشاب لمساكنها ووقودها وسواقيها وتغزل وتنسج أصواف أغنامها وأوبار ابلها لتصنع لباسها كما أن لها الحداد والنجار، وهى إن لم تفعل ذلك فلن يفعله لها غيرها.
ولقد نقل لنا علماء الحملة الفرنسية(7) صورة اقتصاد أقرب إلى الاقتصاد المعاشى، على الأقل فى مصر الوسطى، فى مجالىّ الإنتاج والتبادل من خلال المقايضة طبقاً لقانون القيمة، إذ تتبادل السلع بالسلع، بالطبع وفقاً لمقياس يُحدد قيمة كل السلع المتبادلة، وعندئذ لا يكون أمام المتبادلين سوى أن يقيّم كل منهما سلعته بعدد ساعات العمل المبذول فى سبيل إنتاجها، وحينما يحدث أى تغيّر فى سوق هذه السلعة يؤدى إلى حدوث تغيّر فى عرض السلعة أو/و الطلب عليها، تبعاً لتقلبات السوق، فإن بعض التغير، حين المقايضة، يطرأ على مادة السلع نفسها بالزيادة أو النقصان، وليس ثمنها، فوجه عام يمكن القول، مع بعض الحرص، إن المجتمع لم يعرف، باستثناء القاهرة، حتى هذه اللحظة التاريخية ظاهرة "الثمن النقدى" كظاهرة اجتماعية مرتبطة باقتصاد المبادلة النقدية المعممة، أو السوق الرأسمالية. التى سوف يتعرف عليها المجتمع مع الحملة الفرنسية.
فقبل مجىء الحملة الفرنسية كانت مصر مكونة من فلاحين، وحضر، وعرب، بمعنى أدق مَن يسكنون الريف ومَن يسكنون الصحراء ومَن يسكنون المدن الكبرى مثل القاهرة. ويمكننا التمييز فى داخل كل مكوِّن من الثلاثة بين شرائح وفئات مختلفة، تؤلف فى مجملها الكُل الاجتماعى، إذ بداخل تلك المكونات نجد الأسياد، والعبيد، والملاك، والأجراء، والحكام، والمحكومين، والمصريين، والأجانب، ومع هيمنة نظام الإلتزام، الذى بمقتضاه، باختصار، يلتزم أحد المماليك البكوات بجمع مبالغ مالية، وربما محاصيل زراعية، سنوياً تورد إلى خزانة الوالى، ممثل السلطان، والذى بدوره يقوم بإرسالها إلى السلطان فى الآستانة، والملتزم يقوم بجمع هذه الأموال، قهراً غالباً، من الفلاحين الفقراء والمعدمين من خلال أتباعه وموظفيه. نقول مع هيمنة هذا النظام تبلورت، على صعيد السلطة، بالمعنى العام للسلطة، الفئات المتدرجة اجتماعياً والطبقات المهيمنة نسبياً.
فنجد: الوالى، الذى هو ممثل السلطان العثمانى فى مصر. وقاضى الشرع، حيث كانت وظيفة القاضى من أهم الوظائف المنوط بها إرساء النظام وإقامة العدالة بين سكان الريف. بيد أن جعل أجور القضاة على عاتق المتقاضين أدى فى أكثر الأحيان إلى تدهور القضاء وإستشراء الفساد، حتى فى داخل مؤسسة العدالة! وفى كل ولاية من ولايات مصر الخمس الكبرى، وهى: الغربية، والبحيرة، والشرقية، والمنوفية، وجرجا، كان يُعيَّن حاكم من بين الأمراء المماليك.
ويُعزز حُكم هؤلاء الأمراء المماليك الأُوجَاقات العسكرية التى كانت مقسمة عند بداية الحكم العثمانى إلى ست أوجاقات، أضاف إليها السلطان سليمان أُوجَاقاً سابعاً، هو أُوجَاق الجراكسة. وهذه الأوجاقات هى: متفرقة، وعزبان، وجاويشان، ومستحفظان، وجمليان، وتفكجيان، وجراكسة. وقد تمتعت فرق الأوجاقات السبعة بالقاهرة بكثرة عددية ونفوذ لا مثيل لهما(8)، ولقد بلغ هذا النفوذ حد التدخل فى عزل حكام الولايات. ومن ثم نجد أن الثروة سوف تبحث عن السلطة، كما ستبحث السلطة عن الثروة، فى مرحلة أولى، كى تتصادم معها فى مرحلة ثانية، وتندمج معها فى مرحلة ثالثة، فسوف يعمل الحرفيون والتجار على الالتحاق بفرق الأوجاقات، كما سيعمل الأوجاقات على مزاولة الحرف المختلفة. ولا ننسى أن نذكر أخيراً سلطة الديوان العالى بالريف.
فإذ ما إنتقلنا إلى تحليل القوى الاجتماعية فى الريف، فسنجد عدة قوة فاعلة؛ فهناك شيخ القرية. والمسئول عن تسجيل الأطيان، ويسمى الشاهد. ويوجد الصراف، الذى كان وكيلاً للملتزم، وكان يهودياً فى الغالب قبل أن تنتقل هذه الوظيفة إلى المسيحيين. كما نجد الخولى الذى يشرف على زراعة أراضى الوسية الخاصة بالملتزم. والوكيل الذى يُعينه الملتزم للإشراف على حصة التزامه. أيضاً نجد المشد الذى كان مسئولاً عن استدعاء المتمردين من الفلاحين لعقابهم أمام الملتزم. كما يوجد الخفير والكلاف، والأول كان عمله أشبه بعمل الشرطة فى الريف(9)، أما الثانى فكان عاملاً من عُمال الملتزم وهو مسئول بصفة خاصة عن علف بهائم الملتزم. وتحول فيما بعد إلى بيطرى بهائم وأغنام القرية ككل.
وإذ ما انتقلنا، فى مجرى تحليلنا للكُل الاجتماعى، إلى فئة العرب، البدو الرحل، فهم ينقسمون إلى عرب مزارعين، وعرب محاربين، أو العربان الرعاة أو الرحل(10)، والعرب المزارعون هم العائلات التى قدمت من شبه الجزيرة العربية، فى الغالب، مع دخول الإسلام، وعملوا بالزراعة بعد أن استقروا على شواطىء نهر النيل، أما القسم الآخر من العرب فقد تشكل من العرب الذين قدموا من شمال أفريقيا وشغلوا الشاطىء الغربى للنيل، وهم فى غالبيتهم يقيمون تحت الخيام ويستزرعون أرضهم بواسطة الفلاحين أى أبناء مصر. ونذكر أيضاً عرب سيناء(11) الذين قدموا كذلك من صحراء شبه الجزيرة العربية. فسكنوا مصر وسيناء وجنوب فلسطين.
ولقد كان لهؤلاء العرب، بعد أن استقروا فى مصر خلال مئات الأعوام، النفوذ الطاغى حتى فى مواجهة السلطة المركزية. وسيكون لدى محمد على الوعى بأن هؤلاء العرب قوة ليست هينة(12)، فنجده فى البداية يتبع مع القبائل العربية سياسة المهادنة، إلا أن تلك السياسة لم تحقق ثمارها التى رغب فيها محمد على، فعمل على قمعهم، وجعل شيوخ القبائل رهن الاعتقال لديه فى القاهرة، ضماناً لعدم خروج أبناء القبائل عليه، من جهة، وضمان عدم ممارستهم لأعمال السلب والنهب اللتين كانتا بمثابة القانون العام الحاكم لحياة العرب فى صحراء مصر(13).
حتى الأن كنا نحلل تركيب المجتمع، بايجاز بطبيعة الحال، فى مرحلة ما قبل الحملة الفرنسية، أى المجتمع المصرى قبل تصادمه مع السوق الرأسمالية الدولية. فماذا مع الحملة؟ وماذا بعدها؟
3- ما بعد الحملة الفرنسية
لم يكن المجتمع المصرى، بتركيبته الاجتماعية بكُل خصوصيتها، ليتعرف فى فترة تاريخية مبكرة على السوق الرأسمالية الدولية فى توسعها المستمر؛ إلا من خلال الحملة الفرنسية. وهى الحملة العسكرية التى مثّلت أول تُعارف، عدائى رسمى وصريح، بين المجتمع المصرى والاقتصاد الرأسمالى "الصناعى" العالمى المعاصر، فى توسعه المستمر، وتحول أرض مصر إلى أرض معارك ضارية بين قوى العالم الرأسمالى آنذاك.
فلقد جاء نابليون بونابرت إلى مصر فى أول يوليو من عام 1798، واستولى على الإسكندرية، ثم على القاهرة، بعد انتصاره على جيوش المماليك، ولكن القوى الإمبريالية الأخرى، أى بريطانيا، لم تجعل الأيام تمر حتى تمكن الأميرال نلسون من القضاء على الاسطول الفرنسى فى معركة إبو قير البحرية، واستمر هذا الصراع بين قوى الرأسمال الدولى، من أجل فرض الهيمنة على سوق المواد الخام، والموقع الاستراتيجى، ولم ينته هذا الصراع، ظاهرياً بطبيعة الحال، إلا بإعلان انتهاء الحماية البريطانية على مصر فى عام 1922.
وإذ كان من أهداف الحملة الفرنسية تعويض الخسائر الفادحة التى لحقت بفرنسا فى حروبها الاستعمارية مع إنجلترا، مع ضرورة توفير الغذاء بعد ازدياد السكان وبصفة خاصة فى الجنوب، بتحويل مصر إلى مزرعة هائلة، تمد الصناعات الفرنسية بما يلزمها، بالإضافة إلى جعلها منطلقاً استراتيجياً فى البحر المتوسط، فإنه يتعين اتخاذ عدة إجراءات تخص إجراء المسح الشامل للأراضى المصرية ودرسها بمن فيها وبمن عليها، درساً عِلمياً، وهو الأمر الذى تحقق عملاً من خلال العديد من الدراسات، لعل أهمها: وصف مصر، كمجموعة من الأبحاث العِلمية الاستعمارية (استلزم هذا العمل العِلمى الخلاق من أجل انجازه مجهود150 عالماً، و2000 فناناً، ونحو25 عاماً من البحث) وهو الأمر كذلك الذى تطلب عدة أفكار وإجراءات تخص تنظيم الملكية العقارية، والأرض بصفة خاصة، والإدارة ونظم الضرائب، بصفة عامة، بما يحقق السيطرة على الفائض الاقتصادى، ويكفل تعبئته نحو الخارج. ومن أجل أن يتم ذلك بطريقة عِلمية، تم إنشاء معهد مصر على غرار معهد فرنسا، وفى الجلسات الأولى للمعهد العلمى طرح بونابرت 12 سؤالاً عملياً(14) تتلخص فى: كيف يمكن تحسين أفران الخبز للجيش؟ هل يمكن العثور على مادة بديلة لحشيشة الدينار لصنع البيرة؟ هل توجد طريقة لتنقية مياه النيل ولتبريدها؟ هل من الأفضل إقامة طواحين هواء أم طواحين ماء فى مصر؟ ما هى المواد المحلية التى يمكن استخدامها لصنع بارود؟ كيف يمكن تحسين النظام القضائى والتعليم فى مصر؟ هل يمكن زراعة العنب فى مصر؟ وحفر آبار فى الصحراء؟ وتزويد قلعة القاهرة بالمياه؟ والاستفادة من أكوام الأنقاض المحيطة بالقاهرة؟ وبناء مرصد؟ وإقامة مقياس على النيل؟ ولا شك أن طبيعة الأسئلة ذاتها تزودنا بوعى حول أهداف الحملة بوجه عام، من جهة، ووعى مواز بذهنية المستعمر نفسه، من جهة أخرى.
ويمكننا التعرف إلى التكوين الاجتماعى المصرى والطبقات المهيمنة حينما نزلت جيوش بونابرت إلى أرض مصر، من خلال التعرف إلى الفئات والأطياف التى ظهرت على المسرح الاجتماعى آنذاك.
فسنجد أولاً: المماليك الذين كانوا الفئة الحاكمة، من الناحية الفعلية، ولم يكن موقفهم من الفرنسيين يختلف عن موقفهم من العثمانيين، وهو الوصول إلى نوع من المشاركة فى السلطة والثروة مع القوات المعتدية.
ونجد ثانياً: البورجوازية الناشئة ممثلة فى كبار العلماء والأعيان من جهة، والأقباط من جهة أخرى. فمن جهة العلماء والأعيان كان من الواضح، باستثناء عمر مكرم، نقيب الأشراف، والسادات، أحد كبار مشايخ الصوفية، والمحروقى، كبير التجار، وأتباعهم، مقدار تفاهمهم مع الفرنسيين، وبصفة خاصة الشيخ الشرقاوى. أما الأقباط، وعلى الرغم من أنهم إستبشروا خيراً مع قدوم الحملة ومعها الفكر العلمانى، الذى ربما يعيد صوغ وضعهم الاجتماعى، بعد أن قاسوا فى أوقات كثيرة من بعض المعاملة التمييزية ضدهم من قبل النظام العثمانى؛ إلا أن المكاسب التى حققوها على الصعيد الاجتماعى، وبصفة خاصة فى الريف، بدا أنها صارت مهددة، الأمر الذى أدى إلى إرتباك العلاقة بين الأقباط والفرنسيين فى بعض الأحيان، ونجد فى موقف المعلم يعقوب حنا شبه بلورة لموقف الأقباط المصريين، حينما قام بقيادة أول وفد مصرى يطالب بالاستقلال لدى فرنسا وانجلترا.
وثالثاً، نجد أصحاب الطوائف الحرفية، أمثال محمد كريم، وحسن طوبار. ويرى صادق سعد أنهما أقرب إلى الأعيان، وأن مواقفهم من الفرنسيين كانت تمثل سياسة الأعيان وأصحاب الثروة المصريين أكثر من أنها مثلت سياسة الطوائف الحرفية. والواقع انه رأى جدير بالتدبر.
أما البدو، رابعاً، فنراهم يشتركون فى جميع المعارك ضد الفرنسيين، ربما يُقال بدافع الوطنية، ولكننى أرى أن اشتراك العرب فى هذه المعارك كان من مستلزمات حياتهم القائمة بالأساس، كما ذكرنا، على الغزو والغنائم.
وخامساً: نجد الفلاحين، وإذ ما استثنينا كبار الملاك، ودققنا فى حالة الفلاح المصرى فى ظل النظام العثمانى، ربما نفهم أسباب مقاومة الفلاح للمستعمر الفرنسى؛ فلقد ساء وضع الفلاح كثيراً فى ظل النظام العثمانى، الذى أطلق يد المماليك، ثم أتى الفرنسيون بقسوة لا تقل عن قسوة العثمانيين فى جباية الضرائب المتعددة، والأمرّ من ذلك أن الفرنسيين لم ينزلوا قرية إلا تقريباً خربوها وأعدموا المعترض!
وإذ ما أخذنا الوضع الاقتصادى والاجتماعى فى مجموعه إبان هجوم الرأسمال الاستعمارى يمكن أن نلحظ أنه فى سياق الزراعة والنشاط الزراعى، كان استخلاص ريع الأرض(15)من الفلاحين يعتمد على الحكومة المركزية، وليس على الوجود الإقطاعى. وكان استمرار الإنتاج فى هذا النظام يرتكز على التعاون النشط من جانب أغنياء الفلاحين، والذى يتعين عليهم توفير وكفالة حاجات الزراعة، وربما معيشة المزارع نفسه، مع الاستئثار بالفائض.
وكان قطاع التجارة مقتصراً نسبياً على القاهرة دون باقى الأسواق فى مصر، ولقد قام هذا القطاع منذ أيام الأيوبين وحتى مطلع القرن السابع عشر الميلادى، بوظائف التوزيع والتمويل للطبقة الحاكمة، والتى تمثلت فى نُخبة المماليك، من جهة، وأثرياء التجار من جهة أخرى.
وإذ تنطلق الثورة الصناعية فى غرب أوروبا، تأخذ قيمة الأرض فى الارتفاع، إذ كانت تمد المصانع بمواد العمل، كما زادت المنافسة فى قطاع التجارة خصوصاً بعد وصول التجار الأوربيين، والتجار السوريين المسيحيين، الذين قاموا بدور الوكيل للرأسمالية الفرنسية.
4- أهداف محمد على
وحينما يتولى محمد على الحكم فى عام 1805، بتأييد شعبى، فإنه يحصر أهدافه فى ثلاثة أمور محددة بدقة:
أولاً: تصفية الطبقة الإقطاعة المهيمنة على الأرض، والتى تمثلت فى المماليك بصفة خاصة.
ثانياً: تصفية الإقطاع نفسه، كنظام اجتماعى مهيمن.
ثالثاً: احتكار الاقتصاد، وإعادة تعبئة الفائض، من أجل نهضة اقتصادية/عسكرية شاملة.
وقد نجح محمد على فى تحقيق أهدافه الثلاثة فى زمن قصير، إذ حقق هدفه الأول وقضى على 400 من المماليك فى مذبحة القلعة(16).
وحقق الهدف الثانى من خلال مجموعة من الإجراءات التى تمكنت من ضرب النظام الإقطاعى ذاته، وفى مقدمة هذه الإجراءات مصادرة أراضى الإلتزام فى الوجه القبلى دون تعويض، أما فى الوجه البحرى فقد صودرت أراضى الفلاحة وسمح للملتزمين بالاحتفاظ بأراضى الأوسية طول حياتهم فقط ومنح أصحابها حق الهبة والوقف، والبيع أيضاً، وإنما للحكومة فقط.
كما تمكن محمد على من تحقيق الهدف الثالث، وهو احتكار الاقتصاد(17)، بما فرضه من هيمنة على علاقات الإنتاج، واحتكار وسائل الإنتاج، والتجارة. فقد أظهرت نوعية الإيرادات العامة مقدار هذا الاحتكار؛ فقد احتكر محمد على الأرز(وهو أول محصول تم احتكاره) والحبوب، والقطن، والنخيل، والحرير، والتيل، والجلود، والحصير، والصودا، والملح، والخيوط الذهبية، والمسكوكات، وسبك الفضة، والصيد ببحيرة المزلة، وبيع الأسماك وبيع المواشى بالقاهرة. والملاحظة المهمة هنا أن إيرادات دولة محمد على، عكس ما هو شائع، لم تمثل فيها أرباح الاحتكار إلا جزء يسيراً بالمقارنة مع الإيرادات الأخرى مثل: الضرائب العقارية، وعوائد نقل الحبوب، ودخل الحكومة من جمرك الإسكندرية والسويس والقصير وبولاق ومصر القديمة وأسوان، وكذلك رسوم الصيد فى بحيرة المنزلة. فعلى ما يبدو أن الاقتصاد المصرى لديه الميل التاريخى كى يصبح اقتصاداً ريعياً!
5- الأرض
بعد إلغاء نظام الالتزام قام محمد على بتوزيع الأراضى على المزارعين الذين يقومون بزراعتها، وعلى الرغم من ان محمد على استهدف عدالة التوزيع، إلا أن الواقع أسفر عن تكون طبقة من كبار ملاك الأراضى؛ بدأ هذا التكون مع إلزام محمد على كبار الموظفين وكبار ضباط الجيش الذين تضخمت ثرواتهم وصاروا من الأثرياء بدفع متأخرات الضرائب على الأراضى التى عجز الفلاحون عن سدادها بعد تراكم العبء الضريبى أثر الهروب من الأرض أو التجنيد فى الجيش من أجل الحروب المفتوحة التى شنها محمد على، وأطلق على هذا النظام نظام العهدة؛ إذ يقوم كبار الموظفين وكبار الضباط بسداد الضرائب المستحقة على الأرض، ومن ثم يتملكوها.
من هنا بدأت تتكون طبقة عريضة من كبار الملاك، واستكملت هذه الطبقة تكونها التاريخى مع نظام آخر وهو نظام الأبعادية، وهى الأراضى التى مُنحت لكبار الموظفين وكبار رجال الجيش أيضاً، مع اعفاء هذه الأراضى من الضرائب، بشرط التزام هؤلاء باصلاحها وتحسينها واعدادها للزراعة، وهذا أيضاً عزز بناء الطبقة الجديدة. وإلى جوار العهدة والأبعادية، وجدَ الجفليك، وهو نظام يعد من أهم العوامل التى أدت إلى تكوين الضياع الكبرى، فالقرى التى هجرها أهلها، للأسباب المذكورة، كانت تُضم إلى ملكية الأسرة المالكة(18)
إن أهم وأكبر توسع فى منح أراضى الأبعاديات والجفالك حدث فى عهد إسماعيل باشا عام 1863 حتى نهاية 1870. وبعد إفلاس إسماعيل والحكومة المصرية، فى العام 1878، حدثت تغيرات هامة فى توزيع الملكيات الكبيرة، إذ بيعت الأراضى، ومنها أراضى الأسرة المالكة، بالمزاد، وهنا نجد تكون جديد لطبقة جديدة، وهى التى اشترت هذه الأراضى، وكانت تتكون من طبقة الأثرياء من الأجانب غالباً، والمصريين أحياناً. وهى طبقة جديدة من جهة عدم إنتمائها بأى حال إلى طبقة أصحاب النفوذ والسلطة التى هيمنت قبل مرحلة الاحتلال البريطانى.
وفى إطار هذا التصور لتوزيع الأرض، فإذ ما نظرنا إلى التطور الذى لحق بالطبيعة القانونية للحيازة؛ فسنجد ثلاثة أنواع من الحيازات هى:
أولاً: الأراضى الخراجية، وهى التى وزعها محمد على على الفلاحين بعد تصفية نظام الإلتزام،
ثانياً: أراضى الأوسية، ولكن بشكلها الجديد وبصفة خاصة فى الوجه البحرى، إذ أن الأوسيات فى الجنوب قد تم مصادرتها بلا تعويض كما ذكرنا،
ثالثاً: أراضى المسموح: وهى التى أعطاها محمد على إلى مشايخ القرى فى مقابل الخدمات التى يقومون بها للحكومة والأعباء التى يتحملونها فى استضافة عمالها الذين يمرون بالقرى أو ينزلون بها، وكذلك خصص لبعض الأعيان الذين يقومون بإطعام المسافرين والمترددين على القرى مساحات أخرى عرفت باسم مسموح المصاطب، وحددت مساحة أطيان المسموح بنسبة 4 أو5 أفدنة عن كل 105 أفدنة من أطيان المعمور بالقرية، أما كبار المشايخ المعروفين "بالمقدمين" فهؤلاء خصص لهم 10 أفدنة عن كل 100 فدان من أراضى القرية.(19)
6- بناء اقتصاد مستقل
يمكن القول أن النصف الأول من القرن التاسع عشر، تحديداً فى الفترة من (1811-1840) عرف، تجربة للدولة فى مصر ابتغت بناء اقتصاد سلعى مُستقل فى إطار السوق الرأسمالية فى صيرورتها نحو العالمية. يتم ذلك عن طريق إعادة تنظيم النشاط الزراعى، على نحو يُمَكّن من تعبئة الفائض الزراعى، الذى يُستخدم مباشرة، أو على نحو غير مباشر، من خلال التجارة الدولية، فى تحقيق نوعاً من البناء الصناعى، بما يعنى الإنتاج ابتداءً من طلب السوق، والسوق الدولية على وجه التحديد. فالأمر إذاً أقرب ما يكون، كما سنرى تفصيلاً، إلى اعادة ضخ القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد المصريين فى مسام الاقتصاد المصرى من خلال دولة مركزية طامحة إلى تنمية مستقلة معتمدة على الذات.
كانت الدولة، فى هذا الوقت تُهيّمن على ملكية الأرض، ولم يَعد الأمر يتعلق بمجرد استقطاع الضريبة، أو جزء من الإنتاج. فقد كانت السمة الجديدة هى(احتكار الدولة للإنتاج، وللتجارة) هذا إضافة إلى (احتكارها لتحديد الأثمان داخلياً وخارجياً) بما يحوى بين طياته من فك للروابط التى قد يصنعها السوق الرأسمالى العالمى.
لقد بنى محمد على سياساته بأكملها بهدف تحقيق الاستقلال الاقتصادى واحتكار كل ما يمكن أن يحتكر من مرافق الإنتاج، واعتمد محمد على ومستشاروه من الفرنسيين على الأبحاث السابقة التى أعدها علماء الحملة الفرنسية على أسس عِلمية، وبصفة خاصة أبحاث وصف مصر، ويمكننا القول أن أثر الفرنسيين كان ظاهراً فى سياسة محمد على الاقتصادية.
ففى الزراعة تحققت مشاريع الرى التى اقترحها علماء الحملة، وصارت الأراضى الزراعية ملكاً للحكومة واتبع فى الوصول إلى هذا الغرض نفس الطريقة التى اتبعها قواد الحملة من طلب مستندات الملكية والاستيلاء على أراضى الملتزمين من المماليك الباقين.
وفى الصناعة أقيمت المصانع الكبيرة واحتكرت الحكومة الصناعات الجديدة كما احتكرها الفرنسيون أو شرعوا فى ذلك، وفى التجارة نفذت اقتراحات علماء الحملة من مد الطرق والجسور إلى تشييد القناطر وشق الترع الملاحية. كما احتكر محمد على التجارة نفسها من أجل حماية الإنتاج المحلى أمام المنافسة الأجنبية.
أما فى الإدارة فقد احتذت الحكومة حذو الفرنسيين فى قيامها بنفسها، من خلال موظفيها، بجمع الضرائب، والقضاء على نظام الالتزام، وفى ترتيب الميزانية وفقاً للطريقة الأوروبية والعمل على موازنة الإيرادات والمصروفات.
إن الاحتكار الذى فُرض ابتداءً من عام 1808 على الحبوب، سوف يمتد فيما بعد ليشمل جميع المنتجات القابلة للتصدير، فى محاولة للسيطرة على شروط تجدد الإنتاج الاجتماعى، وخلق نوعاً ما من الاستقلالية المستندة إلى فك الروابط وعزل الأثمان الداخلية عن الأثمان الخارجية، وبالتبع انشاء دولة متطورة وقوة عسكرية متقدمة؛ وقد نجحت التجربة فعلاً؛ حتى كادت جيوش محمد على أن تدخل الآستانة(20) ومن ثم يمكن أن تُهدد المصالح الأوروبية (التى هى متناقضة بطبيعة الحال) على صعيد السوق الرأسمالية العالمية، وبصفة خاصة تهديد الرأسمال البريطانى فى شرق البحر المتوسط، الأمر الذى قاد إلى التدخل العسكرى(21) ضد مصر ابتداءً من العام 1840. وتوقيع معاهدة لندن، بين الدولة العثمانية وكل من روسيا وبروسيا وبريطانيا والنمسا، ثم إنضمت فرنسا، لكى يُقضى على تلك المحاولة، الأولى من نوعها، التى سعت كى تبنى الاقتصاد المصرى على نحو من الاستقلالية فى إطار السوق العالمى.
فحينما أسفرت تجربة التنمية المستقلة والمعتمدة على الذات، التى أقامها محمد على، على أساس نظام الاحتكار، وإعادة ضخ القيمة الزائدة فى داخل مسام الاقتصاد القومى، عن تعاظم نفوذ مصر كقوة عسكرية واقتصادية وسياسية، تمتد حدودها إلى منابع النيل جنوباً(22) وبلاد الشام شمالاً. وزيادة إنتاجها الزراعى خمس مرات على إيرادات حكومة القيصر فى روسيا وما يعادل نسبياً إيرادات فرنسا؛ وهما قطران يفوق كل منهما مساحة مصر مساحة وعدداً(23)، وحينما تسفر هذه التجربة، كذلك، عن إمتلاء خزائن الحكومة بالأموال، والمخازن بالحاصلات، ومن ثم المضى قدماً نحو التصنيع، وبصفة خاصة صناعة الأسلحة والسفن الحربية والسلع الاستراتيجية. وحينما، بوجه عام، يسيطر المجتمع المصرى على شروط تجديد إنتاجه، ويُعاد ضخ القيمة الزائدة المنتَجة بسواعد أبنائه فى مسامه مرة أخرى؛ من أجل تجديد الإنتاج الاجتماعى المستقل والمعتمد على الذات. نقول حينما تسفر تجربة التنمية هذه عن كل ذلك، فلا شك فى أن الدول الاستعمارية الكبرى ستُعلِن على الفور قلقها من هذه القوة الجديدة الآخذة فى طريقها نحو تهديد مصالحها فى المستعمرات، وبصفة خاصة فى البحر الأبيض المتوسط، وشمال أفريقيا. ولا شك أيضاً فى أنها لن تترك هذا القلق ليستمر دون أن تقضى عليه بالقضاء على مصدره... أى القضاء على دولة محمد على(24)!
7- الرأسمالية فى مصر
وعلى الرغم من أن العدوان الإمبريالى العسكرى على مصر قد حقق أهدافه؛ وقضى على فكرتى الاستقلال الاقتصادى والتوسع الاستعمارى، فإن محاولة السيطرة على شروط تجديد الإنتاج الاجتماعى وخلق تلك الاستقلالية تجاه الاقتصادات الرأسمالية الكبرى، ونجاح تلك المحاولة إلى حد ما؛ قد ساهمتا بفاعلية فى تهيئة الاقتصاد المصرى وسرعة دمجه فى السوق العالمية، وإنما كاقتصاد تابع، كى يخضع لسيطرة الرأسمال البريطانى، الذى سَينشغِل بإجراءات إلغاء الاحتكار الذى فرضته الدولة فى عهد محمد على، وهو الأمر الذى سوف يَستتبع اعادة النظر إلى الأرض، بجعلها سلعة يُمكن طرحها فى مجال التداول بيعاً وشراءً ورهناً وإيجاراً، أى اخضاع الأرض لمنظومة قانونية تنتمى إلى أحكام القانون المدنى الذى فيه يفرض الأقوى شروطه وفقاً لصنمية القاعدة الأصولية القاضية بأن العقد شريعة المتعاقدين. وذلك بعد أن كانت القوانين العثمانية تحدد معظم الأراضى القابلة للزراعة على أنها مملوكة للدولة وليست ملكية خاصة للفلاحين، أى لم تكن تندرج تحت أحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بالملكية، ومن ضمنها أحكام الإرث فى الإسلام. ولقد تحقق تحرير الأرض فى عام 1855 مع إلغاء سعيد باشا الجزية التى كانت مفروضة على غير المسلمين، وحصول الرعايا الأجانب على حق شراء الأراضى، وكانت هذه هى المرة الأولى فى تاريخ مصر التى تتحول فيها الأرض إلى جزء من الملكية الخاصة. من هنا يَبدأ الرأسمال الأجنبى فى التغلغل، أساساً فى شكله المالى، فى مجالات البنية الأساسية للخدمات والتجارة، الأمر الذى يُؤدى إلى فقدان المجتمع للسيطرة على شُروط تجديد إنتاجهِ، على الأقل من جهة الأرض التى صارت محلاً للتداول من خلال الرأسمال الأوروبى. ويتعمق تغلغل الرأسمال المالى الدولى فى الاقتصاد المصرى، بعد إتجاه الدولة إليه كمقترضة فى عهدى سعيد وإسماعيل، وسلوك الاقتراض المفتوح على هذا النحو يأتى على نحو مختلف تماماً عن سلوك محمد على؛ فلم يكن الرأسمال الدولى غير مرغوب فيه فقط فى عهد محمد على، وإنما كان أيضاً مستبعداً بقوة (بلغ الدين العام عند وفاة سعيد باشا11,160,000جنيهاً إنجليزياً، وبلغ فى عهد إسماعيل سنة 1876 ما مقداره 126,354,360 جنيهاً إنجليزياً)(25) ويمكن القول أن مصر، آنذاك، دخلت حلبة الصراع بين الرساميل القومية، وبصفة خاصة الفرنسية والبريطانية، وبصفة خاصة أن الباب صار مفتوحاً أمام الأجانب (اليهود(26)، والأرمن(27)، واليونانيين(28)، وغيرهم من الفرنسيين، والبريطانيين، والألمان، والروس، والشوام، والبلجيك، والبلغار،....)
ومع تولى عباس باشا الأول (1848-1854) حُكم مصر، عمل على عدم إزعاج الرساميل القومية الراغبة فى المواد الأولية من أجل التصنيع، والباحثة عن الأسواق من أجل تصريف منتجاتها، ووجد أن هذه الرساميل تنزعج من تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادى، فقرر منع تدخل الدولة فى الحياة الاقتصادية، فكانت سياسته بمثابة موافقة سلبية بالوجود الرأسمالى الغربى فى مصر. وحينما خلفه عمه سعيد باشا (1854-1863) جعل الموافقة إيجابية وقرر إلغاء الضرائب المفروضة على الواردات الأوروبية، وقضى على البقية الباقية من الإحتكار. ولسوف يستكمل إسماعيل باشا، من بعده، مسيرة الترحيب بالرأسمالية الأوروبية، وسيفتح أبواب البلاد بشكل غير مسبوق أمام الأجانب الذين أخذوا يتدفقون على مصر، فعملوا فى المهن التجارية والحرفية المختلفة، كما عملوا بالطب وبالمحاماة، مستفيدين بحرية التعامل بينهم وبين الأهالى، من جهة، وانخفاض الرسوم الجمركية وتنظيم حركة العمل بالجمارك من جهة أخرى، بالإضافة إلى المجالس التجارية والامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة.
8- رأسمالية إسماعيل باشا
تولى إسماعيل باشا الحُكم فى القاهرة خلفاً لسعيد باشا، وفى عصره شهدت مصر نقلة نوعية كبيرة وتطوراً اجتماعياً بارزاً، تمثل فى إتمام حفر قناة السويس، وإجراء إصلاحات شاملة على الصعيد الإدارى والقضائى، كما تغيرت معالم القاهرة والإسكندرية فصارتا أشبه بالمدن والعواصم فى أوروبا وبصفة خاصة فرنسا.
وفى أوائل عام 1874 قام إسماعيل باشا بحركة إصلاحية كبيرة فى التجارة وتشريعاتها كى تتلائم مع متطلبات الحرية الاقتصادية؛ فأنشأ الغرفة التجارية، وسن القوانين لأعمال السمسرة والصيارفة، كما وحد الموازيين والمقاييس كى يمكن للأجانب التعامل التجارى بشكل موحد. فى الوقت نفسه أدخل إصلاحات مهمة فى نظام الجمارك. وتم التوسع فى إنشاء الشركات المساهمة.
قام إسماعيل باشا بمد وتوسيع شبكة المواصلات والبريد، كما قام بإنشاء العديد من معامل السكر(مع التوسع فى زراعة قصب السكر عقب إنهيار القطن بعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية) ومعامل الورق، ومعامل القطن، ومصانع النسيج، ومصانع الطوب، ومصانع المعادن، ومصانع الفخار، كما وسع نطاق المطبعة الأميرية، وأتم إنشاء القناطر الخيرية، وجدد إرسال البعثات العِلمية، وأنشأ الجمعية الجغرافية المصرية، ووزارة الزراعة، ودار الكتب المصرية، كما شهد عصره ظهور الصحافة الحرة حيث أصدر يعقوب صنوع، وهو يهودى مصرى، بالإتفاق مع جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده جريدة "أبو نظارة" فى عام 1877 لانتقاد أعمال إسماعيل نفسه، بعبارات تُكتب باللغة المحكية، كما أنشأ الأخوان سليم وبشارة تقلا جريدة "الأهرام" فى عام 1876، وأصدر إبراهيم اللقانى"مرآة الشرق"فى أوائل عام 1879، وأنشا ميخائيل عبد السيد جريدة "الوطن"فى أواخر عام 1877، إلى غير ذلك من مظاهر النهضة(29)، ولا نغفل بالطبع تسببه، بالاستدانة، فى وضع الاستعمار البريطانى فى حالة تأهب كى ينقض على البلاد!
أعاد إسماعيل تسليح الجيش، مستفيداً بالإمتيازات التى منحها له الباب العالى ومنها زيادة عدد الجند حسب الحاجة، مكوّناً جيشاً قوياً لإعادة الروح إلى المشروع التوسعى الاستعمارى الذى بدأه محمد على، فقد استعان بالجيش والأسطول التجارى فى خطة توسع شاملة فى الجنوب، فأرسل فى عام 1868 حكمدار السودان إسماعيل باشا أيوب قائداً لجيش قام باحتلال أعالى النيل ودارفور، وكلّف فى عام 1869 صمويل بيكر بتوسيع الإمبراطورية فى الجنوب والقضاء على تجارة الرقيق. وتولّى المهمة بعد ذلك إنجليزى آخر هو تشارلز جوردون، الذى تمكّن من إخماد التمرد فى دارفور، وإعادة الهدوء الى الحدود الإثيوبية بعد أن فشل فى غزوها، كما استطاع الى حد ما من تقليص حجم تجارة العبيد فى الجنوب.
ولم تكن إصلاحات إسماعيل وعمله المتواصل على تطوير المجتمع (وسيطرته على شروط تجديد إنتاجه بسيطرته على تسرب القيمة الزائدة المنتجة فى داخل المجتمع المصرى، وهو الأمر الذى يتضح من تحليل حركة الصادرات والواردات) من دون إهتمام بالدائنين الأوربيين، إنجلترا وفرنسا، إلا خطوة على طريق الإقصاء، إذ أصدر السلطان فى إستنابول قرار عزله فى عام 1879، ولما علم جوردون أن إسماعيل تم عزله قام على الفور بتقديم استقالته(30)، الأمر الذى بدا إعلاناً لتراجع الدور المصرى فى السودان، وربما انتهائه؛ إذ نهضت الحركة المهدية(31) معلنة عن نفسها كحركة دينية ثورية هدفها إعادة صوغ الوعى الدينى وتصحيح الأوضاع بالتصدى للفساد الفقهى الذى جاء به الغزو العثمانى، ومن ثم التصدى، كذلك، للوجود الأجنبى وبصفة خاصة فى الشمال.
جدول يوضح حركة الواردات والصادرات المصرية فى الفترة من 1866 حتى 1875
السنة الواردات الصادرات
1866 4662210 9723564
1867 4399097 8623974
1868 3582969 8094974
1869 4021601 9089866
1870 4512969 8680072
1871 4512143 10192021
1872 5505995 13317825
1873 6127564 14208882
1874 5322400 14801448
1875 5694820 12730195
المصدر: إلياس الأيوبى، تاريخ مصر: فى عهد الخديو إسماعيل باشا (القاهرة: مكتبة مدبولى، 1996)ج1، ص155.
وبتولى توفيق باشا الحكم (1879-1892) بعد إقالة إسماعيل، زادت حرية التجارة، إذ تم إلغاء العديد من الضرائب والرسوم، كما تم فى عام 1890 توقيع اتفاقية للتجارة الحرة. ولكن هذه الحرية وهذا الانفتاح لم يكن لصالح مصر ولم يستفد منه المجتمع، إذ حينما تولى توفيق باشا كانت مصر تحت المراقبة المالية، وخزائنها خاوية، والنفوذ الأوروبى يزداد يوماً بعد أخر، والأجانب يتميزون عن المصريين فى كل شىء وبصفة خاصة فى الجيش. الأمر الذى تسبب فى ثورة عرابى، التى اتخذتها بريطانيا ذريعة لاحتلال مصر. ومع الاحتلال البريطانى تم ربط مصر، سياسياً واقتصادياً، بالاقتصاد البريطانى الاستعمارى، وصارت زراعة الأرض(32) مرتبطة بما تحتاجه الأسواق البريطانية، ومن ثم السوق الدولية، وبصفة خاصة ما تحتاجه من محصول القطن(33) وهو الأمر الذى تأكد حينما تولى عباس حلمى الثانى الحكم (1892-1914) فقد تم توسيع الإهتمام بالزراعة فزادت مساحة الأطيان الزراعية من 5 ملايين فدان إلى 7 ملايين، وكانت الأراضى التى تزرع قطناً نحو900 ألف فدان فصارت مليون ونصف المليون فدان، وكانت غلة القطن سنة 1891 نحو 4 مليون و600 ألف قنطار فصارت 7 ملايين قنطار. كما تم إنشاء مدرسة الزراعة، وإنشاء المعارض الزراعية وتكونت الشركات الزراعية والبنك الزراعى والنقابات الزراعية. وكانت قناطر أسيوط وخزان أسوان من أهم مشروعات الرى فى تلك الفترة(34) بيد أن كل تلك الطفرات كانت فى إطار من هيمنة الأجانب على مساحات كبيرة جداً من الأرض؛ فإذا كانت ملكيات المصريين للأرض تقسم عادة بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة فإن ملكية الأجانب كانت كبيرة دائمة، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات، ففى سنة 1919 بلغت نسبة الملكيات الكبيرة للأجانب 92.9% من مجموع الملكيات الأجنبية، 93.0% فى عام 1929، 91.2% فى عام 1931 ثم وصلت إلى 90.9% فى عام 1949، مع الأخذ فى الإعتبار أن حجم ملكية الأجانب كان يتأثر ارتفاعاً أو انخفاضاً بالوضع السياسى فى البلاد، ففى أعقاب عقد معاهدة 1936 وإلغاء الامتيازات الأجنبية فى 1937 بمعاهدة مونتريه، انخفضت نسبة ملكياتهم انخفاضاً كبيراً إلى حوالى 70.000 فدان وإلى 10.000 فى عامى 1948/1949 كما أن قانون الشركات الذى صدر فى عام 1947 حد من نشاط الأجانب فى إمتلاك الأراض(35).
سوف تشهد الفترة التالية لقيام ثورة يوليو فى عام 1952، ليس الحد فقط من نشاط الأجانب وإنما خروجهم من البلاد، ويمكن أن نرى الفترة التالية على مرحلتين: الأولى: من 1952-1956، وكانت أغلبية المشروعات رأسمالية فردية، وبصفة خاصة فى مجال الصناعة، وفى ظل تشجيع مبادرة الرأسمال الفردى، المصرى والأجنبى، من قبل الحكومة، عزفت الأخيرة عن التدخل فى الحياة الاقتصادية، ولم تمارس سوى دور رقابى على الاقتصاد القومى فى مجموعه. أما المرحلة الثانية، من بعد عام 1956: فقد قامت الثورة بحركة تأميم شاملة للأراضى والمصانع والمنشأت والوكالات التجارية، فى سبيل إعادة هيكلة الاقتصاد القومى على نحو صناعى؛ من أجل بناء اقتصاد مستقل، وإنما (أيضاً) فى إطار السوق الرأسمالية العالمية.
وأتصور أن هذه المحاولة، أى محاولة إعادة هيكلة الاقتصاد القومى المستقل والمعتمد على الذات، وإن كانت فى إطار النظام الرأسمالى الذى تغلغل فى المجتمع المصرى، كان يوجد لها تمهيد ابتداء من العشرينات بدءً بقيام بنك مصر(36)، مع نهضة فى الروح الوطنية، بإنشاء مجموعة من الشركات المصرية، تساهم فيها رساميل مصرية، منها: شركة مطبعة مصر1922، وشركة مصر لحليج الأقطان 1924، وشركة مصر للنقل والملاحة النهرية 1925، وشركة مصر لغزل ونسج القطن بالمحلة الكبرى 1927، وشركة مصر للكتان 1927، وشركة مصر لتصدير الأقطان 1930، وشركة مصر للطيران 1932، وشركة مصر للتأمين 1934، وشركة مصر للسياحة 1934، وشركة مصر للملاحة البحرية 1934، وشركة مصر لصناعة وتجارة الزيوت 1937، وشركة مصر لصناعة الأسمنت 1938، وشركة مصر للحرير الصناعى 1947.
ولم يقتصر الأمر على بنك مصر، إذ حتى هذه الفترة لم يزل الأجانب، ولم يزل الرأسمال الأجنبى يهيمنا على العملية الإنتاجية فى مصر، وبصفة خاصة على ما يتعلق بهذه العملية من نشاط اقتصادى فى مجال الزراعة، وإنما تعدى ذلك إلى المطالبات المستمرة، من قبل مجلس النواب، بشراء الأراضى التى يمتلكها الأجانب وتوزيعها على صغار الفلاحين بأسعار تقسط على آجال طويلة وبفائدة مخفضة(37). وفى مارس 1948 أثير نفس الموضوع فى مجلس النواب، حيث كانت المطالبة باستيلاء الحكومة على الأراضى بتحريم تملك الأجانب للأراضى الزراعية فى مصر، ويضاف إلى ذلك مشروع القانون الذى تقدم به عضو مجلس الشيوخ عبد الرحمن الرافعى فى شهر ديسمبر 1948 وطالب فيه بجعل ملكية الأراضى للمصريين دون الأجانب.
9- من الخمسينات حتى أوائل السبعينات
يمكننا تحديد الخطوط العريضة التى تحدد إتجاه الاقتصاد، بل والمجتمع، وخصائصهما الجوهرية خلال الفترة من الخمسينات إلى أوائل السبعينات من القرن العشرين وفقاً لما يلى:
- تم تحويل وسائل الإنتاج من ملكية فردية إلى ملكية الدولة عن طريق التمصير، وسلسلة التأميمات.
- سيطرة الدولة على الصناعة والخدمات. فعلى الرغم من الحروب التى دخلتها مصر، فى هذه الفترة، وتوتر العلاقات مع الإمبريالية العالمية(38)، ممثلة فى إنجلترا وفرنسا، ووضع العراقيل(39) أمام الاقتصاد، فقد تم التوسع فى البناء الصناعى، من خلال حركة تصنيع شاملة، وتمكنت المصانع المصرية من أن تُنتج، ولأول مرة: السيارات، وعربات السكك الحديد، واسطوانات الغاز، ومواقد وأفران وسخانات البوتاجاز، ومحركات الديزل، وماكينات الخياطة، والدراجات، والأسمنت الأبيض، والدفايات، والتليفزيونات، والراديوهات، واطارات السيارات، والأدوات واللوازم المنزلية. مع الأخذ فى الاعتبار أن الاقتصاد تمكن من تحقيق فائض، ومن ثم تصدير السلع والمنتجات الأتية: غزل القطن، والأقمشة القطنية، والأقمشة الصوفية، والبصل المجفف، والثوم المجفف، والخضروات المجففة، والجمبرى المجمد، والسردين المعلب، والنبيذ، والسكر، والنفط، والأثاثات الخشبية، والأحذية، والأسمنت، والاطارات، وخام المنجنيز.
- كان من أبرز الملامح فى خريطة توزيع الملكية الزراعية(40) عشية 23 يوليو1952، التركيز الشديد فى ملكية الأرض الزراعية، والتزايد المستمر والسريع فى عدد صغار الملاك الزراعيين بالنسبة لرقعة الأرض الزراعية، فحوالى 0.4% من ملاك الأراضى الزراعية يملكون 34.2% من المساحة المزروعة فى مقابل 72% منهم يملكون 13.1% من هذه الأراضى ويوجد من جهة ثانية حوالى 11 مليون مواطن معدم فى الريف. وقد كان الفشل حليف جميع المحاولات المتعددة من قبل القوى الاجتماعية لإحداث التعديل فى خريطة توزيع الملكية فى الريف المصرى قبل 1952، فقد أعلنت البورجوازية الحاكمة مراراً رفضها التام لأى تقيد للملكية الزراعية. وهو الإجراء الذى اتخذته حكومة الثورة، وقامت بإعادة توزيع نحو مليون فدان لصالح صغار الفلاحين مما أدى إلى توسيع قاعدة الملكية الصغيرة، فى مرحلة أولى، ثم تفتيتها، فى مرحلة ثانية، ثم تركيزها فى مرحلة ثالثة، حينما ابتلعت الملكيات الكبيرة الملكيات القزمية(41).
- ارتفاع الناتج المحلى الإجمالى من 137.9 مليون جنيه (1952) إلى 545.8 مليون جنيه (1975)
- زيادة الوزن النسبى للصناعة من 15% (1952) إلى 22% (1970) من الهيكل الاقتصادى.
- ارتفاع نصيب الصناعات الاستهلاكية من إجمالى ناتج القطاع الصناعى الفردى إلى 86.1% عام 1972.
- ارتفاع الناتج المحلى لقطاع الصناعة التحويلية من 213.3 مليون جنيه (1954) إلى 439.2 مليون جنيه (1975) وبصفة خاصة فى مجال صناعات التبغ، والغزل والنسيج، والملابس الجاهزة، والورق، والمنتجات المعدنية، والماكينات، ووسائل النقل.
- زيادة الصادرات من السلع نصف المصنعة والسلع تامة الصنع.
- اتجاه قيمة صادرات القطن نحو الانخفاض من 82% (1959) إلى 75.1% (1970)
- زيادة المساحة المزروعة من المحاصيل النقدية، مثل الفاكهة والخضروات، للتصدير. وهى العملية التى احتكرها أغنياء الفلاحين، إذ تحتاج هذه المزروعات إلى تكاليف مرتفعة وحيازات أكبر.
- انخفاض نسبة العاملين بالزراعة، على الرغم من الاصلاح الزراعى، من58.4% (1947) إلى 46.6(1974)
- انخفاض القدرة الاستيعابية للقطاع الزراعى من 43.8% (1947) إلى 9.2% (1966)
- ارتفاع القدرة الاستيعابية للقطاع الصناعى من 20.8% (1947) إلى 50.4 (1966)
- اتجاه قوة العمل نحو قطاع الخدمات من 32.3% (1959) إلى 36.8 (1974)
10- السبعينات وما بعدها
ومع بدايات فترة السبعينات وازدياد العجز فى الميزان التجارى من 78.6 مليون جنيه (1952) إلى 875.2 مليون جنيه (1977)، يأخذ الاقتصاد اتجاها مختلفاً نسبياً، نحو الانفتاح(42)، فلقد شهدت حقبة السبعينات تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى، والتى بدت بمثابة إعادة تشكيل البنية الاجتماعية على نحو جديد، وأهم ما ميّز هذه الحقبة أمرين: الأول: هو ذلك التسرب السافر للقيمة الزائدة المنتجة بسواعد الشغيلة فى مصر، من خلال التكون الواضح للرأسمالية الطفيلية، كطبقة ناشطة فى حقل الاستهلاك، والاستيراد، دونما أى إنشغال بحقل الإنتاج. ووفقاً لتصورنا عن ظاهرة تجديد إنتاج التخلف يمكننا القول أن هذه الفترة شهدت النموذج الواضح بل الفاضح لظاهرة تسرب القيمة الزائدة إلى خارج الاقتصاد القومى من أجل شراء السلع والخدمات الاستهلاكية المنتَجة فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى. أما الأمر الثانى الذى تميزت به حقبة السبعينات، فهو: مساندة النظام السياسى لهذه الطبقة الرأسمالية الطفيلية، الأمر الذى أدى إلى إنتشار التوكيلات التجارية الأجنبية التى ساعدت التشريعات على ظهورها وإنتشارها. هنا نجد ظاهرة ممارسة كبار العاملين، وكبار رجال الدولة لـ"بيزنس" ضخم من خلال هذه التوكيلات إما باسمائهم أو بأسماء أبنائهم وزوجاتهم، وهو الأمر الذى أدى إلى نتائج كارثية على البنية الاجتماعية، فلقد سادت ثقافة الكسب السريع، غير المشروع، والإثراء الفاحش، وبالتبع سيادة أنماط الاستهلاك البذخى، فى الوقت نفسه تدهورت مستويات المعيشة، وازداد الاستقطاب الاجتماعى، وتدهورت بالتالى القوة الشرائية للأجور، مما قاد إلى احباط اجتماعى، وبصفة خاصة بين صفوف الشباب؛ فصار الشباب بين أمرين: إما أن يسلك سلوكاً انسحابياً تجاه المجتمع، والمخدرات بأنواعها كانت تتمتع بالوفرة النسبية، أو يندمج فى جماعات التمرد والعنف، بحثاً عن الخلاص من سراب البحث فى معنى الحياة والهدف منها!
ومع الثمانينات لن يتغير الأمر كثيراً. ويتعين أن ننتظر على الأقل نحو العشرين عاماً كى يمكننا أن نرى التبلور شبه الكامل لعلاقات الصراع والتواطؤ على صعيد السلطة/ الرأسمال. وهى الظاهرة التى تميزت بها حقبة الرئيس السابق حسنى مبارك. إذ فى نفس الوقت الذى شهد التواطؤ السافر بين السلطة والرأسمال، كان هناك صراع مواز بين نفس الخصوم.
11- والأن
يمكن النظر إلى المجتمع المصرى، على صعيد العملية الإنتاجية، كفلاحين، وعمال، وموظفين، وجنرالات، ورأسماليين، وفى داخل كل طبقة من هذه الطبقات نستطيع أن نميز بين شرائح وفئات مختلفة؛ فطبقة الفلاحين توجد بداخلها شرائح تمثل كبار ملاك الأراضى، والطبقة الريعية، الذى عملت على تفتيتها ثورة يوليو فى العام 1952، وشرائح أخرى تتمثل فى صغار الملاك، والمزارعين الأجراء. دون إغفال المعدمين. وبداخل طبقة العمال نجد عمال النفط كفئات ذات إمتياز نسبى، إلى جوار عمال المصانع وعمال اليومية المسحوقين، وبداخل الطبقة الرأسمالية نميز أيضاً بين الرأسمالية الصناعية والرأسمالية التجارية والرأسمالية المالية، وبداخل الموظفين نجد كبار رجال الحكومة كما نجد الموظفين تحت خط الفقر. أما الجنرالات والجيش فيمكن ملاحظة أن القوات المسلحة المصرية لا تعد قوات حِرَفيّة، بمعنى أن الأغلبية الساحقة، والتى تُمَثل القاعدة، هى أغلبية مُجندة، أى تم إلحاقها إجبارياً بالخدمة العسكرية. وهو الأمر الذى يعنى من جهة ثانية: أن تلك القاعدة (المجندة إجبارياً) إنما تُمثِل فى واقعها الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب على إختلاف مهنهم وبيئاتهم، إذ هناك الحداد، والنجار، والمحامى، والطبيب، والمهندس، والشماس، وإمام الجامع...، إلخ. وهو الأمر الذى يؤدى من جهة ثالثة: إلى أهمية إعادة النظر إلى القوات المسلحة على أساس إنقسامها إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول: قاعدة عريضة جداً تضم مختلف فئات الشعب، أما القسم الثانى: نُخبة من الجنرالات، تُمثل القمة، وترتبط مصالحها بالرأسمالية العالمية، بعد إنخراط تلك النُخبة من الجنرالات فى عالم الأعمال الدولى(البيزنس) ابتداءً من المشير أبو غزالة الذى أنشأ شركة لتوريد المعدات العسكرية للقوات المسلحة المصرية، وشركة أخرى لتوريد المعدات غير العسكرية. كما توجد شريحة وسطى بين القاعدة وبين القمة، وهى التى يتم الدفع بها نحو الحصول على مؤهلات علمية أعلى فى تخصصات مختلفة كى يتم إلحاقها بمختلف مؤسسات ومرافق وهيئات ومصالح الدولة، بما يضمن ولاء تلك الشريحة، من جهة، وإحكام سيطرة الدولة من جهة ثانية، بوضع مسامير القوات المسلحة فى جميع قطاعات الدولة.
12- المتأسلمون
ومع وصول تيار الإسلام السياسى إلى الحكم، دون أى برنامج اقتصادى محدد واضح، بل ودون أى برنامج فى أى مجال، ولا هم سوى الإنفراد بالسلطة وإقصاء الآخر، شرع الاقتصاد المصرى فى الاتجاه نحو الرأسمالية التجارية، ونزيد الأمر وضوحاً فى هذا الشأن، لأهميته؛ فحينما أعلن الإخوان المسلمون، عقب اغتصابهم السلطة، أن لديهم القدرة على حل مشكلات الشعب والوطن المزمنة؛ كأزمة الأمن، والطاقة، والخبز، والمرور، والنظافة، فى مائة يوم؛ لم أجد حينها ضرورة كى أحلل أو حتى أُخمن مدى صدق هذا الإعلان ومدى كذبه؛ فلم أجد من الصحيح أن أنشغل بتدبر ما يقوله الإخوان بشأن المائة يوم، وهل هم كاذبون ويخادعون الله ورسوله والشعب، بل ويخدعون الشياطين أنفسهم؟ أم صادقون حقاً؛ ولديهم فعلاً المشروع، والمقدرة على تنفيذ ما أعلنوا عنه بشأن الأزمات الخمس؟ وإفترضت أن الأهم من تكذيب وتصديق هؤلاء، قبل المائة يوم وأثنائها وبعدها، هو النظر فى الأساس الاقتصادى الذى، بقصد أو بدون، شيّد عليه الإخوان وعودهم؛ فلم أزل من هؤلاء المؤمنين بأن أفكار الطبقة المسيطرة هى الأفكار المسيطرة؛ وأن وعى الإنسان لا يُحدد الواقع الذى يعيشه، وإنما الواقع الذى يَعيشه الإنسان هو الذى يُحدد وعيه. وإبتداءً من هنا ذهبت متسائلاً عن الأساس الاقتصادى/ المادى، الذى يُؤسس الإخوان المسلمون عليه وعودهم؟ وحين يُطرح تساؤل ما، فإننى لا أنشغل بالإجابة علي السؤال بقدر ما أنشغل بالطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله إلى إنتاج الإجابة على السؤال. فالمهم، فى مذهبى، ليس الإجابة على السؤال؛ وإنما المهم هو كيف أنتج الذهن تلك الإجابة، ومن هنا إفترضت أن تكوين الوعى بشأن الأساس الاقتصادى الذى شيد عليه الإخوان المسلمون وعودهم بشأن المائة يوم إنما يُمكن تحقيقه إبتداءً من الوعى، وإنما الناقد، بالواقع المعيش؛ فلقد أجريت الإنتخابات الرئاسية (النزيهة!) ولنفترض أن جاء بموجبها، مثلاً، الملاك ميخائيل رئيساً للجمهورية! كما أسفرت الإنتخابات (النزيهة كذلك!) عن برلمان حقيقى يعكس إرادة الشعب، ويمثل إتجاهاته السائدة، أياً ما كانت، السؤال الآن، وهو مهم أكثر من إجابته: ما هو النظام الإقتصادى الذى سوف يُطبقه الملاك ميخائيل؟ وليس بإرادته، وإنما رضوخاً، دون مبرر، لقانون حركة مهيمن، ونظام حاكم لجميع أجزاء العالم المتقدم منها والمتخلف، إنه النظام الرأسمالى. وفى ظل هذا النظام الرأسمالى الذى تشكل فى ركابه النظام السياسى السابق على حُكم الإخوان، كان القهر، والجشع، والجوع، والفقر، والمرض. فهل سيُطبق النظام الجديد، أى الجماعة، نظاماً مختلفاً؟ لا يُمكن أن يحدث ذلك إطلاقاً على يد الإخوان المسلمين؛ فقد تلقفوا، بشبق وجهل وطمع، التركة بكل أنظمتها وقوانين حركتها وطبقيتها؛ بل سيمعنون فى الرجوع إلى عهود أقدم أسوأ تتلائم مع طبيعة النظام الاقتصادى الذى سيُطبقه الإخوان، وهو الذى يقوم على الرأسمالية التجارية، أى مرحلة ما قبل الصناعة؛ الاستهلاك لا الإنتاج. التدمير وليس الخلق، فليس لدى الإخوان آى ميل نحو إعادة هيكلة الاقتصاد على نحو صناعى متطور، أو حتى زراعى، وإنما الأصل لدى الإخوان هو الوعى البدوى وصورة نبى المسلمين المتاجر فى الشتاء والصيف ما بين الشام واليمن. ومن هنا فإن الرأسمالية التجارية هى أنسب نظام اقتصادى لتنظيم الاخوان، لانها سنة النبى التى يتمسحون بها من جهة، وتتلائم مع نوع التفكير البليد الرجعى الذى تتبناه الجماعة من جهة أخرى؛ معنى ذلك أن الغرب الرأسمالى حينما يدخل مرحلة ما بعد الصناعة؛ يجرجرنا الإخوان نحو ما قبل الصناعة؛ وما قبل الصناعة انما يعنى محاكم التفتيش، وإدعاء إمتلاك الحقيقة، والإتهام بالهرطقة؛ وهذا بالضبط ما تأخذنا إليه الجماعة. ومن هنا أيضاً حاولت أن أفهم وعود الإخوان بوجه عام، وأن أفهم طبيعة وأسباب الإقتراض من المؤسسات المالية الدولية، وأن أفهم رحلة الصين من أجل شراء السلع وليس إنتاجها، أو نقل تقنياتها، وأن أفهم إستحواذهم على السلطة، ومن ثم حاولت أن أفهم طريقة تعاملهم مع الملفات المذكورة، وان كل ملف من تلك الملفات (الخبز، الطاقة، الأمن، المرور، النظافة) بل وأى ملف آخر سوف يُفتح إبتداءً من رغبة الرأسمال التجارى؛ الذى تمتلكه طبقة نخبوية جديدة (مالك/الشاطر) فى طريقها نحو الهيمنة على الصعيد الاجتماعى هدفها التوسط فى حركة البيع والشراء للسلع والخدمات دون خلقها. دون إنتاجها.
ولعل المؤكد فى تصورى أن ثوار 25 يناير قد فاتهم أن يوجهوا ضربتهم الغاضبة الكارهة والباغضة الرافضة للنظام الاقتصادى الذى إمتطاه النظام السابق حال حكمه لهم لأعوام ثقيلة بطيئة، إنه النظام الاقتصادى الذى يحيا على دماء الجماهير الغفيرة. انه النظام الاقتصادى الذى تلقفه الإخوان المسلمون كى يستأنفوا مسيرة القهر والإفقار للملايين من البشر على أرض مصر. إلا ان شعب مصر رفض، وبقوة، الرضوخ فكانت ثورته الثانية يوم 30 يونيو2013. التى أطاحت بحكم الاخوان المتأسلمين.
والأن، تتأهب المؤسسة العسكرية لاسترداد السلطة التى تنازلت عنها مؤقتاً للإسلام السياسى؛ من خلال صناديق الانتخابات!








القسم الثانى
التبعية مقياس التخلف


















13- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف
الواقع أن الاقتصاد المصرى(43)، فى مجملهِ، اقتصاد رأسمالى متخلف. تابع. متخلف عن الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، وتابع لها. وحينما ندرس الاقتصاد المصرى كاقتصاد متخلف تابع؛ فإنما ندرسه، إن أردنا دراسة متجاوزة، بإستخدام الأدوات الفكرية التى يمدنا بها الاقتصاد السياسى، كعِلم اجتماعى. الأمر الذى يوجِب علينا أن نحدد، لا نُعرّف، من البداية، ماذا نعنى بكلٍ مِن التخلف، والتبعية، والاقتصاد السياسى.
أما التخلف، ونقصد دوماً به ظاهرة تجديد إنتاج التخلف، فهو حالة التسرب فى القيمة الزائدة المنتَجة، بفضل سواعد الشغيلة، فى داخل الاقتصاد المتخلف إلى خارجه صوب الأجزاء المتقدمة من أجل شراء السلع والخدمات التى تنتجها مصانع هذه الأجزاء المتقدمة وتتوقف عليها عملية تجديد الإنتاج الاجتماعى فى الأجزاء المتخلفة. وطالما ظلت ظاهرة التسرب فى القيمة الزائدة مستمرة ظل المجتمع بأسره فى حالة تخلف مزمن. ولكى نوضح الفكرة نضرب مثلنا التقليدى، ونفترض أن المجتمع فى لحظة تاريخية معينة، وفى إطار ظروف اجتماعية محددة، يدخل العملية الإنتاجية على صعيد "الكُل" الاقتصادى بــ 30 مليار وحدة من النقد (بالمعنى الواسع للنقود،بوصفها المظهر النقدى للقيمة) موزعة بين القطاعات الإنتاجية الثلاثة التى يتكون منها الهيكل الاقتصادى (الزراعة، والصناعة، والخدمات) بواقـع 10 مليارات وحدة لكل قطاع ويتم توزيع هذه المليارات العشرة على النحو التالى: 5 مليارات وحدة لشراء أدوات العمل، كالماكينات والآلات والمعدات، و3 مليارات وحدة لشراء مواد العمل مثل المواد الآولية والمواد الخام والمواد المساعدة، و2 مليار وحدة لشراء قوة العمل (الحى، والمختزن، أى المختزن فى قوة العمل نفسها) وهكذا الأمر فى كُل قطاع من قطاعات الهيكل. وفى نهاية الفترة، ولتكن سنة، وبافتراض أن معدل إنتاج القيمة الزائدة المنتَجة فى كل قطاع من القطاعات الثلاثة يساوى 100%، أى أن الرأسمال يدفع لقوة العمل2 مليار وحدة ويتلقى مقابل هذه الـ2 مليار وحدة عملاً يساوى 4 مليارات وحدة؛ أى أن الرأسمال يستأثر بـ2مليار وحدة قيمة زائدة؛ فحينئذ سيكون لدينا ما يلى:
القطاع الزراعى: 5 أدوات العمل + 3 مواد العمل + 2 قوة العمل (1 حى) + (1 مختزن) + 2 قيمة زائدة = 12 مليار
القطاع الصناعى: 5 أ ع + 3 م ع + 2 ق ع (1 حى) + (1 مختزن) + 2 ق ز = 12مليار
قطاع الخدمات: 5 أ ع + 3 م ع + 2 ق ع (1 حى) + (1 مختزن) + 2 ق ز = 12مليار
ووفقاً لمثلنا أعلاه فلقد زادت القيمة اجتماعياً، أى أن المجتمع بدأ بـ 30 مليار وحدة، وفى نهاية الفترة الإنتاجية صار لديه 36 مليار وحدة. أى أن المجتمع حقق 6 مليارات وحدة كفائض، والذى ننشغل به ليس من أين أت ت هذه القيمة التى زادت؛ لأن الاقتصاد السياسى قد قرر صراحةً وبوضوح أنها نِتاج العمل الإنسانى.
إنما الذى ننشغل به، كما أسلفنا، هو أين تذهب تلك الـ 6 مليارات وحدة الزائدة؛ والتى أُنتِجَت فى داخل الاقتصاد القومى (الرأسمالى المتخلف بوجه خاص، ومصر بالأخص) فى فترة زمنية محددة؟ ونعتبر أن عملية تسرب القيمة الزائدة(الـ 6مليارات فى مثلنا) خارج الاقتصاد القومى من أجل شراء السلع والخدمات المنتجة فى الأجزاء المتقدمة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى هى بذاتها عملية تجديد إنتاج التخلف الاقتصادى والاجتماعى، أى أن المجتمع يجدد إنتاج تخلفه مع كل عملية تسرب فى القيمة الزائدة دون أن يُعاد ضخ هذه القيمة فى مسام الاقتصاد القومى المنتِج لها. نؤكد هنا أننا نعالج تسرب القيمة الزائدة وليس تسرب الفائض(44)
ابتداء من هذا التحديد لعملية تجديد إنتاج التخلف، نحدد التبعية بأنها مقياس لهذه العملية من تجديد إنتاج التخلف. فالتبعية تقيس مقدار التسرب فى هذه القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد الشغيلة فى الأجزاء المتخلفة، ومنها مصر. هنا يتبدى الفارق الجوهرى بين فرضيتنا وبين الفرضيات السابقة بصدد قياس التبعية، إذ أن جميع الفرضيات (فرجانى، صايغ، العيسوى، الإمام، نصار) على حد عِلمى، التى إنشغلت بقياس درجة التبعية إنما ابتدأت من تصورات حَدّية عن الاقتصاد وكيفية نموه وتطوره. الأمر الذى قاد هذه الفرضيات إلى نتيجة ضمنية رئيسية، لدى د. العيسوى تحديداً، ترى أن قياس التبعية بمثابة منهجية مقترحة لدراسة اقتصاد دولة ما بوجه عام جداً. ومن ثم تجهيل قضية التبعية أساساً.
أما العِلم الاجتماعى الذى نستخدم فى البحث أدواته الفكرية؛ وهو الاقتصاد السياسى، فحينما نذكر الاقتصاد السياسى فإنما نعنى ذلك العِلم الاجتماعى المنشغل بنمط الإنتاج الرأسمالى المتمفصل حول قانون القيمة، أى أننا نرفض اعتبار الاقتصاد السياسى علماً لأنماط الإنتاج (بدائى، اقطاعى، رأسمالى) ونؤكد على ضرورة الفصل المنهجى، ودون قطيعة معرفية، بين علم التاريخ وما هو تاريخى فى علم الاقتصاد السياسى.
وأخيراً، فحينما نذكر إصطلاح القيمة الزائدة(45) فإنما نعنى القيمة الزائدة الكُلية وهى: حاصل التناقض بين الارتفاع فى القيمة الزائدة الأولية بالنسبة لقيمة قوة العمل، وبين الانخفاض فى القيمة الزائدة الأولية بالنسبـة للرأسمال الكُلى.
ابتداءً من هذه التحديدات، التى تُقدم لنا رحابة فى الوعى، لا التعريفات التى لا تُنتِج سوى الأفكار الجامدة والعازلة؛ نتقدم خطوة فكرية إلى الأمام، كى ننشغل بتقديم طريقة للإجابة، لا إجابة، على الأسئلة التى قد تثيرها الأفكار الآتية:
- مدى سيطرة المجتمع على الشروط الموضوعية لتجديد إنتاجه الاجتماعى.
- مدى الاعتماد على السوق الرأسمالية العالمية فى عملية تجديد هـذا الإنتاج الاجتماعى. وبصفـة خاصة مدى الاعتماد على هذه السوق فى تلبية احتياجات المجتمع من الغذاء؛ بالأخص تلبية احتياج طبقة الشغيلة.
- مدى إمكانية التنمية المعتمدة على الذات، وما يُصاحب ذلك من سؤال عن التراكم الممكّن من هذه التنمية.
- حجم ومكونات الإنتاج الاجتماعى، وما يُصاحب ذلك من سؤال عن مدى الإتكال على الدخول الريعية.
- الأهم: أن نسأل عن قدر ومعدل النمو الاقتصادى؟ أم نسأل: هل قاد النمو الكمى إلى نمو كيفى؟
- الوزن النسبى لكلٍ من القطاع العام والقطاع الخاص فى مجمل النشاط الاقتصادى؛ ومن ثم التساؤل عن طبيعة ونوعية ودور القوى الاجتماعية المسيطرة على العملية الإنتاجية.
- مدى، وأسباب، وآثار تراجع دور الدولة فى النشاط الاقتصادى(دولة مَن؟ وعن أى مصالح طبقية تُعبّر؟).
- الفصل التاريخى للريف عن المدينة. والتناقض الجدلى بينهما. وهو ما يستصحب التساؤل عن رد فعل الريف، ربما العنيف، ضد المدينة بعد عقود من الاغتراب والتهميش والحرمان من الحد الأدنى للحياة الآدمية.
- تسرب القيمة الزائدة المحقق، والإحتمالى. المحقق يتبدى فى تسرب كلٍ من الأجر، الذى تحصل عليه قوة العمل(46). والربح، الذى يستأثر به الرأسمال. والريع، الذى يتحصل عليه الملاك العقاريون. نحو الخارج من أجل شراء السلع والخدمات المنتَجة فى الأجزاء المتقدمة والتى يحتاج إليها هؤلاء العمال والرأسماليون والريعيون، وفقاً لدورهم فى النشاط الاقتصادى، من جهة، وبصفتهم الاجتماعية، كبشر، من جهة أخرى. والتسرب الإحتمالى يتمثل فى الإنفاق الحكومى إذ ما إستوردت الحكومة، وهو الأغلب، لسلع وخدمات أجنبية.
- الأيديولوجية التى تتسربل بها السياسات الاقتصادية الآنية. مع الأخذ فى الإعتبار، وإنما بحرص، أن الأفكار المهيمنة، على الصعيد الاجتماعى، هى عادةً أفكار الطبقة المهيمنة.
ومن أجل تحقيق هدفنا بتقديم طريقة إجابة، لا إجابة كما ذكرنا، على الأسئلة التى تثيرها تلك الأفكار، وهى بطبيعة حالها أفكار لا تدعى لنفسها النهائية، ولا تدعى إمتلاك ناصية الحقيقة الاجتماعية، فسوف ننشغل بتحليل هيكل وأداء الاقتصاد المصرى، إنما بالقدر الذى يحقق لنا هدفنا، وسنبدأ مما هو آنى وصولاً إلى ما هو هيكلى، وإذ نفعل ذلك ننشغل بتحليل الكُل الاقتصادى ونحن لدينا الوعى بأن ما هو آنى، أى الحاضر، بكل تفاصيله، قد تكوّن فى رحم ما هو تاريخى، ولا يمكن درسه أبداً بمعزل عن هذا الماضى، إذ لا يمكن فهم الاقتصاد، أى اقتصاد، فهماً صحيحاً ناقداً، بمثل تلك الطرق الميكانيكية، التى تستخدمها المؤسسة التعليمية الرسمية، والتى ترفض، بلا وعى غالباً، درس الحاضر فى ضوء الماضى لفائدة المستقبل! الأمر الذى يعنى ضرورة الوعى بالخطوط المنهجية الآتية:
- العملية الاجتماعية التى فى إطارها تبلورت ظاهرة التكون التاريخى للتخلف الاقتصادى والاجتماعى، تحديداً منذ العدوانية المباشرة للرأسمال الدولى على المجتمع المصرى مع الحملة الفرنسية. العدوانية التى إستكملت خطها العام الإمبريالية البريطانية.
- محاولة محمد على، وإسماعيل باشا بعد ذلك، خلق اقتصاد مستقل معتمد على الذات، وإنما فى فلك النظام الرأسمالى، ثم ضرب المحاولتين، من قِبل القوى الرأسمالية العالمية المهيمنة آنذاك.
- اندماج الاقتصاد المصرى فى النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، كأقتصاد مستعمَر، ثم تابع. يختص بتزويد الأجزاء المتبوعة، تحديداً بريطانيا، بالمواد الأولية والمواد الخام، والقطن بصفة خاصة.
- تعميق التبعية مع المزيد من الإعتماد على السوق الرأسمالية العالمية، فى توسعها المستمر، وتوقف عملية تجديد الإنتاج الاجتماعى فى الاقتصاد المصرى على ما يحدث فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى.
- تأكيد ظاهرة تجدد إنتاج التخلف الاقتصادى والاجتماعى من خلال جدلية تسرب القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد الشغيلة فى الاقتصاد المصرى إلى خارجه صوب الأجزاء المتقدمة، وعلى قمتها الولايات المتحدة الأمريكية، الوريث التاريخى للهيمنة الاستعمارية الأوروبية، والتى تحتكر، غالباً، التحكم فى الشروط الموضوعية لتجديد الإنتاج الاجتماعى فى الأجزاء المتخلفة، ومنها مصر، وفى مقدمة ما تحتكره التقنية وما يتعلق بها من هيمنة فى حقل إنتاج المعدات المتطورة والألات عالية التقنية.
- إتجاه الاقتصاد المصرى، فى المدى الطويل، كى يصبح اقتصاداً ريعياً، متخلفاً، معتمداً على:
- ريع النفط (بلغت حصيلة الصادرات فى العام 2012 نحو 28375.9 مليون دولار، نصيب صادرات النفط منها نحو 13129.0 مليون دولار، أى 46.3% من جملة الصادرات).
- عوائد قناة السويس (والتى تطورت من 3.3 بليون دولار فى العام 2005 إلى 5.2 بليون دولار فى العام 2012).
- الضرائب بأنواعها (بلغت إيرادات الضرائب 61.97% من إجمالى الإيرادات فى العام 2012 بعد أن كانت 21.6% فى العام 1988).
- عوائد السياحة (بلغت قيمتها فى العام 2012 نحو 33561.0 مليون جنيه، أى 3.9% من الناتج المحلى الإجمالى).
- تحويلات المصريين العاملين بالخارج (والتى تراجعت، بوجه عام، من 12646.1 مليون جنيه فى العام 1991 إلى 12592.6 مليون جنيه فى العام 2010، إلا إنها عاودت الإرتفاع مع العام 2012 كى تحقق نحو 17970.9 مليون جنيه).
ابتداءً من تكوين الوعى بهذه الخطوط المنهجية، كان لنا التقدم نحو تحليل هيكل وأداء الاقتصاد المصرى، بصفة خاصة فى الفترة من2010 حتى2013. إنما بغرض إستئناف سيرنا نحو تقديم طريقة إجابة، لا إجابة، على الأسئلة التى قد تثيرها مجموعة الأفكار الأولية التى ذكرناها عاليه، والتى يمكن، الأن، حصرها، عند مستوى معين من التجريد، فى أربعة أفكار مركزية:
- إشكاليات تجديد الإنتاج الاجتماعى.
- أُطر هيمنة النظام الاقتصادى الرأسمالى، وتراجع دور الدولة فى النشاط الاقتصادى.
- جدلية تجديد إنتاج التخلف الاقتصادى والاجتماعى.
- منهجية الوعى بتعميق تبعية الأجزاء المتخلفة للأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى.
- ومن أجل مناقشة هذه المحاور، من خلال تقديم طريقة إجابة على ما تثيره من أسئلة، فلنتدبر أولاً الجدول أدناه؛ فهو يبيّن أهم بيانات ومؤشرات الاقتصاد المصرى فى الفترة من 2010 حتى 2013، مع مقارنة البيانات فى الفترات المتعاقبة، وتتبع التغير فى المؤشر، عبر الزمن، فى أهم البنود.
أهم بيانات ومؤشرات الاقتصاد المصرى (2010/2013)
البند البيان

الناتج المحلى الإجمالى (بالمليار دولار أمريكى)
1990 2012
33.2 229.3

نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى (بالدولار الأمريكى/ طريقة أطلس)

تطور نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى (بالجنيه المصرى) مع الأخذ فى الإعتبار التغير فى الأسعار الجارية



يتبع...

تطور نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى 1990 2012
610 2740


السنة تطور قيمة الناتج المحلى الإجمالى من السلع والخدمات بالمليون جنيه تطور متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى من السلع والخدمات بالجنيه
2003 417.5 6.82
2004 485.3 6.92
2005 538.5 7.52
2006 617.6 8.56
2007 744.8 10.14
2008 895.5 11.92
2009 1024.2 13.37
2010 1206.2 15.35
2011 1371.8 17.40
2012 1653.2 19.77

إجمالى الصادرات (بالمليار دولار أمريكى)

صادرات السلع والخدمات (% من الناتج المحلى الإجمالى)

أهم الصادرات


أهم الشركاء التجاريين (%)
2004/2012 2007 2008 2009 2010 2011 2012
16.18 26.20 23.10 27.30 31.57 28.37

1990 1998 2002 2012
20.0 16.8 16.2 12.37

نفط خام، منتجات نفطية، قطن، منسوجات، منتجات معدنية، مواد كيميائية، أغذية مصنعة، جلود، حيوانات حية، مستلزمات صناعية أولية، وقود وزيوت خام، سلع استهلاكية غير معمرة، سلع غذائية أولية

إيطاليا (8.7) الهند (7.3) المملكة السعودية (6.1) الولايات المتحدة (5.2) تركيا (4.9) اسبانيا (4.2) فرنسا (4.2)
إجمالى الواردات (بالمليار دولار أمريكى)

واردات السلع والخدمات (% من الناتج المحلى الإجمالى)

أهم الواردات


أهم الشركاء التجاريين (%) 2004/2012 2007 2008 2009 2010 2011 2012
27.06 52.91 44.94 52.94 62.25 69.84

1990 1998 2002 2012
32.7 23.3 32.1 30.4

آلات، معدات، مواد غذائية، مواد كيميائية، وقود، زيوت خام، منتجات خشبية، الكترونيات، مواد صيدلانية، ملابس، سيارات، منسوجات، منتجات معدنية، مستلزمات صناعية أولية، مستلزمات صناعية مصنعة، مواد صنع ورق، سلاح

الولايات المتحدة (10.7) الصين (9.1) المانيا (6.3) إيطاليا (5.1) الكويت (4.7) تركيا (4.4) المملكة السعودية (4.3)

قطاعات الهيكل الاقتصادى (القطاع % من الهيكل)

تطور الهيكل الاقتصادى (% من المشتغلين) قطاع الزراعة قطاع الصناعة قطاع الخدمات
1990 2012
17.6 14.7
1990 2012
33.2 37.4
1990 2012
49.2 47.9

1965 1988 2012
55 38 32
1965 1988 2012
15 13.4 22
1965 1988 2012
30 48.8 51


العاملون (% من السكان، سن 15 فأكثر)
1986/1989 2004 2012
27.8 29.8 43

تطور عدد السكان

تطور نسبة سكان الحضر (% من إجمالى السكان) 1960 1975 2013 2020 (توقع)
25.9 39.3 84.73 98.6
1947 1960 1990 2000 2012
12.1 38 47 54 43

السكان العائشون على أقل من دولار واحد يومياً (%)
3.1


السكان العائشون على أقل من دولارين يومياً (%)



يتبع...
2008 2011 2013
18.4 22 25
وفقاً لمؤشرات البنك الدولى، فإن أدنى خط للفقر هو 1.25 دولار/يوم، بما يعادل القوة الشرائية للعملة الوطنية، وخط الفقر الآخر هو2 دولار/يوم، أى ما يعادل 158.99جنيه/شهر. بينما وفقاً لتقرير التنمية البشرية فى مصر 2010 يتحدد خط الفقر عند 227 جنيه/شهر، وفقاً لأسعار2008/2009، والأشد فقراً عند 168 جنيه/شهر. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية يتم حساب الحد الأدنى المعيشى للأجور بضرب خط الفقر الذى قرره البنك الدولى وهو (1.25 دولار) فى متوسط حجم الأسرة مقسوماً على عدد البالغين فى الأسرة. ثم نفس المعادلة وإنما بضرب خط الفقر الثانى وهو (2 دولار) فى باقى المعادلة، ثم يجرى إستخراج المتوسط الحسابى ما بين أعلى حد وأدنى حد. ويتمثل هذا الحد الأدنى المعيشى للأجور على هذا النحو، وفقاً لنفس المنظمة الدولية، فى الاحتياجات الأساسية من الغذاء التى تصل إلى حوالى 2100 سعر حرارى للفرد/يوم، بالإضافة إلى الاحتياجات الأخرى غير الغذائية مثل المسكن والملبس وغيرها.
بطالة الشباب الإجمالية (% من مجموع العاملين من الفئة
العمرية 15-24 سنة) 1991 1995 1999 2005 2011 2013
8.8 11.3 8.1 11.2 12.3 13.5

معدل الأمية (%) 1998 2012
46.3 34.1

متوسط معدل التضخم (%)
(والمتوسط يخفى أكثر مما يظهر) 1980-1990 1990-2000 2012
13.2 19.5 12.3

الإنفاق على التعليم (% من الناتج المحلى الإجمالى) 1990 1995 2012
3.8 4.8 4

الإنفاق العسكرى (% من الناتج المحلى الإجمالى) 1960 1986 2012
5.5 8.9 2

الإيراد الضريبى (% من إجمالى الإيرادات) 1988 2012
21.6 61.97

ضريبة الشركات والمشاريع التجارية الأخرى (% من إجمالى الإيرادات) 1990 2008
16.37 25.1

مساهمة القطاع العام
فى الناتج المحلى الإجمالى (بالمليار جنيه مصرى)

3196407

مساهمة القطاع الخاص
فى الناتج المحلى الإجمالى (بالمليار جنيه مصرى)
5343298
الدين الخارجى (بالمليار دولار أمريكى) 1982 2007 2012 2013
19.9 29.5 34.5 45.4

تطور خدمة الدين الخارجى (بالمليار دولار)
العام1972 بالمليون دولار 1972 1981 2012
148.8 2.1 5.8

متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجى (بالدولار) 2011 2012
413.6 389.7

إجمالى الدين العام المحلى (بالمليون جنيه مصرى) 2011 2013
932460 1129030


إجمالى النقد المتداول (بالمليار جنيه مصرى) 2008 2010 2012
112.705 127.912 207.824

الانفاق العام 2012 (بالمليار دولار أمريكى)
(تسرب إحتمالى للقيمة)
66.272
المصدر:
Report of the World Development (1993) (1998) (2010) (2011) (2012) (2013). CIA-The world fact book (2008) (2009) (2010) (2011) (2012) (2013). Human Development Report (2010) (2011) (2012). Report of the World Social Situation (2009) (2010) (2011) (2012) (2013). World Economic Outlook (2010) (2011) (2012) (2013). International Financial Statistics (March 2010) (May 2011) (May 2012) (March 2013) Education for All by 2015.Will we make it? (2008).Yearbook of Labour Statistics (2009) (2010) (2011) (2012).
وفقاً للجدول أعلاه، الذى اعتمدت فى تصميمه على المقارنة والمقاربة والترجيح بين الأرقام، من أجل التثبت من صحة الرقم فى ضوء هذا التضارب، الشديد أحياناً، فى الأرقام والبيانات الواردة فى العديد من التقارير الرسمية الصادرة عن عدد من المؤسسات والهيئات المحلية والإقليمية والدولية، فإن الناتج المحلى الإجمالى الذى يُنتجه المجتمع المصرى يقدّر بنحو 229.3 مليار دولار أمريكى، نصف هذا الرقم تقريباً يمثل قيمة الناتج فى قطاع الخدمات. أما الناتج الإجمالى من السلع؛ فإنه، بوجه عام، لا يكفى المجتمع ومن ثم يضطر إلى الإستيراد من السوق الدولية، بمقدار 69.84 مليار دولار، أى نحو 30.4% من الناتج المحلى الإجمالى. هذا الاستيراد يقابله عجز مزمن فى قيمة ما يصدّره المجتمع؛ إذ لم تتعد قيمة هذه الصادرات 28.37 مليار دولار. أى نحو12.37% من الناتج المحلى الإجمالى، وسوف تكون تلك الحقيقة مركزية، كما سنرى، فى مجرى التحليل والنتائج المستخلصة منه.
على العموم، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، بطريقة أطلس، وهى إلى "حد ما" دقيقة، 2.740 دولار أمريكى. بيد أن التطور الذى لحق بنصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى من 6.820 جنيهاً فى العام 2003 إلى 19.770 جنيهاً فى عام 2012 يتعين أن يكون مفهوماً فى ضوء الوعى بالزيادات المستمرة فى أثمان السلع والخدمات. ومن ثم التدهور فى القوة الشرائية للعملة الوطنية.
ومن أهم خصائص الميزان التجارى المصرى العجز المزمن، إذ الصادرات السلعية دوماً أقل من الواردات السلعية، فحتى أوائل التسعينات كان الوارد من السلع يمثل ضعف الصادر منها، واقتربت الواردات من السلع ثلاثة أمثال الصادرات السلعية فى أواخر التسعينات، وإن كانت الفجوة بينهما قد ضاقت فى الفترة 2003/2005، حيث أصبحت الواردات السلعية فى حدود 170% من الصادرات السلعية، إلا أنها عاودت الارتفاع كى تحقق، مع أرقام 2013، نسبة 250%.
ووفقاً للجدول أعلاه، أيضاً، نجد أن 25% من المصريين فقراء... جوعى. يعيشون على أقل من 2 دولار فى اليوم؛ أى 14 جنيهاً تقريباً، أى بالكاد ما يكفى وجبة غذائية واحدة فى اليوم وفقاً لأثمان بعض السلع الرئيسية، كما تظهر فى السوق، على النحو التالى: الدقيق (الكيلو من 3.50 جنيه إلى 6.00 جنيه) السكر (الكيلو من 3.75 جنيه إلى 6.75 جنيه) الشاى (الكيلو من 30 جنيه إلى 39 جنيه) المسلى الصناعى (الكيلو من 10.5 جنيه إلى 16 جنيه) المكرونة (الكيلو من 4 جنيه إلى 6.50 جنيه) البيض الأبيض (البيضة من 60 قرش إلى جنيه واحد) زيت الذرة (اللتر من 10 جنيه إلى 17 جنيه) الطماطم (الكيلو من 1.50 جنيه إلى 4.50 جنيه) البرتقال البلدى (الكيلو من 1.50 جنيه إلى 4 جنيه) البلح الأسود (الكيلو من 5 جنيه إلى 6 جنيه) العنب البناتى (الكيلو من 5 جنيه إلى 14 جنيه) الموز البلدى (الكيلو من 3جنيه إلى 8 جنيه) الدواجن البلدى (الكيلو من 16 جنيه إلى 26 جنيه) لحم البتلو (الكيلو من 45 جنيه إلى 120 جنيه) لحم الكندوز (الكيلو من 35 جنيه إلى 85 جنيه) سمك البورى (الكيلو من 20 جنيه إلى 42 جنيه) سمك السردين (الكيلو من 7 جنيه إلى 25 جنيه) سمك موسى(الكيلو من 15 جنيه إلى 60 جنيه). لم نذكر أثمان العلاج والتعليم!
وتزداد الصورة وضوحاً إذ ما علمنا معدلات الأمية، ومعدلات البطالة: فوفقاً للأرقام الرسمية المعلَنة، فإن 34.1% من المصريين فى حالة أمية، أى أن 23 مليون مصرى تقريباً أمى. والواقع أن هذا الرقم يعد أفضل كثيراً من أرقام عام 1998؛ حينما كان نصف الشعب المصرى، تقريباً، لا يعرف كتابة اسمه.
أما البطالة فقد ارتفعت نسبتها من 8.9% فى عام 2007 إلى 13.5% فى عام 2013. وأكثر المتعطلين فى المدينة هم من الحاصلين على مؤهلات جامعية وفوق جامعية، إذ يبلغ عدد المتعطلين فى الحضر بوجه عام 1866 ألف عاطل، منهم 712 ألف عاطل من الحاصلين على مؤهلات جامعية وفوق جامعية، وتعد محافظة القاهرة، العاصمة، من أكبر المحافظات التى تعانى من البطالة؛ إذ يبلغ عدد العاطلين فى القاهرة بمفردها نحو 477 ألف عاطل، أى 15% من جملة العاطلين. أما الريف، وبالنظر إلى الخلل فى توزيع الخدمات التعليمية ما بين الريف والمدينة، فيبلغ عدد المتعطلين فى الريف نحو 1319 ألف عاطل، منهم 660 ألف من الحاصلين على مؤهلات فنية متوسطة.
وبمناسبة الخلل فى توزيع الخدمات العامة (صحة، تعليم، ثقافة، خدمات اجتماعية،... إلخ) ما بين الريف والمدينة، فى صراعهما التاريخى، فيتعين ملاحظة أن ثمة تطور عكسى حدث فى نسبة سكان الريف إلى سكان الحضر، إذ شهد عام 2012 تراجع نسبة سكان الحضر إلى 43% بعد أن كان 54% فى عام 2000، ولقد كان من الملاحَظ ذلك الاتجاه العام نحو الارتفاع النسبى المستمر فى سكان الحضر، على الأقل منذ عام 1947 حيث ارتفعت النسبة من 12.1 فى هذا العام، إلى 38% فى عام 1960، ومع عام 1990 ارتفعت هذه النسبة إلى 47%، ولكى تصل، كما ذكرنا، إلى 54% مع عام 2000. ثم تراجعت مع أرقام 2012 كى تسجل 43% من إجمالى السكان. وربما يكون سبب ذلك التراجع هو عودة العمالة المصرية من الأردن والعراق وليبيا وباقى بلدان الخليج. فلم تنخفض نسبة سكان الحضر، وإنما ارتفعت نسبة سكان الريف!
ويتضح من الجدول أدناه مدى تراجع نسبة مساهمة القطاع العام فى إجمالى الناتج المحلى، فى المدى الطويل، فبعد أن كانت هذه النسبة 44.2% فى عام 1974 فى مقابل 55.8 نسبة القطاع الخاص، تراجعت هذه النسبة إلى 27.8% فى عام 2004 فى مقابل 82.2 للقطاع الخاص. وهو ما يبين مدى تفوق القطاع الخاص(الرأسمال المصرى، والرأسمال الأجنبى، والأخير أغلب) على القطاع العام فى الإنتاج، على الرغم من الطفرة التى حدثت فى عام 2012 ومنتصف عام 2013، إذ أسهم القطاع الخاص بما مقداره 534.329.8 مليار جنيهاً مصرياً من الناتج المحلى الإجمالى؛ أى بما يقدر بنحو 64% من هذا الناتج. فى الوقت نفسه لم تتعد مساهمة القطاع العام 319.640.7 مليار جنيهاً مصرياً، أى نحو 36% من إجمالى الناتج المحلى، ونحن نقول طفرة ولا تعكس أى تصورات عن تطورات إيجابية؛ لأن الميل العام يوضح تراجع دور القطاع العام لصالح تفوق القطاع الرأسمالى الخاص، وما جعل القطاع العام يحقق هذه النسبة، المرتفعة نسبياً، ليس إستثناءً؛ وإنما يرجع إلى التراجع النسبى فى إنتاج القطاع الخاص نفسه؛ تأثراً بالأوضاع السياسية الفوضوية، والحالة الأمنية المرتبكة التى سادت عقب 25 يناير؛ وهى الأمور، بالمناسبة، التى أدت إلى تراجع صافى الاحتياطات النقدية، وفقاً لتقرير البنك المركزى المصرى، بنحو 11.1 مليار دولار، بمعدل 41.5% خلال السنة المالية 2011/2012، مقابل 26.6 مليار دولار فى نهاية يونيو2011. بيد أننا لا نميل إلى التركيز، حين التحليل، على الظروف الإستثنائية التى يمر بها الاقتصاد محل المعالجة.
والجدول أدناه يوضح تطور الميل العام لمعدل نصيب كلٍ من القطاع العام والقطاع الخاص من الناتج المحلى الإجمالى خلال الفترة (1973/2012).
تطور نصيب كل من القطاع العام والقطاع الخاص من الناتج المحلى الإجمالى خلال الفترة من (1973/2013)
السنة نصيب القطاع العام من الناتج المحلى الإجمالى (%) نصيب القطاع الخاص من الناتج المحلى الإجمالى (%)
1973/1974 44.2 55.8
1981/1982 46.5 53.5
1985/1986 48 52
1991/1992 34.5 65.5
من 1992 إلى 1996 37.5 62.5
1997/1998 31 69
2003/2004 27.8 82.2
2012/2013 36.6 63.4
المصدر: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (2013)

والأن، يمكننا أن ننتقل كى نفحص الكُل الاقتصادى بتحليل الهيكل وتشريح القطاعات الرئيسية التى يتركب منها، فلننتقل إلى تحليل آنى للكل الاقتصادى، إنما واع بالكُل التاريخى.
(أ) القطاع الزراعى
يمثل هذا القطاع نحو 14.7% تقريباً من الهيكل الاقتصادى المصرى. ويعمل به نحو 32% تقريباً من إجمالى المشتغلين. ويقدّر إجمالى الإنتاج التام لهذا القطاع بنحو 249 مليار جنيهاً تقريباً.
وإذ ما نظرنا إلى الحاصلات الزراعية، أى الغذاء، فيمكننا القول أن القطاع الزراعى شهد تراجعاً ملحوظاً فى الفترة 2010/2011 فى إنتاج عدة حاصلات زراعية أهمها محاصيل الذرة الشامية والفول وفول الصويا وعباد الشمس وبنجر السكر، فى الوقت نفسه شهدت محاصيل أخرى ارتفاعاً فى الإنتاج مثل محاصيل القمح والذرة الرفيعة والأرز والبصل والفول السودانى.
فلقد انخفض إنتاج الذرة الشامية من 7183 ألف طن إلى 6876 ألف طن، كما انخفض إنتاج الفول بشدة، وهو من أهم المحاصيل الاستهلاكية، من 430 ألف طن إلى 255 ألف طن، أما إنتاج فول الصويا فقد شهد أيضاً انخفاضاً من 43 ألف طن إلى 36 ألف طن، كما انخفض إنتاج عباد الشمس من 39 ألف طن إلى 19 ألف طن، أما بنجر السكر فقد انخفض من 7840 ألف طن إلى 7486 ألف طن.
وقد ارتفع إنتاج القمح من 7169 ألف طن إلى 8371 ألف طن، كما ارتفع إنتاج الذرة الرفيعة من 722 ألف طن إلى 839 ألف طن، والأرز من 4330 ألف طن إلى 5675 ألف طن، والبصل من 2406 ألف طن إلى 2459 ألف طن، والفول السودانى من 203 ألف طن إلى 207 ألف طن. فى الوقت نفسه يستورد الاقتصاد المصرى القمح بنسبة 52% من الاستهلاك، وكذلك الأمر بالنسبة لكل من: الذرة الشامية؛ إذ يستورد 49% من جملة الاستهلاك، ومن الفول 63%، ومن العدس 97%، ومن الأرز 2%، ومن الدواجن 3%، ومن اللحوم الحمراء 18%، ومن الأسماك الطازجة 12%. ويمكن القول أن نصيب الفرد السنوى من الاستهلاك الغذائى قد تراجع بوجه عام فى الفترة من 2008 حتى2011، فى كلٍ من: الحبوب، والمحاصيل النشوية، والبقوليات، والبصل والثوم، والخضر، والفاكهة، واللحوم الحمراء، والدواجن والطيور، والألبان الخام.
بوجه عام انخفض نصيب الفرد السنوى من استهلاك الإنتاج النباتى من 841.1كجم فى عام 2008 إلى 566.3كجم فى عام2011. كما انخفض نصيب الفرد من استهلاك الإنتاج الحيوانى من 107.3كجم فى عام 2008 إلى 91.5كجم فى عام2011، كما شهد الإنتاج السمكى أيضاً انخفاضاً من 15.3كجم فى عام 2008 إلى 12.3كجم فى عام 2011.
ولا يحقق الاقتصاد المصرى اكتفاءً ذاتياً إلا فى بعض المحاصيل والمنتجات مثل: البطاطس، والموالح، والبيض، واللبن الحليب، وبعض أنواع الفواكه؛ ولذلك يدهشنا كثيراً الذين لا يملون من الكلام فى اهدار الفائض. حقاً عن أى فائض يتحدثون؟ الواقع ان البحث السليم يتعين أن ينصب فى تحليل تسرب القيمة الزائدة، لأن ذلك هو الواقع، وليس اهدار الفائض، لأن ذلك هو الخيال بعينه!
هذا، وقد تراجع حجم القيمة المضافة فى قطاع الزراعة بالنسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى من 19.36% فى عام 1990 إلى 14.1 فى عام 2011. ومن المهم أن نذكر أمرين: أولاً: أن الأرض القابلة للزراعة قد تقلصت من 0.082 هكتار/للفرد فى عام 1960 إلى 0.038 هكتار/للفرد فى عام 2010. ثانياً: ان واردات المنتجات الزراعية قد ارتفعت من 5 مليار دولار تقريباً فى عام 1980 إلى 10 مليار دولار تقريباً فى عام 2008. ويمثل الغذاء نحو 20% من إجمالى السلع المستوردة بوجه عام.
(ب) القطاع الصناعى
يمثل هذا القطاع نحو 37.4% من الهيكل الاقتصادى المصرى. ويعمل به نحو 22% تقريباً من إجمالى المشتغلين. وبذلك يكون هذا القطاع قد شهد ارتفاعاً فى نسبة المشتغلين؛ بعد أن كانت هذه النسبة 15% فى عام 1965. ويقدر إجمالى الإنتاج التام لهذا القطاع بنحو 388 مليار جنيهاً تقريباً.
يشتمل القطاع الصناعى على أربعين نوعاً تقريباً من الأنشطة الاقتصادية، أهمها: إستخراج النفط الخام والغاز الطبيعى، وصناعة فحم الكوك والمنتجات النفطية، وصناعة الفلزات القاعدية، والتعدين وإستغلال المحاجر، وصناعة المواد والمنتجات الكيميائية، وصناعة المنتجات الغذائية، وصناعة منتجات التبغ، وصناعة المشروبات، وصناعة الأثاث، وصناعة الأجهزة الكهربائية، وصناعة المركبات ذات المحركات.
وطبقاً لقيمة الإنتاج الصناعى التام بسعر البيع، نجد أن الرأسمال الفردى يمثل ثلثى حجم الرساميل الموظفة فى حقل الصناعة، وفى نفس الوقت الذى حقق القطاع العام وقطاع الأعمال العام إنتاجاً إجمالياً بسعر البيع مقداره 108841.3مليون جنيه، فإن القطاع الخاص حقق نحو 388804.7 مليون جنيه.
والجدول التالى، أدناه، يوضح قيمة الإنتاج فى قطاع الصناعة لبعض أهم فروع النشاط الصناعى وفقاً لمساهمة القطاع العام وقطاع الأعمال العام، والقطاع الخاص.
قيمة الإنتاج الصناعى فى بعض أهم الأنشطة وفقاً لمساهمة القطاع العام والأعمال العام، والقطاع الخاص (2013) بالمليون جنيه
النشاط الاقتصادى القطاع العام، وقطاع الأعمال العام القطاع الخاص
إستخراج النفط والغاز الطبيعى 2359.9 144235.5
صناعة المنتجات الغذائية 8025.7 41836.1
صناعة المشروبات 277.4 5395.5
صناعة المنسوجات 3091.6 9323.8
صناعة الجلد ومنتجاته 4.6 42.1
صناعة الورق ومنتجاته 170.2 7162.9
صناعة المواد والمنتجات الكيميائية 2548.6 22279.7
صناعة منتجات المطاط واللدائن 248.1 9920.5
صناعة الأجهزة الكهربائية 80.2 17638.3
صناعة المركبات ذات المحركات 223.7 9439.1
المصدر: بتصرف عن الجهاز المركزى المصرى للتعبئة العامة والإحصاء.
ويعد نشاط إستخراج النفط الخام(741.924 برميل/يومياً) والغاز الطبيعى( 2.093% من إجمالى الإنتاج العالمى) من أهم الفروع التى تقريباً يهيمن عليها القطاع الخاص، إذ بلغ إجمالى الإنتاج من قِبل القطاع الخاص نحو 144235.5 مليون جنيهاً مصرياً، فى نفس الوقت الذى حقق القطاع العام وقطاع الأعمال العام أرقام هزيلة، نسبياً، بلغت 2359.4 مليون جنيهاً مصرياً.
وما يُقال بشأن نشاط النفط يمكن قوله بشأن عدة صناعات مهمة وإستراتيجية مثل بعض المنتجات الغذائية، وصناعة منتجات المطاط واللدائن، وصناعة الآلات والمعدات والأجهزة الكهربائية، وصناعة منتجات المعادن المشكلة، وصناعة المركبات ذات المحركات، وصناعة الأثاث والمنتجات الخشبية. ولكن يظل نشاط استخراج النفط من أكبر فروع القطاع مساهمة فى إجمالى الصادرات؛ حيث تمثل الصادرات النفطية نحو 48.7% من إجمالى الصادرات. كما يتلقى فرع النشاط هذا نحو 61% تقريباً من إجمالى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر.
وتقدر قيمة الواردات من السلع المصنّعة بنحو 27.653 مليار دولار أمريكى، ومن المهم أن نذكر أن الواردات من المكائن والآلات ومعدات النقل قد ارتفعت من 2.9 مليار دولار أمريكى فى العام 1980 إلى 11.084 مليار دولار أمريكى. ومن المعروف، على ما أظن، أن تلك النوعية من الواردات بالذات إنما تتوقف عليها عملية تجديد الإنتاج الاجتماعى فى الاقتصاد القومى!
النفط
ومن أجل فهم الدور الذى يلعبه النفط على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فى عالمنا المعاصر، ومن ثم فهم جدلية الطبيعة الريعية للاقتصاد محل البحث، فإنه يتعين الوعى، إنما الناقد، بأربع أفكار رئيسية:
- الدور التاريخى للنفط فى تثوير الإنتاج الزراعى والصناعى، بل والخدمى، على الصعيد العالمى، وبصفة خاصة فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، وما إستصحب ذلك من صراع محموم على الزيت متزامن مع تطوير متسارع فى الهياكل الصناعية، ومن ثم تطوير عمليات الإنتاج من أجل السوق الدولية بوجه عام، بعد تقليص الدور الذى كان يلعبه الفحم، ابتداءً من النصف الأول من القرن العشرين.
- الوعى بطبيعة النفط، وقيمة إستعماله، كسلعة محولة، ويُعد فعل التحويل هذا فى ذاته شرط تحقق تلك القيمة (البنزين، المازوت، زيوت التشحيم، الكيروسين، البتروكيمياء). الأمر الذى يستلزم الوعى بأدوات تحويله، ومن باب أولى يوجب الوعى بأدوات إنتاجه (صوراى الحفر ومواسيره، ومصاطبه"البحرية والبرية"، والروافع، والمناضد، والدورات، والكلابات، والحفارات، والمضخات، المحركات، الأنابيب، المصافى) وإذ ما أضفنا إلى ذلك الوسائل المساعدة (النقل مثلاً) فإنه يمكن إفتراض إفتقار مصر للسيطرة على شروط تجديد إنتاج النفط.
- تلعب الشركات دولية النشاط، والرأسمال الخاص بوجه عام الدور الأكثر أهمية؛ ويتبدى مدى نشاط الشركات دولية النشاط بوضوح حينما نعلم أن مصر تفتقر إلى السيطرة على شروط تجديد إنتاجها من النفط، لأنها تعتمد على هذه الشركات فى جُل مراحل العملية الإنتاجية ابتداءً من تقنية البحث والتنقيب والإستخراج، ومروراً بأدوات الإنتاج ومواد الإنتاج. وانتهاءً بالتسويق ووسائل النقل ومعداته. فمصر حالها حال جُل البلدان المصدرة للنفط لا تشارك، بشكل فاعل، إلا بقوة العمل، فى أى مرحلة من مراحل إنتاجه (الكشف، التنقيب، الاستخراج، التكرير، التصنيع، النقل) فالتقنية أجنبية، والألات أجنبية، والمواد أجنبية، ومعدات الشحن والتفريغ أجنبية، وسفن النقل أجنبية! ولا تقدم الأجزاء المتخلفة المنتِجة للنفط(بدقة: المنتَج لها النفط) إلا قوة العمل. فمصر لا تسهم فى أى عملية من عمليات إنتاج النفط "بشكل حقيقى" ابتداءً من الاستكشاف والاستخراج والتكرير والتصنيع، بل والنقل والتصدير، فهذا النفط كى يتم إستخراجه من جوف الأرض، تأتى الشركات (أجنبية) وبمعدات نقل (أجنبية) وتستخرج الخام بألات (أجنبية) وتحمل المنتَج سفن (أجنبية) من خلال معدات شحن وتفريغ (أجنبية)، وتتوسط فى حركة التجارة"خدمات"شركات (أجنبية).
- فى حقل الاقتصاد الريعى المنجمى يتعين إجراء التمييز بين الدولة صاحبة الدخل وبين الشركة الرأسمالية المستثمِرة (أجنبية أم وطنية) إذ أن ناتج المنجم (البير) يجرى تصديره، ومن هنا تتحدد شروط ضخ الاستثمارات فيه، بمراعاة كلفة الاستبدال المنجمى، تلك الشروط تتيح فى نفس الوقت تحقيق ربح للرأسمال المستثمر، وريع بالتناقض على الصعيد الدولى بين الدولة (المالكة: دولة مَن؟) وبين رأسمال الإحتكارات التى تهيمن على ظاهرة الأثمان الدولية، ولذا سيكون مفهوماً سبب الصراع الجدلى المحتمل بين الربح (الذى تحصل عليه الشركات دولية النشاط، المطروحة أسهمها فى أسواق المال الدولية) والريع (الذى تجنيه الحكومة. حكومة مَن؟) ولا سيما فى اللحظة التاريخية التى قد يتعادى فيها الرأسمال كقوة إجتماعية مع السلطة كقوة مضادة.
(ج) قطاع الخدمات
يمثل هذا القطاع نحو 47.9% من الهيكل الاقتصادى المصرى. ويعمل به نحو51% تقريباً من إجمالى المشتغلين. ويمكن أن نحلل أهم فروع هذا القطاع، بصفة خاصة: الإسكان والإتصالات والمواصلات والتعليم والصحة والنقل، على النحو الموجز التالى:
فبشأن الإسكان؛ فإن أول ما يمكن ملاحظته أن استثمارات القطاع الخاص فى هذا الفرع تفوق بشكل ملحوظ استثمارات القطاع العام، فلقد بلغت استثمارات القطاع الخاص نحو7.717.800 ألف جنيهاً مصرياً، فى حين بلغت استثمارات القطاع العام 3.264.762 ألف جنيهاً مصرياً. وفى الوقت الذى يحجم فيه القطاع الخاص عن الاستثمار فى الإسكان منخفض المستوى، نجد أن القطاع العام يحجم عن الاستثمار فى الإسكان فوق المتوسط، والإسكان الفاخر، وهما المستويان اللذان يتفوق فيهما القطاع الخاص، بالإضافة إلى المستوى الاقتصادى.
وفى نفس الوقت الذى تراجعت أعداد سيارات الأجرة من359252 سيارة فى عام 2011 إلى 307166 سيارة فى عام 2012! فقد ارتفعت أعداد أتوبيسات النقل عام من16981 أتوبيس فى عام 2009 إلى 19282 أتوبيس فى عام 2012. ولأول مرة، يظهر "التوك توك" فى إحصاءات الحكومة، إذ بلغ عدد هذه المركبة، التى صارت وسيلة نقل رئيسية فى الريف والمناطق العشوائية فى المدينة، وفقاً للإدارة العامة للمرور، نحو 49574 "توك توك". كما ارتفعت أعداد الدراجات النارية، الواردة من الصين فى غالبيتها الساحقة، وصارت موضة شعبية مزعجة، من 1166481 دراجة نارية فى عام 2009 إلى 1674812 دراجة نارية فى عام2012.
وفى حقل الإتصالات، فلقد إستمر تراجع أعداد المشتركين فى خدمات التليفونات الثابتة، الحكومية، لصالح ازدياد ملحوظ فى أعداد المشتركين فى خدمات التليفونات المحمولة (موبينيل، وفودافون، وإتصالات) فلقد تراجعت أعداد المشتركين فى خدمات التليفونات الثابتة من 9.64 مليون مشترك فى يناير 2011 إلى 8.53 فى نوفمبر 2012. فى الوقت نفسه الذى شهد ارتفاعاً فى عدد مشتركى التليفونات المحمولة من 71.45 مليون مشترك فى يناير 2011 إلى 95.58 مليون مشترك فى نوفمبر 2012.
والأرقام توضح بطبيعة الحال مدى هيمنة الرأسمال الخاص، والأجنبى، على حقل الإتصالات فى البلاد، وعدم فعالية الدور الحكومى، بل وتراجعه. والإكتفاء بدور المتفرج على خروج أموال الشعب إلى الخارج!
ومن مظاهر الخلل فى توزيع الخدمات بين الريف والمدينة، ومع الأخذ فى الاعتبار نسبة عدد سكان الريف إلى سكان الحضر، نجد أن توزيع المدارس الحكومية على المستوى القومى يشهد خللاً ملحوظاً، وبصفة خاصة فى مراحل التعليم الثانوى العام، والثانوى الصناعى، والثانوى الزراعى، والثانوى التجارى، فبصدد التعليم الثانوى العام نجد أن الحضر به 1082 مدرسة، بينما الريف به 766 مدرسة فقط، أما الثانوى الصناعى فيوجد بالحضر نحو 695 مدرسة، بينما الريف يوجد به نحو171 مدرسة، أما الثانوى الزراعى فيوجد بالحضر 126 مدرسة فى حين يبلغ العدد 54 مدرسة فى الريف، وأخيراً نجد أن الحضر به 359 مدرسة ثانوى تجارى، بينما الريف لا يوجد به أكثر من 199 مدرسة.
وفى مجال الخدمات الصحية، فمن الجدير بالذكر أن نصيب كل 100 ألف فرد من الأطباء قد تراجع بشدة من طبيب لكل 54 فرد فى العام 1990، إلى طبيب لكل 240 فرد فى العام 2008. ويعد الرأسمال الخاص مهيمناً إلى حد كبير على مجال الصحة فى مصر.
وربما تتبدى تلك الهيمنة، هيمنة الرأسمال الخاص، بوضوح حين نتعقب، على المدى الطويل، تطور مساهمة كل من القطاع العام والقطاع الخاص فى الإنتاج الإجمالى على الصعيد القومى، وكذلك حين نجد أن 70% من المشتغلين يعملون لدى القطاع الخاص، وفقاً لأرقام 2013، وذلك بعد أن كانت الحكومة تتكفل بتوظيف نحو 45% من إجمالى المشتغلين فى أوائل الثمانينات، فلا تتجاوز، الأن، نسبة العاملين لديها، أو فى القطاع العام، أكثر من 30% من إجمالى المشتغلين.
ونذكر أخيراً أن عدد الموانىء البحرية فى مصر يبلغ ثمانية موانىء هى: الإسكندرية، والغردقة، ونويبع، وبورسعيد، وسفاجا، وشرم الشيخ، والسخنة، والسويس، ويعد ميناء نويبع وميناء سفاجا، على البحر الأحمر، أكبر الموانىء كثافة فى عدد الركاب وصولاً ومغادرة، وذلك بالنظر إلى الدور الذى يؤديه الميناءان، بحكم موقعهما، فى رحلات الحجاج وكذلك رحلات العاملين فى الخليج العربى من المصريين، وبصفة خاصة من نجوع وكفور وقرى صعيد مصر. والجدول أدناه يوضح عدد الركاب بالموانىء البحرية المصرية خلال العام 2013.

عدد الركاب بالموانىء البحرية المصرية 2013
الميناء وصول مغادرة الجملة %
الإسكندرية 105210 93944 199154 9
الغردقة 81813 97082 178895 8
نويبع 376621 327030 703651 30
بورسعيد 105603 103974 209577 9
سفاجا 346748 365166 711914 31
شرم الشيخ 107515 107631 215148 9
السخنة 38326 38326 76652 3
السويس 11598 7698 19296 1
الإجمالى 1173436 1140851 2314287 100
المصدر: وزارة النقل المصرية.

الملاحَظ، بوجه عام، أن قطاع الخدمات تمكن من استقطاب نحو 51% من المشتغلين، بعد أن كانت هذه النسبة لا تتجاوز 30% فى عام 1965، وهو الأمر الذى تساوق مع تدهور فى نسبة المشتغلين فى قطاع الزراعة من 55% فى عام1965 إلى 32% فى عام2012. فى الوقت نفسه الذى ارتفعت فيه نسبة المشتغلين فى قطاع الصناعة من 15% فى عام 1965 إلى 22% فى عام 2012. وهو ما يعكس مدى التغير الكيفى فى الهيكل خلال نصف قرن.
التوزيع النسبى لنصيب الفرد من الاستهلاك السنوى
طبقاً لأقسام الانفاق الرئيسية ومحل الإقامة 2008 بالأسعار الثابتة مقارنة بعام 2011 (%)
أقسام الإنفاق الرئيسية حضر
(2008) ريف (2008) إجمالى الجمهورية حضر
(2011) ريف (2011) إجمالى الجمهورية
الطعام والشراب 39.7 48.9 44.1 31.0 40.1 35.4
المشروبات والدخان 2.1 2.7 2.4 2.5 3.5 3.0
الملابس والأحذية 5.4 6.2 5.7 5.7 6.4 6.0
المسكن ومستلزماته 18.0 16.7 17.3 20.2 18.5 19.4
الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة 3.6 4.3 3.5 4.0 4.2 4.1
الخدمات والرعاية الصحية 7.0 5.8 6.5 10.3 8.8 9.6
الإنتقالات والنقل 5.2 3.1 4.2 8.0 4.4 6.2
الإتصالات 3.1 1.9 2.5 3.4 2.2 2.8
التعليم 4.3 2.0 3.2 4.2 2.1 3.2
الثقافة والترفيه 2.7 1.6 2.2 2.6 1.8 2.2
المطاعم والفنادق 4.5 3.8 4.2 3.6 3.2 3.4
السلع والخدمات المتنوعة 3.1 2.6 2.8 3.3 3.2 3.2
المصدر: الجهاز المركزى المصرى للتعبئة العامة والإحصاء.

التوزيع النسبى للدخل السنوى لأفراد الأسرة موزعاً طبقاً لمصادر الدخل الرئيسية
لعام 2008 مقارنة بعام 2011 (%)
مصادر الدخل الرئيسية حضر
(2008) ريف (2008) إجمالى الجمهورية حضر
(2011) ريف (2011) إجمالى الجمهورية
الدخل من العمل 69.4 75.5 72.4 66.9 75.2 71.0
الدخل من الممتلكات 3.8 2.2 3.1 4.6 1.9 3.3
القيمة الإيجارية التقديرية 9.8 10.2 10.0 10.2 10.2 10.2
التحويلات الجارية 18.0 12.0 14.6 18.3 12.6 15.5
المصدر: نفسه.
14- التبعية مقياس التخلف
وضع البنك الدولى ستة معايير لمعرفة مدى اندماج دولة ما فى السوق الدولية، وبالتبع مدى اندماجها فى المنظومة الرأسمالية العالمية ككُل، وهذه المعايير هى: أولاً: نسبة التجارة السلعية إلى الناتج المحلى الإجمالى. ثانياً: نسبة التجارة السلعية إلى الناتج المحلى السلعى الإجمالى. ثالثاً: نسبة صادرات الخدمات إلى صادرات السلع. رابعاً: النمو فى التجارة الحقيقية مطروحاً منه النمو فى الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى. خامساً: نسبة التدفقات الرأسمالية الخاصة إلى الناتج المحلى الإجمالى. سادساً: نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الناتج المحلى الإجمالى. وإذ ما اتخذنا من مصر مثلاً؛ فوفقاً لهذه المعايير، بالتحديد وفقاً لأربعة منها، كما سنرى، يبدو الاقتصاد المصرى فى الفترة من عام 1990 حتى عام 2012 أقل إندماجاً فى الاقتصاد العالمى.
فبالنسبة لمعيار نسبة التجارة السلعية، فقد انخفضت هذه النسبة إلى الناتج المحلى الإجمالى من 36.8% فى 1990 إلى 22% فى 2011. وبالنسبة لمعيار التجارة السلعية إلى الناتج المحلى السلعى الإجمالى؛ فقد انخفضت أيضاً هذه النسبة من 50% إلى 46%. أما بالنسبة إلى المعيار الثالث وهو معيار نسبة صادرات الخدمات إلى صادرات السلع، فلقد أشارت الأرقام إلى تحقيق الاقتصاد المصرى نسبة أعلى من الاندماج، حيث ارتفعت النسبة من 138% فى 1990 إلى 155% فى 2011. وبالنسبة إلى النمو فى التجارة الحقيقية مطروحاً منه النمو فى الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى، فإن هذا المعيار يعكس الفارق السلبى (-2.4%) بين حجم التجارة المصرية بالأسعار الثابتة ونمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى. ويشير المعيار الخامس، وهو نسبة التدفقات الرأسمالية الخاصة، إلى ازدياد درجة اندماج الاقتصاد المصرى فى الاقتصاد العالمى، حيث ارتفعت النسبة من 6.8% فى 1990 إلى 8.6% فى 2003. وأخيراً، وهو معيار نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الناتج المحلى الإجمالى. فلقد انخفضت نسبة إجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر إلى الناتج المحلى الإجمالى من 1.70% فى العام 1990 إلى 0.47% فى العام2012.
معنى ما سبق أن الاقتصاد المصرى، وفقاً لمعايير البنك الدولى، أقل اندماجاً فى الاقتصاد العالمى، وأقل انفتاحاً على السوق الرأسمالية العالمية، على الأقل من جهة التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية المباشرة! ولكن، هل هذا الوضع يعد إيجابياً أم سلبياً؟ أعتقد أن الذين يحذروننا ليلاً ونهاراً من الرأسمالية وخطورة الاندماج فى النظام الرأسمالى العالمى؛ أعتقد أنهم فى ورطة فكرية! فالبنك الدولى يقول لهم أن الاقتصاد المصرى يعد من الدول غير المندمجة فى الاقتصاد الرأسمالى العالمى؛ بل ولديه ميل تاريخى لعدم الاندماج وعدم الانفتاح على السوق الدولية، على الرغم من هذا الكم الهائل من التشريعات القانونية واللوائح والتعليمات الوزارية والمصلحية التى سنت وصدرت من أجل تشجيع الاستثمار واجتذاب المستثمرين الأجانب ورساميلهم دولية النشاط! فكيف الخروج من هذه الورطة الفكرية؟
أتصور أن السبيل هو إعادة النظر فى معايير البنك الدولى ذاتها، ابتداءً من كون البنك الدولى نفسه أحد أدوات الرأسمال الدولى، التى يستخدمها إستقداماً وإستبعاداً فى سبيل تحقيق مصلحته. ونحن من جانبنا نستبدل هذه المعايير بمعيار آخر هو معيار" مدى التبعية" أو معيار (مدى الإعتماد على الرأسمالية العالمية، من أجل تجديد الإنتاج الاجتماعى، بل ومن أجل الحياة اليومية المعيشة) وحاصل معيارنا المقترح، والذى يعتمد على قانون القيمة، هو معرفة مدى اعتماد المصريين على الرأسمالية العالمية إنتاجاً واستهلاكاً، من خلال التعرف على نسبة متوسط نصيب الفرد من الواردات السلعية، التى تلتهم القيمة الزائدة، إلى نسبة متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى السلعى الإجمالى، وهو معيار يقيس مدى التبعية الاقتصادية للخارج؛ بقياسه لمقدار التسرب فى القيمة الزائدة المنتجة بفضل سواعد الشغيلة الأُجراء فى الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى.
وقد توصلنا إلى أن متوسط نسبة تبعية المجتمع المصرى فى الفترة 2000-2013 مقداره 39.76%، أى أن متوسط استخدام الفرد المصرى لسلع السوق الرأسمالية العالمية، ومن ثم اعتماده عليها فى حياته اليومية، يُقدّر بأكثر من الثلث من جملة إستخدامه للسلع المختلفة؛ فأكثر من ثلث السلع التى يستخدمها المصرى فى حياته اليومية هى سلع السوق الرأسمالية العالمية. بل فى بعض سنوات الفترة المذكورة تجاوزت نسبة "التبعية" هذا المتوسط بكثير وحققت نحو 63% تقريباً فى عام 2008.
فهل صار الأن واضحاً أين إتجهت الـ 6 مليارات؟ أين إتجهت القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد الشغيلة فى مصر؟ وهل اتضح ما نعنيه بالتبعية؟
لقد إتجهت الـ 6 مليارات، فى مثلنا التقليدى، لتمويل متوسط"مدى التبعية" ونسبته (40% تقريباً) من خلال شراء السلع المنتجة فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى. أى أن ما يُنتجه الشغيلة فى مصر، وبالمثل باقى الشغيلة فى بلدان الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، إنما يذهب لتدعيم صناعات معقدة ومتطورة فى الأجزاء المتقدمة.
ومعيارنا الذى نقترحه لقياس التبعية، ابتداءً من قانون القيمة، على أساس نسبة متوسط نصيب الفرد من الواردات السلعية، التى تلتهم القيمة الزائدة، إلى نسبة متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى السلعى الإجمالى، من أجل قياس مقدار تسرب القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد الشغيلة فى الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر، إنما يختلف جوهرياً عن المساهمات التى ادعت إنشغالها بقياس التبعية، على الرغم من أن بعض هذه المساهمات، مثل مساهمة د. إبراهيم العيسوى، تعتد، ضمن عشر مجموعات، بنسبة الواردات إلى الناتج المحلى الإجمالى، إلا أن هذا الاعتداد إنما ينبنى، مثل كُل المساهمات(47)، بعيداً عن قانون القيمة، ومن ثم تمسى النتائج مختلفة؛ فعلى الرغم من أن المعيار الذى نقول به هو، ظاهرياً، نفس المعيار تقريباً، من ضمن معايير أخرى، الذى تقول به المساهمات الأخرى، إلا أن النتيجة مختلفة؛ لأننا نخلص، وفقاً لمعيارنا المرتكِز على قانون القيمة، إلى أن الاقتصاد تابع لأنه يعتمد على الرأسمالية العالمية فى سبيله لتجديد إنتاجه الاجتماعى، ومن ثم فهو فاقد للسيطرة على الشروط الموضوعية التى تمكّنه من هذا التجديد دون إعتماد على الخارج. فى حين أن المساهمات الأخرى لا تستطيع أن تضع يدها على بيت الداء، لأنها فى الواقع لا تستهدفه بالأساس، وتنطلق، بكل حرية، ربما مفرطة، على صفحات النيوكلاسيك والكينزيين والنقديين كى تدرس مفردات الاقتصاد القومى ككُل(48). وفى المنتهى لا تقول لنا إلا ما نعلمه، كأناس عاديين أو باحثين، من ان الاقتصاد سىء الأداء، مختل الهيكل، والشعب فقير جاهل، والعملة الوطنية متدهورة القيمة، والتضخم مستشر، والأستثمار متراجع، والركود متزايد، بل ربما قالت لنا ان درجات الحرارة غير مستقرة... إلخ. فإن أفضل ما لدى جُل المساهمات فى التبعية، كما تراها هى، كى تقوله هو أن الاقتصاد واهن سقيم، ونحن نَعلمُ ذلك. يجب أن تتكاتف الجهود الوطنية المخلصة كى تنقذه وتقيله من عثراته، ونحن نعلم ذلك أيضاً ولا جديد. وعلى الفور نقرأ ونسمع السيل من المقترحات (من خارج علم الاقتصاد السياسى، كعلم منشغل بقانون القيمة) توصى وتنصح أولاً بمسح شامل للاقتصاد (تقريباً وفقاً لمؤشرات البنك الدولى!) فإذ ما وجدت، وحتماً ستجد، الاقتصاد القومى المتخلف يعانى من التضخم والكساد والبطالة والركود،... إلخ، إنتقلت إلى المرحلة الثانية التى توصى فيها، ولو ضمناً، بالنظر إلى ما هو متبع من سياسات اقتصادية فى الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى والمناداة، ربما العُصابية أحياناً، بتطبيقه حتى يمكن إصلاح الاقتصاد! ويكون من لوازم هذا النداء، بطبيعة الحال، النداء الموازى بضرورة الاندماج فى السوق الرأسمالية العالمية. على الرغم من أن نفى التبعية مرتهن بمدى رفض الاعتماد على السوق الدولية من أجل تجديد الإنتاج الاجتماعى فى الاقتصاد المتخلف، التابع، أى أن نفى التبعية يكون بالتنمية المستقلة المعتمدة على الذات، بيد أن ما نستنتجه من المساهمات التى تعتنق التصورات الحدية، أو الكينزية فى أفضل الأحوال، هو أن الخروج من التبعية يكون باتباع سياسات الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى العالمى المعاصر!
إن التبعية، كما نفترضها، هى أن يفقد المجتمع الاستقلالية الاقتصادية. يفقد القدرة على السيطرة على الشروط الموضوعية لتجديد إنتاجه الاجتماعى. والمجتمع يفقد الاستقلالية الاقتصادية حينما تتسرب القيمة الزائدة المنتجة بفضل عرق الشغيلة فى الأجزاء المتخلفة صوب الأجزاء المتقدمة. كما يفقد المجتمع القدرة على السيطرة على الشروط الموضوعية لتجديد إنتاجه الاجتماعى حينما يمسى عاجزاً عن الإنتاج دون أن يعتمد على السوق الرأسمالية العالمية التى تحتكر إنتاج وسائل الإنتاج التى يعتمد عليها المجتمع المتخلف، التابع، فى سبيله إلى تجديد إنتاجه السنوى، بل وفى سبيله إلى تحقيق وجوده الإنسانى اليومى. الأمر الذى يجعلنا نسأل سؤالاً واحداً محدداً هو: ما مقدار اعتمادنا، نحن أبناء الأجزاء المتخلفة، على الرأسمالية العالمية فى سبيلنا إلى تجديد إنتاجنا الاجتماعى السنوى، وتحقيق وجودنا الإنسانى والاجتماعى اليومى؟ هذا السؤال هو ما نعتبره"سؤال التبعية". وهو السؤال الذى لا يمكن، فى تصورنا، مناقشته إلا ابتداءً من قانون القيمة. وربما قانون القيمة فقط.
أما البحث فى مفردات الاقتصاد القومى ككُل، وفقاً لنظريات البنك الدولى، والمؤسسة التعليمية الرسمية، فنحن لا ننكره ولا نرى مبرراً لاهدار نتائجه، وإنما لا نتجاوز به حدوده التى لا ينبغى له أن يتعداها كبحث ينتهج التصورات الحدية ولا يرى الاقتصاد القومى إلا من خلال معدلات التضخم، وبيانات البطالة والفقر، ونسب الجوعى والمرضى، واحصاءات الدخل والناتج... إلخ، لأن هذه الأبحاث تنشغل بعمل بحث، إنما نيوكلاسيكى/ حدى/ آنى، فى مشكلات مفردات الاقتصاد المعنى ككُل. ودون أن تثير الكيفية التاريخية التى شكلت الواقع، والذى تبحثه، بجميع تفاصيله.
إن دراسة الاقتصاد بوجه عام جداً، وفقاً لما اقترح د. العيسوى، من الأمور السديدة منهجياً بلا شك، إنما بشكل جزئى، بل من الواجب علمياً، فى مرحلة منهجية أولى، أن يُدرَس الاقتصاد القومى، آنياً، من جوانبه كافة، إنما غير الصحيح، فى تصورى، هو أن نسمى هذا البحث الشامل بحثاً فى التبعية، لأن التبعية كمقياس لظاهرة تجديد إنتاج التخلف الاقتصادى والاجتماعى إنما يتعين أن تقيس مدى اعتماد الاقتصاد القومى على الرأسمالية العالمية فى سبيل تجديد إنتاج المجتمع لإنتاجه السنوى. تقيس مدى فقد المجتمع للسيطرة على الشروط الموضوعية لتجديد إنتاجه الاجتماعى. تقيس مدى فقد المجتمع للقدرة على الإنتاج المستقل المعتمد على الذات. تقيس مدى تسرب القيمة الزائدة المنتَجة بفضل سواعد الشغيلة فى الاقتصاد القومى المتخلف إلى خارجه صوب الأجزاء المتقدمة من أجل شراء وسائل الإنتاج اللازمة لتجديد الإنتاج الاجتماعى. وحينئذ يمكننا تحديد الإشكالية المركزية ومن ثم تحديد طبيعة الحل. أما البحث فى مفردات الاقتصاد القومى ككُل، ابتداءً من تصوراتٍ نيوكلاسيكية/حدية/ آنية، وفقاً لمؤشرات البنك الدولى والنظرية الرسمية، كى نصل إلى أن الاقتصاد واهن كاسد متصدع الهيكل، ثم نسمى ذلك تبعية! فهو ما نتصوره فى حاجة إلى مراجعة، على الأقل من أجل تصحيح فهم التبعية نفسها فهمها ناقداً بغرض الخروج منها. وهو ما يتطلب فهمها فهماً متجاوزاً للرؤى الخطية والتصورات الميكانيكية. فهمها إنما ابتداءً من قانون القيمة. فقانون القيمة بمفرده، ودون ادعاء امتلاك ناصية الحقيقة الاجتماعية، هو القادر على أن يشرح بدقة التبعية بمعناها المفترض أنه صحيح، ومن ثم يمكّننا من النفى التاريخى لها كمقياس لتجديد إنتاج التخلف الاقتصادى والاجتماعى. وهو ما يمكننا من ترسيم حدود النفى التاريخى للتبعية كمقياس للقيمة الزائدة المتسربة إلى خارج الاقتصاد القومى المتخلف، التابع، المنتِج لها.
يرتبط هذا التسرب فى القيمة الزائدة المنتجة فى داخل الاقتصاد الوطنى، التابع، إلى خارج الاقتصاد القومى من أجل تمويل نسبة "مدى التبعية"، أى من أجل شراء السلع والخدمات التى تتوقف عليها عملية تجديد الإنتاج الاجتماعى، بمفهوم التخلف ارتباطاً وثيقاً، حيث أننا نرى أن التخلف الاقتصادى والاجتماعى هو:"عملية اجتماعية من ارتفاع معدل إنتاج القيمة الزائدة، المتناقض مع ضعف آليات إنتاجها، ومن خلال هذا التناقض تتبلور ظاهرة تسرب القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً فى الأجزاء المتخلفة من الاقتصاد الرأسمالى العالمى المعاصر إلى الأجزاء المتقدمة". أى تتسرب هذه القيمة الزائدة من أجل تمويل نسبة "مدى التبعية". وهذا التحديد لمفهوم تجديد إنتاج التخلف الاقتصادى والاجتماعى، إنما، ووفقاً لقانون التناقض، يُشير إلى أن الرأسمالية فى الأجزاء المتخلفة، ومنها مصر، وعلى حين يهمها الابقاء على معدلات إنتاج القيمة الزائدة المرتفعة، بل ورفع تلك المعدلات(لأنها سر حياتها) فهى تقع فى التناقض حين تسعى، وفى نفس الوقت، إلى تطوير قوى الإنتاج، المتخلفة بالأساس، فى تلك الأجزاء، والتى تتلقى الفنون الإنتاجية من الأجزاء المتقدمة بعد استهلاكها، ومعنى تطوير قوى الإنتاج هو إحلال الآلة؛ ويعنى إحلال الآلة (من أجل الحصول على أكبر قدر من السلع فى أقل وقت عمل، مع دفع أقل أجر) التقليص من معدلات إنتاج القيمة الزائدة. هنا يقع التناقض ما بين ارتفاع معدلات إنتاج القيمة الزائدة وضعف آليات إنتاجها. وإلى حين حل هذا التناقض تأخذ القيمة الزائدة المنتَجة داخلياً فى التسرب إلى خارج مسام الاقتصاد القومى كى تُغذى صناعات معقدة ومتطورة فى الأجزاء المتقدمة (ولا نغفل الأجزاء التى إتخذت منها الأجزاء المتقدمة مصدراً للعمالة الرخيصة فنقلت مصانعها إليها) والتى تمد الأجزاء المتخلفة بالسلع كثيفة التكنولوجيا والرأسمال، وهى السلع التى تتوقف عليها شروط عملية تجديد الإنتاج الاجتماعى فى الأجزاء المتخلفة. أى أن القيمة الزائدة المنتجة داخلياً تأخذ فى التسرب إلى خارج الاقتصاد القومى من أجل تمويل نسبة "مدى التبعية". والجدول أدناه يبين الميل العام لتبعية الاقتصاد المصرى للسوق الرأسمالية الدولية فى الفترة من 2000 إلى 2013 مع مراعاة ضرورور الوعى بأن المتوسط الحسابى عادة ما يخفى أكثر مما يظهر، ولذا لا نعتد إلا بالميل العام على وجه الاسترشاد لفهم أداء الاقتصاد على صعيد التبعية الاقتصادية بوجه خاص.
الميل العام لتبعية الاقتصاد المصرى للسوق الرأسمالية الدولية فى الفترة من 2000-2012
السنة متوسط نصيب الفرد من الواردات السلعية متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى السلعى الإجمالى معدل التبعية
2000 0.76 2.6 29.23
2001 0.77 2.67 28.83
2002 0.84 2.93 28.66
2003 0.94 3.32 32.12
2004 1.15 3.65 31.50
2005 1.62 4.11 39.41
2006 1.62 4.70 34.46
2007 2.08 5.9 35.25
2008 3.86 6.1 63.27
2009 3.28 6.72 53.77
2010 3.82 7.67 49.80
2011 4.61 8.52 54.10
2012/2013 3.80 10.4 36.53
المتوسط العام للتبعية الاقتصادية فى الفترة 2000 / 2013 = 39.76%
المصدر: من تصميم الباحث بالإعتماد على المقارنة والمقاربة والترجيح بين الأرقام الواردة فى التقارير الرسمية الآتية:
Report of the World Development (1993) (1998) (2010) (2011) (2012) (2013). CIA-The world fact book (2008) (2009) (2010) (2011) (2012) (2013). Human Development Report (2010) (2011) (2012). Report of the World Social Situation (2009) (2010) (2011) (2012) (2013). World Economic Outlook (2010) (2011) (2012) (2013). International Financial Statistics (March 2010) (May 2011) (May 2012) (March 2013) Education for All by 2015.Will we make it? (2008).Yearbook of Labour Statistics (2009) (2010) (2011) (2012).



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التبعية مقياس التخلف
- مبادىء الاقتصاد السياسى
- للحق، لا للقضاء، للمحامى المصرى رامى الحدينى
- ما قبل هيمنة ظاهرة الرأسمال
- ما قبل هيمنة الرأسمال
- نقد قانون القيمة عند ماركس
- تاريخ الرأسمال
- كل شىء متوقف على كل شىء
- السلفيون ووهم تطبيق الشريعة
- المنهج والتجريد والعلم والاقتصاد السياسى
- بعد أن تحول العالم والكاهن إلى شغيلة فى عداد المأجورين
- اقتصاد سياسى بلا ماركس. هكذا يعدمون عقولنا
- المختصر فى تاريخ بلاد فارس - الجزء الثانى
- المختصر فى تاريخ بلاد فارس
- لينين: الرأسمال المالي والطغمة المالية
- نمط إنتاج آسيوى؟
- رأسمالية الذهب والدم
- فى التجريد
- فى المنهج
- تحالف الأضداد. فنزويلا نموذجاً


المزيد.....




- بوتين: الاقتصاد الروسي يعزز تطوره إيجابيا رغم التحديات غير ا ...
- الخزانة الأمريكية تهدد بفرض عقوبات على البنوك الصينية بزعم ت ...
- تقرير: -الاستثمارات العامة السعودي- يدير أصولا بنحو 750 مليا ...
- البنك الدولي: توترات الشرق الأوسط تهدد التقدم العالمي بشأن ا ...
- معضلة الديون في فرنسا.. وكالات التصنيف قلقة ونظرتها سلبية
- أرباح بنك -أبوظبي التجاري- ترتفع 26% في الربع الأول من 2024 ...
- البنك الدولي: توترات المنطقة تهدد التقدم العالمي بشأن التضخم ...
- أسهم -وول ستريت- تهبط بعد نتائج ميتا وبيانات اقتصادية سلبية ...
- الأول في الشرق الأوسط.. صندوق النقد الدولي يفتتح مكتبا إقليم ...
- بلينكن يدعو الصين إلى -منافسة اقتصادية صحية-


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد عادل زكى - الاقتصاد المصرى