أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مريم نجمه - شهادات من الداخل السوري - الروائية سمر يزبك - 4















المزيد.....


شهادات من الداخل السوري - الروائية سمر يزبك - 4


مريم نجمه

الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 02:22
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    



شهادات من الداخل السوري – الروائية سمر يزبك – 4
صفحات جديدة متفرّقة من شهادات صادقة , ومعايشة كاتبتها بالتزام وطني وأخلاقي , خدمة للثورة وتاريخها المشرّف , كما بدأت قبل بطشها والتاّمر عليها من كل القوى التي تدّعي الممانعة والديمقراطية والصداقة ..!
الكاتبة سمر يزبك .. ناشطة سورية حرة ومستقلة ووطنية . التزمت بقضايا شعبها الثورية ولها تجربة غنية وشخصية في الثورة , شريكة مع شعبها بالتضحيات والّاّلام التي تفوق التصور , المستمرة على شعبنا المكافح الصبور حوالي نصف قرن من الإستبداد ..
لنقرأ معاً ما كتبت تحت هذه الضغوط والأجواء الدموية القمعية والوحشية التي عاشتها مدن سوريا وما زالت حتى اليوم تحت ظل نظام البطش والجريمة :


******

- ( زيارتي تفـشل , نعود من منتصف الحي . صديقتي تقلق , وتقول إنها لا تستطيع أن تخاطر بحياتي , بعد أن تلمح عدة رجال أمن يحيطون بالمكان . كل عناء الطريق الطويلة من دمشق إلى جبلة تنتهي مهمته في نصف ساعة . الشاب المفترض أن يأتي الى المكان الذي ننتظره فيه , لم يأت , وصديقتي أدارت مقود السيارة وعدنا أدراجنا بعد أن توقفنا قليلاً أمام بوابة ألسوق القديم المقبّب , وجاء باتجاهنا عدة رجال , فخرجنا بسرعة , قالت لي أنهم يطلبون الهويات وإذا كشفت لن يرحموك .
قمتُ بتأجيل ذهابي , من قبل إلى جبلة , حتى تنهي إبنتي امتحاناتها . أريد أسبوعين اّخرين , والاّن أنتظر مثل قرمة شجرة عجوز المزيد من الأخبار .
لا يوجد أنترنت , حرَكتي يجب أن تكون خفيفة , والهدوء , وانتظار أن ينساني رجال الأمن وأغيب عن بالهم , ولكن هل سأغيب رغم صمتي واختفائي , الأصدقاء يريدون مني مغادرة البلاد فوراً , يلحّون , باتصالات قلقة وخائفة على سلامتي وأنا لا أستطيع , لكن يجب التفكير بأن مدخراتي من المال نفدت . كان إيجار البيت عاليًا لأنه في منتصف البلد , علي التفكير بما سأفعله بعد مضي الأشهر الثلاثة وكيف سأتدبر أمري وأمر ابنتي في العيش .
أريد صباحاً بلا دماء , صباحاً واحداً لا أشعر فيه بملوحة تعصف بحلقي حيث تتوقف أصابعي عن الحركة وأبقى مسمّرة أحدّق في الفراغ أحاول تفريغ اللقاء مع الصحافي – م – ع – الذي اخترق حصار درعا أكتبه ثم أنقله مباشرة إلى الكمبيوتر .

شهادة م – ع





.. ( دخلت درعا عن طريق دكتور بيطري ولم أدخل بصفتي صحافياً وكانت عناصر الجيش تتوزع على كل مفارق المدينة والحواجز العسكرية , ورجال الأمن في كل مكان . توقفنا كثيرًا للتفتيش وكانت تلك رحلة طويلة رغم قصر المسافة , وكان لدى الجيش قوائم أسماء ينظرون فيها , يقومون بتفتيشنا ثم يسمحون لنا بالدخول
بعد ان أجريت الحوار مع الطبيب قمنا بالتجوال في المدينة , ثم ذهبنا الى الجامع العمري وكانت هناك تظاهرة وبداية تجمع لها , رأيت معن العودات وسلمت عليه . كانت هناك قوى أمن كثيرة تنتظر الهجوم على المتظاهرين قبل يوم الجمعة . كان عدد المتظاهرين حوالي 1000 شخص , لم نهتم كثيراً بالبقاء وذهبنا إلى منزل أحد الوجهاء , وحكى لنا ما حصل وهي القصة التي يعرفها الجميع عن أطفال درعا وتقليع أظافرهم وتعذيبهم بشكل وحشي . وأعاد علينا الوجيه ما قاله عاطف نجيب للوجهاء : بتجوا بتاخذوا أطفالكم وبتفوتوا بدالهن نسوانكم " .
لذلك قرر المتظاهرون الإستمرار في الإعتراض , بعد أن أهين شرفهم وعرضهم , وهم شيوخ وعشائر وقبائل . وكانت مطالبهم إضافة إلى معاقبة من قام بتعذيب الأطفال , هي إلغاء قانون الطوارئ والقضاء على الفساد والرشوة .
يتوقف م ع - عن الكلام . يتأمل ثم يقول فجاة بالمناسبة القنابل المسيلة للدموع لم تكن كذلك كانت غازات للأعصاب .

***

....( التوتر الطائفي ظهر كثيرًا بين بانياس وجبلة واللاذقية , كان الشبيحة يحرّضون عبر الذهاب إلى أحياء السُنّة , والمرور بينهم وتوجيه شتائم طائفية لهم , وكانوا يجدون لهم اّذاناً صاغية من بعض الناس . فيردّون بهتافات طائفية أيضاً . الذي حدث أن رجال السكنتوري والرمل الفلسطيني وحي الصليبة , كانوا يضربون بسكاكينهم من يرون , ولم يفرقوا بين رجال الأمن أو المتظاهرين . أستطيع أن أؤكد لك أن الأمر لم يكن طائفياً , لأني رأيت بأم عيني رجلاً من الطائفة العلوية في بداية حركة الإحتجاج يقف ويخطب بين المتظاهرين ويقول : أنا علوي وسأشارك في التظاهرات , أنا ضد النظام . لقد شرّدني من بلدي لسنوات طويلة , نحن كلنا أمة واحدة .

( تنتهي شهادة الرجل هنا, وأعرف في أعماقي ما تعنيه هذه الكلمات فهذه الشهادة كانت من بين عشرات الشهادات التي جمعتها حول مشاركة بعض الناس العاديين , من العلويين في بداية حركة الإحتجاجات , وكيف تم قمعهم بطريقة وحشية من قبل النظام ومؤيديه .


حكاية ( 3 )
هذه الحادثة رواها جار لي وهو متطوع في الأمن يقول : أثناء حصار مدينة جسر الشغور و كان القصف عنيفاً , واختلطت الأمور فيما بينها ولم أعد أعرف ما الذي عليّ فعله , فجأة كنت وحيداً وسط الخراب , وبقيت أركض وأنا أحاول إخفاء هويتي , كان لدي يقين بأن أهالي جسر الشغور إذا قبضوا عليّ سوف يقومون بقتلي . كنت مؤمناً بوجود عصابات مسلحة وأنهم يريدون ذبحنا وقتلنا . دخلتُ أحد الأزقة وأنا أحاول النفاذ بين الطرق , رأيت رجلاً وأخفيت عنه من أكون لكن الرجل عرف أني غريب , كان وجهه يعلوه الغبار ويحمل كيساً بيده اكتشفت لاحقاً أنه ينقل بعض الأطعمة لعائلته وقفت أمامه كنت مصاباً في قدمي ولا سلاح معي وكنت أعرج , إقترب مني وقال : أنت من رجال الأمن ؟ فقلت نعم , وانتظرت أن أموت قال بهدوء : إلحق بي لحقت به , دخلت بيته كانت هناك غرفة فارغة مسح جرحي ووضع بعض الأربطة ونظر إلي قائلاً : نحن لسنا وحوشاً . أعرف أيضاً أنك لست قاتلاً . خرج وعاد بعد قليل , كان معه رجل تناقشنا فيما بينهما , قالا إذا بقيت هنا قد تتعرض لإنتقام الأهالي , وهذا أمر مستبعد لكنك لن تكون هنا بأمان , ما رأيك أن تعبر الحدود على أساس أنك إبن عمي ؟ وكنت مدهوشاً حين ناولني هويته وقال : بإمكانك أن تعبر بها حتى تؤمن نفسك ثم ترسلها لي لاحقاً . لم أكن أعرف ماذا ساقول له , لكنه أنقذني أولاً , وهو يريدني أن أنجو بنفسي . الرجل الذي روى الحادثة , ترك بيته واختفى ولم يعد يراه الجيران , الجيران قالوا إنه قتل , لكني أعرف أنه اختبأ خوفاً من أن يقوم رجال الأمن بقتله , لقد قال لي بالحرف الواحد : لن أشارك بعد الاّن بما يحدث هؤلاء الناس كانوا طيبين معي وأنقذوني ) .
------------


- ( يجب التحضير للعودة الى بيتي السابق , ما من ضرورة ملّحة لبقائي في بيت وسط العاصمة يحتاج نصف راتبي الشهري , وقد صار معروفاً للجميع ! لا يحتاج الأمر مني البقاء في الخفاء , فقد صار واضحاً لي أنهم لن يقوموا باعتقالي , التخويف وتشويه السمعة والترويع , هذا ما فعلوه , وإلا ما معنى تلك الرحلات التي كان عليّ القيام بها . الرحلات التي أسميها : " زيارات الجحيم " , ليست زيارات , ربما إطلالات على الجحيم , لكنها تكفي لورع الجحيم في قلبي . المرة الثانية التي جاؤوا فيها إلى بيتي , لم يكونوا ثلاثة رجال , كانا رجلين فقط . وكنت حينها قد توقفت عن الكتابة , أحاول تدوير هذه اليوميات , أحاول تذكر التفاصيل , لكنها تهرب مني . الرجلان كانا في غاية التهذيب , واستغربت , حتى أنهما لا يبدوان كرجال الأمن أو الشبيحة الذين أخذوني في المرة الأولى . طلبا مني بأدب بأن أرتدي ملابسي , وأنا رفضت وحاولت الإستفسار , لكن أحدهما أومأ برأسه وأشار إلى الخارج . الثاني , قال بثقة : " مدام نحنا عالباب حتى تلبسي ثيابك " ,
, قال " مدام " بلكنة مضحكة وأدار ظهره , وظهر مسدس أسود على خاصرته , يضعة بين الحزام وقميصه الخمري اللون . كان ظهور المسدس كافياً لقول أشياء لم يكن بحاجة لقولها , لكن الأخير أضاف : " المعلم ناطرك " . وعرفت ما سيحدث لكن فكرة العودة إلى السرداب المظلم ورؤية أجساد السباب الممزقة روعتني . تمنيت أن يعتقلوني , ويرموني بين السجناء , وأنتهي من هذا الكابوس , لكني كنت أعرف حينها أنهم لن يفعلوا , كان من الصعب عليهم الإيحاء أن هناك معارضة لهم في السجن لشخصيات معروفة من الطائفة العلوية . حاولوا طمس هذه المسألة إضافة إلى ثأر شخصي صار واضحاً أن الضابط يكنه لي . حقد أعمى , أفهم سببه , وأعرف من أي تعصب يأتي . سمعت من قريب لحافظ الأسد أنه عندما استلم الحكم بعد انقلابه العسكري سنة 1970 , جاء بضباط ألمان ليدرب أجهزة أمنه على خبراتهم , وأعرف أن هذا الضابط الذي يستلذ بتعذيبي هو واحد من الذسن تربوا على يدي ضابط كبير كان التلميذ النجيب لأحد الضباط الالمان حينها .
فكرت أن حافظ الأسد كان من الذكاء يستخدم النظرة العصبية النازية نفسها في تحويل أبناء طائفته إلى مدافعين قتلة عنه , وعن عائلته بالطريقة التي أتبعها هتلر وجهاز أمنه , لكن لم يخطر للرئيس الأب أن طائفته لن تقف كلها معه , مع ذلك استطاع أن يخلق جنداً من القتلة بين صفوف أجهزته . الكثير من المعلومات التي أعرفها عن هذه العائلة وعوائل أخرى , أفكر أنها تصلح لروايات وقصص خيالية , لغرابتها وفداحتها الموغلة في الظلم .


نزلت مع رجلَي الأمن , كنّا في شارع الروضة عندما وضع الرجل العصابة على عيني , وانا أحاول معرفة المكان الذي سنذهب اليه . دارت السيارة عدة مرات , كانت تدور بشكل دائري وتعود إلى النقطة نفسها حينها, قلت لنفسي لا بد لنا أننا لا نزال في منطقة الجسر الأبيض , وهذا ما سمعته من بعضهم حين أكدوا لي ان مكتب الضابط الكبير في الجسر الأبيض , ولكن كيف يمكن لهذا السجن الكبير أن يكون في منطقة وسط دمشق , ومكتظة بالناس ؟
قلت ربما أكون مخطئة , ونحن سنتجه الى منطقة دوّار كفر سوسة , حيث تجتمع أفرع الأمن كلها , لكني لم أستطع تحديد المكان , كانت العصبة مشدودة حول عيني والرجل أمسك بيدي , ووضعهما خلف ظهري وقال بلهجة مهذبة : " مدام ما تحركي إيدك " .

مثل الرحلة الاولى , كنت في المكتب نفسه , ولكن الضابط الكبير لم يكن هو , كان هناك رجل اّخر , يضع رتبة عسكرية , لم أعرف أن أحدد الرتبة لكني استطعت أن ألمح القسوة في عينيه , وهذا أمر لاحظته اثناء الإستدعاءات الأمنية فس السنوات الماضية . كلما ارتفعت رتبة الضابط كان أكثر تهذيباً , وكلما انخقضت رتبته كان أكثر توحشاً . فكرت أنهم أرسلوا لي هذا الضابط لأقل رتبة ليعذبني , وحقيقة كنت في نقطة اللامبالاة أمامه , أمارس لعبتي في تحويل التفاصيل إلى رواية , أراقبها لأكون أكثر شجاعة , لكن الرجل لم يفعل شيئاً . دخل ثلاثة رجال كانوا ضخاماً , عيونهم تحدّق بالشرر من حولي , ورموا على الأرض شاباً عارياً إلا من سرول داخلي ملطخ بالدماء . كان يشبه أجساد الشباب الممزقة التي رأيتها في المرة السابقة , لكنه كان يئنّ , قال لي الضابط : " هذا الشاب بيقول إنك بتنظمي المظاهرات معه " . نظرت إلى الشاب , قلت بهدوء " " غير صحيح , المظاهرات ما بدها تنظيم .. الناس بتنزل من دون تنظيم " . اقترب الضابط مني , ووضع عينيه في عينيّ , وأنا لم أتحرك , بقيتُ أحدق فيه . عناد استولى عليّ , بأن لا يرفّ جفني , قال بما يشبه الفحيح : " والله لأسلخ جلدك عن عظمك يا كلبة " , وأشار للرجال بيده , فاقترب الرجال الضخام مني . كنت مثل لعبة بين أيديهم , جرّدني أحدهم من سترتي وبقيت في قميص شفاف بالكاد يغطي عري صدري , نظر إليّ وقال : " شو مدام , شو رأيك نبلّش بالشلح ؟" , لم أردّ . وبقيت أحدّق فيه بتلك النظرة القاسية نفسها , الحقيقة أني كنت مذعورة , وبدأت أشعر أن الشلل يجتاحني من أخمص قدمي صاعداً حتى منطقة القلب . لم أحاول النظر إلى جسد الشاب الذي يئنّ ز قال لي الضابط : " عم بيقول كمان إنو صاحبك ! " . وأنا بدأت أرتجف . لكني بقيتُ أحدّق فيه , بالطريقة نفسها وصارت عيناي تحرقانني . في واقع الأمر , كنت في حالة عصبية سيئة , قبل مجيئي , كنت أمر بنوع غريب من الإنفعالات . حالات بكاء تصيبني في الليل , صور الجثث المعروضة على التلفزيون تأتي إليّ في الحلم ضاحكة , صور أبنتي مذبوحة من الوريد إلى الوريد , وألوان غريبة تطلع أمام عيني وأنا في صحوي , كان كل خبر عن قتل كفيلاً بهزّي من الأعماق .

كانت رؤية دبابة تجعل أعصابي تهتزّ . رؤية حاجز أمني , وتلك الهراوات والجماعات البشرية التي تنقضّ على الناس بالضرب , لم أكن أحتما كل هذا , لذلك عندما جعلني شبه عارية من الأعلى , بدأ جسدي يرتجف , أخمّن أن لون وجهي استحال إلى أروق , وشعرت بأسناني تصطكّ , وبقيت أحدّق فيه .
كان جسدي الخط الذي لا يمكن المهادنة معه , كنت على علاقة مباشرة وواضحة إلى درجة لم أكن أعرفها قبل هذه اللحظة , فأنا سيدة نفسي ومالكة جسدي المقرر للحب فقط , الحب فقط هو ما يجعله مطواعاً , وغير ذلك فهو حجر أبكم وأصمّ , واستباحته بهذه الطريقة , وأنا مربوطة برجلين يحكمان الشدّ على ظهري , جعلني أرتجف أيضاً .
حدّق في عينيّ , انفصلت الاّن عن لعبتي في التخيل , صار من الصعب عليّ ممارستها , بدأت أسمع دقات قلبي , وشعرتُ أن حبالاً ترتطم في رأسي . اقتربَ مني أكثر , وكنت أجهّز أسناني للعضّ في حال اقترب مني . أشار للرجلين برأسه , وعندما اقترب أحدهما , صرختُ, وشعرتُ أن سكيناً حادة تفصلُ رأسي شقّين . كانت لحظات قليلة , لأن الرجلين ابتعدا , وأنا هويت ببساطة فوق جسد الشاب الذي يئن , ارتطمت به , وأطلق صرخة عالية , لن أنسى وقعها ما حييت , كانت اّخر ما سمعته قبل أن أفقد وعيي وأشعر أن رأسي شقّ إلى نصفين ) .
-----------


تجربة ليست سهلة على إمرأة وكاتبة حرة تجربة مرعبة ومخيفة ستخلق في داخلها بركان من الثورة بركان من الغضب ستشكله روايات وصور جديرة بالدراسة والتحليل لهذا الشعب وغستابو النظام , يا إلهي ...... !
وتسترسل السيدة سمر بهذا الوصف الدقيق الحساس ونحن نرتعش بدمعة حارة تنسكب دون إرادتنا لنشاركها المشاعر الأنثوية عند محاولة التقرب إلى الخصوصية والذاتية وحدود الدفاع المستميت عن الجسد الذي لا يمتلكه سوى صاحبه ولا يحق لغيره التصرف أو التقرب إليه عنوة وإذلالاً واغتصاباً للكرامة الإنسانية !



******
( عندما استيقظت وجدت الضابط الكبير نفسه , الضابط الذي استقبلني بداية اختفى , وكنت شبه ممددة على الأريكة بملابس كاملة , وأشم روائح دم , سأعرف لاحقاً أن دماء الشاب بقيت على رقبتي حتى عدت إلى بيتي , ورأيتها واضحة فيا لمراّة . الضابط الكبير قال ك : شفتي ما أقساهم على بنت رقيقة مثلك ! ونظر إليّ بسخرية , أغمضتُ عينيّ . كان الصداع يقتلني , وما زلت أشعر بوجود سكين تشق رأسي نصفين , قال : خلي معجبينك يجوا يشوفوا البنت القبضاي ! وأطلق ضحكة مجلجلة .

أنا كنت في حالة إغماء , لا أعرف ما يحدث , لكنه فجأة أنهضني , كانت الأرض تلفّ بي , قسقطت مرة أخرى , ثم سمعت صوته يصرخ بهم أن يعيدوني إلى بيتي . مرّ حذاءه بالقرب من عيني وأنا على الأرض . لن أنسى تلك اللحظة , سأظلّ أذكرها محفورة في عقلي , كان حذاؤه لامعاً , وعصرياً , لكنه مفلطح , رأيت أن قدمه مدوّرة , احتك حذاؤه بأرنبة أنفي وخرج , حينها أيضاً أغمضت عيني وبكيت .
أستعير تلك الزيارة الجحيمية وأنا أستعدّ للإنتقال والعودة إلى البيت . إبنتي غاضبة , كنت أعي صعوبة حالتها , فالعودة إلى بيت جدّها مستحيلة , العلويون الذين يتعاملون معي كخائنة لن يتركوها بحالها , وفي بانياس حيث يعيش أبوها , كان الوضع أكثر سوءاً , وكانت ستتعرض لمتاعب أكثر صعوبة , بعد فبركات الأمن السوري ومواقعه الإلكترونية التي حضّت على قتلي بتهمة تحريضي على قتل أحد القناصة , كنت أصمت عن غضبها , وأحاول تخفيف الأمر عنها , لكن جسدي صار منهكاً لدرجة أني وعندما كنت أرتب أغراضي للعودة إلى البيت , صرت أتعرض لنوبات إغماء متكررة , ليس هذا بسهل عليّ , خاصة أن امي مريضة ولا يمكنني زيارتها والإطمئنان عليها , لقد أغلقت هاتفي , واستعملت هاتفاً جديداً , حتى لا يتم الوصول إليّ , قطعت كل ما حولي من صلات , لكن الأمر بالنسبة لإبنتي كان مستحيلاً , كانت خطتي أن أتخفّى وأعمل مع الشباب والصبايا , حتى يسقط النظام , كان هذا مستحيلاً بوجودها , لا مجال للتخفي وهي تعيش معي , ولا مجال أمامي لتركها لمصير أسود , أنا في نقطة اللاعودة واقفة مثل حجر أصم . فكرة السفر هي الصورة المثلى لموتي , كانت الفكرة تلح وتصير أمراً واقعاً , لكن مجرد التفكير اني سأغادر دمشق كان يصيبني بالهلع . ) .

وجع حماه !؟

( لقد رأيت بأم عيني رجلاً يتحدث على الميكرفون بين جموع المتظاهرين : " أنا علوي وأنا ضد النظام ، القضية ليست طائقية النظام سيقلبها فتنة " , والناس ردّدت وراءه : " واحد واحد واحد الشعب السوري واحد " . الناس في حماه كانت منظمة بالنسبة لي كانت الحياة جميلة ورائعة من دون أمن ومن دون شرطة ، كان الناس هم شرطة المرور, وهم من نظّف الساحات والشوارع , وعندما انتهت المظاهرة النصف مليونية ,كان الناس ينظفون الساحة وكأنها بيتهم , كانوا يحملون أعلام الإستقلال وعلم سورية الحالي , وكتبوا لافتة كبيرة كتبوا عليها الشعارات , أحد الرجال كان يتحدث عن مجازر حماه في سنة 1982 وكان يقول لنا : أخرج للتظاهر حتى لا يعيش أولادي في الذل واليتم اللذين نعيش فيهما . أنا قتل والدي في 82 . كنا في السيارة نلف في شوارع حماه ’ وكان أحد الشباب الذين يحموننا هو من يتحدث إلينا يتابع : حافظ الأسد قتل أبي وجدي وعمي , وهناك حي في حماه إسمه حيّ الأرامل , سمي بذلك بعد 82 لأنهم قتلوا كل الرجال فيه . رأينا نساء من حي الأرامل وحدثننا بالكثير من القصص . بقي الحي من جنوب الملعب البلدي , عندما ذهبنا الى المقبرة رأينا الكثير من القبور المفتوحة الحمويون قالوا لنا : إنهم يحفرون قبورهم قبل أيام الجمعة وينتظرون , صورنا المقابر وذهبت في الليل يوم " جمعة إرحل " إلى بيت عائلة شهيد لم يقبلوا في البداية أن يتحدثوا , كانوا خائفين على أولادهم الباقين , ذهبنا إلى عائلة ثانية هم ثلاثة إخوة الأخ الأول مات في شباط 82 والثاني مات في 3 – 6 - 2011 صورنا الأخ الوحيد الباقي على نهر العاصي , وكان يتظاهر في جمعة إرحل وهو يقول : إنه لا مشكلة لديه بعد الاّن مع الموت. فعلاً من يذهب إلى حماه فهو كمن يسير في جنازة , وجنازة تسير بالعكس , نحو المستقبل وليس نحو المقبرة . أحدهم كان يبكي ويقول لنا : كل الأشخاص الذين التقينا بهم عاشوا مجزرتين حماه مرت في ثلاث مجازر 64 و82 و2011 . يروي لنا : في 82 كان عائداً من حلب إلى حماه في سيارته , أوقفه حاجزأمني على الطريق قال رجال الأمن : كل حموي ينزل , السائق أعطى الحاجز هويته بدلاً عن هويتي وكان من مدينة حمص , الحموي الذي يجلس في الخلف نزل فورا اطلقوا النار على رأسه ومات , فوقع فوق كتلة من الجثث وأنا تم انقاذي بهذه الطريقة . كان يبكي وهو يخبرنا بالحادثة , كانت زوجته تستمع اليه في الغرفة الأخرى خائفة , لأن عائلتها كلها قتلت أمامها في 82 , كنت أشعر أني لأول مرة أعيش سورية المستقبل سورية الحرة التي لا تعرف الخوف . الأيام الأربعة التي عشتها في حماه وكانت تخرج فيها التظاهرات كل بضع دقائق, رغم ذاكرة الموت الكبيرة التي عاشتها المدينة أثناء جلوسنا فوق القلعة قلت لصديقتي : حماة بتوجع , لم أكن أتخيل أني سأعيش مدينة بهذه الطريقة حزن كبير على شكل مدينة لكن حماة مدتّني بالقوة ) .

لا بأس أن نتذكر أغنية الشهيد ابراهيم القاشوش التي أصبحت من أغاني الثورة الشعبية الخالدة .. نشيد الشباب في المهرجانات والتجمعات ضد النظام في سورية وبقية بلاد الإغتراب .

( ينتهي حديث الصحافي الشاب , وأحاول رصد أحداث هذه الجمعة , بعد أن انتهى النهار . لكني بدلاً عن ذلك أستمع لأغنية ابراهيم القاشوش الذي ذبحه رجال الأمن واقتلعوا حنجرته ورموه في العاصي , كنت أريد سماعها بعد أخبار حماة المجزرة كيف يمكن لوحشية أن تعبّرعن نفسها بأكثر من ذلك , شاب يغني ضد بشار الأسد وعائلته , فيذبحونه ويقتلعون حنجرته , تقول كلمات الاغنية :

" يا بشار مانك منّا , خود ماهر وارحل عنّا , وشرعيتك سقطت عنّا .. ويلا إرحل يا بشار يا بشار ويا كذاب وتضرب أنت وهالخطاب , الحرية صارت عالباب .. ويلاّ إرحل يا بشّار يا ماهر ويا جبان , ويا عميل الأميركان , الشعب السوري ما بينهان .. ويلا إرحل يا بشار يا بشار وطز فيك , وطز باللي بحييك , والله قرفان طلع فيك .. ويلاّ إرحل يا بشار ويا بشّار حاجة تدور , ودمك بحماه مهدور , وخطأك مانو مغفور .. ويلا إرحل يا بشار لسّع كل فترة حرامي , شاليش وماهر ورامي , سرقولي أخواتي وأعمامي .. يلاّ إرحل يا بشار .. يا بشار ويا مندسّ وتضرب إنت وحزب البعث , وروح صلّح حرف الإس .. ويلاّ إرحل يا بشار .. )
--------

شهادات الروائية سمر يزبك كتاب هام ومُشوّق , إنه وثيقة ثورية , ودراسته والإطلاع عليه , ينقل لنا ويزودنا بجانب صادق من صورة واضحة ومعاشة عن وضع وسير التظاهرات الشعبية السلمية الأولى يوماً بيوم وساعة بساعة , ينقل وحدة شعبنا ضد سياسة الظلم والإستبداد , وكيف ضرب النظام وأعوانه هذه الوحدة الوطنية والإنتفاضة السلمية , وأجهضها وغيّر مسارها بكل الوسائل الوحشية التي اعتاد عليها الأسد في مجابهة ومحاربة المعارضة الوطنية واحتجاجاتها ونضالاتها طوال 45 عاماً . . والإنتقاد لسياسته الفاشية التي لا تعترف بحقوق الإنسان والمجتمع المدني والرأي الاّخر وتعدد الأحزاب وتداول السلطة وسيادة القانون - بأي اهتمام واحترام ما زالت حتى الساعة تعيش الإنتقام والتشفي والعداء للشعب والمقاومة والمعارضة الكلامية السلمية حتى !..
هذا النظام القاتل شعبه , لولا مساندة الكيان الصهويني والمجتمع الدولي بقيادة أمريكا والدول الأقليمية والنفطية العربية والإيرانية , لما بقي ساعة واحدة بعد الإنتفاضة التي عمّت وشملت المجتمع السوري , و لِما بقي يوماً واحدًا أمام الثورة الشعبية العارمة التي اجتاحت المدن السورية وقراها والعاصمة معاً .. !

أكتفي بهذا القدر اليوم من الأمثلة والصور مع الشكروالتحية للكاتبة والقراء الكرام
-------------------
- تقاطع نيران : من يوميات الإنتفاضة السورية - الكاتبة سمر يزبك
مريم نجمه



#مريم_نجمه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفريغ العراق ليس بالجديد !
- الثورة الجديدة ! ؟
- أعرف بلادك - الخانات في سوريا - حلب - 1
- فلسطينيات : فلسطين في القلب - 2
- لا يوجد عائلة في سوريا إلا وزار أفرادها السجن - من اليوميات ...
- يا شعوب المخيّمات اتّحدوا - يوميات - 68
- من اليوميات .. أحملوا تاريخكم على ظهوركم - 67
- بلادنا موطن الأديرة والفكر والمكتبات - لوحة لبنان ؟ 2 - 7
- بلادنا موطن الأديرة والفكر والمكتبات - لوحة لبنان ؟ 1 - 7
- هولنديات - 9
- بلادنا موطن الأديرة والفكر والمكتبات - لوحة مصر جزء 2 - 6
- من هو الفنان فرّج عُبّو ؟ - 2
- تعريف : من هو الفنان فرَج عبّو ؟ - 1
- ( ( هجمة عيد الصليب )) ؟
- شهادات حيّة من الداخل السوري , الروائية سمر يزبك ؟ - 3
- من اليوميات : لقد انتصرت الجريمة على القانون ؟ - 66
- شهادة حيّة من الداخل السوري : الروائية سمر يزبك - 2
- شهادات حيّة من الداخل السوري - الروائية سمر يزبك - 1
- يوم الغضب , من اليوميات - 65
- من اليوميات - كلهم عابرون - 64


المزيد.....




- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس
- السيسي يدشن تنصيبه الثالث بقرار رفع أسعار الوقود


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مريم نجمه - شهادات من الداخل السوري - الروائية سمر يزبك - 4