مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 4495 - 2014 / 6 / 27 - 21:54
المحور:
الادب والفن
تعريف : من هو الفنان فرج عبو ؟ - 1
الفن والموسيقى لغة الشعوب ..
كلما صليت لأمواتنا الأعزاء على قلوبنا , ذكرتُ فقيدنا الغالي أبو فارس – لأنه واحد من الذين أحببناهم ورحلوا عنا مُبكراً , تاركين ذكرى أليمة , وفراغاً فكرياً وإنسانياً لا يعوّض . إنه الأخ , والعم , والصديق , والمرّبي , إنه الإنسان الرائد والفنان الأصيل فرج عبو ---
كان ذلك في إحدى أمسيات شتاء 1982 حيث كنا ما نزال نقيم في فندق بغداد – حين دُعينا لتناول العشاء في منزلهم في حي الكرّادة . كان الفضل الأول لهذا التعارف لإبنته الفنانة شذى عبّو , صديقة إبنتنا سمر الهامس , في أكاديمية الفنون جامعة بغداد , حيث كان فقيدنا رائداً ومدرّساً قديراً فيها .
إنها الزيارة الأولى لمنزل عراقي , والصداقة الأولى مع عائلة عراقية .
كنت مع عائلتي وزوجي المحامي جريس الهامس في غاية السرور لهذه الزيارة والجلسة اللطيفة مع الأخ الأستاذ ( فرج ) وزوجته الطيبة الكريمة أم فارس , وأبنائه المثاليين شذا واّمال وفارس , بين أشجار النارنج والنخيل والورود , وبين لوحاته الفنية وأحاديثه الشيقة التي لا تنسى , والتي لم يبخل بها أن ينقل لنا دوماً عصارة تجاربه الفنية والإجتماعية والتاريخية والأكاديمية , التي استمدها من ثقته بنفسه وبشعبه أولاً , ومن دراسته المعمّقة وجولاته الفنية والمهنية والدراسية , في مختلف الجامعات والعواصم العربية والأوربية .
لقد كان بحق موسوعة علمية وفنية صادقة , وشخصية محترمة , متواضعة وكريمة , ,
أعتز وأعترف , بأنني تعلمت منه الكثير من الرؤية الشمولية للأشياء والألوان والحضارات وأبعادها الكونية .
كم شكرت إبنتي سمر على هذه المعرفة والصداقة التي امتدت حتى اّخر يوم في حياته , حيث كان حتى ساعاته الأخيرة واثقاً بالحياة , وبالإنتصار على الموت , وبانتصار العراق الحبيب في معركة الدفاع عن الحدود والأرض والكرامة العربية !؟
رغم تغريبنا عن وطننا نتيجة القهر السياسي في سوريا , كان فقيدنا الغالي وعائلته الكريمة , خير أهل خففوا عنا اّلام الغربة القاسية .
تباً لك أيها الموت الغادر , كم كنت لئيمًا عندما خطفته من بيننا , واللوحة واللون بحاجة لأنامله النظيفة الماهرة , وبيدره ما زال مليئاً بالحصاد , ومحطاته الفنية خالدة تدفع قطار التقدم الفني إلى الأمام دوماً .. , لكن هذه هي الحياة تعارف ووداع , موت وحياة !
تُرى , هل كان يعلم أنه سيغادرنا ليقدم لنا في جلساته الممتعة , أثناء زياراتنا المتبادلة – بعد ان استقرينا في المنزل , عصارة تجربته الغنية في جامعات ومتاحف العالم ومدنه التي نقلها إلى العراق , بريشته المميزة الجريئة , لوناً وأفقاً وابتسامة للغدالمشرق , ومدرسة فنية عراقية , قضى في بنائها أجيال , و العمر كله , نتاج عبقرية إبن الرافدين ( الموصل ) وسليل الحضارة الكلدانية الاّشورية .. والسومرية والبابلية والعربية , ممزوجة بمياه دجلة شامخة كقمم الشمال التي عشقها وترعرع بين ربوعها .
في كل مرة , حين كنا نلتقي به نكتشف فيه ناحية جديدة من نواحي عبقرية الفنان , والمؤرخ , والأديب , بكل تواضع وشعبية لحب الناس ( للعامل والفلاح والمرأة ) والبسطاء والأرض والطبيعة , التي خلدها في لوحاته ومعارضه .
تجسدت فيه الأصالة والكرم العراقي وحب الضيافة , محافظاً على التراث والجذور , مؤمن بالتجديد والتطور , بأسلوب ومنطق عصري حضاري . يؤمن بالحوار الديمقراطي ويعيشه بدمه ,,,
أقدّروأحترم الإنسان بقدر ما يعطي للوطن والشعب , ويساهم في بناء الوطن , وتربية وتهذيب الجيل , لا بمقدار ما في جيبه وماله .
إنه الإنسان الكبير والأستاذ الجليل فرج عبّو - الذي نعتز بصداقته الخالدة , وصداقة عائلته بكل ما تحمل من ذوق رفيع وأصالة , ومستوى حضاري وإنساني ,, كما لا ننسى دوره الكبير في تشجيع إبنتنا سمر وطموحاتها الفنية سواء في أكاديمية الفنون بجامعة بغداد , أو في المعرضين الذين نظمتهما وأقامتهما سمر في الأكاديمية أو في بعض النوادي ,, وكان الأستاذ والأب والمربي يومها قد قدّر لوحاتها وجهدها , وأطلق عليها لقب " عفريتة الفن " .
بعدما أصبح صديق زوجي المفضل , وصديق العائلة وكثرت اللقاءات والحوارات بيننا , قمنا بزيارتهم في يوم صيفي حار , كان منهمكاً ومتعباً فعلاً , لأنه كان يصمّم ويرسم في مرسمه منذ الصباح لإنهاء جدارية كبيرة ( وضعت فيما بعد في مطار صدام الدولي ) . كان قد أشرف على إنهاء هيكليتها وبدأ بتنفيذ المرحلة الأولى منها , فقادنا للمرسم بفرح لنشاهدها , وقام بشرحها لنا فنياً ولونياً ومعنىً – وبالفعل كان هذا العمل قمة العطاء ( التراثي - العصري ) .
فكيف لا ننحني أمام هذه العطاءات الإنسانية والحضارية , التي كثيراً منا , ومن المسؤولين في دولنا العربية , لا يقدر هذه الأعمال والإنجازات في حياة الفنان , بل ربما بعد رحيله مع الأسف !
وأحياناً بعد أن يزور المرء ويشاهد روائع ومتاحف الشعوب والعالم , فيشعر بالتقصير والإجحاف والإستخفاف تجاه مبدعينا وفنانينا بكل ألوان الفنون والثقافة ,
عندها ينحني أمام عطاءاتهم ويتباهى بهم , وواجب إحترامهم وتقديرهم وتشجيعهم معنوياً ومادياً , لتنمية وتطوير إنتاجهم وأعمالهم التي تنقل و تحكي باللون أفكارهم وتجاربهم وتطلعاتهم , ليؤكدعملياً أن تشجيع الفنون عامة , هو واحد من عوامل النهضة الفكرية والثقافية والإجتماعية والسياسية , لاي بلد وأي شعب من الشعوب .
وما الفنان فان كوخ , ولوركا , و بابلو نيرودا , وناظم حكمت , ومحمود درويش , وجبران خليل جبران , ونزار قباني وووو غيرهم الكثير الكثير .. , سوى علامة من علامات العبقرية الشعبية وتراثها الأصيل !
فبالرغم من أن الفترة التي تعرفنا بها وعشناها معاً قصيرة بالنسبة لعمر الإنسان , لكنها خصبة ومكثفة في التفاعل الفكري والثقافي والإجتماعي والنفسي لكلا العائلتين .
فللحقيقة والتاريخ أقول , بأنني مثلما عرفته فناناً مبدعاً وأصيلاً , عرفته متحدثاً بارعاً وإنساناً رقيقاً وعميقا في التفكير , كنا نشعر أننا أمام ينبوع ثرّ دفاق – أمام موسوعة من المعارف والعلوم – أمام بحر من العطاء والخبرة , والتجربة والتضحية , لا يعرف مكاناً للأنانية والتأفف والإستراحة , يفرح بالعطاء والخدمة , فتشعر نفسك أمام حكيم متواضع جليل , سواء في مجال المهنة , أوالعلاقات الإجتماعية .
في أحد الأيام , زارنا الأستاذ فرج في بيت ( العطيفية ) ووجهه يغمره الفرح , وقدم لزوجي نسختين من كتابه الجديد : علم عناصر الفن – بجزئيه الأول والثاني ( المؤلفين الضخمين ) باّلاف الصفحات ,,
لقد انكّبيتُ بشغف لقراءتهما , يومياً كنت أجلس عصراً على الحصيرة في حديقة المنزل , وأنهل وأنهل من معين المعرفة دون ملل , فقد غذيت فكري في مجال ألف باء الفن , وكنت أول من قرأهما , أتساءل كيف أن هذه الأشياء نجهلها بالرغم من عِلمنا ومطالعاتنا وثقافتنا !؟ فألف رحمة على جهوده التي بذلها لترى هذه الكتب النور , لتهدي الطريق الفني لشباب الوطن والأجيال الجديدة .
كم كنا نتألم مع هذا الفنان , عندما كان يلاقي الصعوبات بالنسبة لمعاناة المهنة , ومتاعبها , وطبع الكتب وإشكالاتها , ولئن عرفتُ فيه المثابرة والتصميم والهدوء , والعمل الدؤوب مهما كلفه من وقت ومال وجهد صبور ..!؟
كُتبَه التي أعطاها نور عينيه , وعصارة دماغه وفكره , قد شهدت النور , وشاهدها قبل وفاته بسنة واحدة وهذا ما يواسيه ويعوض تعبه ,, وأهميتها تعود إلى مرجعهما الهام في الفن – وتاريخ الفن . صحيح أنهما دخلوا المكتبة العربية وأغنوها كثيراً بالتراث الفني العراقي , كذلك كان ثمنهم غالياً , ألا وهو أربعون عاماً من حياته المعطاءة , وهو ينسج أجمل وأدق وأكبر مترجم وكتاب عربي وأجنبي , بالإضافة إلى المعايشة والممارسة والإبداع , ليأتي هذا العمل الناضج الضخم الكبير , وقد تكلل بالنجاح في هذه الموسوعة الفنية بجزئيها الأول والثاني .
مريم نجمه / هولندة
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟