احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1282 - 2005 / 8 / 10 - 11:22
المحور:
القضية الفلسطينية
خلال اقل من اسبوع واجهت الساحةُ، السياسية في اسرائيل حدثين "مختلفين" ولكنهما يلتقيان من حيث الجوهر والمدلول السياسي ويعكسان المخاطر الجدية المرتقبة على ساحة التطور والصراع في اسرائيل. الحدث الاول كان يوم الخميس الماضي، الرابع من شهر آب الجاري، حيث جرى ارتكاب جريمة همجية دموية غير مسبوقة على ساحة التعامل مع الاقلية القومية العربية الاسرائيلية الفلسطينية في اسرائيل، مع المواطنين العرب في اسرائيل، واقصد المجزرة الارهابية الفاشية التي نفذها احد اوباش الفاشية العنصرية في قلب مدينة شفاعمرو العربية، الذي جاء بقصد الاجرام والقتل المتعمّدين، وقتل بدم بارد اربعة من المدنيين الشفاعمريين الابرياء وجرح العديد من الناس الابرياء. ونعتبر هذه الجريمة الدموية الجديدة سابقة غير مسبوقة، ارتفاع درجة في اطار السياسة العدوانية الرسمية وشبه الرسمية ضد المواطنين العرب وحقهم الشرعي في الوجود والتطور في وطنهم الذي لا وطن لهم سواه. سابقة تعيد الى الاذهان ارتكاب المجازر الصهيونية ابان نكبة الثمانية والاربعين ضد المدنيين العرب في مدنهم وقراهم، في دير ياسين وعيلبون والطنطورة وغيرها وذلك بهدف الارهاب ودفع عجلة ترحيل الفلسطينيين عن وطنهم الى الشتات القسري. مجزرة غير مسبوقة لان المجازر السابقة التي ارتكبتها السلطة الاسرائيلية واذرعها القمعية وبشكل مباشر ضد المواطنين العرب من المدنيين الابرياء كانت السلطة ووسائل اعلامها التضليلية تختلق الذرائع والمبررات لتبرير مذابحها الدموية وابرازها كأنها كانت مجرد رد فعل على "عدوانية" الجماهير العربية. فبرروا تضليليا مجزرة كفر قاسم ان اهلها الآمنين لم ينصاعوا لاوامر حظر التجول الطارئة للجيش، وبرروا مجزرة "يوم الارض" الخالد بان قوات ودبابات السلطة "دافعت عن نفسها" من هبة جماهير قرى مثلث البطوف، كما برروا تضليليا مجزرة "هبة اكتوبر الفين" ردا على مجزرة القدس والاقصى، بان اذرع القتل السلطوية "تصدت لانتفاضة الجماهير العربية"!! اما المجزرة في شفاعمرو فانها غير مسبوقة لانه لا يوجد أي مبرر يختفي وراءه القتلة، فالمستوطن الفاشي العنصري جاء الى قلب مدينة آمنة وارتكب جريمته دون أي سبب او مبرر، اللهم سوى اطلاق اول قذيفة اجرامية ايذانا بتنفيذ مخطط اجرامي دموي ضد المواطنين العرب له مدلوله السياسي المبرمج له. وصحيح ما اكده اكثر من مصدر ومنذ ارتكاب الفاشي العنصري لجريمته في شفاعمرو، ان السلطة وسياستها الممارسة، جرائمها في المناطق المحتلة ضد شعب الانتفاضة، المستوطنات التي تحولت وبدعم وبتغطية من المحتل وقواته، الى وكر لعصابات الارهاب اليهودية ومختلف العصابات الفاشية العنصرية، وان تصعيد سياسة التحريض المنهجي السلطوي ضد الجماهير العربية وقياداتها، تصعيد الممارسات العدوانية لسياسة التمييز القومي السلطوية، كل ذلك كان بمثابة الخلفية والمستنقع الذي على جدرانه وفي اوحاله نمت وانتعشت القوى الفاشية العنصرية واليمينية المتطرفة. كل هذا صحيح، ولكن الجديد في الامر الذي يرافق ارتكاب المجزرة الهمجية في شفاعمرو هو ارتفاع درجات الهجمة الفاشية اليمينية المتطرفة العدوانية المعادية للعرب وللدمقراطية بشكل منهجي مخطط ومبرمج وبهدف تحقيق مكاسب سياسية. فكما اتضح ان الفاشي المجرم الذي ارتكب المجزرة في شفاعمرو لا ينشط في فراغ وبشكل فردي، بل هو عضو منظم في اطار تنظيم ارهابي فاشي توأم لعصابة كهانا الفاشية، وان اذرع المخابرات السلطوية من "شاباك" وغيرها كانت تعلم بما يجري تخطيطه من "عمليات" دموية ضد الجماهير العربية، ولم تحرك ساكنا، نفذ هذا التنظيم مجزرته في شفاعمرو، وكان من المحتمل ان تكون المجزرة في الناصرة ولا نستبعد ان يرتكبوها في الطيبة او في أي مدينة او قرية عربية. وتوقيت ارتكاب هذه المجزرة الفاشية في شفاعمرو والتخطيط لارتكاب غيرها في اماكن اخرى لم يكن وليد الصدفة، بل تندرج هذه المجزرة ومخطط المجازر ضد العرب في اطار المساعي التي يبذلها اليمين المتطرف لعرقلة ومنع تنفيذ خطة الفصل مع قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. وشيد غلاة اليمين والفاشية العنصرية مخططهم الدموي على امل، ان تؤدي مجازرهم الى هبة للجماهير العربية شبيهة بهبة اكتوبر، تشغل السلطة وقواتها "بمعالجة" المواطنين العرب، وتصرف الانظار عن قضية الانفصال وبشكل يساعد القوى المعارضة للفصل في افشال تنفيذ خطة الفصل.
اننا نجد بأن خيطا رفيعا يربط بين توقيت ارتكاب مجزرة شفاعمرو وبين توقيت اعلان وزير المالية، بنيامين نتنياهو عن استقالته قبل اسبوع فقط من تنفيذ خطة الفصل في غزة. فنتنياهو معروف عنه انه فنان بارع في التضليل الديماغوغي وفي التسويف وقلب الحقائق. فقد ادعى في رسالة استقالته ان السبب يعود الى معارضته لخطة الفصل متذرعا بقوله "يتضح بان الانسحاب احادي الجانب، تحت وطأة النار، لا يمنحنا شيئا، على العكس فانه يهدد امن اسرائيل، يفرق الشعب ويثبّت مبدأ الانسحاب الى حدود الـ 67، غير القابلة للحماية، وليس طريق السلام. ماذا سنحصل بعد الانسحاب؟ سنحصل على قاعدة ارهاب اسلامي"!! ان احدا لا يصدق ان نتنياهو استقال بسبب معارضته لخطة الانفصال، خاصة وانه بصفته وزيرا للمالية صدق قبل مدة على تخصيص حوالي سبعة مليارات الى ثمانية مليارات شاقل لتغطية نفقات الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. وبرأينا، ولعله رأي الكثيرين، ان دوافع استقالة بنيامين نتنياهو تكمن في خدمة مصالحه السياسية الانتهازية الشخصية، تخدم تطلعاته لاحتلال مركز القيادة في الليكود واليمين. لقد اشرنا وحذرنا منذ عدة اشهر من افرازات الازمة السياسية والاقتصادية – الاجتماعية الاسرائيلية، وخاصة من ظاهرتي الطارد عن المركز – الانقسامات والتفسخات داخل الاحزاب الصهيونية – والجاذب الى المركز – اندماجات وتحالفات بين احزاب وخلق احزاب صهيونية.
حذرنا بالاساس من المساعي التي تبذل لبلورة تحالف واسع يميني متطرف يصطف حول حظيرته مختلف القوى من ايتام ارض اسرائيل الكبرى من احزاب الاستيطان والتطرف اليميني وعصابات الارهاب والفاشية العنصرية واحزاب الاصولية الدينية اليهودية اليمينية، تحالف يجمع جميع مناهضي خطة الانسحاب واي انسحاب من أي شبر عربي وفلسطيني محتل، تحالف يجمع المعارضين للخطة داخل الليكود و "المفدال" و "موليدت" و "يسرائيل بيتينو" و "هتكوماه" و "شاس" اضافة الى دعم عصابات الفاشية العنصرية امثال "كهانا حاي" و "ريفافاه" و "امناء الهيكل" وغيرهم.
فهذه القوى كانت تضغط وتعمل من اجل ايجاد الشخصية التي تتزعمها. وضغطها ومساعيها كان منصّبا على بنيامين نتنياهو. ونتنياهو كان ينتظر الظروف المناسبة له لتلبية طلب قوى اليمين المتطرف والاستيطان والفاشية العنصرية. ونتنياهو بانسحابه من الحكومة بعد تقديم استقالته فانه عمليا قد اطلق الطلقة الاولى على ساحة المنافسة مع شارون على رئاسة الليكود واليمين وعلى المنافسة لرئاسة الحكومة المقبلة والسعي لتقديم موعد الانتخابات للكنيست. والخطر الجدي، حسب رأينا، ان يتبلور محور جدي من القوى المتطرفة اليمينية والفاشية العنصرية يقود الى اقامة نظام فاشي في اسرائيل.
فبنيامين نتنياهو بنهجه النيولبرالي الذي مارسته حكومة شارون – بيرس الكارثية خلال السنوات الاخيرة قد جهز الخلفية الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية لفاشية تشحذ انيابها. فانتعاش قوى الفاشية العنصرية في ظل جرائم الاحتلال وزيادة حدة الازمة الاقتصادية – الاجتماعية، اكثر من مليون ونصف مليون فقير في اسرائيل ثمرة السياسة النيولبرالية، يعتبران الارض الخصبة للديماغوغيا الفاشية ومنطق القوة وانتظار "الفرج" من "زعيم قوي". ولهذا قيمنا بوجود الخيط الرفيع الرابط بين مجزرة شفاعمرو وبين استقالة بنيامين نتنياهو.
وحقيقة هي ان استقالة نتنياهو قوبلت بالترحاب والمسرة من مجموعتين متناقضتين تناحريا، من قطعان اليمين المتطرف والفاشية العنصرية واعداء السلام من جهة، ومن ضحايا سياسته التي عمّقت الفقر وفجوات التقاطب الاجتماعي وقوى السلام والدمقراطية من جهة اخرى. وباستقالة نتنياهو لم تجر اقالة السياسة الكارثية التي تنتهجها حكومته، ولهذا فان مهمة قوى السلام والدمقراطية والعدالة الاجتماعية، اليهودية والعربية، تصعيد كفاحها وباوسع وحدة صف جماهيرية لتقصير اجل حكومة الكوارث الشارونية – البيرسية وتقريب موعد الانتخابات البرلمانية، والنضال من اجل حكم بديل، وسياسة بديلة في مركزها الجنوح نحو السلام العادل، الشامل والثابت الذي جوهره انهاء الاحتلال الاسرائيلي لجميع الاراضي السورية والفلسطينية ومزارع شبعا اللبنانية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين. حكم بديل وسياسة بديلة يقران بحق المواطنين العرب بالمساواة القومية والمدنية وبممارسة العدالة الاجتماعية في المجتمع الاسرائيلي.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟