صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1282 - 2005 / 8 / 10 - 11:19
المحور:
القضية الكردية
منذ شهر تقريبا تشهد مناطق عدة من كردستان الشرقية حركات احتجاجية وتظاهرات وصدامات مع اجهزة القمع النظامية من جيش وشرطة وقوى أمنية متعددة الاسماء والمسميات كما هي عادة في الأنظمة الشمولية الحاكمة باسم الأديان والقوميات في منطقتنا , فقد تصدت الجماهير الشعبية في مهاباد – الشهيدة – ونغدة , وشنو , وبيران شهر, وسقز, وبوكان , ومريوان, وسردشت , لهجمات واعتداءات مسلحة من جانب القوى الحكومية وقدمت عشرات الشهداء والجرحى من النساء والرجال كما أن القوات العسكرية تورطت في التعامل بقسوة مع ابناء كردستان ايران وأخذت تهاجم المنازل والمساكن والمدارس وتلقي القبض على كل من تجده في طريقها حيث تجاوزت أعداد المعتقلين والمخطوفين المئات .
الحركة الشعبية الاحتجاجية السلمية ذات الطابع الدفاعي التي اندلعت الآن في شرق كردستان ليست بالأمر المفاجىء فالشعب الكردي هناك لم يستكن يوما على الظلم التاريخي الذي لحق به منذ عهود – الصفويين – عندما تم الحاق الجزء الشرقي من كردستان نهائيا قسرا ودون ارادته وبالتواطىء مع السلاطين العثمانيين خلال اقتسام وطن الكرد بين الطرفين المحتلين منذ معركة – جالديران – في القرن الخامس عشر , فقد قدم قوافل الشهداء والضحايا منذ مئات السنين وحتى اليوم وأشعل الثورات والانتفاضات في وجه التسلط الفارسي الشوفيني من أجل رد المظالم والاضطهاد القومي ومصادرة الحقوق وفي سبيل المساواة والتحرر والديموقراطية له ولجميع شعوب ايران المحرومة من آذر وبلوج وتركمان وعرب .
ظفر كرد ايران بفضل كفاحهم المتواصل والدعم المباشر من القائد مصطفى البارزاني وصحبه والظروف الدولية المؤاتية وتوازن القوى بين الشرق والغرب في نهاية الحرب العالمية الثانية بتحقيق كيان مستقل باسم – جمهورية كردستان الديموقراطية – أو جمهورية مهاباد التي كانت أول تجربة كردية في اقامة الدولة وتقرير المصير في العصر الحديث والتي دامت قرابة العام حيث تم القضاء عليها وسحقها من جانب سلطة النظام الشاهاني الشوفينية الحاكمة وتصفية قادتها وعلى رأسهم الشهيد – قازي محمد – رئيس الجمهورية المغدورة واذا كان الكرد في شرق كردستان من أوائل الشعوب الذي قطف ثمار النظام الدولي الجديد الذي شيد على نتائج الحرب العالمية الثانية عبر اتفاقيات ( مالطة وطهران ويالطة ) بحصوله على دولة مستقلة بدعم واسناد الاتحاد السوفييتي فقد كان في الوقت ذاته أول من دفع ثمن ذلك النظام بسبب التبدل في موازين القوى الدولية وانعدام أية فسحة للمبادىء والأخلاق في العلاقات السياسية بين القوى السائدة حينذاك في الشرق والغرب .
شكلت نكبة – مهاباد – الدامية انعطافا حمل المزيد من الدروس والعبر في تاريخ الحركة التحررية القومية الكردية ودفعت الوطنيين الكرد الى اعادة النظر في تجربتهم الماضية ومداواة جراحهم ولملمة صفوفهم بعد أن قدموا كوكبة من خيرة زعمائهم وقادتهم السياسيين والعسكريين فبدأوا باعادة تنظيم صفوف الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان يترأسه الشهيد قازي محمد رغم صنوف البطش والارهاب في ظل الحكم الشاهاني المستبد الذي اشتهر في العالم كله بنظامه البوليسي الدكتاتوري وجهازه الأمني القمعي الرهيب- السافاك - .
بعد زوال نظام الشاه الذي ساهم في اسقاطه الكرد أيضا بنضالهم المتواصل في صف المعارضة الوطنية طيلة نصف قرن استبشروا خيرا بايران جديد ينتفي فيه الاضطهاد القومي ويتنعم في ظلاله كل الشعوب والقوميات الايرانية بحقوقهم القومية والديموقراطية ولكن لم يمض وقت طويل حتى بان الوجه الحقيقي لنظام – الجمهورية الاسلامية – بطبعته الخمينية أي الاسلامي ظاهريا والقومي الفارسي الشوفيني جوهرا ومضمونا وكم كانت خيبة أمل شعوب ايران عميقة بذلك النهج الاستئصالي تجاه الحقوق والحريات والمعادي للحداثة والمجتمع المدني وحقوق المرأة وحق الشعوب والقوميات والأديان والمذاهب . لقد انتقل الكرد وشعوب ايران الأخرى من ارهاب وبطش نظام اصولي علماني الى آخر اصولي ديني تقوده – الشيعية السياسية – التي تسلطت على أكثر الطوائف الاسلامية تظلما في التاريخ وأشهرها ثورية واعتراضا على الظلم والظالمين وتحولت بممارساتها الرجعية المتخلفة بعد الانقضاض على مقاليد الحكم في ايران من موقع الضحية المضطهدة الى موقع الجلاد المستبد الظالم وهذا ما يدفع حركات شعوب ايران الى رفع أصوات الاحتجاج على الواقع المزري والمطالبة بتحقيق الديموقراطية وتلبية المطالب الحقة وخاصة في الاعتراف بالهويات القومية لمكونات ايران وحقها المشروع في تقرير مصيرها بنفسها ضمن اطار ايران الديموقراطي التعددي وهذا ما يدفع الكرد اليوم لنيل استحقاقاتهم ودفع العرب قبل فترة للتظاهر في مدن عربستان الايرانية وسيدفع الآخرين أيضا عاجلا أم آجلا .
من المفارقات المؤثرة والمعبرة أن يصل رأس النظام في بلادنا الى طهران عشية تصاعد الهبة الكردية الايرانية والاجماع الكردي في كافة مناطقهم على العصيان المدني والتظاهر ليخاطب نظيره الايراني ( المتهم بتصفية الشهيد قاسملو ورفاقه ) " بالعمل المشترك في تعزيز الاستقرار والهدوء في المنطقة " وليستمع بالمقابل من النظير : " ان الأعداء المشتركين والتهديدات المشتركة ستعمل على تقريب البلدين بدرجة أكبر وتعزيز علاقاتهما " تماما كما سمعنا العبارات ذاتها من وزير خارجية ايران ابان الهبة الكردية السورية في آذار 2004 كيف لا وأن النظامين متحالفان حول أكثر من ملف ومن بينها الملف الكردي منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد ان كان في مجال العمل التنسيقي في استثمار حزب العمال الكردستاني قبل أعوام ضد اطراف اخرى من الحركة الكردية أو الاستفادة من خدمات – الشيعية السياسية – اللبنانية في تصفية الشهيد شرف كندي ورفاقه – في برلين أو في المخططات واللقاءات الثنائية والثلاثية التي نشطت منذ بداية التسعينات في الجوار العراقي بعد الاعلان عن الفدرالية الكردستانية , أو في العمل الارهابي المشترك الجاري في العراق الآن والتخريب على المصالحة الوطنية ودفع اطراف – الشيعية السياسية – لرفض الفدرالية الكردستانية والمطالب الكردية الاخرى المشروعة وبالتالي وقف العملية السياسية وضرب المشروع الديموقراطي التغييري هناك خاصة وأن الزيارة تزامنت مع حدثين بارزين اولهما دعوة ايران للحكومة العراقية رسميا بالعودة الى اتفاقية الجزائر لعام 1975 السيئة الصيت واجتماع القيادة السياسية العراقية للمحاولة الاخيرة في انقاذ ما يمكن انقاذه خاصة وأن نقاط الخلاف تكاد تقتصر على رفض القوى الشيعية الموالية لايران لحقوق ومطالب الكرد المشروعة .
استمرت الحركة الشعبية الاحتجاجية في كردستان أم لم تستمر فان مجرد وقوعها كان اشعارا بتوجيه رسائل واضحة بعناوين معبرة من قبيل أن الكرد لن يتخلوا عن حقوقهم المشروعة في تقرير المصير وأن الديموقراطية هي الحل وأن هناك استفزاز لمشاعر الكرد بتنصيب أحد قتلة الشهيد قاسملو رئيسا للبلاد وأن كرد ايران يتضامنون مع انجازات كردستان العراق خاصة في انتخاب السيد مسعود بارزاني رئيسا لاقليم كردستان وأن النظام الفدرالي هو الحل الأمثل للقضية الكردية وأن الجماهير الشعبية واعية وقادرة على التعبير عن ذاتها وأهدافها ومطالبها في كل زمان ومكان دون استئذان أحد أو انتظار قرارات الأحزاب التي بقيت وراء الجماهير لقصورها وترددها وافتقارها الى الحد الادنى من البرامج الواضحة والرؤية السليمة للاحداث والتطورات الراهنة والمستقبلية .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟