|
قراءة في كتاب : شدو الربابة بأحول مجتمع الصحابة ،خليل عبد الكريم
يوسف رزين
الحوار المتمدن-العدد: 4540 - 2014 / 8 / 11 - 03:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمــــة : عمل الكاتب خليل عبد الكريم في هذا الكتاب على معالجة موضوع الصحابة ، محاولا الاقتراب من عالمهم ، و مستكشفا العلاقات التي ربطت بينهم و القوانين التي تحكمت بهم ، للتعرف عليهم عن قرب و إزالة الانبهار بهم. ذلك أننا كمجتمعات ما قبل حداثية مازلنا نعاني من ظاهرة عبادة الأجداد، و هي عبادة و إن لم تأخذ شكلها الصريح مثلما هو الحال عند المجتمعات البدائية في أمريكا الجنوبية مثلا او إفريقيا او استراليا إلا أنها تأخذ عندنا شكل الارتباط الوجداني المرضي بهم ،الشيء الذي يحكم على إرادتنا الجمعية بالشلل و يحصرنا في خانة الأمم الباكية على الاطلال . ان فكرة السلف الصالح او الجماعة السعيدة هي فكرة عرفتها العديد من المجتمعات . فالمسيحيون الأوربيون مثلا هم أيضا في القرون الوسطى كانوا يتغنون بعهد الحواريين .فالأمم ذات الاقتصاد الراكد ينعدم عندها الإحساس بالمستقبل ، و بالتالي يبقى الحل الوحيد أمامها هو الإرتكاس إلى ماض سعيد متخيل خال من المشاكل . و لهذا كان لزاما ان يتناول احد المفكرين العرب ظاهرة مجتمع الصحابة أفرادا و جماعات بالدرس و التحليل، عل و عسى نبرأ من ارتباطنا الطفولي بهم و نلتفت لانفسنا و واقعنا بجدية أكبر . و ما يمنح هذا العمل قوته النقدية هو أنه صادر عن أحد أبناء مؤسسة الأزهر ، فهو صوت نابع من قلب الدار ، هذا بالإضافة الى أن الكاتب اعتمد على مصادر سنية صرفة لا يملك فقهاء السنة رفضها (الصحاح الستة) أو التشكيك بها و إلا انهار المذهب السني . إلا انه من ناحية اخرى فإن الكاتب وقع في أخطاء منهجية ، فهو و ان كان يقدم نفسه فقيها سنيا بل و مدافعا عن مصداقية المصادر السنية ضد انتقادات القرآنيين فإنه يعتبر نفسه كذلك مفكرا عقلانيا منفتحا على العلوم الانسانية من علم اجتماع و علم نفس و أنثروبولوجيا الخ ..و هذه علوم لها مناهجها العقلية الصارمة و لا تعترف باللامعقول و هو الامر الذي أوقع الكاتب في كثير من الخلط و التناقض و الكاريكاتورية . هذا بالإضافة الى أن الكاتب و هو يعتمد على مجموعة من المصادر المرتبكة و المناهج المتضاربة اثبت انه مؤرخ مبتدأ . إن المؤرخ قبل ان يمر الى عمله المتمثل في التحليل و استنباط القوانين فإن الهاجس الاكبر الذي يظل عنده هو صحة المعلومات التي ينطلق منها ، و لهذا فهو يعمد الى المقارنة بين المصادر المكتوبة و التوقف عند الاختلافات الموجودة بينها ( الكاتب أهمل حقيقة الاختلاف الحاصل بين القرآن و السنة) . بالإضافة الى ان المؤرخ يحذر كل الحذر من الكتابات التاريخية ذات النفس السياسي و المنتصرة لفريق دون غيره و عليه لا يمكن ان نساير خليل عبد الكريم في اعتماده لمعلومات من قبيل "العشرة المبشرين بالجنة " او " الائمة من قريش " الخ.. إن عمل خليل عبد الكريم لا يخلو من فائدة ، بل هو عمل رائد بمقاييس المحاولة الأولى . محاولة لم تأت من مستشرق او علماني بل من احد خريجي الازهر ، لكنها تنتظر محاولات ثانية و ثالثة و رابعة الخ املا في التحرر من سيطرة الأجداد و فهم أعمق للحظة التأسيسية الأولى للإسلام و ذلك باعتماد مناهج أدق و أرصن . و لهذا فإننا في دراستنا لمؤلف خليل عبد الكريم سنعمل على إبراز الأفكار التي طرحها في كتابه و لكن في نفس الوقت سنعارض هذه الافكار كلما بدا لنا انها تعاني من خلل منهجي . و الله ولي التوفيق .
قسم الكاتب مؤلفه " شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة" الى ثلاثة اجزاء و هي: " محمد و الصحابة" ثم " الصحابة و الصحابة" ثم " الصحابة و المجتمع". و الملاحظ انه حاول عند تناوله لمجتمع الصحابة ان يستخرج مبادئ و قوانين تحكمت حسب رأيه في سلوكيات هذا المجتمع . ففي الجزء الاول " محمد و الصحابة" بعد ان اوضح لنا الفروقات الحاصلة في التعاريف الموضوعة لمصطلح " الصحابة" و هي فروقات ترجع الى اختلاف المدارس الفقهية ، فالمحدثون يرون ان الصحابي هو كل من رأى رسول الله و لو للحظة صغيرة و من اعلامهم البخاري و ابن حنبل و السيوطي و صفتهم التساهل في اطلاق هذا اللقب حتى و لو اختص به الاطفال حتى لا يخرجوا من جماعة الصحابة اشخاصا كالحسين و الحسن و ابن الزبير اما الاصوليين كالنووي و الباقلاني و الآمدي فيتشددون في اطلاق هذا اللقب و يشترطون كثرة الصحبة و طول المجالسة ، فإنه (الكتاب) أوضح انهم (الصحابة) كانوا من بيئات مختلفة و اصول متباينة و ذوي ثقافات متعددة ، منهم العربي و الرومي و الفارسي و الحبشي و القبطي و منهم (في نطاق العرب) القرشي و الثقفي و الاوسي و الخزرجي و منهم من بني هاشم و بني امية و بني مخزوم و بني المغيرة و منهم من هو اقل شأنا مثل من بني تيم و بني عدي ،و منهم الغني و الفقير و الحر و العبد و الحضري و البدوي و العربي و الاعرابي و من يجيد القراءة و الكتابة و منهم الأمي . و لهذا فالصحابة هم اشخاص من شتى الاصناف و بالتالي من الخطأ اعتبارهم فئة منزهة عن النوازع البشرية و مبرأة من العواطف و هو ما أكده محمد حيث اوضح ان هناك من صحابته من سيحيد عن الطريق المستقيم و انه يوم القيامة سيقول له سحقا لك. بل ان الصحابة بذاتهم اعترفوا ببشريتهم و امكانية وقوعهم في الخطأ ، فأبو بكر يعترف بأن شيطانا يعتريه بين الحين و الاخر و عمر بن الخطاب يطلب من الرعية ان يقوموه اذا اعوج . لهذا يخلص الكاتب الى انه لا يجوز اضفاء هالة من القداسة على الصحابة ، بل يجب اخضاع سلوكياتهم و تصرفاتهم للتحليل النفسي ، كعمل يصب في خانة تجديد الفكر الديني للتخلص من القراءة التبجيلية لكتب التراث الديني لتكوين صورة صحيحة عن جيل التأسيس و معرفة ما له و ما عليه. بعد هذه التوطئة ينتقل الكاتب لسبر القوانين التي تحكمت في العلاقة بين محمد و صحابته . و في ذلك يوضح لنا كيف عمل محمد على تأسيس مجتمعه الجديد وفق قواعد جديدة قوامها الصبغة الاسلامية ، ذلك ان محمدا اجتمعت فيه الخبرة العملية و الثقافة الواسعة و الشخصية الاسرة فأهله ذلك لان يهيمن على صحابته هيمنة كاملة . ويرى الكاتب ان محمدا قد اتبع في ذلك خطة مدروسة و حكيمة حتى صاروا يطيعونه طاعة كاملة على ما عرف عنهم من انفة و كبرياء و شموخ . و عليه فقد اتبع الرسول سلسلة من الخطوات تمثلت في التنفير و التغنيم و التنفيل و التلقيب و التغيير من اجل الوصول الى الثمرة المرجوة و هي الطاعة المطلقة على حد قول الكاتب. فبالنسبة للتنفير يذكر الكاتب ان الرسول بدأ بالخطوة الاولى و هي لجوءه الى تنفير صحابته من كل ما يمت بصلة للفترة السابقة على الاسلام ، فمنع مثلا المسلم من وراثة الكافر مهما كانت درجة قرابته به و نزلت الاية تنص على ان المشركين نجس ( انما المشركون نجس ) و امر صحابته ان يغيروا هيئاتهم و كيفية جلوسهم التي ألفوها في جاهليتهم و غير اسماءهم بل و اسم يثرب التي صارت تدعى المدينة و حمل على العادات القديمة و اباح سب المسلم الذي ينتسب الى الجاهلية سبا قاسيا و هي اجراءات يرى الكاتب انها كانت تهدف الى صنع قطيعة تامة مع عهد الجاهلية . ثم بعد ذلك يوضح الكاتب ان الرسول انتقل الى الخطوة الثانية ممثلة في التنفير من اليهود و اليهودية ، فبعد ان فشل محمد في استمالة اليهود ، فإنه لجأ الى قطع الصلة بينهم و بين صحابته و قد اتخذت هذه القطيعة شكلان ، الاولى جسدية ، حيث دعا صحابته الى مخالفة اليهود في المظهر بأن يقصوا الشوارب و يطلقوا اللحى ، و الثانية فكرية ، فقد منعهم من الاطلاع على الافكار الدينية اليهودية و مطالعة التوراة و عاقب من يصف انصاريا باليهودي بعشرين جلدة ، ليقطع صلة الانصار باليهود ، اما فيما يخص المهاجرين فقد غضب من عمر غضبا شديدا حينما اتاه بنسخة من كتاب اليهود. بدورنا نرد على هذا التحليل بأنه يصعب علينا كمؤرخين جبلنا على الحذر ان نثق في المعلومات الواردة في كتب التراث ، خصوصا و انها تعود بأكملها الى العصر العباسي . ان الاحاديث الداعية الى عدم التشبه باليهود تذكرنا بالعصر العباسي الثاني الذي تميز بالقضاء على فرقة المعتزلة و انتصار الحنابلة و شيوع اللاتسامح الديني ممثلا في انهيار مكانة الطوائف غير الاسلامية من مسيحيين و يهود و تحولهم الى مواطنين من الدرجة الثانية . و مما يجدر ذكره هو انه في هذه الفترة بالذات تم فرض لباس معين على غير المسلمين يميزهم عن المسلمين. اذن ان يتزامن تدوين احاديث نبوية تدعوا الى عدم التشبه باليهود بالاجراءات المتخذة في حقهم في نفس العصر يجعلنا نتحفظ على هذه الاحاديث و الروايات ذات النفس السياسي. اما بخصوص القطيعة الفكرية و رفض الرسول لمطالعة كتب اليهود فإننا نضع الروايات المتعلقة بها في خانة صناعة السياج الدوغمائي المغلق حول العقل المسلم من طرف المؤسسات الدينية في العصر العباسي الثاني. اننا حينما نعود الى القرآن نجد ان المساجلات الفكرية بين المسلمين و اهل الكتاب كانت على اشدها و ان اهل الكتاب كانوا لا يتوقفون عن طرح الاسئلة على الرسول تارة حول الروح و تارة حول ذي القرنين الخ .. و هي مساجلات لا يمكن ان تتم دون اطلاع كاف على كتب الطرفين ..(و قالت اليهود عزير ان الله ...و قالت اليهود يد الله مغلولة..). ينتقل الكاتب بعد ذلك لمناقشة مبدأ التغنيم و التنفيل الذي اعتمده الرسول في علاقته في علاقته مع صحابته . و قد اوضح ان الغنيمة تؤخذ بالقتال و خمسها يذهب لله ورسوله و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و اربعة اخماسها تذهب للمقاتلين و الفيء يؤخذ من العدو دون قتال و السلب هو ما يستولي عليه المقاتل في ميدان المعركة ممن قهره مما في حوزته ثيابا او سلاحا و النفل هو ما يعطي للمقاتل بعد تقسيم الغنيمة و هي تعطى تطوعا لا واجبا . و قد ادرك محمد ما تعنيه الغنائم و الانفال و الفيء و الاسلاب من قيمة لدى العربي، فهي من ناحية تغنيه ماديا و من ناحية اخرى تشعره بالغلبة و النصرة على عدوه، لهذا كان يسارع بتقسيمها مباشرة بعد المعركة حتى تهدأ نفوس صحابته و تطمئن . في هذه الفقرة يوضح الكاتب ان محمدا كان واقعيا الى ابعد الحدود مع صحابته، فهو لم يهمل العامل المادي في سياسته لاصحابه ، فقد استخدم الريع لكسب ولاء الزعماء العرب و استقطابهم مثلما فعل مع بلال بن الحارث احد زعماء مزينة و حامل لوائها يوم فتح مكة حيث اقطعه ارض العقيق بالمدينة ، و لجأ ايضا الى اتقاء شر جماعة من الناس او تحبيب الاسلام لهم عن طريق منحهم الاموال ، فسموا بالمؤلفة قلوبهم ، كصفوان بن امية و ابي سفيان بن حرب و حكيم بن حزام . هذا بالاضافة الى انه عوض صحابته المهاجرين الذين فقدوا مالهم بإقطاعهم الاراضي في المدينة مثلما فعل مع ابي بكر و عمر . تجدر الاشارة الى ان النبي استرضى عمر بالمال اكثر من ابي بكر لحبه الشديد للمال. إذن يستخلص الكاتب مما سبق ان محمدا استعمل سلاح الاغراء المادي(الريع) من تغنيم و تنفيل و نفح و منح و عطاء و اقطاع باقتدار كبير لكسب ولاء صحابته من المهاجرين . و نحن نرى ان كل ما فعله الرسول هو انه ساير الطبيعة البشرية لفريق معين من صحابته (المهاجرون) اما الانصار فلم يجعلهم موضوع سياسة التغنيم و التنفيل (لم يمنحهم شيئا من غنائم حنين) الشيء الذي يجعلنا نقول ان الرسول كان يعلم ضعف ايمان الفريق الاول (المهاجرون) و قوة ايمان الفريق الثاني (الانصار). إن جماعة من الدارسين لسيرة الرسول (سيد قمني ، خليل عبد الكريم ..) يقرؤون تفضيل الرسول للمهاجرين على الانصار في الغنائم على انه انحياز لعشيرته من قريش و ان العامل القبلي ظل حاضرا في تصرفاته . بل و تشتط بهم تحليلاتهم فيؤكدون ان الرسول كان يؤسس دولة قريش في المدينة في غفلة من الانصار . و كأن هؤلاء الأخيرين كانوا جماعة من الاغبياء ، في حين ان العكس هو الصحيح ، فكون ان الرسول لا يمنح شيئا من الغنائم للانصار معناه اطمئنانه الى ايمانهم بدعوته و احترامه الشديد لاخلاقهم ، اما المهاجرون فقد عاملهم معاملته للمؤلفة قلوبهم . لهذا وجب قراءة سياسات الرسول قراءة متأنية وفق منظور اكثر واقعية. بعد التغيير يتحدث الكاتب عن المبدأ التالي الذي اعتمده الرسول مع صحابته و هو التلقيب . يقول الكاتب ان الرسول ادراكا منه بقيمة الالقاب في المجتمع الحجازي و تعطش الفرد منه الى المدح و الفخر ، فإنه لجأ الى اطلاق الالقاب على صحبه لكسب نفوسهم و صبغهم بصبغة اسلامية ، بل و استخدم الالقاب ايضا للحط من اعداءه او الذين ناصبوه العداء و غضب عليهم . و نحن بدورنا نتساءل : الا يتعارض هذا مع الاية التالية : "و لا تنابزوا بالألقاب " و " و لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا غير علم " . الا يقودنا منع القرآن للصحابة من التهاجي بالألقاب النابية و من سب المشركين من الاستنتاج بان الاسلام كان يمنع استخدام الالقاب المسيئة حتى و لو تعلق الامر بالأعداء . هل تنطبق اية " و انك لعلى خلق عظيم " على شخص شتام ؟ . يذكر الكاتب انطلاقا من كتب التراث ان محمدا وصف ابا بكر و عمر بأنهما سيدا اهل الجنة ما خلا النبيئين و المرسلين ،و نحن نتحفظ على هذه المعلومة لأنها أولا تتعارض مع جهل الرسول نفسه لمصيره كما جاء في الاية التالية " و ما ادري ما يفعل بي و لا بكم " و جهله بالغيب " لا يعلم الغيب الا الله" و منع القرآن من تزكية النفس " فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى" . ثم انه اذا كان الرسول راضيا كل الرضا عن أبي بكر و عمر فلماذا امر برحيلهما هما بالذات مع جيش اسامة بن زيد عندما كان يحتضر؟ . و لهذا فإننا نعتبر تلقيب الصحابة ظهر لاحقا بعد انقسام المسلمين الى سنة و شيعة و خوارج و افتخار كل فريق (خصوصا السنة و الشيعة) بأبطاله . في هذا الصدد يذكر خليل عبد الكريم ان الرسول لقب ابا بكر بالصديق و عمر بن الخطاب بمفتاح الاسلام و سراج اهل الجنة و شبه عثمان بن عفان به و لقبه بالمغفور له ذنبه و قال عن علي " علي مني بمنزلة راسي من جسدي" و قال له " انت اخي في الدنيا و الآخرة و وصف طلحة بن عبيد الله بطلحة الجود و طلحة الخير و لقب الزبير بركن من اركان المسلمين و عبد الرحمان بن عوف بانه امين اهل السماء و دليل الله في الارض و سعد بن ابي وقاص بأنه ناصر الدين و مستجاب الدعاء و ابو عبيدة الجراح بأمين الامة و وصف عمار بالطيب المطيب و بلال بأنه سيد المؤذنين و سلمان الفارسي بانه سابق الفرس . و نحن نقول بأن هذه الالقاب قد وضعت فيما بعد بين دفتي كتب التراث لاهداف سياسية و ايديولوجية تروم ادخال هذه الشخصيات الى دائرة "اللامفكر فيه " و جعلها شخصيات ميتا تاريخية يمنع منعا كليا الاقتراب منها . ثم ينتقل بنا الكاتب الى مبدأ اخر اعتمده الرسول و هو مبدأ التغيير . فلكي يستشعر الصحابة الفرق بين عهد الاسلام و قبله فإن محمدا لجأ الى سياسة التغيير و ابرز مثال عليها هو تغييره لأسماء الاشخاص و اسماء الاماكن و البلاد اذا كانت تعيد الى الذاكرة عقيدة سابقة او تبعث على التشاؤم و لهذا غير محمد اسم يثرب الى المدينة لان كلمة المثرب تعني القليل العطاء و بالتشديد المخلط و المفسد او التثريب و التي تعني المؤاخذة بالذنب . كما غير اسم ابي بكر من عبد الكعبة الى عبد الله في المقابل لم يغير اسماء القبائل و البطون و الافخاذ التي تدل على عبودية لغير الله كعبد مناف و عبد شمس لمعرفته العميقة بحساسية النسب لدى العربي الذي قد يقبل بتغيير اسمه و لكنه يرفض رفضا تاما تغيير اسم قبيلته لانه يعتز به اعتزازا لا حدود له . يشير الكاتب الى ان محمد كان صارما في فرضه فرائض الاسلام و تحريم الزنى و شرب الخمر و لعب الميسر رغم رغبة بعض القبائل في ذلك و انه وجه قواته لهدم صنم ذي الخلصة (يوجد بين مكة و اليمن) و صنم ود بوادي القرى بالاضافة الى انه لجأ الى تغيير اسماء الصحابة ذات المعاني المتجهمة الى معاني جميلة ليشيع جوا من التفاؤل فمثلا سمى احد صحابته ابيض بعد ان كان اسمه اسود و اخر كان اسمه زيد الخيل فحوله الى زيد الخير و اخر كان اسمه زخما فسماه بشيرا و اخر كان اسمه العاصي فسماه مطيعا و اخر كان اسمه عبد شر فجعله عبد خير . كما غير اسماء النساء ، فسمى جشامة المزينة بحنانة المزينة و اخرى كان اسمها عاصية فسماها جميلة ، بالاضافة الى ذلك غير الرسول اسماء الابار من حسيكة الى السقيا و العسيرة الى اليسيرة ، و اثناء ذهابه الى الطائف مر بطريق يقال لها الضيقة فسماها اليسرى و غير اسم جبل يدعي كشر الى شكر و قرية كان اسمها عفرة الى خضرة . في هذا الصدد يرى الكاتب ان محمد كان بصدد انشاء امة جديدة مع ما يلزمه من تمييزها عمن سبقها و صبغها بالصبغة الملائمة لها . و نحن لا نرى ضيرا في في القبول بما جاء في هذه الفقرة . فشيء طبيعي ان يعمد الرسول الى احداث تغييرات معينة لتمييز مجتمعه الاسلامي الناشئ عن الاخرين و لكن ليس لدرجة احاطتهم بسياج دغمائي مغلق فالقرآن يخبرنا انه كان يسوس مجتمعه باللين و الحكمة اكثر مما يسوسه بالحزم و الشدة مثلما جاء في الاية التالية : " و لو كنت فظا غليظا القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الامر " . و في ختام هذا الجزء الاول من الكتاب يخلص الكاتب الى ان الرسول بعد سلسلة من الاجراءات التي اتبعها من تنفير و تغنيم و تلقيب و تغيير فإنه استطاع جني الثمرة التي كان يرجوها و هي الطاعة المطلقة ،و هو (الكاتب) يقدم للبرهنة على ذلك مجموعة من الادلة من قبيل ان الصحابة كانوا يلبون نداء الرسول فورا و لو كانوا يمارسون الجنس مع زوجاتهم مثلما حدث مع الصحابي صالح و الصحابي حنظلة و احد الانصار يقال انه رافع بن خديج . و يورد مثالا اخر على الطاعة العمياء ممثلا في اعتذار خالد بن الوليد ذي الاصل الارستقراطي لمولاه السابق عمار بن ياسر بعد تحذير الرسول له من مغبة اغضاب عمار بالإضافة الى ان الرسول منع مظاهر البطر و الخيلاء ( ألا يتعارض هذا مع سياسة التلقيب التي نسبها الكاتب للرسول؟) الشيء الذي جعل الجميع يمتثلون له و اطاعته لمجرد تلميح صغير منه . و يستمر الكاتب في سرد الادلة على طاعة الصحابة للرسول فيذكر ان نفوذه عليهم بلغ درجة ان امرهم بالخروج الى حمراء الاسد مباشرة بعد هزيمتهم في معركة احد و جراحاتهم لم تشف بعد و الى انهم كانوا يقاتلون اقاربهم دون تردد كقتل عمر بن الخطاب لخاله العاص بن هشام و رغبة ابي بكر في قتال ابنه عبد الرحمان و قتل الزبير بن العوام عمه نوفل بن خويلد يوم بدر . اما الصحابي سعد بن ابي وقاص فقد كان حريصا على قتل اخيه عتبة بن ابي وقاص لأنه رمى محمد بأربعة احجار ، في حين استأذن عبد الله بن عبد الله بن ابي سلول في قتل ابيه " راس النفاق" . و فيما يخص النساء فيذكر الكاتب ان طاعتهم للرسول بلغت حدا ان تزوجت القرشية من المولى كما فعلت فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية من اسامة بن زيد المولى بن المولى. هكذا يخلص الكاتب من خلال هذه الادلة ان محمدا استطاع ان يكسب الطاعة المطلقة من اصحابه انطلاقا من شخصيته الكاريزمية و نسبه الشريف و حنكته و خبرته بالطباع البشرية و نحن نقول ان الكاتب ذهب بعيدا في استنتاجاته و ان اقصى ما يمكن قوله في هذا الصدد هو ان محمدا حصل على طاعة نسبية لا مطلقة من اصحابه . لقد عانى الرسول من حالات عصيان عديدة ، او بدرجة اقل عدم التزام بتعليماته و الامثلة كثيرة : 1- ترك الرماة لمواقعهم في معركة احد 2- تمرد زوجات الرسول حتى كاد ان يطلقهن 3- زواج زينب بنت جحش بن رئاب نصف الهاشمية من العبد السابق زيد بن الحارثة بأمر من الرسول مع رفض مضمر لهذا الامر الرسولي بتكبرها المستمر على زوجها 4- رفض جماعة من الصحابة الخروج مع الرسول لمقاتلة الروم في غزوة تبوك 5- رفض الصحابة لصلح الحديبية 6- محاصرتهم اياه اثناء توزيعه لغنائم حنين الخ ...بالإضافة الى تكرر نزول ايات تدعوا الى طاعة الرسول ، ما يعني ان انصياع الصحابة له لم يكن فوريا ، هذا دون ان ننسى حديث القرآن عن المنافقين الذين تعج بهم المدينة " و ممن حولكم من الاعراب منافقون و اهل المدينة مردوا على النفاق " " و يقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول .." ما يدل على ان نار العصيان كانت تحت الرماد، ما يجعلنا لا نوافق الكاتب في قوله ان الرسول حصل على طاعة مطلقة لمجرد انه قام بتدابير معينة بل ما يمكن قوله هو انه حصل على طاعة نسبية شابها كثير من علامات التمرد، و انه استطاع في ظل هذه الامواج المتلاطمة من الطاعة و اللاطاعة ان يبلغ رسالته و يحقق مشروعه الديني و السياسي .
يمكن القول أن هذا الجزء الثاني من كتابه (الصحابة و الصحابة) هو الجزء الاقوى في مؤلفه شدو الربابة . فهو يدرس مجتمع الصحابة من الداخل و ترابطاته الداخلية و مواقف افراده من السب و القتل و المال و النكاح ، و هل اختلفوا عن الافراد العاديين ام لا ؟ يوضح الكاتب في هذا الجزء ان الصحابة كانوا تشكيلة بالغة التعقيد و التنوع و التصنيف و لكن المؤرخين المحدثين اكتفوا بتسليط الاضواء الكاشفة على الجوانب المضيئة فقط لدى الصحابي او الصحابية ، و هذا منهج غير موضوعي. فإلى حدود هذا الكتاب لم يكتب عن حياتهم الدنيوية و ما تضمنها من مواقف من المال و علاقتهم ببعضهم البعض و نكاحهم و ملابسهم و معاملتهم لزوجاتهم الخ .. لذلك تظل دراسة الصحابة عن قرب كبشر عاديين امرا ضروريا لتقييم التجربة التي كانوا اعمدتها ، لهذا يدعو الكاتب الى دراسة احوال الصحابة باعتبارهم رواة و ناقلي النصوص دراسة مستفيضة لا تقتصر فقط على التعديل و التجريح ، بل يجب تحليل سلوكيات الصحابة تحليلا موضوعيا صارما لا مجال فيه للعواطف الفجة او المشاعر المسبقة لنضع التجربة الاسلامية التي اسسوها مع النبي و بعده في حجمها الصحيح دون تهوين او تهويل ، مما سيمكننا من اصدار حكم عادل دقيق عليها . و يوضح الكاتب ان الدراسة الموضوعية لهذه التجربة هي من اجل اثبات انها كانت بشرية فلا هي معصومة و لا هي مقدسة ، مما سيمكننا من ربط النصوص بظروف ذلك المجتمع و اكراهات بيئته التي من احشائها خرجت هذه النصوص، الشيء الذي سيؤدي الى : أ- رفع الحرج عن المخاطبين بالنصوص لان الدين لم يشرع للحرج ب- ضرورة تطوير تأويل النصوص بما يوائم عصرنا الحالي بالإضافة الى ذلك فإنه من خلال دراستنا الموضوعية لمجتمع الصحابة سنستطيع ان نفهم كيف ان الطلقاء و الطرداء و اللعناء من امثال معاوية و الحكم و ابنه مروان و الوليد بن عقبة غدوا حكاما و ولاة في حين ان ابا ذر الغفاري مات شريدا غريبا في الربذة و عبد الله بن مسعود ضرب بالسياط و اسامة بن زيد يسخر معاوية من امه و مروان بن الحكم يسبه سبا قبيحا امام قبر محمد و الحسن بن علي حفيد محمد يموت مسموما و يزيد بن معاوية الماجن الخليع بتولى الخلافة، مما يثبت ان ثورة محمد تعرضت لثورة مضادة من طرف اعدائها الامويين بينما كتب التراث تفسر لنا سيطرة الامويين على دولة الرسول تفسيرا ما ورائيا جبريا ، و هو منهج مغلوط حان الوقت للاقلاع عنه . لهذا يرى الكاتب ضرورة كتابة التاريخ الاسلامي كتابة موضوعية بعيدا عن العواطف الفجة و الاساطير و الماورائيات ، فكتب التاريخ بحاجة الى عين يقظة و عقل ناقد عند قراءتها . و لهذا يدعو الكاتب اساتذة و طلاب التاريخ في كليات الاداب ان يتخلوا عن النزعة التبجيلية في دراستهم للسلف الصالح ، لكي تكون لدراساتهم التاريخية قيمة علمية . هذا و لا ينس الكاتب ان يوضح ان خطأ اخر وقع فيه المؤرخون و الدارسون و هو انهم اقتصروا فقط على كتب التاريخ و اهملوا كتب الحديث و السنن مع ما تتضمنه من مادة تاريخية مهمة . لهذا حث الكاتب علماء الاجتماع الديني و الانثروبولوجيا الى تكوين دراسات رصينة انطلاقا من هذه النصوص من اجل فهم جيد لها و تطوير تفسيرها بما يتواءم مع عصرنا .
عالج الكاتب في هذا الفصل من السفر الثاني موضوع مجتمع الصحابة من خلال ظاهرتي السب و القتل . و قد نجح في استخراج مادة ثرية من كتب التراث ، و اوضح من خلالها ان الصحابة رغم الفترة التي قضوها رفقة الرسول الا ان طباع الجاهلية ظلت راسخة في نفوسهم و لم يتخلصوا منها تماما ، لهذا كان من المألوف ان يسبوا بعضهم بعضا في الخلافات التي كانت تشتجر فيما بينهم و التي كانت تصل احيانا الى الضرب او القتل ، مما يبدد الصورة المثالية التي يرسمها المسلمون عنهم . فبخصوص موضوع السب ، يوضح الكاتب انطلاقا من العديد من الامثلة ان هذه الظاهرة كانت شائعة عندهم ، فخالد بن الوليد وصف عمار بن ياسر في حضرة الرسول بالعبد و ابان بن سعيد ن العاص وصف ابا هريرة بالوبر و هو لفظ يعني دويبة و مروان بن الحكم سب اسامة بن زيد بن الحارثة الملقب بالحب بن الحب سبا قبيحا لانه رفض الصلاة وراءه و معاوية بن ابي سفيان سب عبادة بن الصامت الخزرجي كما استهان بأسيد بن حضير و لما كتب زيد بن ثابت المصحف قال عبد بن مسعود : لقد اسلمت و انه في صلب رجل كافر (يعني عثمان بن عفان) و عبد الرحمان بن عوف و خالد بن الوليد كانا يتشاتمان و ابي بكر اغضب عمر حتى وصل الخبر الى الرسول و العشرة المبشرين بالجنة ايضا تشاتموا و تقاتلوا فيما بينهم مثلما حدث بين علي و طلحة و الزبير ،و عبد الرحمان بن عوف شتم خالد بن الوليد بسبب ارتكابه مذبحة في حق بني جذيمة رغم اسلامهم . و في النهاية نخلص مع الكاتب الى ان الصحابة تشاتموا في عهد الرسول و بعد وفاته . و هذا دليل على ان تعاليم محمد لم تتغلغل عميقا في نفوسهم و ان الوفاق الذي كان بينهم كان ظاهريا فقط اما النفوس ففيها ما فيها . ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك الى موضوع القتل ، فيوضح ان الصحابة كانت لهم صولات و جولات في هذا المجال (اذا صح هذا التعبير) و يبدأ بخالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة بدعوى ارتداده رغم انه ثبت على الاسلام و لكن في الحقيقة ،كان باعثه وراء ذلك هو الظفر بزوجته جميلة الساقين ام متمم التي كان يشتهيها قبل الاسلام ، فضاجعها مباشرة بعد قتل زوجها مخالفا بذلك تعاليم الاسلام . و رضوخا لدواعي السياسة و مصالحها العليا تغاضى ابي بكر عن تطبيق حدود الله على خالد لبراعته في القضاء على المرتدين . ثم بعد ذلك ينتقل بنا الكاتب الى مقتل عثمان و يوضح ان الثوار جاؤوا من مصر و الكوفة و البصرة و انهم حاصروه لمدة اربعين يوما بقيادة الصحابة و ان اربعة منهم كانوا من بين قتلته و انهم منعوا دفنه بالبقيع و لم يصل عليه و دفن دون ذلك في حش كوكب و هو مكان لقضاء الحاجة ! . و في المقابل انتقم صحابة اخرون من قتلة عثمان الذين هم ايضا صحابة ! فقتلوهم شر قتلة . بخصوص هذا النقطة يوضح الكاتب ان اربعة صحابة كان لهم دور رئيسي في قتل عثمان و هم : محمد بن ابي حذيفة و محمد بن ابي بكر و عمر بن الحمق الخزاعي و عبد الرحمان بن عديس البلوى . و امعانا منه في الحفر التاريخي وراء هذه الشخصيات الميتاتاريخية ، فإن الكاتب تطوع بتقديم سيرة ذاتية عن هؤلاء الصحابة القتلة . ففيما يخص محمد بن ابي حذيفة ، فإن والداه صحابيان مهاجران من عبد شمس من قريش . و بعد وفاة والده كفله عثمان بن عفان و هو ابن خال معاوية بن ابي سفيان و رغم كفالة عثمان له فإن ذلك لم يمنع من ذهابه الى مصر و تأليب الناس عليه و قد كان اول من دخل عليه حين حوصر . و قد هرب بعد قتل عثمان الى الشام ! فوجده رشدين مولى معاوية فقتله عند جبل الجليل بلبنان . أما محمد بن ابي بكر فهو ابن ابي بكر و اسماء بنت عميس و لما توفي ابابكر تزوجها علي فنشأ محمد بن ابي بكر في حجر علي و كان ممن ساهم في قتل عثمان . في المقابل فإنه قتل بطريقة بشعة على يد الصحابيين عمرو بن العاص و معاوية بن حديج ، حيث انه قتل صبرا و احرق في جوف حمار ميت . اما القاتل الثالث ، عمرو بن الحمق الخزاعي ، فهو شخص له صحبة و رواية . بعد قتله عثمان صار من شيعة علي و شهد معه الجمل و النهروان و صفين . لاحقه معاوية ، فاختبأ بغار بالموصل فلدغته حية فمات . و قد قطع رأسه عامل الموصل و ارسله الى زياد بن ابيه الذي بدوره ارسله الى معاوية. و قد كان اول راس حمل في الاسلام من بلد الى بلد . و يذكر المؤرخون انه اثناء ملاحقته سجن معاوية زوجته و حينما اتوا برأسه القي به في حجرها . و يبقى القاتل الرابع عبد الرحمان بن عديس البلوي و هو صحابي شهد بيعة الرضوان و قد قتله معاوية ايضا بفلسطين . في نهاية هذه الفقرة الخاصة بمقتل عثمان بن عفان لدينا اضافة بسيطة غفل عنها الكاتب و هي ان اثنان من قتلة عثمان و هما محمد بن حذيفة و عبد الرحمان بن عديس البلوي كانا قد فرا الى منطقة نفوذ معاوية (الشام) ، و هو امر لا نجد تفسيرا له الا انهما مرسلان من طرف معاوية لقتل عثمان و لهذا فهما بعد تنفيذ مهمتهما (قتل عثمان) لجآ الى الشام في اطمئنان تام معتقدين ان معاوية سيكافئهما لكنه انقلب عليهما حتى لا ينفضح سره و يتاجر بقميص عثمان بكل حرية و يجعل لنفسه الحق في القصاص له . من يراجع قصة مقتلهما يجد انهما سجنا اولا ثم فرا من السجن فتمت مطاردتهما و قتلهما . كتعليق على هذه الاحداث يمكن القول ان معاوية امر بسجنهما اولا و لانه لم يكن له مصلحة في محاكمتهما امام الملأ و الا افتضح سره ، فإنه سهل لهما الهروب من السجن ثم ارسل من يقتلهما تحت ستار مطاردتهما و محاولة القبض عليهما و هكذا يموت سرهما معها (ادار هذه العملية رشدين مولى معاوية المقرب اليه ) و ينجو معاوية من انتقام اسرة عثمان بن عفان المروانية . إن الانتباه الى دور معاوية بن ابي سفيان في قتل عثمان بن عفان لكفيل بإعادة كتابة تاريخ صدر الاسلام برمته ! . لم يكن مقتل عثمان بن عفان نهاية لجرائم الاغتيال السياسي في عهد الصحابة بل استمر هذا المسلسل من الاعدامات ممثلا في قتل حجر بن عدي ، و هو يعتبر من فضلاء الصحابة و قد شهد مع علي صفين و الجمل و النهروان ، لكنه بعد انتقاده لزياد بن ابيه ، فإن هذا الاخير ارسله الى معاوية مع جماعته فضرب عنقهم في مرج عذراء. ثم تأتي بعد ذلك حادثة سم الحسن بن علي . هذا الاخير كان قد تصالح مع معاوية بن ابي سفيان ، فسمي ذلك العام بعام الجماعة على اساس ان يحكم الحسن بعد معاوية ، لكن هذا الاخير تنكر لاتفاقه و سم الحسن عن طريق زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي. ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك الى ذكر جريمة اخرى و هي سم عبد الرحمان بن خالد بن الوليد . هذا الاخير كان والي معاوية على حمص و شهد معه صفين و كان يستعمله على غزو الروم و كانت له شعبية كبيرة لدى اهل الشام ، بالإضافة الى اصله المخزومي و هو اصل قرشي رفيع مما جعل معاوية يخشى ان يفسد عليه تولية ابنه يزيد بعده فتخلص منه هو الاخر بالسم . و في ختام هذا الفصل يورد لنا الكاتب نموذجا فريدا من الصحابة و هو الصحابي بسر بن ارطأة . فهذا الصحابي ارسله معاوية الى اليمن و الحجاز لقتل شيعة علي و اخذ البيعة له فقام بأعمال شنيعة في المدينة بأمر من معاوية ثم ذهب الى اليمن فقتل من رفض مبايعة معاوية و قتل عبد الله بن المدان الحارثي و ابنه و ابني عبيد الله بن العباس الصغيرين ذبحا و قتل كل من يناصر علي باليمن، ثم اضاف الى اعماله ان سبى النساء المسلمات و عرضهن في سوق النخاسة كاشفا عن سيقانهم فسمي هذا اليوم بيوم العورة . في نهاية هذا الفصل سيصعب علينا الركون الى فكرة السلف الصالح و مثالية الصحابة و عدالتهم . اننا امام ممارسات واقعية لجزء مهم منهم . ممارسات تنم عن حب شديد للذات و استعداد للسير الى ابعد مدى لإرضائها و لو تطلب ذلك ارتكاب ابشع الجرائم تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة . ان المعلومات التي اوردها الكاتب هي معلومات تقبع في ثنايا الكتب السنية (الصحاح الستة) و بالتالي لا تملك المؤسسة الدينية عندنا الاعتراض عليها . و في رأينا انه بعد هذا الكتاب سيكون من الغباء و الاستغباء ترديد اللازمة السنية المشهورة : كل الصحابة عدول !.
استمرارا منه في تبديد الهالة الموضوعة على الصحابة ، فإن الكاتب يوضح في هذا الفصل العلاقة الوطيدة التي جمعت كبار الصحابة بالمال ، و كيف انهم لم يكونوا من الزاهدين فيه كما يشاع عنهم . و قد اوضح خليل عبد الكريم كيف كان اتباع محمد في مكة في بداية الدعوة من اراذل الناس و افقرهم و انهم حينما هاجروا الى المدينة قاسمهم الانصار اموالهم، و زوجاتهم . لكن بفضل الغزوات مع الرسول و بعده ستتحسن احوالهم تدريجيا ليصبحوا في النهاية شديدي الغنى . فالزبير مثلا كان فقيرا لا يملك غير ناضح (جمل يسقى عليه الماء) و فرس و ارض اقطعه الرسول اياها . اما عبد الله بن عمر فيتحدث عن نفسه قائلا : كنت غلاما عزبا ، فكنت انام في المسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه و سلم). في حين كان عبد الله بن مسعود عديم الكسب لا حرفة و لا تجارة له ، فكانت زوجته هي التي تنفق عليه و على اولاده . لكن هذه الاحوال المتواضعة للصحابة ستتغير تماما ، خصوصا في عهد عمر بن الخطاب ، حيث يوضح الكاتب بذكاء ان عمر اغدق الاموال الطائلة التي اتته من خراج البلاد المفتوحة على عوائل قريش الكبرى حتى تسكت عن خروج الخلافة منها الى قبيلة عمر (بني عدي) المتواضعة ، و نحن نضيف ان هذا التوزيع العادل لأموال الخراج على كبار الصحابة بمختلف انتماءاتهم القبلية هو ما صنع اسطورة " عدل عمر" مقارنة مع عثمان بن عفان الذي مال تماما الى عائلته الاموية و استأثرهم بخيرات الدولة و امكاناتها . اذن هكذا يوضح الكاتب انطلاقا من المصادر السنية كيف انقلب وضع الصحابة من حال الى حال و تحولوا الى مليونيرات بلغة عصرنا . فابن عمر باع ارضا له بمائتي ناقة و تصدق في جلسة واحدة بثلاثين الفا (درهما او دينارا) و فرق في احدى المجالس اثنين و عشرون الف دينار و توزعت مصادر ثروته بين نصيبه من العطاء لأنه صحابي قديم و قرشي و مهاجر و ما كان يقبله من عطايا الامراء و لو كانوا ظالمين . اما عن والده عمر بن الخطاب فتشير المصادر ان الرسول اقطعه و ابي بكر ارضا بالمدينة . و ان الرسول كان يعطيه العطاء بشهادة حفيده سالم ، و انه من اجل الاعتناء بأراضيه كان يحضر يوما لمجلس الرسول و يوما للعناية بها و انه شهد جميع الغزوات و حاز الغنائم منها جميعا ، خصوصا غزوة حنين الكثيرة الغنائم ، ثم انه حين صار خليفة لم يتخل عن ثروته بل جعل له عطاء من بيت المال قدره اربعة آلاف دينار/درهم بخلاف راتبه كخليفة . هذا و تذكر المصادر انه دفع لام كلثوم بنت علي صداقا بأربعين الف دينار/ درهم . إن ما يقال عن تقشف عمر و زهده هو في الواقع محض خيال ، فالرجل عاش يملك الضياع و الاموال ، و تمتع الى جانب ذلك بحياة جنسية ثرية تمثلت في زيجاته المتعددة و تملكه للإماء . و هو ما سنوضحه اكثر في فقرة الصحابة و النكاح . ثم اذا انتقلنا الى بقية الصحابة فإننا نجد الاتي : - عمرو بن العاص : خلف 325.000 دينار و الف الف درهم و غلة 200.000 دينار و ضيعة تسمى بالوهط قيمتها 10 مليون درهم. - علي بن ابي طالب : مات عن اربع زوجات و 19 ام ولد و 24 ولد و بنت و ترك لهم كثيرا من العقار و الضياع . و تذكر المصادر ان فاطمة بنت محمد اعترضت عليه بحجة انه فقير آل طالب . - عبد الله بن مسعود : صار يملك الضياع بعد ان كانت تتصدق عليه زوجته - زيد بن ثابت : خلف ثروة تفوق بكثير مائة الف دينار - سعد بن ابي وقاص : بنى قصرا واسعا العقيق - عبد الرحمان بن عوف: ترك ثروة تقدر بثلاثة ملايين و مائة الف دينار . - الزبير بن العوام : كان له الف مملوك يؤدون له الخراج . باع احدى دوره بستمائة الف .أقرض عبد الله بن جعفر مليون درهم . كانت له دور بالبصرة و الكوفة و مصر و الاسكندرية. - طلحة بن عبيد الله : من قبيلة تيم ، باع ارضا له بسبع مائة الف دينار/درهم. كان يغل بالعراق ما بين اربعمائة الى خمسمائة الف و كان يتكلف مؤونة افراد قبيلة تيم . دخله السنوي هو 365.000 دينار . تزوج سبع حرائر و تسرى بأمتين (ام ولد). الواضح ان المصادر السنية على علاتها و خضوعها لمنطق السلطة الحاكمة لم تستطع ان تخفي واقع الصحابة المتناقض مع فكرة السلف الصالح . انهم كما سيتضح مما سيأتي من التحليل لم يختلفوا عن اي جماعة ارستقراطية مقاتلة طفت فجأة على سطح الاحداث . فغزت و نهبت و استعبدت و تملكت الإقطاعات . و لم يختلفوا عن نظرائهم الفرس او البيزنطيين . و بالتالي لا يمكن القول انهم اتوا بجديد على المستوى السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي او الحضاري . و هذا ما سيتضح في الابواب التالية من هذا الفصل . ففي باب غنائم الفتوحات تذكر المصادر ان سعد بن ابي وقاص وجد بخزائن كسرى ثلاثة الف الف الف الف دينار (3000 مليار دينار) و قدرا كبيرا من التحف و الامتعة و الجواهر مالا تدرى قيمته . كما انه اباح ان يحتل الغزاة مساكن المواطنين . اما عن الجبايات ، فقد كانت تلك التي ترد من العراق في عهد عمر بن الخطاب مائة مليون درهم و التي ترد من مصر في عهد عمرو بن العاص اربعة عشر مليون دينار كضريبة على الرؤوس . كما تذكر المصادر ان ابا موسى الاشعري حمل الى عمر بن الخطاب الف الف درهم و حمل ابو هريرة من البحرين الى نفس الخليفة خمسمائة الف درهم . و السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا سيفعل مجتمع الصحابة القابع في مكة و المدينة بكل هاته الاموال ؟ ما هي حاجته الحقيقية اليها ؟ إن هاته الاموال هي اموال الشعوب المفتوحة و هي حق لهم وحدهم و يجب ان تظل داخل بلدانهم و تنفق عليهم ، لأنها من انتاجهم و عرق جبينهم . إلا ان الذي حدث هو ان هذه الثروات التي اجتهدت الشعوب في انتاجها نقلت باستمرار الى مجتمع المدينة لتوزع على كبار الصحابة لينفقوها بسفه على نزعاتهم الاستهلاكية و الترفيهية من دور و ضياع و جوار و عبيد ، في حين تعرضت البلدان المفتوحة الى استنزاف متواصل ، الشيء الذي دفعها الى ان تثور باستمرار على مركز الخلافة . في المقابل فإن هذه الثروات الضخمة المستحدثة على مجتمع الصحابة قد هزته هزا عنيفا و زلزلته زلزالا شديدا ، فتحولوا من اخوان الى اعداء ألداء يتقاتلون من أجل الدنيا مثلما حدث ين طلحة و الزبير و علي ، كما يوضح الكاتب. اننا حينما ندرس المجتمع الفيودالي في اوربا بعد اكتساح القبائل الجرمانية للدولة الرومانية ، فإننا نجد نقاط تشابه عديدة بين هذا المجتمع القائم على تقسيم الاراضي الزراعية على النبلاء من طرف الملك لكسب ولائهم و مشاركتهم في حروبه و بين المجتمع الصحابي . فهو أيضا قام افراده باقتسام اراضي البلاد المفتوحة فيما بينهم و اعتبروا انفسهم المالكين الوحيدين للاراضي دون غيرهم من اصحاب الارض الاصليين او باقي المسلمين . بل كانوا يفسخون بيع و شراء اي جزء من تلك الاراضي ، لان البيع و الشراء لم يتم عن طريقهم كما يتضح من خلال هذه الرواية :" روى الشعبي قال : اشترى عتبة بن فرقد ارضا على شط الفرات ، فذكر لعمر بن الخطاب فقال ممن اشتريتها ؟ قال من اربابها ، فلما اجتمع المهاجرون و الانصار عند عمر قال : هؤلاء اهلها ، فهل اشتريت منهم شيئا ؟ قال : فاردد على من اشتريتها منه و خذ مالك" كتاب الاستخراج لاحكام الخراج للامام الحافظ ابي الفرج بن رجب الحنبلي. ان الباحث يجد نفسه امام سادة اقطاعيين بكل معنى الكلمة . و لتوضيح هذه النقطة اكثر لمعرفة الصلة الوطيدة التي ربطت الصحابة بعالم الاقطاع ، يورد لنا الكاتب الامثلة التالية : - عن عروة عن ابيه ان ابا بكرا اقطع الزبير ما بين الجرف الى القناة (ارض في منطقة الحجاز) - حدثنا الحسن البصري : قال سمعت عن عبد الله بن الحسن يقول : ان عليا سأل عمر بن الخطاب فأقطعه ينبع . - عن موسى بن طلحة قال : اقطع عمر خمسة من اصحاب النبي : سعد بن ابي وقاص و عبد الله بن مسعود و خباب و اسامة بن زيد . بل إن الاقطاع تم بقرى بكاملها مثل اقطاع عمار استينيا و هي قرية بالكوفة و اقطاع خباب بن الارت قرية صنعاء بمن عليها من الفلاحين ، و هذا دليل اخر يؤكد ان النظام الاقطاعي الذي ساروا عليه كان لا يختلف عن نظام القنانة الفيودالي في اوربا في القرون الوسطى كما سبق و اوضحنا . فالخليفة كان لا يختلف عن اي ملك فيودالي ، فقد كان مطلق اليد في المالية العامة و اراضي البلاد يمنحها و يحرمها من يشاء . و الواقع ان نقدنا لمجتمع الصحابة لا ينسحب على الرسول . إن قراءتنا المتأنية لسيرة الرسول توضح انه حاول ان يثور على البراديغم السائد، سياسة و عرفا و اخلاقا ، لكن الواقع كان اقوى . فبمجرد ان توفي حتى عاد البراديغم ما قبل الاسلامي بمنطقه اللامساواتي و الاستغلالي . و هو ما يوضحه الكاتب من خلال عقد مقارنة بين مواقف الصحابة في حياة محمد و بعد وفاته . فمثلا فيما يخص الغنائم فإن الكاتب يوضح ان نظرة الصحابة اليها كانت مستمدة من اعراف الجاهلية ( من قتل قتيلا فله سلبه) . و قد حاول محمد جاهدا محو هذا العرف دون جدوى ، لانه كان راسخا في النفوس كحالة سعد بن ابي وقاص و السيف الذي غنمه بقتله لاخيه في المعركة و استنكار الرسول لهذا السلوك ثم قبوله به على كره منه . بل ان رغبة الصحابة في الغنائم دفعهم الى قتل راع مؤمن و هو مرداس بن نهيك الفزازي رغم نطقه بالشهادتين فنزلت الاية :" و لا تقتلوا لمن القى اليكم السلم لست مؤمنا " هذا الشخص قتله اسامة بن زيد و قد وبخه الرسول بشدة قائلا له : "هل شققت عن قلبه؟" . و مع ذلك تكررت الواقعة مع عامر بن الاضبط الذي قتله الصحابي محلم بن حتامة رغم انه حيا المسلمين بتحية الاسلام ، فنزلت الاية :" يا أيها الذين امنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا". و الواقع ان الرسول عانى بشدة في مراودة الصحابة و كبح جماحهم و تنقية نفوسهم مما علق بها من النشأة ( هذا يدحض فكرة طاعتهم العمياء له كما ادعى الكاتب) و الامثلة على ذلك كثيرة ، نكتفي منها بالاتي : " عن الاسود بن سريح قال : كنت مع رسول الله (ص) في غزاة فأصاب الناس ظفرا حتى قتلوا الذرية فقال رسول الله : الا تقتلن ذرية الا تقتلن ذرية " اخرج هذا الحديث بن ماجة و احمد بن حنبل . إن رغبة الصحابة (او بعضهم) في الحصول على الغنيمة كانت قوية لدرجة انهم تسببوا في هزيمة احد بسبب تهافتهم على الغنائم ، بل إنه في بعض الاحيان كان يحدث ان يستولي الصحابي على سلب صحابي اخر . و لم يقتصر الامر على الصحابة الرجال بل تعداه الى الصحابة النساء ، اللواتي هن بدورهن طمعن في امتلاك الغنائم كما جاء في الرواية التالية :" ثم ان خولة بنت حكيم بن امية بن حارثة بن الأوقص السلمية و هي امرأة عثمان ، قالت : يا رسول الله اعطني ان فتح الله عليك بالطائف حلي بادية ابنة غيلان او حلي الفارعة بنت عقيل و كانتا من احلى نساء ثقيف " السيرة النبوية لابن هشام. و رد عليها محمد " و ان كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خولة " الاستيعاب لابن عبد البر. يخلص الكاتب الى ان الصحابة كانوا يتهافتون على المال و الغنائم في حياة محمد و نحن نوافقه على رأيه فيما يخص المهاجرين اما الانصار فلا يمكن القول انهم كانوا كذلك بدليل ان الرسول لم يمنحهم شيئا من غنائم حنين و بعد اعتراض بسيط منهم رضوا بالامر . و يمكننا ان نرجع هذه الفروق في السلوك بين الانصار و المهاجرين الى الاختلاف في بيئة كل فريق منهما . فالأنصار مزارعون و المهاجرون رعاة ، و المزارع ينمي ثروته عن طريق الزراعة ، اي الانتاج الدوري المتجدد ، اما الراعي فنمطه الاقتصادي قائم على الاستهلاك (الرعي/ استهلاك العشب) و لا يعرف منطق الادخار و الاستثمار كالمزراع ، و لذلك فهو اقرب لنهب الاخرين لتنمية ثروته التي لا يستطيع مضاعفتها عن طريق الادخار و الاستثمار لأنه لا ينتج الكلأ بل يستهلكه فقط و لذلك كان الراعي البدوي الصحراوي نهابا كبيرا . ثم ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك الى الحديث عن مواقف الصحابة بعد محمد لإتمام المقارنة بين مواقف الصحابة اثناء حياته و بعدها. يوضح خليل عبد الكريم ان محمد قام بثورة ناجحة اطاحت بملأ قريش اعتمادا على المستضعفين و التجار المتوسطين امثال ابي بكر و عثمان و طلحة و الزبير و ما يمكن ان نطلق عليهم بالمثقفين المستنيرين امثال عمر بن الخطاب و مصعب بن عمير، على حد قول الكاتب . و يوضح كذلك ان ثورة محمد كانت اشبه بثورة يسارية على اليمين القرشي و انها نجحت بفضل دعم الانصار لها . لكن ثمرات الثورة قطفها اليمين القرشي مرة اخرى بعد وفاة الرسول ممثلا في البيت الاموي الذي سينتصر في النهاية على اليسار الاسلامي ممثلا في البيت الهاشمي ، فانقلبت ثورة محمد الى نقيضها (يسميها الكاتب ثورة مضادة). لا ينفك خليل عبد الكريم يغرف من كتب التراث موضحا في هذا الباب كيف تغيرت مواقف عدد من الصحابة بعد وفاة الرسول و ساهموا بشكل مباشر او غير مباشر في احداث الثورة المضادة . و يبدأ بعثمان بن عفان فيوضح انه تولى منصب الخلافة بدعم واضح من حزب المتمولين (اغنياء قريش) و كيف شعر في عهده الصحابة ذوو الاصل الوضيع بالغبن في حين ان الصحابة الذي حبسهم عمر بن الخطاب و منعهم من مغادرة المدينة قام عثمان بن عفان بإطلاق حريتهم فلجأوا الى تعويض حرمانهم في الفترة الاولى مما ادى الى حدوث ما سمي ب "الفتنة الكبرى" حيث تحلق حول عثمان صقور اليمين من الاعداء السابقين للرسول من الطلقاء و اللعناء و الطرداء مثل الحكم بن ابي العاص و عبد الله بن سعد بن ابي السرح و ابي سفيان و معاوية و الوليد بن عقبة و عمرو بن العاص و شرعوا في فرض سياساتهم و سيطرتهم على مقدرات البلاد و ازاحوا الحرس القديم من الصحابة و هو ما سنوضحه بشيء من التفصيل . تذكر المصادر بخصوص الحكم بن العاص ، انه كان مؤذيا لرسول الله ، فلعنه و طرده من المدينة لكن عثمان رده حين استخلافه . الحكم هذا كان صعلوكا (قليل المال) و حينما عاد من المنفى و دخل دار عثمان خرج و عليه خز و طيلسان ثم صار بعد ذلك و ابنه مروان من خاصة مستشاري الخليفة و انقلب الى كبار الاثرياء بفضل عطاياه (عثمان بن عفان) الذي زوج ابنته الى مروان بن الحكم و امر له بخمس خراج افريقية . ثم يأتي بعده عبد الله بن سعد بن ابي سرح كشخصية تاريخية جديرة بالدراسة . لقد كان اخا لعثمان بن عفان من الرضاعة و احد كتبة الوحي لكنه ارتد و عاد الى مكة يشهر بالرسول قائلا : " اني كنت اصرف محمد حيث اريد . كان يملي علي (عزيز حكيم) فأقول او (عليم حكيم) فيقول نعم كل صواب " (أسد الغابة ، ابن الاثير الجزري، المجلد الثالث ، ص : 259. فنزلت الاية تقول : " و من اظلم ممن افترى على الله كذبا او قال اوحي الي و لم يوح اليه شيء ، و من قال سأنزل ما انزل الله " سورة الانعام ،93. و اهدر الرسول دمه يوم فتح مكة لكنه فر الى عثمان الذي شفع له عند الرسول الذي ظل غاضبا عليه لآخر لحظة من حياته. و رغم كل ذلك ، ولى عثمان عبد الله بن ابي سرح على مصر مكان عمرو بن العاص لينعم بخيراتها ، فأساء السيرة ، حيث ضاعف من خراج مصر بإثقال اهلها بالجبايات . و رغم كل ما فعله عثمان من اجله فإنه لم يرسل اي جيش لإنقاذ اخيه (عثمان) من الثوار بل لم يقاومهم حينما انتزعوا منه مصر و كل ما فعله هو انه رحل عنها محملا بثروته الى مدينة الرملة او عسقلان تحت حماية معاوية بن ابي سفيان. و عاش البقية من حياته خامل الذكر ، فلم يشارك في معركة صفين التي دارت بين علي و معاوية و آثر الخلود الى المتعة و الراحة . ننتقل بعد ذلك الى مروان بن عبد الحكم . هذا الشخص هو ابن عم عثمان و يعتبر اشدهم هيمنة عليه و هو من اورده مورد التهلكة بسبب تصرفاته التي ادت الى الثورة عليه و مقتله. ولد مروان بن الحكم في العام الهجري الثاني و قيل يوم احد او يوم الخندق . كان مستشار عثمان بن عفان الخاص ، فاستولى عليه الى ان قتل ، ثم فر و من معه من بني امية و تركه يواجه مصيره . ثم صار بعد ذلك واليا على المدينة في عهد معاوية ، فجعل مصعب بن عبد الرحمان بن محوف على شرطة المدينة ففعل هذا الاخير بأهلها الافاعيل. صار خليفة بعد وفاة معاوية بن يزيد باتفاق بين آل سفيان و آل مروان على ان يتولاها من بعد خالد بن يزيد بن معاوية لكنه تحلل من عهده و جعله في ابنه عبد الملك و مات على يد زوجته انتقاما منها لابنها خالد . يوم تولى ابنه عبد الملك الخلافة قال محمد الحنفية : " تسلط الطلقاء و لعناء رسول الله (ص) على الناس " . نمر بعد ذلك الى شخصية اخرى و هي الوليد بن عقبة بن ابي معيط و هو أخو عثمان لأمه . اسلم يوم الفتح . كان شديد العداء لمحمد قبل الفتح بعد اسلامه ارسله الرسول الى بني المصطلق ليأخذ منهم صدقات اموالهم فكذب عليهم و ادعى انهم ارتدوا و انهم رفضوا دفع الزكاة و انهم حاولوا قتله لولا ان الاية نزلت تكذبه :" ان جاءكم فاسق بنبأ .." و حاز الوليد بذلك لقب الفاسق . ولاه عثمان ولاية الكوفة بعد عزل سعد ن ابي وقاص بطل القادسية. صلى اثناء ولايته بالناس و هو سكران ثم تهوع في المحراب و التفت الى من خلفه فقال : أأزيدكم ؟ كان جاهلا بالفقه و العبادات و كان مدمنا على الخمر و كان يحرض معاوية بكتبه و شعره على بني هاشم . من خلال هذه الشخصيات يتضح التغير الذي عرفته مواقف عثمان بن عفان . هكذا بعد ولايته صار يوزع المناصب على افراد عائلته رغم سوء سيرتهم ، بل تعدى ذلك الى تبديد اموال بيت مال المسلمين عليهم ." عن ابي موسى قال : كنت اذا اتيت عمر بالمال و الحلية من الذهب و الفضة لم يلبث ان يقسمه بين المسلمين حتى لا يبق منه شيئا ، فلما ولي عثمان اتيت به فكان يبعث به الى نسائه و بناته" و في سبيل ذلك عزل عبد الله بن ارقم و معيقيب عن حراسة بيت المال لأنهما اعترضا على تصرفاته في اموال بيت مال المسلمين و وضع مكانه زيد بن ثابت. و نقل ابن تيمية عن معارضي عثمان قولهم : " و ولى مروان امره و القى اليه اموره و دفع اليه خاتمه ، فحدث من قتل عثمان ، و كان يؤثر اهله بالأموال الكثيرة من بيت المال حتى انه دفع الى اربعة من قريش زوجهم بناته اربعمائة الف دينار و دفع الى مروان الف الف دينار " منهاج السنة النبوية ، ابن تيمية. على هذا النهج سار عثمان ، فبعثر مال المسلمين على اقاربه و اخواله و خدمه و ابناء شركاءه في التجارة ، فمثلا منح خادما له يدعى حمران دارا بالبصرة مثل دار عامله عليها و اقطع العباس ربيعة بن الحارث دارا بالبصرة و اعطاه مائة الف لان والده كان شريكا له بالتجارة . و صار الحال في عهده ان تملك كبار الصحابة و اللقطاء و اللعناء الاقطاعيات و الاموال الكثيرة ، فأوغر ذلك صدور المسلمين العاديين و ملأ نفوسهم بالسخط ، بل زاد عثمان على ذلك بأن كان اول من حول الخلافة الى ملك (على حد قول الكاتب) عندما احاط نفسه بالطلقاء و اللعناء و اقاربه و الفساق يتصرفون بمقدرات الامة كما يشاؤون. يضيف خليل عبد الكريم أن عثمان بن عفان بتصرفاته و سلوكياته كان يعد نفسه ملكا لأن الله هو الذي اتاه الملك و البسه قميصه كما عبر عن ذلك بقوله :" كيف اخلع قميصا ألبسنيه الله" (تتطابق هذه الفكرة تماما مع فكرة الحق الالهي التي كان يحكم بها ملوك القرون الوسطى في اوربا ! ) و بالتالي لا يحق للسوقة ان تحاسبه او تنزعه منه . و قد عبر الوليد بن عقبة عن هذا الامر حينما قال لسعد بن ابي وقاص : " لا تجزعن ابا اسحاق فإنما هو الملك يتغذاه قوم و يتعشاه آخرون" و رد عليه سعد مؤكدا قوله :" أراكم و الله ستجعلونها ملكا " . إذن كما يتضح من هذا السرد فإن عثمان ما بعد الرسول هو عكس عثمان ايام الرسول . ننتقل بعد ذلك الى شخصية اخرى و هي معاوية بن ابي سفيان. اسلم يوم الفتح بينما كان يدعي انه اسلم قبل ذلك و انه لقي الرسول مسلما و كتم اسلامه عن ابيه و امه (اسد الغابة). تألف الرسول قلبه يوم هوازن بمائة بعير و اربعين أوقية . صار هذا الطليق فيما بعد اميرا على الشام لمدة عشرين سنة و خليفة مثل ذلك . و جمع حوله اثناء خلافته اعداء الرسول و مناوئيه و ابنائهم و استبعد الصحابة المخلصين . و حينما زار المدينة جاءه الانصار يشكون إليه ما يلقون فقال لهم : اتذكرون ما قاله محمد لكم ؟ فقالوا : نعم ، قال : ستجدون بعدي اثرة فاصبروا ، فرد عليهم مستخفا بهم : اذن اصبروا " . إذن كما نرى فإن ثورة محمد آلت في النهاية الى اعداءه . معاوية هذا وصفه الرسول بالصعلوك قائلا : " اما معاوية فصعلوك لا مال له " . و من صفاته انه كان نهما الى الطعام لا يشبع ، و في شبابه عانى من بخل ابيه ، فاجتمعت فيه الصعلكة و النهم و الجشع ، و هكذا حينما صار واليا على الشام سمى مال المسلمين مال الله كحيلة للاستحواذ عليه ، و هو ما تفطن له ابا ذر الغفاري ، فظل يعارضه و ينتقده حتى ضاق معاوية به ذرعا فاشتكاه الى عثمان الذي نفاه الى الربذة ، و منذ هذا الحين صار دأبه اكتناز المال و حيازة العقارات للتعويض عن عقدة النقص لديه المتمثلة في احساسه الدفين بالحرمان . و كمثال على ذلك انه اشترى دارا بارعين الف دينار في المدينة و اعتبر الامر عاديا و اشترى دار الندوة التي بناها قصي بن كلاب بمكة بمائة الف درهم . و ما إن مات عمرو بن العاص حتى استصفى ماله . و حينما تولى خليفة نزع فدك من ورثة الرسول و وهبها لمروان ن الحكم . كما ينضاف الى اعماله انه استمال زياد بن ابيه بان نسبه الى ابيه سفيان ، فاحضر خمارا شهد بأنه احضر سمية لأبي سفيان في خمارته و ارخى الستر عليهما فوقع عليها فولدت زيادا ،(مروج الذهب المسعودي). كما يتضح من سيرة معاوية بن ابي سفيان انه كان ميكيافيليا يؤمن ان الغاية تبرر الوسيلة و انه عاش لدنياه لا لآخرته كما هو مفترض في من يحمل لقب صحابي. لقد تميز معاوية بسلوك عملي بعيد عن المثالية الاخلاقية لذلك انتصر على علي بن ابي طالب ، لأنه بكل بساطة استخدم المال لشراء ولاء العديد من القواد و الصحابة في جيش علي . اذن المتتبع لسيرة الصحابة يكتشف انهم في غالبيتهم كانوا ابعد ما يكونون عن المثالية و هذه هي الفكرة الرئيسية التي يحاول خليل عبد الكريم إيصالها و هو محق في فكرته . ذلك ان عدوى الانانية و الطمع لم تقتصر على الصحابة من اصل اموي بل تعدتها الى نظرائهم الهاشميين ، فها هو عقيل بن ابي طالب الذي هو اخ شقيق لعلي ، و قد كان اعلم قريش بالنسب و بأيامها . فارق اخاه لانه طلب منه ان يقضي عنه دينا من بيت مال المسلمين لكن عليا رفض فما كان من عقيل الا ان ذهب عند عدوه معاوية . و هذا صحابي اخر تنكر لمبادئه يدعى عبيد بن العباس بن عبد المطلب ، و هو ابن عم الرسول و ابن عم علي بن ابي طالب الذي استعمله على اليمن و جعله اميرا على موسم الحج ، لكنه فر من بسر بن ارطأة حينما قدم اليمن و ذهب الى العراق عند ابن عمه علي الذي بدوره سامحه على جبنه و ارسل من انتقم من ابن ارطأة . الغريب ان شخصا بهذا التخاذل ، سيجعله الحسن بن علي قائدا على جيش قوامه اثني عشر الف مقاتل لقتال معاوية لكنه خانه و باع ولاءه لمعاوية بالف الف درهم و انسحب من جيش الحسن في ثمانية الف من اصحابه و انقلب عليه . إن قصة هذا الشخص توضح ان عليا و ابنه الحسن لم يكونا اخلاقيين تماما في تعيينهما للأشخاص في مراكز المسؤولية و انهما كانا ايضا يفضلان عامل القرابة على عامل الكفاءة و الاخلاص للقضية . لقد كان واضحا ان العامل المادي يمارس جبروته على المثل العليا لكثير من الصحابة ، فهذا عبد الله بن العباس الملقب بحبر الامة ، نجد انه قد نهب بيت مال البصرة و تخلى عن ابن عمه علي و استقر بالطائف و ابتنى بها دارا و اشترى جاريتين ليتمتع بهما . و هذا الحسن بن علي نفسه يتخلى عن الخلافة لصالح معاوية مقابل عين الصيد و هي ارض بالعراق ، اما عائشة فقد اشترى معاوية صمتها بقلادة قومت بمائة الف حتى لا تشغب عليه كما فعلت مع عثمان الذي انقص عطاءها. و ننهي هذا الفصل بحديث عن ثلاثة صحابة من خارج قريش، و كما سيتضح من سيرتهم ان العامل المادي كان المحدد الاساس للسلوك و انه كان كفيلا بنقل المرء من عالم المثل الى عالم الواقع . فهذا الحتات الذي وفد على محمد مع وفد تميم ثم جارية بن قدامة التميمي السعدي الذي هو من الصحابة الذين نزلوا البصرة ثم اخيرا الاحنف بن قيس الذي رغم انه لم ير محمدا الا انه معدود في الصحابة لانه اسلم على عهده و كان من دهاة العرب و قد خذل عن عائشة و الزبير و طلحة لصالح علي . " عن ايوب قال : غزا الحتات المشاجعي و جارية بن قدامة و الاحنف ، فرجع الحتات لمعاوية و قال : فضلت علي محرقا(جارية) و مخذلا(الاحنف) قال: اشتريت منهما دينهما ،قال : فاشتر مني ديني . قال نصر: يعني محرقا جارية بن قدامة لانه كان قد احرق دار الامارة بالبصرة ، و بالمخذل الاحنف لانه خذل عن عائشة و الزبير و طلحة يوم الجمل " ، الاستيعاب لابن عبد البر. كما يتضح من هذا النص فإن الحتات استنكر ان يجعل معاوية مكافأة جارية و الاحنف اكبر من مكافأته فيرد عليه معاوية انهما قد باعاه دينهما مقابل ذلك فما كان من الحتات إلا ان عرض عليه ان يشتري منه دينه ايضا .
بعد أن تناول خليل عبد الكريم موضوع علاقة الصحابة بالمال و ضعفهم الشديد امامه . ها هو في هذا الفصل يتناول علاقتهم بالجنس. و مرة اخرى خلافا للصورة التي يكونها المسلم الحالي عنهم بأنهم كانوا زاهدين في المتع الحسية فإن العكس كان هو الصحيح . فحسب ما تنقله لمصادر السنية عنهم يتضح ان الواحد منهم و كأنه كان يخشى ان ينقضي اجله قبل ان يحقق اشباعه من المتع الحسية و على رأسها متعة الجنس . و رغم ان الاسلام حرم العلاقات الجنسية غير الشرعية السائدة في الجاهلية إلا ان الصحابة تحايلوا على هذا التحريم بطرق شتى كما سيتضح في سيرة العديد منهم . لقد كان عاديا في المجتمع العربي آنذاك ان يقترن الثري منهم بعشرة نساء كدليل على الوجاهة و الغنى ، لكن الاسلام قلص عدد الزوجات الى اربعة ، و مع ذلك فإن عددا من كبار الصحابة كعبد الرحمان بن عوف وصل عدد زوجاته الى عشرين بفضل آلية الطلاق و الزواج بالإضافة الى لجوء الصحابة الى التسري بعدد لا محدود من الجواري. و للاقتراب اكثر من هذا الموضوع يورد خليل عبد الكريم الامثلة التالية الخاصة بزوجات العشرة المبشرين بالجنة : 1) ابو بكر : - قتيلة أم عبد الله و اسماء - ام رومان بنت الحارث ام عبد الرحمان و عائشة - اسماء بنت عميس ام محمد - حبيبة بنت خارجة ام كلثوم 2) عمر بن الخطاب : - زينب بنت مظعون ام عبد الله و عبد الرحمن و حفصة - ام كلثوم بنت علي ام زيد و رقية - جميلة بنت عاصم ام عاصم - مليكة بنت جزول ام زيد الاصغر و عبيد الله - لهية (ام ولد) ام عبد الرحمن الاوسط - عاتكة بنت زيد ام عياض - ام ولد ام عبد الرحمان الاصغر - فكيهة (ام ولد) ام زينب - ام حكيم بنت الحارث ام فاطمة 3) عثمان بن عفان : - ام كلثوم بنت محمد بن عبد الله - رقية بنت محمد بن عبد الله ام عبد الله الاصغر - فاختة بنت غزوان ام عمرو و عبد الله الاكبر - بنت جندب بن الازد ام خالد و عمر - فاطمة بنت الوليد ام سعيد و الوليد - ام البنين بنت عيينة بن حصن ام عبد الملك - رملة بنت شيبة ام عائشة و أبان و عمر - نائلة بنت الفرافصة - ام ولد و هي ام البنين 4) علي بن ابي طالب : - فاطمة بنت محمد بن عبد الله ام الحسن و الحسين و محسن و ام كلثوم و زينب الكبرى - خولة بنت اياس بن جعفر الحنفية ام محمد (المشهور بابن الحنفية) - ليلى بنت معوذ بن خالد ام عبد الله و ابي بكر - ام البنين بنت حزام ام العباس الاكبر و عثمان و جعفر و عبد الله - ام ولد و هي ام محمد الاصغر - اسماء بنت عميس ام يحيى و عوف - ام حبيب التغلبية ام عمر الاكبر و رقية - بنت العاص ام محمد الاوسط - ام سعد بنت عروة ام الحسن و رملة الكبرى بالاضافة الى امهات الولد - ام هانئ و ميمونة و رملة الصغرى و زينب الصغرى و ام كلثوم الصغرى و فاطمة و أمامة و خديجة و ام الكرم و ام سلمة و ام جعفر و جمانة . 5) طلحة بن عبيد الله : - حمنة بنت جحش ام محمد و السجاد و عمران - سعدى بنت عوف ام عيسى و يحيى - ام ابان بنت عتبة ام اسماعيل و اسحاق و يعقوب - خولة بنت القعقاع ام موسى - ام كلثوم بنت ابي بكر ام زكريا و يوسف - الفرعة الثعلبية ام صالح ام حارث بنت قسامة ام اسحق - ام ولد و هي ام الصعبة - ام ولد و هي مريم 6) الزبير بن العوام : - اسماء بنت ابي بكر ام عبد الله و المنذر و عاصم و المهاجر و خديجة الكبرى و ام الحسن - ام خالد بنت خالد ام خالد و عمرو و حبيبة و سودة - الرباب بنت انيق ام مصعب و حمزة و رملة - زينب بنت مرثد ام عبيدة و جعفر - ام كلثوم بنت عقبة ام زينب - الحلال بنت قيس ام خديجة الصغرى 7) عبد الرحمان بن عوف : - ام كلثوم بنت عتبة ام محمد و سالم الاكبر و القاسم و تماضر بنت الاصبغ ام عبد الله الاصغر - ام كلثوم بنت عقبة ام ابراهيم و اسماعيل و حميد - ام ابراهيم و هي ام معن و عبد الرحمن الاصغر - سهلة بنت عاصم ام معن و عمر - بحرية بنت هانئ ام عروة الاكبر - سهلة بنت سهيل ام سالم الاصغر - ام حكيم بنت قارظ ام ابي بكر - بنت ابي الخشخاش ام عبد الله - ام حريث و هي ام مصعب و امية و مريم - ام مجد بنت يزيد ام سهيل - غزال بنت كسرى (ام ولد) و هي ام عثمان - ام عروة (ام ولد) - ام يحيى (ام ولد) - ام بلال (ام ولد) - بنت شيبة ام القاسم - ام حميد و هي ام حميدة و عبد الرحمن - زينب بنت الصباح ام يحيى - بادنة بنت غيلان ام جويرية 8) سعد بن مالك بن ابي وقاص : - ابنة اشهاب ام اسحاق الاكبر و الحكم - بنت قيس بن معدى ام عمر و محمدو حفصة و القثم و كلثوم - ام عامر بنت عمر و هي ام عامر و اسحق الاصغر و اسماعيل و ام عمران - زيد (بفتحتين) بنت الحارث ام ابراهيم و موسى - خولة بنت عمر و ام عبد الله - ام هلال بنت ربيع ام عبد الله الاصغر و بجير و حمنة - ام حكيم بنت قارظ ام عمير الاكبر و حمنة - سلمى بنت حفص ام عمير الاصغر و عمر و أبونا و اسحق - ظبية بنت عامر ام صالح - ام حجير و هي عثمان و رملة - ام ولد من سبي العرب ام العمياء 9) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : - خلف واحدا و ثلاثين ولدا ، ثلاثة عشر ذكرا منهم و الباقي اناث . لم يورد المؤرخون اسماء زوجاته و جواريه 10) ابوعبيدة الجراح : - كانت له زوجة واحدة هي هند بنت جابر و انجبت له ولدان هما : يزيد و عمير . يظهر اذن من خلال هذه اللائحة المعروضة ان العشرة المبشرين بالجنة كان لديهم باستثناء ابو عبيدة الجارح هوس بالتناكح سواء كانوا واسعي الثراء او قليليه، و رغم ان القرآن قيد عدد الزوجات في اربعة الا انهم تحايلوا عليه بالطلاق و التسري بالجواري . و بلغ حبهم للتناكح ان تنافسوا فيما بينهم على الزوجات الحسناوات مثلما حدث مع ام أبان بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس خالة معاوية التي مات عنها زوجها أبان بن سعيد بن العاص فخطبها عمر و علي و الزبير و طلحة فاختارت الاخير . و لم يقتصر الامر على الصحابة بل تعداه الى الصحابيات اللواتي بدورهن عرفن التعددية الزوجية ، حيث تنقلن بين عدة ازواج فكان منهن المخمسات و المربعات و المثلثات . فهن بدورهن لم يقنعن بزوج واحد مدى الحياة ، فما إن يتوفى عن احداهن زوجها حتى تتزوج رجلا اخر برغبة حثيثة منها . و كمثال على ذلك سبيعة بنت الحارث الاسلمية التي كانت زوجة سعد بن خولة فتوفي عنها و هي حامل فوضعت بعد ليال و ما إن شفيت من نفاسها حتى تجملت للخطاب فعاينها شاب و اخر كهل فاختارت الشاب مما يوضح الرغبة المحمومة لدى افراد هذا المجتمع الصحراوي في التماس مع الجنس الاخر . و لهذا ظهر فيه المخمسات كعاتكة بنت زيد بن عمر التي تزوجت عبد الله بن ابي بكر ثم زيد بن الخطاب ثم عمر بن الخطاب ثم الزبير بن العوام ثم الحسن بن علي . ايضا هناك اسماء بنت عميس الخثعمية التي تعاقب عليها خمس من مشاهير الصحابة و هم : حمزة بن عبد المطلب ثم جعفر بن ابي طالب ثم ابي بكر بن ابي قحافة ثم علي بن ابي طالب . اما فيما يخص ذوات الاربعة بعول ، فقد ظهرت في هذا المجال سهلة بنت سهيل بن عمرو التي تزوجت ابو حذيفة بن عتبة ثم عبد الله بن الاسود بن مالك ثم الشماخ بن سعيد ثم عبد الرحمان بن عوف . و كانت ايضا ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط التي تزوجت يزيد بن حارثة ثم عبد الرحمن بن عوف ثم الزبير ثم عمرو بن العاص . اما غالبية الصحابيات فكن من المثلثات و كمثال على ذلك ام كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب التي تزوجت الحسن بن علي بن ابي طالب ثم ابا موسى الاشعري ثم عمران بن طلحة . ايضا هناك معاذة جارية عبد الله بن ابي بن سلول التي تزوجت سهل بن قرظة ثم الحمير بن عدي ثم عامر بن عدي . كما تزوجت قريبة بنت حذيفة بن المغيرة المخزومي عمر بن الخطاب ثم معاوية بن ابي سفيان ثم عبد الرحمن بن ابي بكر . و قد استمر هذا التثليث للأزواج حتى الجيل الثاني للصحابيات كما حدث مع زينب الصغرى بنت علي بن ابي طالب التي تزوجت محمد بن عقيل ن ابي طالب ثم العباس بن عبد المطلب ثم جعفر بن تمام بن العباس . و تزوجت لبابة بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب علي بن عبد الله بن جعفر ثم اسماعيل بن طلحة بن عبيد الله ثم محمد بن عبد الله بن العباس . اما عن علاقة الصحابة بأزواجهن ، فإن الكاتب اوضح بأنها اختلفت كثيرا عن علاقة محمد بزوجاته الذي رغم ما كان يصدر عنهن من مخالفة او معارضة فإنه ظل حسن المعاملة لهن . اما صحابته فلم يبلغوا مستواه من التحضر في معاملة النساء بل كانوا يضربون زوجاتهم رغم نهي محمد لهم . فعن حميد بن نافع عن ام كلثوم بنت ابي بكر الصديق ان النبي نهى عن ضرب النساء ثم شكاهن الرجال – فخلى النبي بينهم و بين ضربهن – فقال النبي : لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امراة كلهن ضربن . و هو حديث يوضح ان سبعين امراة اشتكت لمحمد من ضرب ازواجهن لهن . و كمثال على ضرب الزوجات نذكر ضرب الزبير بن العوام لزوجته و ضرب سعد بن ابي وقاص لزوجته و ضرب سعد بن الربيع (من نقباء الانصار و اول المبايعين) لزوجته حبيبة بنت زيد بن ابي هريرة . و قد كان الرسول يسأل صحبه متعجبا : كيف يضرب احدكم اهله اول النهار ثم يلم بهم في الليل ؟ يوضح الكاتب في ختام هذا السفر ان الصحابة كانوا ابناء بيئتهم و خاضعين لاكراهاتها ، و رغم ان النبي قام بثورته ليغير من طبيعة هذه البيئة و يؤنسنها انه الا انها ظلت صاحبة الكلمة الاخيرة .
ينتقل الكاتب في هذا الجزء من مؤرخ الى عالم اجتماع ، و كأننا هنا امام دراسة سوسيولوجية لمجتمع يثرب . محاولة و ان اقررنا انها مثيرة و رائدة ، الا اننا لا نوافقها تماما فيما انتهت اليه . فالكاتب في نظرنا ارتكب اخطاء منهجية باعتماده لما جاء في المصادر التراثية دون تمحيص او بتقديمه لخلاصات و استنتاجات هي في نظرنا غير صائبة و غير دقيقة . إن هدف الكاتب الاساسي هو عقلنة التاريخ الاسلامي في لحظته التأسيسية الاولى و ذلك من خلال العمل على عقلنة نظرتنا الى عالم الصحابة المبجل بنقدهم نقدنا تاريخيا علميا ، و لكن كان عليه و هو ينفذ هذه المهمة أن يعي ان نقد عالم الصحابة من خلال ما جاء عنهم في كتب التراث يستلزم قبل ذلك نقد هذه الكتب نفسها نقدا علميا . إن عقلنة نظرتنا لعالم الصحابة تستلزم قبل ذلك عقلنة نظرتنا لتراثنا الاسلامي المكتوب و الذي مر عبر القناة الاموية و العباسية (مدرسة المدينة و مدرسة بغداد) و بالتالي فإن ما وصلنا عنهم يتميز اولا بالنقص (لانه تعرض لمقص الرقيب الاموي و العباسي) و ثانيا بالاصطباغ بصبغة العصر الذي كتب فيه ، خصوصا العصر العباسي و هو ما سنوضحه فيما يلي من الفقرات . كما ان الكاتب قدم قراءات و تحليلات لما حصل في عهد الصحابة لم نوافقه على كثير منها ، لانه في راينا شأنه شأن كثير من الكتاب المعاصرين تسرع في تقديمها ، بينما يستلزم تاريخنا المعقد و المتشابك تأنيا أكبر . لقد تناول الكاتب في هذا الجزء خطة الرسول لخلق الانسجام بين افراد دولته الناشئة في المدينة و الازمات التي اعترضته و كيفية تعامله معها ، كما تناول تفاعل الصحابة فيما بينهم و علاقتهم مع الخمر كأحد الظواهر الاجتماعية و نظرتهم للطبيعة و مستواهم الادراكي. و نحن كما قلنا نرى الكاتب قد توفق في اشياء و اخفق في اخرى .
يوضح الكاتب انه حينما شرع محمد في نشر دعوته و ما تضمنته من ثورة على قيم المجتمع القرشي المبنية على الاستضعاف و الاستكبار ، كان شيئا طبيعيا ان يواجه مقاومة عنيدة من طرف صناديد قريش المترفين الاقوياء ، لذلك حول اتجاهه نحو الطائف . لكن ردهم عليه كان سيئا فما كان منه الا ان توجه هذه المرة نحو يثرب التي كان لها استعداد كبير لتقبل دعوته نظرا لكون قبيلتي الاوس و الخزرج اليمنيتا الاصل كانتا تجاوران اليهود و بالتالي سمعتا منهم فكرة النبي المنتظر او الملخص المسطرة في كتبهم ، لهذا اجتمع للنبي في بني قيلة (الاوس و الخزرج) تأثرهم بأفكار الديانة اليهودية المتواجدة في يثرب و خؤولتهم له عن طريق بني النجار بالاضافة الى اصلهم اليمني المشهور عنه رقة العواطف و نزعته الوجدانية على عكس اهل مضر ذوي الطبع المادي الجاف . لهذا كان طبيعيا ان يسري التيار بين النبي و بني قيلة اليثاربة التي سيتحول افرادها الى اشد المخلصين لهذا الدين الجديد و سيسمون بالانصار . يوضح الكاتب كعادته في تبديد الاوهام التراثية ان ما ذكر عن استقبال النبي بالأهازيج و الاناشيد من طرف النسوة و الاطفال غير صحيح و غير مذكور في كتب السيرة التراثية المعتمدة مثل سيرة بن هشام و السيرة الحلبية و السيرة النبوية لابن كثير ، و لكن الذي حدث هو ان النبي دخل المدينة تحت حراسة كثيفة من اتباعه . " فلم يملك اليهودي ان قال بأعلى صوته : يا معشر العرب (و في رواية غيره :يابني قيلة ) هذا جدكم (اي حظكم) الذي تنتظرون . فشار المسلمون الى السلاح فبلغوا رسول الله بظهر الحرة ..و في لفظة اخرى ، فاستقبله زهاء خمسمائة من الانصار) (السيرة الحلبية). اذن كما يتضح من كتب التراث المعتمد فإن الرسول دخل المدينة و هي تموج بالتيارات المتعارضة ما بين مرحب به و رافض له . و قد مثل المعارضة السياسية للرسول عبد الله بن ابي بن سلول الخزرجي الذي كاد ان يصير ملكا على الاوس و الخزرج لولا قدوم محمد و قد عرف برأس المنافقين . اما المعارضة الدينية فمثلها ابو عامر بن عمرو بن صيفي بن النعماني الاوسي الملقب بالراهب و قد رفض الاعتراف بنبوة محمد و فارق يثرب و معه خمسون رجلا من رهطه و شارك في التحزيب ضده فلقب بالفاسق . كان على النبي امام هذا الوضع المتلاطم بين مرحب به و رافض له ان يعمل على تمتين الجبهة الداخلية لذلك كان اول قرار اتخذه هو المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار . و يلاحظ الكاتب ان الرسول راعى المكانة الاجتماعية في هذه العملية ، فآخى بين عثمان بن عفان و اوس بن ثابت ، الاول من بني امية و الثاني من بني النجار اخوال محمد في يثرب كما آخى بين خباب بن الارت الذي كان مولى لامرة تسمى ام انمار و بين تميم مولى فراش بن الصمة . و راعى ايضا المستوى المالي في الاعتبار فآخى بين عبد الرحمان بن عوف و سعد بن الربيع و كلاهما ثريان . و اوضح الكاتب ان الهدف الذي كان من وراء سياسة المؤاخاة هو : اختلاط المهاجرين و الانصار ، فيحدث الانسجام بينهما بدلا من الاستقطاب ، مما سيسمح بتغلغل المهاجرين في ثنايا المجتمع المديني و قدرتهم على رصد انشطة المعارضين و نقلها للرسول ، بالاضافة الى ان المؤخاة ستساهم في اعالة المهاجرين نظرا لما عرف عن الانصار من كرم ايثار . لكن الكاتب يشتط في تحليلاته حينما يعتبر ان مؤاخاة الرسول بين المهاجرين (اهل الحرم) و بين الانصار كانت مأثرة من طرفه اتجاههم (الانصار) جعلتهم يشعرون بالفخر مما رفع معنوياتهم و جعلهم يستميتون في القتال ! كما يخطئ مرة اخرى حينما يعتبر ان الدولة التي اسسها الرسول في المدينة كانت للقرشيين و ان الانصار لم ينتبهوا لذلك نظرا لطيبة قلبهم ! و هي فكرة يرددها كثير من الباحثين و اشهرهم سيد قمني في كتابه (الحزب الهاشمي) . ان السياسة تبنى على المصالح و مادام اليثاربة قد استقبلوا الرسول فلأنهم رأوا ان مصالحهم العليا تتوافق مع ذلك . لقد كانت يثرب هي غريمة مكة و ما يمكن قوله في هذا الصدد هو ان يثرب استقبلت الرسول و المهاجرين معه في اطار سياسة تمثلت في احداث انشقاق في قريش و ضربها بأبنائها . لكن الكتاب العرب و منهم خليل عبد الكريم مازالوا سجناء المركزية القرشية . و نعود لموضوع المؤاخاة و نطرح السؤال التالي : هل أثمرت المؤاخاة ثمرتها ؟ يجد المتتبع لأحوال المهاجرين و الانصار ان المؤاخاة لم تسهم في تقريب الشقة بين الطرفين بل ظلت التمايزات واضحة بينهم كما تبينه هذه الرواية. " قال عمار ياسر : كان مسجد الانصار يسلمون فيه تسليمتين و كان مسجد المهاجرين يسلمون فيه تسليمة واحدة " (الشرح الكبير للمقدسي) . بل ان هذه التمايزات تطورت احيانا الى احتكاكات حاول خليل عبد الكريم تقديم تفسير لها بالقول بان دوافعها تعود الى التنافس القديم بين المدينة و مكة الذي لم يشجع على الاختلاط بين الفريقين و هو ما يدحض فكرته حول تعظيم اليثاربة للقرشيين لأنهم اهل الحرم و ان كثيرين من اليثاربة اصيبوا بالاحباط عندما تهاوى مشروع تنصيب عبد الله بن سلول ملكا على يثرب (في الواقع هؤلاء يمثلون جماعة المنافقين بقيادة بن سلول) و قصر محمد مستشاريه على القرشيين الذين هم العشرة المبشرين و نحن لا نصدق هذه الرواية و نرى انها موضوعة مادام ان التاريخ الاسلامي وصلنا عن طريق الامويين لا عن طريق الانصار و ان العمالات ذات الخطر كالولاية على المدينة اثناء غيابه كان يمنحها للمهاجرين باستثناء اول مرة كان قد منحها لسعد بن عبادة و نحن نرد على خليل بأن هذه العمالات لم تكن ذات اهمية في نظر الصحابة بدليل ان عليا نفر منها و قال للرسول : اتتركني مع النساء و الاطفال ؟ . اننا نتفق مع الكاتب في كون الانسجام لم يحدث بين المكاوكة و اليثاربة و خير دليل على ذلك هو الحادثة التي وقعت بعد غزوة بني المصطلق حينما تنازع المهاجرون و الانصار و حاول عبد الله بن ابي بن سلول استغلال الحدث و تفجيره لولا ان الرسول تدارك الموقف و امر الناس بالرحيل لكننا نعلن تحررنا من المركزية القرشية فلا نصدق الروايات التي تدعي ان الرسول كان يفضل المهاجرين على الانصار و انه كان يؤسس لدولة قريش في المدينة دون ان ينتبه الانصار لذلك لانها غير واقعية و عبد الله بن ابي بن سلول و جماعته كانوا كفيلين بفضح هذا المخطط . كل ما يمكن قوله هو ان المهاجرين ربما بسلوكياتهم و تصرفاتهم كانوا ينفرون الانصار منهم اما عن حكاية تفضيل الرسول للقرشيين فتدحضها دعوته لحسان بن ثابت بهجو قريش اقذع الهجاء و هو امر متوقع في ظل الحرب النفسية المستعرة بين الطرفين و يناقض ذلك الحديث الموضوع القائل بأفضلية قريش و الروايات التي تدعي بان الرسول كان يغضب ممن يتهجم على هذه القبيلة . لقد ظل الاستقطاب واضحا في المجتمع المديني بين الانصار و المهاجرين حتى وفاة الرسول و هو ما توضحه هذه الرواية : " فبعد خطبة سعد بن عبادة و رد ابي بكر عليه قام الحباب بن المنذر فقال : يا معشر الانصار املكوا عليكم امركم فإن الناس في فيئكم و ظلكم و لن يجترئ مجترئ على خلافكم و لن يصدر الناس الا عن رايكم ، انتم اهل العز و الثروة و اولي العدد و المنعة و التجربة ذوو البأس و النجدة " تاريخ الطبري . كما هو واضح فإن كلمات المنذر بن الحباب توضح انه اذا لم يذعن المهاجرون لقرار تولية سعد بن عبادة فسيرغمونهم على ذلك بالقوة مما يبين ان التنافر كان شديدا بين الطرفين و بالتالي يمكن القول ان سياسة المؤاخاة من طرف الرسول لم يكتب لها النجاح . تستمر كاميرا خليل عبد الكريم في التجول داخل اروقة المدينة و توضح لنا مواقف الصحابة من يهود يثرب . يذكر الكاتب ان اليهود سبقوا الاوس و الخزرج في الاستقرار بيثرب و عندما قدم بنو قيلة استقروا بجانبهم و عمروا واحات قديمة و اخرى جديدة و ان اليهود فرقتان : فرقة نزحت من فلسطين و فرقة ارخى عبارة عن عرب تهودوا . و يذكر الكاتب بأن الاثاربة لهم سابقة في اعتناق ديانة النازحين الى بلدهم و استدل على ذلك بالعرب الذين تهودوا لكن هذا قول غير دقيق لان النازحين هنا هم العرب و ليس اليهود ، لأن يهود فلسطين هم اول من استقر بيثرب . اذن يصبح القول الصحيح هنا هو ان الاثاربة العرب لهم سابقة في اعتناق ديانة توحيدية سماوية حينما نزحوا الى يثرب و وجدوا اهلها اليهود على تلك الديانة . و هذه الواقعة التاريخية (اعتناق عرب يثرب للديانة اليهودية) توضح ان عرب يثرب لهم القابلية لاعتناق دين سماوي على عكس عرب قريش الوثنيين . و قد حاول الكاتب ان يقدم تفسيرا لاسلام عرب بني قيلة بينما فشل اليهود في ضمهم الى ديانتهم فقال بان محمد عربي و كذلك بني قيلة ثم ان له اخوالا في بني النجار احد بطون الخزرخ بالاضافة الى شخصيته الكاريزمية و انه نبي و ليس حبرا ثم ان الدخول في ديانته كفيل بأن ينسي الاوس و الخزرج عداوتهما و ان النبي اسس دولة بجانب تبشيره بديانته في حين فشل اليهود في ذلك (اقامة الدولة). لكن مع ذلك لا يمكن الجزم بخصوص الاسباب التي اقنعت الاوس و الخزرج بالدخول في الاسلام بدلا من اليهودية ، فالابحاث في هذا المجال ما زالت في بدايتها خصوصا مع تجاهل المصادر التاريخية للانصار ، فلاشيء يمنع ان يكون الانصار قد تهودوا بكاملهم قبل الاسلام ثم عند ظهوره تحولوا اليه بل قد يكون التشابه الكبير بين الديانتين هو الذي سهل اقناعهم بالتحول الى الاسلام و تصديق الرسول كشخص ينزل عليه الوحي على عكس قريش الوثنية التي لم تر في الرسول الا مجنونا مسحورا. و بخصوص العلاقة بين الاوس و الخزرج من جهة و اليهود من جهة اخرى فإنها لم تكن على ما يرم بل حصلت بينهم حروب و نزاعات انتهت بانتصار بني قيلة على بني النضير و قريظة باستعانتهم بملك غسان ، لهذا عند وصول المهاجرين الى المدينة كانت الغلبة للاوس و الخزرج على اليهود الذين لجأت بطونهم الضعيفة الى ربط الاحلاف سواء مع الاوس او الخزرج بينما استقل كل من بني قريظة و بني النضير بذاتهم نظرا لقوتهما و حصونهما . لكن رغم ما جرى بين عرب يثرب (الاوس و الخزرج) و اليهود من حروب ، فإن الطرفان تعايشا فيما بينهما و ربطا علاقات وطيدة . ذلك ان الانصار كانوا يقدرون ديانة اليهود على اعتبار انهم اهل كتاب و قد بلغ من متانة هذه العلاقات ان كان الانصار يودعون اولادهم عند اليهود يسترضعونهم و ينشأون عندهم على اليهودية التي لم يروا بأسا في اعتناقها من طرف ابنائهم . لذلك حينما صدرت اوامر محمد باجلاء يهود بني النضير و عاد اطفال الانصار الى ذويهم رفض هؤلاء الاطفال تغيير ديانتهم اليهودية فنزلت الاية تسمح باحتفاظهم بدينهم :" لا اكراه في الدين" . و عمل الرسول على ادامة هذا التعايش فكتب وثيقة حينما استقر بالمدينة حدد فيها علاقة المسلمين باليهود و قبائلهم على اساس التعايش و التساكن و عدم التحالف مع العدو لكن القبائل اليهودية ممثلة في بني القينقاع و بني النضير و بني قريظة اخلت بهذا التعايش فتعرضت لعقاب الرسول المتمثل في الاجلاء عن المدينة بالنسبة لبني القينقاع و بني النضير و القتل و السبي بالنسبة لبني قريظة و فيما يخصنا فإننا نتحفظ على الرواية الخاصة بذبح افراد بني قريظة لانها غير واقعية فهي تخبرنا ان ستمائة يهودي استسلموا لقرار الذبح الصادر عن الرسول دون مقاومة رغم كونهم اقوى القبائل اليهودية من الناحية العسكرية . ان قبيلة محاربة كبني قريظة ستحارب بشراسة اذا علمت انه لا منجاة لها من الموت لتوقع اكبر الخسائر في عدوها لا ان تستلم بهذه الطريقة . و لهذا في العلوم العسكرية ينصحون القادة العسكريين بترك منفذ يفر منه الخصم لانه في حالة العكس سيقاتل قتال اليائس من النجاة و هو قتال يتسم بالانتحارية و يجعل انتصار الفريق الاخر مكلفا .لذلك نرى ان العقاب الذي تعرض له بنو قريظة لا يختلف عن العقاب الذي تلقاه بنو قينقاع و بنو النضير و ان التغيير الذي حصل على هذه الرواية يعود الى العصر العباسي لاهداف معينة . فيما يخص العلاقات بين المهاجرين و اليهود فإنها لم تكن على ما يرام لان كل واحد منهما كان يبشر بديانة سماوية . ثم ان كلا اليهود و المهاجرين كانوا يمتهنون التجارة فقامت المنافسة بينهما بقوة . كما قامت المنافسة بين اليهود و العرب في المجال الديني باعتبارهم اصحاب اول ديانة سماوية و توفرهم على كتاب مقدس و معهد علمي ديني (مدارس او مدراس لان الكاتب يذكر اللفظين معا) بيثرب و كان فيهم احبار على قدر كبير من العلم كما وصفهم القرآن ( أولم يكن لهم اية ان يعلمه علماء بني اسرائيل ) 197 سورة الشعراء . و قد كان هؤلاء الاحبار دائما يدخلون في مجادلات عقائدية مع محمد تروم التشكيك في نبوته و نذكر منهم على سبيل المثال : عمر بن جحاش ، كعب بن الاشرف فنحاص ، الربيع بن ابي الحقيق ، كنانة بن الربيع و آخرون .. و قد قاموا بمساجلات فكرية و عقائدية مع النبي بحيث شغلت من وقته حيزا كبيرا ، لكن هذه المساجلات لم تحفظها لنا كتب الثرات للأسف مما يعطي الدليل على ان كتب التراث لم تحمل لنا كل ما جرى في عهد الرسول بل مارست تعتيما مقصودا على عدد من جوانب حياته . اما عن الاوس و الخزرج فتذكر المصادر انه كانت بينهم خلافات واضحة وصلت احيانا الى الاقتتال . و قد حاولوا رأب الصدع بينهما بتنصيب عبد الله بن ابي بن سلول ملكا عليهما لكنهم في النهاية فضلوا محمدا عليه . و قد كان لقرارهم هذا المتمثل في احتضانهم للرسول و دعوته ان تحولت مدينتهم الى مركز ثقل الجزيرة العربية مما يعني ان قرارهم هذا كان صائبا على المستوى السياسي لكن الكاتب يقول في معرض تحليله ان الانصار غفلوا عن كون الدولة التي اسسها الرسول لم تكن دولتهم بل دولة قريش ما يعني ان الانصار كانوا مغفلين و هو امر لا يستقيم و نعيد و نكرر و نقول ان الرسول لو كان فعلا يؤسس لدولة قريش في المدينة و يعتزم اقصاء الانصار عنها لفضحه المنافقون و المعارضون لوجوده بها من اليثاربة و على رأسهم عبد الله بن ابي بن سلول . اذن المنطقي هو ان الرسول قدم ضمانات كافية للانصار بان الدولة دولتهم (بدليل انه عند فتح مكة ظلت عاصمة الدولة الاسلامية هي المدينة ) و هو ما جعلهم لا يلتفتون لتحريض عبد الله بن ابي بن سلول . تشير المصادر الى ان الخزرج كانوا اكثر حماسا لدعوة الرسول من الاوس . فمثلا بيعة العقبة الاولى حضرها اثنان من الاوس و عشرة من الخزرج و العقبة الثانية حضرها احد عشر اوسيا و اثنان و ستون خزرجيا . كما ان المعارضين/ المنافقين للرسول من اليثاربة كانوا من الاوس اكثر من الخزرج الذين كان منهم اخواله بني النجار. و لقد لاحظ الرسول ان العلاقات بين الاوس و الخزرج لم تكن على ما يرام فحاول التأليف بينهم دون جدوى . كل ما حدث هو ان العداوة بينهما تحولت الى منافسة على خدمة الرسول ، فمثلما قتل الاوسيون كعب بن الاشرف قتل كذلك الخزرجيون ابن ابي الحقيق . لكنها مع ذلك لم تخفت و ظلت تستعر تحت السطح و تظهر من حين لاخر مثلما حصل من تلاسن حاد بين اسيد بن حضير احد زعماء الاوس و بين سعد بن عبادة احد زعماء الخزرج في المسجد بحضور الرسول حينما قال لهم من يعذرني من رجل قد بلغني عنه اذاه في اهلي. ثم ظهرت هذه الخلافات بوضوح يوم بيعة السقيفة حيث فضل الاوسيون بزعامة اسيد بن حضير مبايعة ابا بكر القرشي على مبايعة سعد بن عبادة الخزرجي مما يوضح ان الضغائن التي كانت بين هذين الحيين من قبيلة بني قيلة لم يمحها الاسلام و بدورنا نضيف ان قريش استطاعت ان تسيطر على الدولة الاسلامية الناشئة لا لأن الرسول كان يؤسس لها هذه الدولة في المدينة في غفلة من الانصار بل لان قريش استطاعت ببساطة اللعب على تناقضات المجتمع الاوس خزرجي فضمت الاوس اليها و حاصرت الخزرج و حرمت سعد بن عبادة من خلافة الرسول فضاعت جهود الانصار منذ اول لقاء لهم مع الرسول هباء منثورا. ننتقل مع الكاتب بعد ذلك الى الحديث عن قريش و بني هاشم . يوضح الكاتب ان العرب كانت تعظم قريش التي تميزت بفضل رجالها الاذكياء في التجارة و الحرب و السياسة و الادارة و شؤون الحكم و الخطابة و البلاغة و الشعر ، كما أن نساءها تميزن بالجمال و الملاحة و يوضح الكاتب ان محمدا ظل بارا بقبيلته و فخورا بتفوقها و علو كعبها بدليل انه عارض قولة احد الانصار عقب معركة بدر حينما قال " ما ضربنا الا بدنا صلعا" فرد عليه الرسول أنه لو قاس فعاله بفعالهم لادرك سمو قدرهم ، و الواقع ان هذا الرد من الرسول لا يمكن اعتباره اعجابا منه بقريش و استمرارا منه على الولاء لها بل فقط دعوة لهذا الانصاري بألا يستهين بخصمه لأن ذلك ليس من الحكمة في شيء ، اما الرسول فإنه كمكلف بالرسالة لا يمكن ان يعجب الا بمن يدخل في دعوته و يستجيب لها و اولهم الانصار لا بمن يقاومها و يحاربها . و لتوضيح هذه النقطة يكفي ان نستحضر الحوار الذي دار بين الانصار و الرسول في بيعة العقبة الثانية، ففي رواية كعب التي رواها بن إسحاق: ثم قال – يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم - : أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال:نعم، والذي بعثك بالحق نبيا لنمنعك مما نمنع أزرنا منه، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر. فاعترض القول أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إننا بيننا وبين الرجال حبالاً، وإنّا قاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيْت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " . إن الرسول في هذا الحوار يعلن انه قطع صلته بقريش و صار انصاريا و انه لن يتخلى عنهم و بالتي اذا وقف المهاجرون القرشيون ضد الانصار فإنه كما جاء في تعهده سينحاز الى الانصار . لذلك ما تذهب اليه تحليلات الكتاب العرب في ان الرسول كان يؤسس دولة قريش في المدينة نرى انه يدخل في خانة التحليلات السطحية غير المتحررة من المركزية القرشية التي عبرها اتانا هذا التاريخ الذي ندرسه الان . ثم انه اذا كان الكاتب يرى بان دعوة الرسول قامت على المساواة بين الناس و العدالة الاجتماعية و العدل في القضاء و اعلان كرامة الانسان و انها ضربت مصالح قريش و لهذا عادوها و حاربوها فهل من المنطقي ان يترك دولته بعد وفاته في يد هؤلاء فتعود الاوضاع كما كانت من قبل و هو الامر الذي حصل مع الامويين . و لأن الكاتب خاضع تماما للمركزية القرشية فإنه يرى ان الرسول كان يؤمن ايمانا راسخا بأن جزيرة العرب لا بد و حتما ان تلقي زمام امورها بين يدي القرشيين و يستدل بذلك بمجموعة من الاحاديث المادحة لقريش و يتغافل عن كون الاحاديث كانت مجالا واسعا لكسب التأييد السياسي بين الفرق الاسلامية المتصارعة و ان كل فريق كان يصطنع لنفسه الاحاديث التي تزكيه. و ننهي الحديث حول هذه النقطة بالقول انه لو اراد الرسول حفظ مكانة قريش لدى العرب كما يظن الكاتب لما امر شاعره حسان بن ثابت بهجوها هجاء مقذعا و هو يعلم شدة وقع الهجاء عليها الذي يفوق وقع حد النبال على حد تعبيره. ننتقل بعد ذلك مع الكاتب لتسليط الضوء على بني هاشم . يوضح خليل عبد الكريم ان الرسول حرم الصدقة على بني هاشم و مواليهم ايضا و نظر اليها على انها اوساخ المسلمين تمييزا و تفضيلا لهم عن الاخرين ، لكننا نرد عليه انه فعل ذلك حفظا لكرامتهم و ايضا منعا لهم من استغلال قرابتهم له لأخذ اموال الناس بالباطل . اما عن علاقة الهاشميين بالقرشيين فيوضح الكاتب انها لم تكن على ما يرام و ان القرشيين كانوا يستصغرونهم و يسيئون معاملتهم الشيء الذي كان يغضب الرسول و لهذا دعا اكثر من مرة الى تقديرهم و حسن معاملتهم . و كمثال على استصغار قريش لبني هاشم نورد الرواية التالية : " عن عبد الله بن عمر قال : انا لقعود بفناء رسول الله (ص) إذ مرت امراة فقال رجل من القوم : هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم ، ان مثل محمد في بني هاشم كمثل ريحانة وسط النتن " . يكشف لنا هذا المقطع من الحديث نفسية القرشيين اتجاه بني هاشم و كراهيتهم لهم مما اغضب الرسول كثيرا. و نذكر حادثة اخرى اغضبت الرسول من عمر بن الخطاب هذه المرة حينما لاحق ام هانئ لتبرجها و قال لها :" اعلمي ان محمد لا يغني عنك شيئا " بدعوى انها ارتكبت مخالفة لكن الرسول نهره و قال له بأن شفاعته تنال قبائل غير معروفة فكيف باهل بيته ، لانه كان يعلم ان قريش تتصيد الفرص للإساءة لقبيلته. ان قراءة الكاتب لهذه الروايات الخاصة ببني هاشم تتجه الى اعتبار ان الرسول كان يفضل بني هاشم على العرب و كما هو واضح فإن نقد الكاتب لعالم الصحابة و نقضه لأسس الايديولوجيا السنية القائمة على تعديل جميع الصحابة صالحهم و فاسقهم اسقطه في الايديولوجية الامامية الشيعية المنتصرة للآل البيت ، في حين ان هذه التصرفات من جانب الرسول لا يجب اعطاءها اكثر من حجمها ، لانها لا تعدو كونها صونا لكرامة بني هاشم وسط مجتمع قرشي اعتاد الاساءة اليهم من منذ ان طردهم من بطاح مكة الى ظواهرها . هذا دون ان ننسى ان تمييز بني هاشم عن العرب و تفضيلهم لا يتفق و المساواتية الاسلامية . إن حديث " احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي فإنه عمي و صنو ابي و ان عم الرجل صنو ابيه " (الطبراني) يوضح غيرة قريش من بني هاشم و رغبتها الدفينة للنيل منهم و يوضح ايضا ان الرسول اقتصر رده فقط على القول و لم يلجأ لاستعمال القوة لمعاقبة المسيئين اليهم و هو دليل على انه لم يمنحهم أي امتياز داخل دولته لانه لو حكم باسم بني هاشم كما فعل الامويون او العباسيون لما تجرأ قرشي واحد على الاساءة لهاشمي في حياة الرسول و لكن الرسول كان يحكم دولة من نوع آخر قوامها المساواة بين الجميع مع حفظ مكانة الهاشميين طبعا وسط محيط قرشي معاد لهم . لهذا فنحن لا نتفق مع الكاتب فيما ذهب اليه و نرى بان الرسول لم يمنح اية افضلية سياسية لبني هاشم و انها كانت لمؤسسي الدولة الاسلامية الاوائل : الانصار. يوضح الكاتب في نهاية هذا الفصل كيف آلت الخلافة الى ابي بكر عن طريق الخديعة ، فيذكر ان ابا بكر و عمر بن الخطاب تعمدا كتمان خبر السقيفة عن الهواشم ليضمنا عدم المنافسة و يفوز احدهما بالإمامة العظمى و كيف ان عمر بن الخطاب رفض ان يمنح الرسول كتابا يملي فيه وصيته لأنه فهم انه سيوصي بمن يخلفه على رئاسة الدولة و الذي بالتأكيد لن يكون ابا بكر او عمر ، و ان خلافة ابي بكر كانت مكيدة دبرت من طرف ابي بكر و عمر بن الخطاب و ابي عبيدة الجراح و ان الهاشميين و كبار المهاجرين كابي ذر الغفاري و عمار بن ياسر و عدد من الانصار رفضوا مبايعة ابي بكر و ان عمر بن الخطاب اجبر عليا على المبايعة و هاجم بيت فاطمة لما علم باجتماع المعارضين لأبي بكر هناك و كاد ان يحرقه بمن فيه . و هو ما يجعلنا نخلص في النهاية على ان العلاقة بين كبار الصحابة لم تكن مثالية بل اتسمت بالتنازع و التباغض و الصراع على السلطة منذ اليوم الاول لوفاة الرسول و ان كنا نختلف معه في كون علي هو الاحق بالامامة العظمى و نشير الى ان صاحبها الحقيقي هو سعد بن عبادة زعيم الانصار مادة الاسلام .
نتعرف في هذا الفصل على موقف الصحابة من الخمر الذي كان هو و الميسر من الامراض الاجتماعية التي ضربت يثرب و تغلغلت في احشائه . و قد كان الرسول يدرك ان الخمر تؤذي و تنقص من مروءة و شرف الرجل و تدفع به الى ممارسات تسئ الى سمعته ، بالإضافة الى انها توهن قوته و كفاءته ، لكن لكونها متمكنة من نفوس الصحابة فإن الوحي نزل بتحريمها على مراحل و ليس دفعة واحدة . يوضح الكاتب انه بسبب شجار حدث بين سعد بن ابي وقاص (من المهاجرين) و عتبان بن مالك (من الانصار) نزلت الاية :" يا ايها الذين امنوا انما الخمر و الميسر و النصاب و الازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر ..." (سورة المائدة الاية 90-91) تحرم الخمر فأمر ابو طلحة خادمه انس بن مالك بتكسير دنان الخمر. و الواقع اننا نجد صعوبة في هضم هذه الرواية لان الاية نزلت باجتناب الخمر لا بتحريمه و شتان ما بين الامرين الشيء الذي دفع الفقهاء الى اعتبار الاجتناب اشد من التحريم رغم ان الاجتناب هو امر مخفف بينما التحريم امر مشدد ، ثم ان الاية التالية التي سنوردها لا تدعم موقف الفقهاء المتشدد من الخمر و هي :" قل لا اجد في ما اوحي الي محرما على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دما مسفوحا او لحم خنزير فإنه رجس او فسقا اهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ و لا عاد فإن ربك غفور رحيم " (سورة الانعام الاية 145) . كما يتضح من الاية فإن الخمر لم يذكر في لائحة الاطعمة المحرمة و هو ما يجعل الاجتناب لا يرتقي الى مرتبة التحريم . و عليه فاننا نتحفظ على فكرة تحريم الخمر في المجتمع الاسلامي في عهد الرسول . ننتقل بعد ذلك الى دراسة ردود افعال الصحابة بعد نزول الامر بالاجتناب لنرى فعلا هل اجتنبوا الخمر ام لا . يوضح الكاتب ان الصحابة انقسموا الى ثلاث فرق و هي فريق المتعاطين و المتعودين الذين كفوا عن تعاطيه ثم فريق المعتمدين الذين التفوا حول نص الاية بالتخفيف من حدة الكحول عن طريق اضافة الماء اليه او اعتبار ان اية التحريم او الاجتناب ارتبطت بظروف خاصة لم يعد لها وجود و هو ما يؤدي بنا الى قيام نظرية تاريخية النصوص اما الفريق الثالث المدمن على الخمر فلم يمتنع رغم توقيع الحد عليه عدة مرات لهذا فقد استمر بعض الصحابة يشربون الخمر وراء الابواب المغلقة و هو ما كان يدفع عمر بن الخطاب الى التجسس عليهم و مداهمتهم بشكل مفاجئ مثلما فعل مع ابي محجن الثقفي . لقد كان حضور الخمر في حياة الصحابة من القوة و الجبروت ان جعلهم يطوعون النص لصالح الواقع و الامثلة كثيرة . فها هو الصحابي قدامة يلتف على اية الاجتناب باستعماله الاية التالية (ليس على الذين عملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا و امنوا وعملوا الصالحات )(سورة المائدة الاية 93) لكن العباس رد عليه بان الله انزلها عذرا للماضين لمن شربها قبل ان تحرم . اما الصحابي ابي طلحة الانصاري فشرب نبيذ الزبيب و التمر على اعتبار ان الرسول نهى عن ذلك للعوز في ذلك الزمان (احكام القرآن للجصاص) ما يجعلنا نعتبر هذا الصحابي احد رواد نظرية تاريخية النصوص . و يورد الكاتب بضعة امثلة توضح ان كبار الصحابة تعاطوا الخمر ، فحسب ما جاء في كتاب احكام القرآن للجصاص نجد ان عمر بن الخطاب جلد اعرابيا شرب من الشراب عينه الذي كان يتناوله عمر ! و ان بن عمر كان هو ايضا يشرب النبيذ الشديد اقتداء بابيه و كذلك فعل عبد الله بن مسعود و ابو الدرداء و بريدة و اخرون (نفس المصدر السابق) و ان علقمة شرب عند عبد الله بن مسعود نبيذا مشتدا صلبا و كذلك علي بن ابي طالب الذي كان يشرب نبيذا مشتدا كان يعتاده (المبسوط للسرخسي) . و ننهي هذا الفصل بالحديث عن المدمنين من الصحابة الذين عجزوا عن الاقلاع عن شرب الخمر كأبي محجن الثقفي الذي جلده عمر ابن الخطاب عدة مرات دون جدوى ثم نفاه الى جزيرة في البحر و قد انشد في حبه للخمر قائلا : اذا مت فادفني الى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها و لا تدفني بالفلاة فانني اخاف اذا ما مت الا اذوقها و هناك الصحابي نعيمان بن عمرو الانصاري الذي شهد العقبة و بدرا و كان يشرب الخمر و عاقبه النبي مرارا على ذلك دون ان يقلع عنها . و من النساء الصحابيات كانت هناك ام سليم التي كانت تشارك زوجها ابي طلحة في شرب الخمر و توافقه على رأيه بتاريخية اية الاجتناب و انها جاءت وقت العوز .
يعد هذا الفصل اكثر الفصول اضطرابا من الناحية النقدية في مؤلف شدو الربابة. يصر خليل عبد الكريم على منهجه الازهري المؤمن بصدق الرواية لمجرد ان سندها صحيح علما ان ابن خلدون نفسه رفض هذا المنهج و اعتبره نقدا خارجيا و نادى بنقد داخلي سماه المطابقة اي مطابقة الرواية او الخبر مع الواقع و امكان حدوثه . يصر خليل عبد الكريم على عقلنة اللامعلقن فتذهب تحليلاته ادراج الرياح. اوضح الكاتب ان هناك صحابة امنوا بوجود الغيلان و قد استند في ذلك على كتب القزويني و ابن كثير . فمثلا ذكر القزويني ان عمر بن الخطاب راى الغول في سفره الى الشام قبل الاسلام فضربه بالسيف ، اما ابن كثير فذكر ان الصحابي ابو ايوب الانصاري كانت الغول تجئ و تأكل من طعامه . مشكلة خليل عبد الكريم انه لجأ الى نقد الصحابة قبل ان ينقد كتب التراث التي يتمسك بها كثيرا بسبب عقليته الازهرية . ان كثيرا من هذه الروايات تنخرط في مدح عمر بن الخطاب كإظهارها لشجاعته في مواجهته للجن و ان الجن بكت عليه عند موته مما يجعلنا نفهم انها موضوعة رغبة من واضعيها في الدفاع عن عمر و اعلاء قدره علما ان نفس الامر ينطبق على علي بن ابي طالب الذي هو ايضا تروى عنه حكايات اسطورية . الغريب ان الكاتب و هو يصر على ان هذه الروايات صحيحة لمجرد انها ذكرت في صحيح البخاري ينسى انه اعترف بكون حديث الرسول عن حفيده الحسن بأن الامة ستتصالح على يده حديثا موضوعا . لا ينتبه خليل عبد الكريم الى ان اساس علم الحديث مبني على عدالة راويه و مادام الكاتب يطعن في كتابه هذا في عدالة قطاع كبير من الصحابة فهذا يعني ان احاديثهم المروية هي غير صحيحة و بالتالي تسقط نظريته بصحة الاحاديث النبوية المذكورة في الصحاح الستة. يتمثل تناقض خليل عبد الكريم في كونه لا يقبل بفكرة عدالة جميع الصحابة و يقبل في نفس الوقت بصدق احاديثهم . نعود مرة اخرى الى مسألة الروايات اللاعقلانية التي اغرقنا بها الكاتب في هذا الفصل فيذكر ان النيل في عهد عمرو بن العاص سنة 20 من الهجرة تأخر فيضانه حتى هم اهل مصر بالجلاء عنها ! فارسل عمر بن الخطاب كتابا الى عمرو بن العاص و امره ان يلقيه في النيل الذي ما كان منه عند القاء كتاب عمر فيه الا ان فاض و رغم ان الكاتب يذكر ان المصريين خلال تاريخهم القديم لم يغادروا بلادهم ابدا بسبب انقطاع فيضان النيل الا انه (الكاتب) يثبت الرواية فقط لانها ظهرت في كتب يعتبرها موثوقة رغم ان ابن خلدون اعتبر ان روايات من سبقه من المؤرخين مهما كانت قوة سندها لا يمكن القبول بها ما لم تخضع لقانون المطابقة بل قال صراحة عن هؤلاء المؤرخين بانهم مدلسون . و يحفل هذا الفصل بالروايات الخرافية التي تجعل الطبيعة و قوانينها الصارمة تحت تصرف الصحابة بفضل دعائهم المستجاب و موقفنا منها هو ان هذه الروايات و ما تحمله من احاديث عن كرامات الصحابة تشي بنفس صوفي غنوصي و عقلية تواكلية ظهرت في العصر العباسي بعد هزيمة المعتزلة و انتصار الاشاعرة . و رغم ذلك ينطلق الكاتب من هذه الروايات لدراسة عقليات الصحابة بينما الاصح هو الانطلاق من هذه الروايات لدراسة البيئة و العصر العباسي الذي كتبت فيه . فكما هو واضح فإن قيم و مفاهيم و عقلية تلك البيئة العباسية انعكست على هذه النصوص حين كتابتها من طرف البخاري و غيره.لذلك نعلن تحفظنا على التحليلات التي قدمها الكاتب في هذا الباب . ينتقل بعد الكاتب لمناقشة مستوى الصحابة الادراكي فيورد امثلة لسلوك العرب الفاتحين توضح هذا المستوى ، فهم حينما فتحوا بلاد فارس و وجدوا كافورا (عطرا) اعتقدوا انه ملح الطعام فطبخوا به ، ثم ان صحابيا سبا امراة من اسرة غنية فجاءه اخوها يعرض عليه ما يريد من المال لاطلاقها فطلب الف درهم اعتقادا منه ان عشرة مائة هو اكبر عدد ، كما ان عمر كان يدخل يده في عقرة البعير الادبر ليداويه و كان يداوي ابل الصدقة بالقطران و هي تصرفات يعتبرها الكاتب دليلا واضحا على بداوة الصحابة و بعدهم عن الحضارة و قبل ان نحدد موقفنا من هذا التحليل نود ان نشير الى تناقض وقع فيه الكاتب ، فهو في بداية الكتاب يرفض فكرة ارتداء عمر بن الخطاب لباسا مرقعا و يورد ان عمر كان ثريا و الدليل على ثراءه انه دفع اربعين الف دينار / درهم لام كلثوم ابنة علي بن ابي طالب كمهر لها ، لكن الكاتب في اخر الكتاب يقبل برواية تقول : و رأى ابو عبيدة عمرا في ثوب مرقع فقال له : يا امير المؤمنين لو ركبت بدل بعيرك جوادا و لبست ثيابا بيضاء لكان هذا اعظم في عيون الروم. فقال : نحن قوم اعزنا الله بالاسلام فلا نطلب بغير الله بديلا . اما بخصوص معالجة الكاتب للمستوى الادراكي لدى الصحابة فإننا نرى انها ليست صائبة ، فهو ينطلق من تصرفاتهم و سلوكياتهم البدوية ليبرهن على تدني مستواهم الادراكي كأن يأكلوا الكافور و هم يحسبونه ملحا و ان يستمر ابي بكر في حلب نوق الجيران و بيع القماش حتى بعد تنصيبه خليفة او ان يجهل صحابي عددا اكبر من عشر مائة ، في حين أن هذه الامثلة التي ساقها تدل على بداوتهم لا على بلادتهم او غبائهم أو تدني مستواهم الادراكي ، لانه لو كان متدنيا لما تغلبوا على بلاد فارس و هي المعروفة بتاريخها العسكري العريق ، بل على العكس من ذلك عرف عرب الجاهلية و صدر الاسلام بالدهاء و الذكاء. فقد عرف ابا جهل (عمرو بن هشام) بانه حديد الذهن و كان العرب يلجأون اليه لاستشارته كذلك عرف عمر بن الخطاب بقدراته العقلية العالية لذلك منحته قريش منصب السفير في حكومة الملأ الاعلى و هو منصب يوازي في العصر الحديث منصب وزير الخارجية الذي لا يطاله الا شخص يتميز بمستوى ادراكي عال ، كما اشتهر ابو سفيان بالحلم و الروية و هو طبع اورثه لابنه معاوية فعدته العرب من الدهاة و كذلك اشتهر عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة بالدهاء . و اشتهرت ايضا قبيلة بني ثقيف بدهاء رجالها لذلك كان العرب يرغبون في مصاهرتهم او حتى سبي نسائهم كما اشتهر في احدى الروايات ليكتسب ابناؤهم خصلة الدهاء و هو ما يعني انهم (العرب) كانوا يؤمنون بقانون الوراثة و يسعون من خلاله الى تحسين نسلهم و هذا دليل على نزوعهم العقلاني القائم على الملاحظة و التجربة . كما لا ننسى ما قاله ابن خلدون في بدو الصحراء و كيف شرح ان هؤلاء بفضل تغذيتهم البسيطة الخالية من الاخلاط و المعتمدة اساسا على الحليب و التمر و اللحم ، فإنهم يكونون اذكى من سكان الحواضر .
يوضح الكاتب أن جيل الصحابة كان جيلا فريدا، حيث كان أول من سمع القرآن من الرسول و شهد معه البدايات وهو يبني دولته و ينشر دينه، فانتقل من رجل يسخرون منه و يرمونه بالحجارة الى رجل يخطبون ودّه و يأتونه طائعين راغبين. لكن هذا الجيل انقلبت أحواله رأسا على عقب بعد أن انتقل من الفقر الى الغنى بعد تدفق غنائم الفتوحات، فانقلبت أحواله و اغترّ أكثره بالدنيا فتقاتل أفراده و تحاربوا و تنافسوا على الملك و السلطان. لكن و ان كان الكاتب يوظف مشرط النقد لدراسة أحوال الصحابة فانه يهمله حينما يتعلّق الأمر بنقد المصادر المتعلقة بالسنّة النبوية على الخصوص. فالكاتب يعتبر أنها (السنّة النبوية) نقلت صورة واقعية عن الصحابة ، أما القرآن فنقل صورة مثالية عنهم بقوله ’رحماء بينهم’’ وهذا غير صحيح، فالقرآن أيضا تحدث عن المنافقين المحيطين بالرسول و وبخ عائشة و حفصة و نقل غضب الرسول من أزواجه و تردد الصحابة في طاعة الرسول (وهو ما يوضحه تكرر نزول الآيات الداعية لطاعة الرسول) بل و تركه قائما يخطب لوحده. ومع ذلك فالكاتب يصر على رأيه و يعتبر السنة النبوية ديوان الاسلام و يرفض التشكيك فيها و يضع على رأسها صحيح البخاري و الصحاح الستة ثم موطأ مالك و مسند ابن حنبل و سنن البيهقي و الدارمي و مستدرك الحاكم و معاجم الطبراني (الكبير و الأوسط و الصغير) الخ من المصادر..و يرى أن انكار السنة و الاقتصار على القرآن فقط سيحرمنا من مصدر تاريخي مهم، لكنه لا ينتبه الى ان أحاديث السنة قد امتدت اليها يد التزييف لذلك كان من الأفضل لهم أن يعرض هذه الأحاديث على القرآن و الواقع، ثم يستبقي ما اتفق معهما و يسقط ما تناقض معهما (لا ترفض كلها ولا تقبل كلها) للاقتراب الى حد ما من الحقيقة التاريخية، لكن أن يقبل بروايات تقول أن النار لا تحرق و أن الثور يتكلم و ان الخيل تعبر الفرات ركضا فوق الماء الخ فهذا يضرب مشروعه العقلاني في الصميم. يعود الكاتب في ختام مؤلفه شدو الربابة للتذكير بأن موضوع كتابه هذا هو على علاقة وطيدة بموضوع كتابه الأسبق قريش من القبيلة الى الدولة الذي عالج فيه الأسباب التي أدت الى تأسيس الدولة القرشية بالمدينة، أما كتاب شدو الربابة فهو دراسة لأحوال مجتمع الصحابة أفرادا و جماعات. لأجل ذلك أمضى الكاتب سنوات طويلة في جمع مادة هذا الكتاب ولم يقتصر فقط على كتب التاريخ بل اعتمد على سائر كتب العلوم الاسلامية ككتب تفسير القرآن و كتب الحديث وكتب أصول الفقه و الكتب التي تناولت الصحابة كمجموعة، مثل كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة و الاستيعاب. و ذكر بأنه في دراسته للروايات ابتعد عن المنهج التبجيلي و التزم بالمنهج الموضوعي العلمي فلجأ الى تفكيك أحوال مجتمع الصحابة و تشريحه للكشف عن مغاليقه و استكناه غوامضه، ولكن مع ذلك فان الكاتب رغم المحاولات النقدية الطيبة التي أبان عنها كعدم الاستسلام للمنطق التبجيلي الذي يحكم تعامل المسلمين مع تاريخهم وهو الأمر الذي سبق و ان أشار اليه محمد أركون فانه (خليل عبد الكريم) تسامح مع الأسطرة المتفشية في هذه الروايات وهو الأمر الذي نبه اليه محمد أركون باستمرار. و في رأينا كان على خليل عبد الكريم أن يتعرف على مناهج أركون النقدية والابستمولوجية قبل الشروع في مؤلفه هذا. ومع ذلك نتفق مع خليل عبد الكريم في كون مؤلفه هذا هو حلقة في سلسلة من الكتب التي سبق له تأليفها لتنوير الفكر العربي الاسلامي وتجديده، نذكر منها : - الجذور التاريخية للشريعة الاسلامية - قريش من القبيلة الى الدولة المركزية - الاسلام بين الدولة الدينية و الدولة المدنية - العلاقة بين الرجل و المرأة في مجتمع يثرب في العهدين المحمدي و الخليفي ان هذا العمل يندرج في اطار التمرد على اللا مفكر فيه و ازالة القباب المقدسة التي تحجب عن العقل الاسلامي منافذ النور عن طريق الكشف عن الصور المزيفة التي تكونت لدينا عن مجتمع الصحابة، وهي صور قامت على دعامة تقديس الأشخاص ونفي العقل و ازدرائه، فأدى ذلك الى تخلف العقل العربي و الاسلامي و غرقه في التكرار والاجترار . يشير الكاتب الى ان المنهج السائد في العصر الاسلامي الكلاسيكي الذي امتد الى حدود القرن الرابع الهجري لم يكن قائما على تقديس الصحابة بل كان مفكرو المعتزلة لا يتهيبون من نقد الصحابة و تفضيل بعضهم على بعض و تحديد مواقفهم منهم في الفتنة الكبرى و ما تلاها من أحداث دامية، ولذلك اعتبروا أن كل الصحابة عدول الا من قاتل عليّا. وهو موقف نقدي أفضل بكثير من موقف فقهاء السنة المعدلين لكل الصحابة صالحهم و طالحهم في استغباء واضح للمسلمين. لقد تجادل المسلمون و أصحاب الديانات و المذاهب الأخرى في هذا العصر في جميع المواضيع الشائكة دون خوف أو وجل، فتناولوا مواضيع من قبيل الالوهية/الربوبية و الصفات و أزلية العالم و القضاء و القدر الخ.. و كتب في هذا المجال على سبيل المثال الرازي و ابن الراوندي و ابن طالوت و رد عليهم الجاحظ و الفارابي و الكندي و غيرهم دون أن يصادر أحدهم حق الآخر في التفكير. و يختم خليل عبد الكريم كتابه بفكرة مبدعة (نتفق معه فيها) و هي اعتبار عصر السلف الصالح هو عصر المعتزلة لا عصر الصحابة، و انه هو الذي يجب أن نعود اليه و ذلك من خلال نزع القداسة و العصمة من أي شخص عدا محمد و الانعتاق من هيمنة النقل و سطوة النصوص الثانوية و تسييد حاكمية العقل المطلق و ذلك من اجل الخروج من محبس الأوهام و الخرافات و الأساطير.
يطرح السؤال بعد هذه الجولة الطويلة مع خليل عبد الكريم في عالم الصحابة حول انتهاء هذا العمل أم لا. هل أجاب شدو الربابة عن كل التساؤلات المفترضة عن تاريخ صدر الاسلام أم لا ؟ هل سيصبح الحديث بعد كتاب خليل عبد الكريم عن الصحابة مستهلكا أم ان عمله هو فاتحة لأعمال نقدية أخرى تسلط مزيدا من الضوء و التنوير على المناطق المعتمة من العقل الاسلامي؟ . نرى من جانبنا أن شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة هو محاولة نصف موفقة لسبر أغوار الايديولوجيا السنية. فكما سبق و أشرنا، فان الكاتب لم يتحرر تماما من سلطة هذه الايديولوجيا باعتماده لنصوص تشع أسطرة، لذلك فهذا العمل الذي نعترف بأنه رائد هو بداية مشروع نقدي يهدف الى تنقية التراث الاسلامي و اعادة ترتيبه و تركيبه من جديد. ان الغوص مرة اخرى في عالم الصحابة بأدوات منهجية أفضل و أكثر احترافية، سيمكننا ليس فقط من ازالة هالة القداسة عن الصحابة و بالتالي التحرر من سلطة اللا مفكر فيه بل أيضا اعادة كتابة التاريخ الاسلامي من جديد، تاريخ نفهم منه لماذا ظهر الاسلام و ماهي الاشكاليات التي واجهها و كيف تعامل معها. ان الدارس لتاريخ الصحابة يجب أن يعلم أنه أمام تاريخ ديني مؤدلج يهدف الى تحقيق أهداف سياسية بحتة لطبقة حاكمة بأساليب دعائية دينية . هذا التاريخ تبلورت كتابته بالأساس في العصر العباسي الثاني و ما لم نضع في حسباننا الاشكاليات السياسية لهذه الفترة للدولة العباسية و منهم خصومها و منهم أنصارها و انعكاسات ذلك على عملية تدوين التاريخ الاسلامي، و دون الوعي بكل هذه التعقيدات تصبح أي عملية نقدية لهذا التاريخ ضربا من العبث . ان التاريخ، بل كل التراث الاسلامي الذي بين أيدينا هو باختصار ايديولوجية الطبقة الحاكمة. وهي طبقة ارتضت لنفسها نمط الاقتصاد الاقطاعي، وهو اقتصاد راكد (بتعابير علم الاقتصاد الحديث) و لأنه راكد فان البنية الفوقية المنبثقة عنه ستدعو الى الحياة الراكدة، ممجدة في ذلك العالم الاخروي و عالم الأجداد الصافي المثالي الهانئ . و بالتالي يصبح هدف كل حركة تنويرية هو انتاج ايديولوجية معاكسة تعبر عن مصالح الطبقة المحكومة فترى أن الحل يكمن في الاقتصاد المتحرك النامي، اقتصاد لا يعتمد على الغزو بل على الزراعة و الانتاج وهو ما سيؤدي الى انبثاق بنية فوقية ثقافية تمجد النشاط المركز بدلا من الابتهال الى الله (كما قال ماكس فيبر)، وتمجد كذلك الديموقراطية والعقلانية و المساواة و حقوق الانسان ضمانا لسلامة العملية الانتاجية . ان مشكلتنا الأساسية كعرب و مسلمين هو ان التاريخ يمسكنا بدلا من أن نمسكه. بعبارة أخرى نحن العرب لا نملك الوعي التاريخي، أي لا نملك وعيا بالمسار التاريخي الذي اتخذناه منذ 14 قرنا، ولذلك نكرر نفس الأخطاء و نفس التخلف . لهذا تبقى مهمة المؤرخ العربي مهمة جليلة لايجاد هذا الوعي، فالتحرر من سلطة التاريخ العباسي و الايديولوجيا السنية السلجوقية البدوية، فالخروج من الروح المغترب عن ذاته الى الروح المتيقن من ذاته (كما قال هيجل ). وآنذاك تبدأ عجلة تاريخنا الحقيقي لا المزيف بالدوران .
#يوسف_رزين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كفاح بن بركة
-
النظام الدولي : النشأة و التطور
-
الحركة الوهابية النشأة و التطور و المآل
-
الجزائر الفرنسية ..حكاية تطور مجهض
-
عبادة الماء في المغارب القديمة
-
سوسيولوجيا الأعيان
-
حيرة شيخ - قراءة في مقال لعبد السلام ياسين -
-
أحداث 23 مارس 1965
-
الكتابة على الجسد..بحث في الدلالات
-
وداعا نابليون
-
أنثروبولوجيا الحرام
-
تاريخ المطبخ الفرنسي
-
شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة
-
الحرية الجنسية في الإسلام
-
نشأة علم التاريخ عند العرب
-
فلسفة التاريخ بين هيغل و ماركس
-
تاجر البندقية .. إعادة تفكيك
-
إشكالات بخصوص التاريخ الإسلامي
-
أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم
-
الاحتلال الروماني للمغرب
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|