أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حيان السمان - وجهة نظر حول ( داعش ) : السياق ... الاستعمال... و تقاطع المصالح















المزيد.....


وجهة نظر حول ( داعش ) : السياق ... الاستعمال... و تقاطع المصالح


محمد حيان السمان

الحوار المتمدن-العدد: 4522 - 2014 / 7 / 24 - 16:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يأتي الظهور المتألق - الأخير - لتنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) في الشام والعراق, في سياق تعميم العنف و التطرف كمرجعية للفكر, و كمستند و شكل للممارسة, في عموم المنطقة العربية المشرفة على أفظع مآل لها عبر تاريخها كله, بحيث يغدو أبو بكر البغدادي العلامة الأبرز لزمننا الثقافي و السياسي و الإعلامي. ويصبح الإعدام العلني بطريقة الذبح أو الصلب أو الرجم أو تفجير الجمجمة من خلف, المشهدية المركزية العزيزة في دوائر الحشد المهتاج بالرعب و النشوة .
إن حرباً حقيقية منظمة تُشَنّ منذ سنوات ضد الاعتدال والسياسة المدنية الديمقراطية وأفكار نبذ العنف و التطرف في المنطقة العربية عموماً. و قد اشتدت مفاعيل هذه الحرب مؤخراً, و أثمرت - بشكل خاص - إجهاضَ ثورات الربيع العربي التي انطلقت سلمية في الأساس, و بقيادة قوى مجتمعية شبابية مدنية و متنورة, قبل أن تُختطف في التنازع الدمويّ المسلح, بين قوى أنظمة التسلط و الطغيان, وبين القوى و الأفراد الطامحين إلى استلام الحكم بأي ثمن, تتويجاً بالظهور المسرحيّ الأخير لداعش.
لا يمكن الحديث عن ( ثورة ) في حضور قاطعي رؤوس و راجمي نساء و صالبي فتية و شبان. مثلما لايمكن الحديث عن ( دولة ) في وجود نظام تسلطي إجرامي يحتكر - للأبد - السلطة و مصائرَ الناس. نحن بين هذين الحدين ما زلنا نعيش في محرقة حقيقية.
حرب مستمرة علنية و متفق عليها بين جميع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد العربي - الربيعيّ الراهن. و قبل أن يغدو داعش لاعباً رئيسياً في المنطقة, كانت أصوات (جودت سعيد) و (نورس مجيد) و ( الطيب تيزيني : دم السوري على السوري حرام ) تتلاشى و تضيع إلى حدود الصمت. بينما يعلو ويتردد جهاراً نهاراً صوت نخب - من سياسيين و مثقفين و كَتَبة -, لا عمل لهم منذ سنوات سوى الترويج لثقافة العنف و التطرف و الطائفية, حتى انتهى الأمر ببعض فصحائهم إلى الدعوة مؤخراً إلى ذبح أطفال ( الخصم ) انتقاماً لأطفال (نا ) المذبوحين..!؟ و عبّر آخر ( و هو أستاذ جامعيّ متخصص في العلاقات الدولية, و بوق صفيق للنظام السوري الفاشي ) عن الاستعداد لدفع أي ثمن من أجل قمع الثورة في سوريا, ولو كان هذا الثمن سقوط مليون قتيل..!! .
* * *
منذ صيف عام 2011 كان النظام الفاشي بسوريا يتتبع الناشطين السلميين ويعدمهم مباشرة بعد اعتقالهم. بينما كانت أمتار قليلة فقط تفصل بين المسلحين الرائحين الغادين, و بين حواجز الجيش السوري بحمص - على سبيل المثال- من دون أن يبادر الجيش إلى مقاتلتهم أو التصدي لهم. و قد أخبرني ناشط حمصي أن أجهزة مخابرات النظام كانت تعدم - فوراً - الناشطين السلميين بعد اعتقالهم, بينما كانت تفرج عن المسلحين بعد ساعات من اعتقالهم. ثمة وقائع - من الأشهر الأولى للثورة السورية - تشير إلى و جود تشجيع قوي للعنف مضمَر من قبل النظام , و سعيٍ دؤوب لإطلاق غول الاحتراب والدم في كافة مناطق الثورة. و قد لقي هذا المسعى لدى نخبٍ في المعارضة استجابات تتسم بالتعطش للدم أيضاً ( و للسلطة ), مع فائض ملحوظ من السذاجة و الغباء و اهتراء الوعي و الضمير.
لاحقاً سيتأكد هذا السياق العام, بوقائع تغاضي النظام عن تهريب السلاح إلى داخل سوريا, بل و توزيعه من قبل جهات أمنية في النظام على المواطنين المحتجين الغاضبين. و يتأكد تالياً بإطلاق سراح مئات السجناء من الجهاديين المتشددين و المجرمين في سجون النظام السوري. أيضاً يتأكد بظاهرة تغاضي النظام السوري طويلاً عن مقرات تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش), خلال عمليات القصف الهمجي للمدن و المناطق. وعلى الوجه الآخر لعمْلة العنف والدم, تتدعّم هذه الوقائع و سياقها الدموي الإرهابيّ, بغزل وتأييد علنيين مقيتين مارسهما أيضاً سياسيو المعارضة السورية ومثقفوها طويلاً, بحق جبهة النصرة و المسلحين الجهاديين, بعدما استحوذ الحل العسكري ( العنفيّ ) على و جدان و نظر عموم أعيان المعارضة العتيدة, من ساسة و منظرين و محللين و مهندسي المستقبل المأمول.
في موازاة هذه الوقائع و المواقف, و كما يعلم الجميع, فقد مزق الفاشيون جسد غياث مطر, و اقتلعوا حنجرة المغني الشعبي إبراهيم القاشوش, وفقؤوا عينيّ المصور فرزات الجربان...الخ, و ألقوا في غيابات الجحيم و المجهول آلافَ النشطاء السلميين, الذين عملوا- حقاً - من أجل امتلاك السياسة و المستقبل و كرامة المواطن, و تحرير الإنسان و التاريخ.
لم يقصّر مقاتلو المعارضة السورية في رسم ملامح هذا المشهد الدموي الخسيس أيضاً, عبر عمليات انتقام و تصفية حدثت في مناطق عديدة, مدعومة بعمليات تفجير وقصف و نسف عشوائية معروفة, وصولاً إلى ( داعش ) الذي تقدم خطواتٍ على طريق تحويل العنف الدموي إلى محدد ثابت في إدارة الصراع القائم, و فرض فهمه الخاص للحياة و العقيدة و السياسة, على المناطق التي خضعت لسلطته .
( انظر تقريراً مروعاً بعنوان : أرشيف الخلافة - مجموعة تغريدات - عن جرائم داعش, على الرابط التالي : http://justpaste.it/khawarej_archive1 ).
أردت من التذكير بهذه الوقائع التي باتت معروفة للجميع, القول بأن سياقاً مستمراً و مرعياً من قبل أنظمة و قوى و نخب سياسية و ثقافية عديدة, قد احتضن و غذى ثقافة العنف والتطرف, حتى أفضى بنا جميعاً إلى داعش, بما هو عليه الآن: تنظيم غامض متوحش, بقدرات وإمكانات كبيرة تسمح له بالجوَلان السهل الراسخ, المصحوب بالسيطرة و الترويع, في مناطق واسعة من الشام والعراق, وصولاً إلى لحظة إعلان الخلافة.
سياق داعش هو ذاته السياق الذي تأبدت فيه أنظمة الطغيان و الفساد, من دون أن تبدو نقطة ضوء في النفق الأبدي, تبشر بديمقراطية قادمة, تسمح بتداول السلطة أو باحترام خيارات المواطن. سياق داعش هو نفسه السياق الذي شهد انطفاء الثقافة العقلانية, و تخريب الجامعة كفضاء للتفكير و الحوار و تفتح الروح و العقل. سياق داعش هو سياق اتضاع الثقافة و المثقفين, و صيرورة الحلم الوحيد للمثقف أن يكون بوقاً وضيعاً للديكتاتور, و موظفاً صغيراً في مؤسسات الطاغية. سياق داعش هو السياق الذي تسيّدت فيه و اتسعت ثقافة ( التكبير) للقصف و القنص والذبح و السحق و الصلب و الرجم, بمؤازرة من خطاب إعلامي تحريضي, وحركة تداول الفيديوهات المروعة, بينما كانت تتلاشى أصوات العقل و الرحمة و السياسة المدنية و قيم الحوار والاعتراف بالآخر والعيش المشترك.
* * *
لكن داعش ليس مجرد عنصر داخليّ في بنية هذه الثقافة و هذا السياق. وهو ليس ناتج مخْض ( التاريخ الإسلامي) و فقه الخلافة والإمامة ( السياسة الشرعية ) فحسب, وليس مجرد تحقيق لتطلعات المسلمين إلى تمثيل سياسيّ متألق بهي جامع لوجودهم في التاريخ, على ما رأى كتّاب و محللون كثر في الآونة الأخيرة. إن الاقتصار على مرجعيات الإسلام و التاريخ الإسلامي و تجربة الخلافة في تفسير ظاهرة داعش و خطوته الأخيرة بإعلان الخلافة, يشي بالاستلاب أمام طاحونة تضليل و خداع هائلة, تطحن بشر المنطقة و تذروهم - مع وعيهم - في مظان نائية سحيقة, بهدف إنتاج تمثلات ضالة و مضللة تستكمل مهام الفعل العنفيّ الوحشيّ المعروض في الفرجة العامة.
إن تجاهل الفاعلين الخارجيين في خَلْق و ترسيخ وجود داعش, و تسهيل و دعم سياق صعوده, و تمكينه من تحقيق إنجازاته الأخيرة؛ سيزيد - التجاهل- من غموض هذه الظاهرة, ويجعلها أكثر قدرة على القيام يأدوارها التدميرية في عموم المنطقة, مستكملة ما بدأه السياق الأول الذي أشرتُ أعلاه إلى بعض علاماته.
داعش مُنتَج استشراقيّ ( بالمعنى الذي أوضحه إدوارد سعيد : أسلوب غربيّ للسيطرة على الشرق, و استبنائه و امتلاك السيادة عليه ) صنعته - بهذا الشكل - دوائر المعرفة و الأمن و الإعلام الغربية المتوحشة, و جرى استنباته داخل السياق المشار إليه بداية المقال, و تسويقه و الترويج له في المنطقة لأهداف سياسية تدميرية, قبل أن تطلقه بهذا الشكل البربري الدموي صوبَ المدن و الساحات المقموعة و الجماهير المغيّبة عن الفعل و المشاركة, في لحظة يبزغ فيها وعيُ الحرية و مناهضة الطغيان, بالتزامن - للأسف الشديد - مع اشتداد مفاعيل الانقسامات الطائفية و الإثنية في المنطقة, وتحديداتها المدمرة.
( داعش ) تمثيل للإسلام السياسي ( دوغما الخلافة تحديداً )؛ صنعه و روّج له الغربُ العولميّ المتوحش. لكن ليس ( الخلافة ) كما يمكن أن تؤول إليها السياقات التاريخية و الفكرية للإسلام, في شروط و مقدمات أخرى, قد لا تكون متاحة على الإطلاق الآن أو في المستقبل. ( من هنا ملمح المَسْخرة في ظاهرة داعش), و إنما ( الخلافة ) على الطريقة الأمريكية, و تمثيلاتها لأدوات السيطرة و القتل و التغريب, حيث سيكون بوسع ( داعش ) كحامل متوحش و غامض ( لحلم الخلافة) أن يكون أداة مثالية جداً لتكريس منطق ( الفوضى الخلاقة) تمهيداً لقيام ( الشرق الأوسط الجديد) بما يشتمل عليه من توزيع جديد للحدود السياسية و القدرات و المصالح. و بينما يقدم ( داعش ) نموذجاً مثالياً لممارسة العنف و الترويج للتوحش و تعميم الخوف و الإذعان, مغلفاً بجماليات و مفاعيل استعادة الماضي الذهبي, و تطبيق شرع الله في نقائه الأوليّ؛ تتولى القوى الدولية بمساعدة أذرعها الأمنية و الإعلامية المحلية التابعة, تغذية و إدارة هذا التوحش غير المسبوق, و ما يكرسه على أرض الواقع من اختلاطات وإرباكات للقوى الديمقراطية السلمية, و بما يخدم السياق العام لولادة الشرق الأوسط الجديد.
أعتقد أن الغرب ( الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً ) قد استفاد من تجربتين سابقتين : القاعدة, و الصحوات ( في العراق ), و قام بعملية دمج و تطوير لهاتين التجربتين لخلق داعش و استنباته, مع الاستفادة الكاملة بالطبع من معطيات ميدانية متنوعة سابقة و راهنة, سمحت بتراكم خبرات و تجارب عديدة, خدمت التطلع إلى خلق نموذج أكثر فاعلية و قدرة على تحقيق أهداف استراتيجية بالغة الخطورة و الحسم.
( من الطريف ملاحظة عناصر أمريكية - هوليودية عديدة في الحركات و التصرفات الميدانية لمقاتلي داعش و تجمعاتهم, وفي العديد من اللوحات و المشاهد المعروضة في إطار استعراضيّ سينمائي. يمكن - على سبيل المثال - ملاحظة أن طريقة الإعدام بإطلاق رصاصة على مؤخرة الرأس من قبل قاتل يقف خلف الضحية, هي ملمح مكرور في أفلام العصابات الأمريكية. بينما تستدعي علامات عديدة في المشهدية الداعشية, ملامح و خصائص و ممارسات عناصر الشركات الأمنية الأمريكية تحديداً ).
* * *
من المؤكد أن هذا التمثيل الغربيّ العولميّ المتوحش, للإسلام السياسي و دوغما الخلافة, و عملية استنباته و ترويجه داخل السياق الخاص للمجال العربي - الإسلامي, ليس معدومَ الصلة و التقاطع مع تمثيلات و استبطانات محلية خاصة بأصحاب الشأن أنفسهم, الذين يستكملون تحقيق أهداف خَلْق هذا التمثيل و إطلاقه ميدانياً و إعلامياً ( هنا و الآن ) , عبر استقبال ( داعش ) و التفاعل مع تعبيراته ( الجهادية الشرعية) في مناطق عديدة آخذة بالاتساع و التأثير. فضلاً عن أن سمة العنف الدموي الوحشي, و اللاعقلانية و التسلط, التي تشكل خاصية بنيوية في التمثيل ( داعش) , كان قد تم تعميمها كشكل ثابت في إدارة الصراع, وتأبيد السلطة ( من مصر و ليبيا و الجزائر إلى سوريا و العراق), كما تقدم الكلام حول سياق داعش ببداية هذه الإفاضة.
لكن الصلة و التقاطع بين التمثيل ( داعش) و بين المجال التاريخي الفكري و السياسي لاشتغاله و تفعيله و استثماراته المأمولة ( المنطقة العربية تحديداً ) لا يكفيان لتفسير التألق السريع لداعش, و قدرته اللافتة على تحقيق انتصارات عسكرية سريعة متتالية, و تقدمه ميدانياً في مناطق ذات وزن سياسي و اقتصادي كبير, و في خضم أحداث من المتوقع أن تفضي إلى مآلات تقطع بشكل كامل مع الأوضاع السابقة على غير صعيد. كما أن - نسقَ القوة - الذي أنتج هذا التمثيل و رسم له حدود استثماراته و أهدافَه, أعني دوائر الأمن و الإعلام في الغرب العولميّ المتوحش, لا يكفي لتفسير بزوغ نجم داعش, و تكريسه فاعلاً رئيسياً في هذا الجزء المنكوب من العالم.
كيف يمكن - على سبيل المثال - تفسير هذه الانسيابية و اليسر في تحركات داعش بين العراق و الشام, وصولاً إلى الرقة وحلب غرباً, و إلى دير الزور و الموصل شرقاً, في مناطق مكشوفة تماماً و يمكن السيطرة عليها جواً بسهولة و يسر..؟! . كيف - على سبيل المثال - يحصل مقاتلو داعش على هذا العدد الكبير من سيارات الدفع الرباعي الجديدة التي يستعرضون فيها قواتهم, و يتنقلون مواكب بين مناطق القتال..؟! هم لا يسيطرون على أي ميناء بحري أو جوي يمكن عن طريقه استيراد هذه السيارات, فكيف تم توصيلها إليهم..؟!.
فضلاً عن خاصية العنف الوحشي في ممارسات داعش, يمكن - لأجل تفسير بزوغ نجم داعش السريع - الإشارة إلى خاصية - بنيوية - أخرى تنضاف و تستفيد من خاصية العنف الوحشيّ, وهي قابلية هذا التنظيم المرنة للاستعمال و الاستثمار من قبل أطراف عديدة إقليمية, و بالطبع دولية, و خاصة من قِبل المنتِج الأساسي لهذا التمثيل أيضاً, بما هو عليه. وقد أكدت الأحداث الجارية في المنطقة ( خاصة في سوريا و العراق ) و فعّلت بشكل كبير خاصية الاستعمال و الاستثمار في داعش.
تشمل فوائد الاستعمال و الاستثمار في داعش, الاستفادة الكاملة من مكتسبات دعاية ( الحرب على الإرهاب ), التي استثمرتها و ماتزال الولايات المتحدة الأمريكية أحسن استثمار, مثلما فعل حافظ الأسد أيضاً في أواخر السبعينيات و مطلع الثمانينيات خلال حربه مع الأخوان المسلمين. إن الغنائم السياسية الدعائية شبه مضمونة هنا, و بخاصة أمام القوى السياسية و الحزبية و الناخبين في أوروبا و أمريكا.
كذلك تشمل فوائد استعمال داعش, الاستفادة من القدرة الترويعية للتنظيم, بسبب ممارساته الوحشية التي باتت معروفة و معروضة في الفرجة العامة. إن استعمال داعش فزاعة ذات جدوى و تأثير ملموس في الصراع أمر شاع كثيراً خلال الأحداث الأخيرة في سوريا و العراق. لقد سمح غموض التنظيم ( لجهة أهدافه و هويات قادته و مصادر تمويله) و تطرفه الحديّ - رؤيا و ممارسة - في جعل قابلية الاستعمال و الاستثمار في داعش ممكنة و سهلة, بالنسبة لمعظم القوى الفاعلة في المشهد العربيّ الراهن, على خلفية وقائع الرعب التي باتت خبزاً يومياً لسكان المناطق التي سيطر عليها داعش, و لعموم الجمهور الذي يتملى أشرطة الفيديو التي توثق تلك الأعمال, و يجري دعم تداولها بشكل ملحوظ من قبل أجهزة و مؤسسات ( نسق القوة) الذي أنتج داعش و تمثيلاته و ممارساته و استعمالاته ( تويتر و يوتيوب و فيسبوك...الخ)
و بالتالي يمكن القول, و نحن بصدد تفسير البزوغ السريع لنجم داعش ( هنا و الآن ), إن مصالح أطراف و قوى إقليمية و دولية عديدة, قد التقت و تقاطعت عند داعش. بعضها في حالة صراع و تعارض في المصالح و الأهداف, و بعضها الآخر في حالة تساند و تعاون. لكنها جميعاً رأت في داعش إمكانية للاستثمار و الاستعمال, و إمكانية لاستجرار مكاسب سياسية و إعلامية و أمنية - عسكرية...الخ, و الإمساك بأوراق ضغط هامة و مؤثرة, بشكل استراتيجي دائم أو بشكل تكتيكي مؤقت. وهنا تحديداً يكمن السبب الأرأس لبزوغ نجم داعش, و قدرته اللافتة على تحقيق انتصارات عسكرية سريعة وغير متوقعة في مناطق عديدة من الشام و العراق. فكثيرة الأطراف التي ساهمت - بهذا الشكل أو ذاك - في تسهيل و دعم بزوغ نجم داعش, تمهيداً و تجهيزاً لاستعماله, بدءاً بالتغاضي عن خلاياه وتحركاتها الأولى, وانتهاء بالدعم و المساندة اللوجستية إذا أمكن.
لقد كرست هذه القابلية المرنة لدى داعش للاستعمال, من قبل أطراف متناقضة في أهدافها و مصالحها و منطلقاتها السياسية و الفكرية, مزيداً من الغموض في التنظيم, لجهة حقيقة دوافعه و أهدافه, ومختلف القضايا المتعلقة به من حيث التمويل و البناء التنظيمي و هويات قيادييه, و آفاق تحركاته. وأفضى كل ذلك إلى إرباك و تناقض الجهود التحليلية الساعية لفهم و تفسير هذه الظاهرة. على سبيل المثال : بينما كان البعض يحذّر من تعاون و تنسيق خفيين بين داعش و النظام السوري, كانت المعارضة السورية ترحب بداعش و تعتبره جزءاً من الثورة, وتعوّل عليه من أجل إسقاط النظام, و امتلاك الحرب من أجل امتلاك السياسة. و الأمر أن كلاً من النظام و المعارضة في سوريا, ضمن فهم معين لمعنى النصر و امتلاك الحرب, كانا يستفيدان من ( داعش), و يستعملان و يوجهان حضوره في الأعمال القتالية القذرة, بما يخدم تصوراتهما و مصالحهما. و الواقع أن معظم القوى الفاعلة في المشهد الإقليمي الراهن, عولت يوماً - بعضها مايزال- على داعش, و أضمرت ابتهاجاً بقطف ثمار بزوغ نجم داعش, و تحركاته المباغتة على الأرض, فضلاً عما يتيحه التنظيم الإرهابي من استعمالات إعلامية دعائية ( كما هو الحال للنظام السوري, و حكومة المالكي). و هذه نقطة دالة و كاشفة بشكل دقيق, فهي تفضح هشاشة دعاوى هذه القوى و الأطراف ( بدءاً بالأمريكيين والمجتمع الدولي, وانتهاء بالنظام السوري و معارضيه الأشاوس ), بأنها تقف ضد ( الإرهاب و التطرف), و تؤيد الاعتدال و الديمقراطية و ثقافة التسامح و الحوار, مثلما تفضح مغزى وجود داعش - هنا و الآن - و الطبيعة الاستعمالية لداعش منذ أن تم وضع التصورات و المخططات الأولى لاستيلاده من ( القاعدة), و استنباته داخل سياق ثقافتنا العتيدة, ثم إمداده بعوامل الاستمرار و القوة و الرواج.
إن تقاطع المصالح عند داعش, و التحالف المضمر المباشر أو غير المباشر, لهذه القوى و الأطراف ( من دول و أنظمة و جماعات ..الخ), مع داعش و الفصائل و الجماعات الجهادية العالمية, يثبت أن العنف مكوّن أساسي و بنيوي من مكونات الممارسة و التفكير لدى هذه القوى و الأطراف نفسها, و أنّ الادعاء بمناهضة العنف و محاربة الإرهاب و التطرف, ليس - في أحد أوجهه -أكثر من تلفيق و دعاية رخيصة, يجري التلطي خلفها, و المناورة من خلالها في سياق الصراع المدمر, من أجل الهيمنة و حماية المصالح ( بالنسبة للأمريكيين و الغرب و بعض الدول الإقليمية الوازنة ) أو من أجل الاحتفاظ بالسلطة أو الوصول إليها ( كما هو الحال بالنسبة للنظام و المعارضة في سوريا ) على سبيل المثال.
* * *
فاشية فاجرة تفتح عينيها وقاحة و عهراً في وجه التاريخ, و تتقدم عبر نكبات الشعوب المستضعفة و الأوطان المتداعية, لتستكمل مشاريع الإبادة و السيطرة و النهب. بهذا الشكل أرى الغربّ العولمي. و ليس ( داعش ) سوى أداة من أدوات هذا الغرب في سعيه البربري هذا. تماماً كما كانت لعقود أنظمة الاستبداد و الفساد في المنطقة التي تتهيأ الآن لزمن آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب سوري.

.




#محمد_حيان_السمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( دمشق : اختبار الدم و النار ) : إنعاش الذاكرة الوطنية السور ...
- في ( خراب الأوطان) و ( فساد العمران ) : كلمة عن ال ...
- من مقام الثورة إلى أحوال النفط : دير الزور شاهدة وشهيدة
- عامان على الثورة السورية: العنقاءُ تختنق برمادها
- العنف والمثقفون في سوريا: بين أوهام التلفيق البهيجة وحقائق ا ...
- سياسيّو المعارضة السورية... ومثقّفُوها : شعبويّة سياسية وبؤس ...
- الأيّامُ السّود...و الجهادُ المحمود : ملابسات وآفاق انتشار ا ...
- مِنْ ( بابا عمرو ) إلى ( معرّة النّعمان ): شركاء في تدمير سو ...
- معركة الفرقان في حلب : تحرير المدينة أم تدمير سوريا؟!
- تداعيات في الطريق من حماه إلى داريا
- معركة حلب الرهيبة : كشف المستور ( قراءة أولية في - وثيقة عهد ...
- عن السلْميّة والعَسْكرةِ في الثورة السورية
- العَسْكرُ في الشّام - ملامح من خطة حكّام دمشق لعَسْكرة الثور ...
- حقيقة الفيديوهات المسرّبة في الثورة السورية : مَخْرَجَةُ الر ...
- الثورة السورية : من حسني الزعيم إلى رياض الأسعد


المزيد.....




- نبيلة عبيد تعلن من الرياض عن عودتها للدراما في مسلسل سعودي
- -نتعب لأجل بكرة وربنا هيحاسبنا-.. السيسي يتحدث عن أهمية الإن ...
- -هرب من الحرب ليموت في الحرب-، من هو الأستاذ الجامعي اليمني ...
- بعد تفجيرات البيجر- إيران تحظر اللاسلكي في الرحلات الجوية
- -اليونيفيل-: إصابة جندي بإطلاق نار بسبب نشاط عسكري في الجوا ...
- الكويت.. ضبط مواطنَين أحدهما ضابط و4 آسيويين متورطين بترويج ...
- إيران تبلغ واشنطن ودول الشرق الأوسط بأنها سترد على أي هجوم إ ...
- غزة.. المجازر تتواصل بمدارس القطاع
- تركيا تجلي رعاياها وجرحى من لبنان
- تي 72.. صمام أمان للقوات الروسية بدونباس


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد حيان السمان - وجهة نظر حول ( داعش ) : السياق ... الاستعمال... و تقاطع المصالح