أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سهر العامري - العرب ورياح الديمقراطية الأمريكية-1















المزيد.....

العرب ورياح الديمقراطية الأمريكية-1


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 1276 - 2005 / 8 / 4 - 07:30
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


قبل أيام حللت الركاب في عاصمة العرب الكبرى ، القاهرة ، وكنت أنا قبل هذا الحلول قد تعرفت على أكثر معالمها ، ومنذ أن كنت فتى يافعا ، مغرما بما يكتبه نجيب محفوظ من روايات واظبت على قراءتها بنهم ، هناك على شواطىء الهور ، وتحت أفياء سعف النخيل المدلى في الجنوب من العراق .
من نجيب محفوظ عرفت خان الخليلي ، وزقاق المدق ، والعباسية ، والكثير من ميادين القاهرة ، وأنا لم أرها بعد ، وحين نزلتها في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم لم أفاجأ بما رأيت ، فقد كانت هي كما رسم ملامحها محفوظ في مخيلتي، فمسجد الأمام الحسين عليه السلام هو هو ، والسيدة زينب عليها السلام هي هي . والناس في القاهرة مثلما رأيتهم شخوصا في تلك الروايات .
قال لي السائق قبيل أيام من الآن ، وكنت أنا أنوي زيارة مسجد الإمام الحسين : أنت مغرم بمحفوظ مثلي ! وذلك بعد أن التقيت أنا وهو بمعرفة شخصية سعيد مهران ، بطل رواية اللص والكلاب ، ذلك الشخص الذي كتب محفوظ على لسانه بعد أن سرقوا ابنته منه حكمته الشهيرة : إن ما أخذ بالسرقة لا يٌسترد إلا بالسرقة ، هذه الحكمة التي تحولت عند جمال عبد الناصر في واحد من خطاباته النارية بعد هزيمة الخامس من حزيران المرة الى : إن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة .
لقد طارت حكمة عبد الناصر المسروقة من محفوظ في فضاء الوطن العربي كله ، ورددتها أبواق الدعاية العربية بزهو ما بعده زهو ، في وقت خملت فيه حكمة محفوظ ، ولم يذكره أحد بخير ، حتى جمال عبد الناصر الذي تعلم منه ، مثلما تعلمت أنا الكثير مما قرأت له .
بإمكانك مشاهدة محفوظ كل صباح من شرفة شقة في محلة العجوزة ، وهو ينشر الأوراق أمامه على عادته ، أضاف السائق الى سابق حديثه ، لكنني رددت من فوري على ما قاله لي سائق سيارة الإجرة الذي يبدو أنه يحمل شهادة جامعية ، لكن انعدام فرص العمل باختصاصه هو الذي اضطره على العمل سائقا بعيدا عن ذلك الاختصاص ، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من شباب مصر الذين التقيتهم ، والذين يعملون في الفنادق والمطاعم رغم تحصيلهم الجامعي .
قلت للسائق في ردي السريع ذاك : قد يحسبني محفوظ أو من يحرسه أنني واحد من الظلاميين ، الإرهابيين الذين يريدون قتله ، مثلما فعلوا معه في مرة سابقة ، وبذلك تضيع علي متعة النظر إليه ، وأنا الشغوف كثيرا في أن أضع واحدة مما كتبت من روايات أمامه ، لا لشيء إلا لأنني أريد أن أثبت له أنني قد تعلمت على يده منذ أمد بعيد الكثير من فن كتابة الرواية والإنشاء .
لقد اقتنع السائق بكل ما قلته له ، لكنني عرفت من تقاسيم وجهه أنه لا يريد مني أن أمضي بعيدا في حديثي عن الظلام والظلاميين ، والارهاب والإرهابيين ، شأنه في ذلك شأن بائع الكتب على رصيف من شارع ما من شوارع القاهرة الذي همس في أذني قائلا ، وأنا أسأله عن ثمن رواية نجيب محفوظ ، أولاد حارتنا : الرواية ممنوعة هنا في مصر ، وهي مطبوعة في لبنان ، وتأتي مهربة الى مدينة الإسكندرية عن طريق البحر من بيروت ، ولهذا سيكون ثمنها غاليا بعض الشيء عليك !
لم أصدق البائع للوهلة الأولى ، وطلبت منه أن يذكر لي سبب المنع ، والجهة التي تقف وراء هذا المنع ، فأنا أعلم أن رواية أولاد حارتنا قد صدرت بمصر منذ سنوات طويلة خلت ، وقد قرأتها أنا منذ صدورها الأول ، ثم تحولت فيما بعد الى شريط سينمائي مصري ، فعلام هذا المنع المتأخر ؟
لم يجب البائع الفتي على سؤالي ، وراح بدلا من ذلك يعرضه على اثنين جلسا بعيدا قليلا عنه ، قال أحدهما له : إن محفوظا تحدث بشكل زائد فيها على ما يبدو ، قال ذلك ، ثم صمت ، ولم يزد على كلماته تلك كلمة أخرى ، أما أنا فقد اشتريت الرواية ، وعزمت على معاودة قراءتها ثانية ، فبيني وبين قراءتها الأولى سنوات طويلة ، وساعتها قلت في خلدي : علني أكتشف هذا ( الشكل الزائد ) الذي كتبه محفوظ منذ سنين طويلة مضت ، هذا الزائد الذي استفز متأخرا أصحاب الصحوة الإسلامية ! التي أضرمت أمريكا جذوتها في بادىء الأمر ، وذلك حين حمل جندها من رجال الصحوة هؤلاء في أفغانستان رايات الاسلام خفاقة ! وقت أن كانت الرايات الحمر ترف على كابول وقندهار ، وها هي أمريكا ثانية قد عادت من جديد الى الشرق الأوسط حاملة هذه المرة رايات أخرى ، هي رايات الديمقراطية ، ومطالبة بقيام حكومات ديمقراطية فيه ، شرط أن يكون رجال الصحوة أولئك هم فرسانها ، فقد بدلت الإدارة الأمريكية اسلوب الانقلابات العسكرية الذي اعتمدته إبان الحرب الباردة ، والذي كان يوصل رجالها من عسكر هذا الشرق الى السلطة في بلدانهم عن طريق قصيرة ، أما الساعة فقد أعدت لحكم الشرق هذا ديمقراطية ينهض بها رجال الصحوة تلك ، وذلك من أجل أن ينام العرب والمسلمون في سبات عميق ، سبات ليس فيه من معالم الثقافة إلا إجبار نسائنا وبناتنا على الكن في البيوت ، ولف أبدانهن بسجف من ظلام التحجب والحجاب ، أو ليس فيه إلا إطالة اللحى ، وتقصير الثياب ، وتسخير الدين الحنيف من أجل ركوب حصان السلطة الذي وعدتهم أمريكا فيه ، فهم ، والحق يقال ، سيختصرون الحياة كلها بالصلاة ليل نهار ، أو الاستماع الى تلاوات معطرة من الذكر الحكيم حتى في وقت البيع والشراء ، وبعدها سيكون كل حديث عن الديمقراطية تلك كفرا ما بعده كفر ، وبهتان ما بعده بهتان !
قلت لأحد الباعة في سوق خان الخليلي ، لماذا ترفع صوت المسجل الذي يتلو أحدهم منه آيات من القرآن على هذا النحو العالي ، وأنت وغيرك من الباعة والمشترين في لهو التجارة والبيع عن سماعه ؟ ما نزل سمعك قوله تعالى : وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون . فهمني صاحب المحل ، فحبس الصوت بأدب جم ، دون أن ينبس ببنت شفة .
حين تختصر حياتنا نحن العرب والمسلمين على هذه الشاكلة سيكون ذلك محط سرور عظيم في قلب زعيمة رأس المال ، أمريكا ، وستنثر الورد على رؤوس أولئك الذين يقومون لها بهذه المهمة العظيمة ، فنحن خلقنا للعبادة ، وهم خلقوا للعمل والرقي ، ستكون أسواقنا أفواها تلتهم بضاعتهم المصدرة لنا ، وسيكون هم من يجني ريع خامات بلداننا . ألم يحاول الانجليز وقت دخولهم مصر إماتة الصناعات القطنية المصرية التي نمت وترعرعت منذ عهد المماليك فيها ؟ ألم تحمل سفنهم آلاف الأطنان من القطن الخام ، وبأسعار زهيدة ، لتعود أقمشة مصنعة تفاخرنا نحن بلباسها بقولنا : إنه قماش إنجليزي ! ؟
موت العمل هذا هو الذي تريده الديمقراطية الأمريكية لنا ، مادام رجالها الجدد من جند الصحوة تلك يختصرون الحياة كلها بمسجد وتكية وضريح ولي في مصر ، وبمسجد وحسينية وضريح إمام في العراق ، ولهذا الغرض فهي تضغط في مصر على الطبقة السياسية فيها من أجل استبدال النظام القائم هناك ، والذي شيدت أركانه زمن الحرب الباردة ، ومع ما في النظام هذا من عيوب فقد حاول رجاله بهذا القدر أو ذاك ، ومنذ قيام ما سمي بثورة 23 يوليو من سنة 1952 م ، أن يبعثوا الحياة في جسد التصنيع المعتمد على الكادر الوطني المصري الذي أشادت سواعده السد العالي العظيم .
ولهذا الغرض ذاته عمل جند الديمقراطية الأمريكية في العراق على قتل البناء الاقتصادي الذي أشاده العراقيون بسواعدهم على مر سنوات طويلة خلال الساعات الأولى من احتلالهم للعراق ، ودفعوا اللصوص فيه الى عملية تخريب مقصودة ، وتحت شعار رفعته دبابات الديمقراطية الأمريكية : علي بابا ، هكذا كان المبشرون بالديمقراطية يحثون اللصوص وعديمي الضمائر على تخريب بلدهم بأيديهم ، فاختفت عن الوجود مؤسسات صناعية كثيرة ، وتعطل البعض الآخر منها بسبب الإهمال المتعمد الذي مارسته سلطات الاحتلال ، ومن ينوب عنها من العراقيين ، رجال الصحوة الجدد التي تسميهم وزير الخارجية الأمريكية السمراء ، وكوندليزا ريايس ، بالقوى الحية في المجتمع ! هؤلاء الرجال الذين ، والحق يقال ، راحوا يبسطون سطوتهم على النساء في الشوارع والأزقة ، مبشرين بأن الدنيا دار فناء ، وإن الآخرة دار بقاء ، فعمل لآخرتك في دنياك صلاة وصوما ، ولا تعمل لدنيا فانية سترحل عنها بعد أيام قلائل !



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاوي وأحلام العصافير !
- حكومات تحت ظلال سيوف الديمقراطية الأمريكية !
- بوش الدجال بين طالبان سنة العربان وطالبان سنة إيران !
- أوربا نحو القبول بالحصة من الغنيمة العراقية !
- حليفكم الجبل يا مسعود !
- العراق نحو ولاية الفقيه !
- جنود من بطيخ !
- ويسألونك عن الزرقاوي !
- حكومة دونما حكم ودولة دونما حدود !
- حرب الأحزاب الطائفية بدأت في العراق !
- الشيعة العرب هم الخاسرون !
- إثنتان أرعبتا صداما وواحدة أرعبت صولاغا !
- البعثية تهمة صارت تطارد عرب العراق سنة وشيعة !
- حلفوا بقسم مزور !
- العراق في العهد الأمريكي !
- مواعيد صولاغ !
- الحكومة البتراء !
- الموت خبط عشواء !
- الكربلائيون يتظاهرون ضد الهيمنة الايرانية !
- نطقت عن اليمن وصمتت عن الأحواز !


المزيد.....




- ثوران بركان في إندونيسيا يتسبب بإلغاء عشرات الرحلات إلى بالي ...
- -كل اللي فات إشاعات-.. محمد رمضان يعلن عن الصلح بين نجله وزم ...
- وفاة الطاهية والشخصية التلفزيونية الشهيرة آن بوريل عن عمر 55 ...
- السعودية.. حرب بين قرود أبها والطائف!
- ناطق باسم الجيش الإسرائيلي يرد على أنباء مقتله بفيديو: -لست ...
- بسبب ترامب.. -الغارديان-: زيلينسكي قد يغيب عن قمة -الناتو- ا ...
- دول الترويكا الأوروبية تعرب عن استعدادها لمواصلة المفاوضات م ...
- غروسي: تلوث إشعاعي في منشأة -نطنز- النووية
- كنايسل: التصعيد بين واشنطن وطهران لم يصل إلى مواجهة شاملة وا ...
- ما هي مخاطر الإشعاع النووي على إيران ومنطقة الخليج؟


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - سهر العامري - العرب ورياح الديمقراطية الأمريكية-1