أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حسين يونس - كن رجلا و لا تتبع خطواتهم















المزيد.....

كن رجلا و لا تتبع خطواتهم


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 4500 - 2014 / 7 / 2 - 20:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عندما بلغت الثامنة عشر مودعا الصبا متجهاً مستبشراً نحومرحلة الشباب.. قال لي صديق والدى وهو يهديني مجموعة كتب.. ((علي قدر ما تحصِّل في هذا السن وتختبر وتتدرب سيتشكــَل وجودك في المستقبل )).
كان هدف شاب الثامنة عشر (المصرى ) أن يكون مقبولاً من مجتمعه و أن يحوز على رضاء الكبار، وهكذا عندما طلب النصيحة من خاله رد بمقولة ((جيتيه)):
" كن رجلا ولا تتبع خطواتي " ومع ظهور ملامح الدهشة علي وجه الشاب أكمل مفسرا " أقرا، ابحث، ادرس ، فكر، ناقش، ثم قرِر بنفسك ما ترضى عنه باقتناع ذاتي "
لقد كنا في زمن " دع مئة زهرة تتفتح وألف فكرة تتصارع " .
في حفل زفاف جارتنا.. رأيت هذا الصراع الفكرى.. لقد كانوا يعزفون ويرقصون في الصالة وكان الكبار يتحدثون في السياسة والاقتصاد في الحجرة الرئيسية والشباب يتناقشون بصوت عال في أعقد قضايا الفلسفة، كان أحدهم ( أصبح فيما بعد شاعراً فذاً يُشارُ له بالبنان ) ينكر وجود الله، وآخر من جماعة الاخوان يعارضه و يسوق الأدلة والبراهين والآخرون يستمعون لهما بصبر و شغف دون استنكار لموقف الشاعر المُلحِد او تأيدا للاخوانجي المسلم ... كنت أميل بحكم تربيتي لوجود إله.. وإله مسلم يقيناً وكان لدي منطقي ولكنني لم أشترك في الحوار خشيَّة أن أقول كلاما تافها أو غير موثق فيسخرون مني .
بعد الحفل اتخذت القرار، سرت علي درب الأشواك أريد أن أتحقق بنفسي أن إله الكون مسلماً.
سألت عمي عن كيف أتعرف على الاسلام ثم أردفت " الصحيح " فلقد كنت أحمل بعض الشكوك فى رجال الدين بعد أن قرأت جزئي كتاب الأيام لطه حسين.. وكان ردَّه :
الاسلام دين الفطرة أقم الفروض وتحصن بكتاب الله.
كنت أستيقظ قبل آذان الفجر أسير حتى جامع الحسين أستمع الى التواشيح والتراتيل والأدعية وسور من القرآن التى يتلوها إمام الجامع بصوت من أعذب الأصوات وأكثرها رقة وجمالا.
كانت روحي فى تلك الأيام تشف ونفسى تتوحد مع السحر القادم من نسمات الفجر وشقشقة الأضواء .. ولكن كان يزعجنى أن معان كثيرة مما رتــَّـله الإمام قد استغلقت على فهمى .
أبى بعد أن كررت سؤاله عن معانى الكلمات ، زودنى بمصحف مُفـَـسَر على هوَّامشه شروح ، كان لأبى مكتبة ضخمة تضم كتبا عديدة مغلفة بعناية بأسلوب واحد ومكتوب على كعَّبها بالذهب إسم جدى بجوار إسم المؤلف سواء كان الطبرى أو البخارى أو ابن مسعود، كم هائل من الكتب الأنيقة جنبا إلى جنب مع كتب أخرى رُصَتْ بعناية أقل تحمل أسماء الغزالى والشافعى ومحمد شلتوت .
المصحف ذو الهوامش لم يكن ذو فائدة كبيرة فى التفسير، بل لقد أصبحت الصعوبة صعوبتين، لقد كانت لغته غير مطروقة والشروح تمتلئ بأسماء وأماكن وأحداث لا أعرفها كثيرة العنعنة بحيث يصعب التعرف على المصدر الذى يُرجَع إليه فى الشرح.
والدي نصحنى بعد ذلك أن أرجع لكتب أسباب النزول عندما شَكَوّتُ له ضعف قدرتى على فهم الشروح .. أما مدرس العربى فقد ثار عندما سألته عن أسباب نزول سورة، كان يقول أن القرآن أزليّ وأنه مكتوبٌ منذ البداية فى اللوّح المحفوظ ، وأن أسباب النزول تجعله صدىً لأحداث دنيوية ، فى حين أن الأحداث صِيغَت لتلائم النص.
صديقي الذي شاهد ثورة الاستاذ سألني عن مذهبي وقال أن هو يتبع المذهب "الحنفي" ثم فشل في شرح الفرق بين مذهبه والمذاهب الأخرى ومع ذلك دعاني لأن أتبع " الحنفية".. لم تعجبني دعوته طبقا لنصيحة خالي ولهذا قررت أن أدرس جميع المذاهب ثم أحدد إلى أي منها سوف أنتمي.
كانت مكتبة المدرسة زاخرة بالكتب التي تشرح وتأوِّل وتقدم المذاهب الأربعة المالكية ، الحنفية، الشافعية، وابن حنبل، أغلب المصريين كانوا من الشافعيين والامام الشافعي له معزة خاصة لديهم لوسطيته و يسره في شرح وتفسير العقيدة ولقد فرضه صلاح الدين بعد أن محى حكم الشيعة الفاطمية الذى اتبعه المصريون لمئات السنين .
عندما حاولت أن أعرف الفرق بين الشيعة والسنة.. تهت.. فالشيعة عشرات المذاهب بالاضافة الى الاشاعرة والمعتزلة والخوارج والصوفية والدروز والاسماعيلية والبهائية. كنت اقرأ بنهمٍ شديد وفي النهاية لم أفهم الفروق لقد كان الامر يحتاج لمرشد مستقل محايد .. حقا لقد استمتعت بأشعار ابن الفارِض و بشطحات ابن العربي و بأفكار ابن رُشدْ ( الذى كان الأقرب للفهم ) ولكنني في النهاية لم أستقر علي مذهبٍ مخالفٍ لنصيحة صديقي" الحنفي ".
القرآن لغته تحتاج لشرح وتفسير، والتفسير عمل دنيوى يقوم به بشر قابل للصواب والخطأ، وللوصول الي ما يقبله العقل لا القلب لابد من قراءة عشرات التفسيرات وآلاف الصفحات بلغة غير مطروقة وشروح تحتاج لشروح إذا ما أردت أن تكون مستقلاً، وهو أمر غير وارد أو متوفر حتي للمتخصصين في الدراسات اللاهوتية.
الأحاديث و السنة النبوية الشريفة بالاعداد الموجودة في كتب جدِّى يستحيل استيعابها أو التعرف عليها أو الاقتداء بها، لقد كانت آلاف الأحاديث التي قد تصل الى 35 ألف حديث موَّثــَق، وكان البعض يشكّك في صحـَّـتِها أو في صحة عدد كبير منها و يقال أنه قد تم تأليفها في أزمنة لاحقة لتخدم قضايا معيَّـنة، هكذا قال لي إمام جامع الكليَّة الاشتراكي ونصحني بدراسة الإمام علي و الإمام أبو ذر الغفارى، لقد كانا مقرَرَيّن علينا في الزمن الاشتراكي الناصرى الذى كان من الممكن أن تسمع فيه شيوعي يتلو آيات من الذكر الحكيم تؤيد قول لينين أو ستالين أو لتجعل من الميثاق وثيقة إسلامية .
في مرحلة تالية استمعت الي طبيب ملحد يدلــِّـلْ على أن كل ما توصل اليه العلم موجود في القرآن وأن الله يتجلى في كل ظاهرة كوّنيَّة في تحالف مصري الهويـَّة بين العلم والايمان .. وزادت غربتي الفكرية .
رحلة المسلم بين أضابير الماضي وكتب التراث رحلة قد تستغرق العمر كله و لا تأتي بنتيجة لذلك فانني أعجب من هؤلاء الشباب الذين لم يحصلوا علي الاعدادية ومع ذلك يطلقون اللحى و يضعون الطرحة علي شعرهم ثم يفتون فيما لا يفهمون .. الغريب أن بعض السُذَج يتعاملون معهم علي أساس أنهم من العالمين.
مرت مئات السنين طمست ما طمست و أبرزت ما أبرزت .. طمر و إظهار لجوانب عديدة من الدين الذى قدمه للدنيا الرسول صلعم منذ 1400 سنة كاسلام، وأصبحت هناك مئات من القراءة الجزئية والموازية والمعارضة والتي تخدم وجهات نظر أو مصالح أو احتياجات معينة وكل منها تدعي أنها الاسلام الصحيح .
الاحاطة الكاملة بالاسلام و مدارسه المختلفة شىء شبه مستحيل للعلماء و الباحثين فما بالك بأنصاف المتعلمين الذين التقط كل منهم جانبا ما وراح يروِّج له بوجهات نظر مبتسرة بعيدة عن السياق يدعمها بسوَّر وآيات وأحاديث و حكايات و قصص تمت أو لم تتم للأولين.
وهكذا ابتعد المسلمون عن الفلسفة يوم حرقوا كتب إبن رُشدْ .. ثم كرَرُوا هذا مرارا كان آخرها عندما فرقوا بين نصر حامد أبو زيد و زوجته جزاءً له علي محاولته عصرنة الخطاب الديني و فلسفته.
أنصاف بل أرباع المتعلمين أرادوا للمرأة أن تكون مطيَّة الرجل وجاريته مكذِّبين تلك الفتاوى الاكثر معاصرة و تعتمد علي جانب آخر من مفردات الدين التي أتاحت لها الخلـّع و عدم الموافقة علي أن تكون زوجة ثانية.
رجال الدين فى زمن ما ادَّعُوا أن محمداً هو إمام الاشتراكيين وفى زمن آخر أصبح زعيم الرأسمالية والسوق المفتوح ، المسلمون لم يتفقوا أبداً حتى على زمن الأعياد وبزوغ الهلال، وكانت كتب خالد محمد خالد تضاد كتب سيد قطب، ومحمد عبده يعارض الأفغانى، والشيعة تعادى السنة، والشيعة والسُّنة لا تعترف بالبهائية، إبن عبد الوهاب يسابق الخمينى، والشريعة السودانية غير الشريعة التركية.. وهكذا يصعب أن تقتنع بأن هناك رؤية اسلامية لإسلام حقيقى إلا إذا كنت متعصبا لمذهبك وترى أنه الاسلام الحق ولا يوجد غيره.
قرأت لعشرين سنة بحوثاً متنوعة ومدققة ، ومع ذلك لم تجعل هذه القراءات من السهل عليّ أن أحدد هل التعامل مع البنوك حرام أم حلال، الشيخ الشعراوى يقول حلال ومشايخ السلفية تعتبرها من أعمال الشيطان، قرأت لعشرين سنة ولم أفهم معنى الشورى، وهل هيَّ ديموقراطية أم ديكتاتورية إثنية ، وهل هى قائمة بين جمهرة المسلمين أم مقصورة على أهل الحل والعقد، هل حجاب المرأة مستحب أم عادة ، هل إضطهاد المرأة وأخذ نصف ميراثها حق وعدل أم شرع يطبق دون نقاش.
لقد أزعجنى خالي عندما قا ل " كن رجلا ولا تتبع خطواتى " ففى الاسلام لابد وأن تتبع خطوات شخص دون تفكير، إنه إمامك والمسؤول عنك وهو الذى سيقودك الى الجنة ، خلاف ذلك ستضطر الى أن تقرأ وتدرس وتفلتر وتنتقى من ضمن عشرات الآلاف من الصفحات ، وهو أمر غير وارد لــ 70% من المسلمين الأميين الجهلة، والـ30% من المستسلمين لان يقودهم فقيه كان أو شيخ ، نصف متعلـِّم أو عاطل لم يجد عملا الا أن يطلق لحيته ويلبس جلبابا أبيَّض ويفتى بفتاوى على درجة عالية من الغباء والجهل .
لا يوجد من يستطيع ان يقول عن نفسه أنه مسلم مطــّـلِع على كل المدارس والشيَّع والمذاهب ، إنما توجد قراءات خاصة للدين تتراوح بين الطالبانية الوهابية الداعشية المهلبية، وما يطبق في العراق وسوريا وليبيا ويحدث فى غزة أو أفغانستان ، وبين ذلك الاسلام الذى يسمح للمرأة بالامامة فى صلاة الجمعة والخطبة بأمريكا.
ألم أقل لكم كم هو صعب وهكذا فرغم تطور وسائل الاتصال وزيادة محطات البث و إحتلال الوعاظ و المفسرين لاعين وأذان المريدين إلا أن المسلم شبه الامي الذى يعجز عن فهم المكتوب في الجريدة .. يفشل في فهم ايات القران الكريم و احاديث الرسول فتتحول لديه القراءة المرتلة المستوردة من بلاد الجاز الي أداة سحرية لجلب الرزق او منع الشر .. وهكذا علي أن أنهي هذا المقال بسبب الاصوات الرتيبة غير الواضحة وغير المفهومة القادمة من مكبر صوت عربة الطرشي و الفول التي تذيع المصحف المرتل غير المستمع الية منذ ثلاث ساعات .. بغض النظر عن أهمية أن يستمعوا وينصتوا للتلاوة .



#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعلم في المتبلم يصبح ناسي ..مفيش فايدة
- بريخت وأنا و الاجيال المقبلة
- العودة مهزوما مكسور الوجدان
- هل يريدون تطبيق شرائع الاسلام ؟
- النبوءة(19/6/1989...8/6/2014 . )
- هل إنتهت الغمة ..هل بدأ زمن جديد؟
- بعد إنتهاء الرقص في مولد سيدى إنتخابات
- الوفد - السيسي عن الفاسدين: -ماقدرشى أمشّيهم-
- إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما .
- في النهاية ،فساد السمكة بدأ بالرأس
- صعود الطبقة الوسطي المصرية.
- نفارين ثم إحتلال بريطاني لسبعة عقود
- القرن التاسع عشر والاستعمار الاوروبي.
- مصر يحكمها كابوس الانكشارية
- الانجاس المناكيد يحكمون مصر لثلاثة قرون
- قرنين خارج عباءة الخلافة العباسية.
- البدو يعيثون فسادا علي ضفاف النيل
- مقدمات الغزو البدوى لمصر
- الاقباط هم اولادك المضطهدين دوما يا مصر
- يومنا في إكتيوما من دفتر إنكسار أهلك يا مصر (2)


المزيد.....




- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد حسين يونس - كن رجلا و لا تتبع خطواتهم