أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - أحمد سعده - تحرش















المزيد.....

تحرش


أحمد سعده
(أيمï آïم)


الحوار المتمدن-العدد: 4479 - 2014 / 6 / 11 - 07:21
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


جريمة بشعة، واعتداء جنسي مُروع ضد عدد من السيدات والفتيات بميدان تحرير القاهرة، بعد تجريد كامل لإحداهن من ملابسها وسط آلاف من البشر، حدث حقيقي، وليس مشهد سينمائي في فيلم رُعب، وأعترف أن هذا المشهد المقهر قد ترك أثراً بالغ السوء في نفسي، أحتاج معه لبعض الوقت مع مراجعات نفسية للتخلص من أثره وتأثيره العميق.
وكعادة البشر في مصر، مدفوعين بتناقض مُيولهم وتوجُهَاتهم الفكرية، يختلف المصريون حول دوافع هذه الجريمة، ما بين "تسييسها" وإلصاقها بالأعداء والخصوم السياسيين، أو أنها مجرد سلوك فردي لبعض الأفراد، أو غيرها. غير أن استفحال الأمر وتطوره بالانتقال المُرعب من التحرش اللفظي إلى مرحلة العُدوان الجسدي الذي وصل حد هتك العرض والاغتصاب، بات خطراً يُهدد بمزيد من التراجُع الأخلاقي والتاريخي للمجتمع، تاركاً جروحاً إنسانية، وعذاباً داخلياً في قلب كل امرأة مصرية، لن يداويها سوى مجتمع بشري بلا عنف أو تمييز ضد المرأة.
ورغم هذا الألم الوجودي، من هذه الجريمة التي هزت كيان كل "إنسان" ما يزال يقتنع بكونه إنسان؛ إلا أن الثقة بالنفس ينبغي أن تكون سلاح كل مناضل تنويري يَخُوض معركة إنسانية ضد بُؤس وقُبح المجتمع، والمرأة مدعُوة بدورها لمحاربة شجرة التحرش السامة، التي تقتل بثمارها هدوء النفس وسلامها، وتحكم على كل امرأة بالسجن داخل قفص انحطاط مجتمعنا الذكوري. ومن المؤسف، فإن التخلص من هذه الجريمة الاجتماعية المرضية لن يكون إلا في مستقبل بعيد، بعد أن تعاني من ويلاتها أجيالا لم تأتِ بعد. التحرش إذن ليس "ظاهرة" أو حالة عارضة كما يزعم كثيرون؛ إنما هو أحد مظاهر بؤس الحالة الثقافية للمجتمع المصري الذي لا يزال يعيش مرحلة ما قبل تاريخ الإنسان.
إن التحرش في مصر ينمو ويستمد قوته من تخاذل المجتمع والدولة نحو إدانة هؤلاء الذئاب، وتجريمهم وحبسهم، وقبل هذا وذاك فضحهم اجتماعيا. وكان لانتقال الشعب المصري المفاجىء من النقيض إلى النقيض، من قمة الاستبداد وحكم الشخص إلى قمة الحرية والانفلات دون أدنى استعداد أو وعي تراكمي؛ أثرا في الانفلات الأخلاقي الذي صاحب هذا الإنتقال، والدولة منُوطة هنا باتخاذ خطوات جادة في تنفيذ ما أقرته مؤخرا من قوانين رادعة تقضي بتغريم المتحرش والحبس مددا طويلة، بل وتعديل وإعادة تعريف التحرش والاغتصاب ليتناسب مع الهجمة الذكورية الشرسة، والاعتراف أولا وقبل كل شىء بأن المجتمع المصري "مجتمع متحرش" بدلا من التعامل بدونية تامة مع قضية المرأة وإدراجها ضمن محاولات التهميش والعتمة، وبعيدا عن الشيفونية الكاذبة والحماسة الفارغة التي تظهر كرد فعل أمام أي فعل يبرز التحرش، كما حدث في التعامل مع وفد الاتحاد الأوروبي المراقب للانتخابات الرئاسية الأخيرة وطرده من ندوة المجلس القومي للمرأة، فقط لأن تقرير الوفد أشار لوجود بعض حالات التحرش أمام وداخل اللجان، وكأن المطلوب هو تقرير ملائكي يرضي الطموح المريض لسيدات مجلسنا "المناضلات" من أجل حقوق المرأة!!.
وأنا أتفهم تماما تراجع المتحرش بهن من الإناث، وصمتهن عن مواجهة الجناة، في سياق الخوف من الفضيحة وقسوة المجتمع الذي يبرر دائما الجريمة، ويلقي باللوم على الضحية ويزايد عليها وينبذها، ويوظف الجريمة و"يسيسها" بحسب المصالح والاتجاهات السياسية، ما يشجع المتحرشين على التمادي والاستمرار طالما هناك إفلات من العقاب.
وإذا كان من المفترض أن تتولى فئة المثقفين المصريين توعية وتوجيه المجتمع؛ غير أنها تقوم غالبا بدور سلبي، وأحيانا عكسي، بل تكون في موقف الجاني في وقائع بعينها، كما حدث في واقعة التحرش الجماعي بفتاة داخل جامعة القاهرة من جانب بعض "الطلاب"، حينما توجهت سهام الاتهامات صوب الفتاة وملابسها بشكل يعكس مدى الخلل النفسي والأمراض الاجتماعية لدى بعض الإعلاميين والمثقفين ومنهم رئيس الجامعة وقبل كل هؤلاء؛ طلاب الجامعة، فماذا ننتظر إذن من باقي فئات المجتمع؟!
وهناك اعتقاد خاطىء تدعمه موروثات اجتماعية ودينية تصيران بعد ذلك من العناصر الجوهرية فى كل تشريع وكل نهج يغالي في فصل الأولاد عن البنات منذ الصغر، على أنه أسلوب التربية الأنسب، والملائم أخلاقيا ودينيا، بل وإحكام القبضة على البنات من دون الأولاد، ليس فقط من جانب السلطة الذكورية البطريركية داخل الأسرة النووية سواء كانت من الأب أو الأخ؛ بل تُرسخ الأم أيضا لنفس التمييز، في غياب تام لأي نوع من أنواع الثقافة الجنسية العلمية. وتشارك المؤسسات الدينية بخطابها الديني في شيطنة المرأة، وجعلها لعنة هذا الزمان، وكل زمان، وتصدير صورتها على أنها مصدر كل المشكلات أكثر منها فرصة للنموّ وأساسا للارتقاء بالبشرية والانسانية؛ ولهذا لا غرابة في تخاذل الأزهر الشريف وصمت رجاله وأئمته وخطباؤه عن المطالبة بمعاقبة المتحرشين، ولا نجد إلا هجوما ضاريا شرسا على المرأة "سبب" كل المصائب. ولا غرابة في أن تمتلىء الدنيا تظاهرا واحتجاجا، وحرقا وتدميرا لمجرد "سماع" أن هناك رسوما مسيئة تمس الدين أو المعتقد، ولا يتحرك أحدهم ضد الانتهاك والتحرش والاغتصاب والعنف الذي تتعرض له المرأة، وكأنه عقاب على خروجها من البيت.
ومن هذا المسار التمييزي المضطهد للمرأة، تنمو عدوانيه غاية الخطورة ضد المرأة في مجتمعات تدعي نفاقا أنها محافظة، فتغرق حياتنا اليومية بالعنف ضد النساء، والتحرش الجنسي بأنواعه ما بين تحرش بالنظر، إلى التحرش بالرسائل النصية، والتحرش اللفظي، والتحرش باللمس والاحتكاك في المواصلات العامة، والأسواق شديدة الازدحام، ينتهي لاحقا بالعنف أو الاندفاع المريض نحو الاغتصاب.
والأم المصرية رغم كل ما تعانيه؛ إلا أنه ينبغي عليها أن تشجع بناتها على مواجهة ذئاب المجتمع وفضحهم، وأن تغرس روح الدفاع في نفوسهن ضد كل جُبناء التحرش، وأن تحيطهم بكل الرعاية والحب والحنان، وتثقفهن جنسيا وتعلمهن أن أجسادهن ملك فقط لهن ولا يجوز لأحد أن يلمسه. وإذا كانت البنات لا تشعر بالأمان في المدرسة والجامعة، ولا تشعر بالراحة في نظرات رجل الشارع وسائق التاكسي والطالب والمدرس وأستاذ الجامعة، ولا تشعر بإنسانيتها أمام فتاوي رجال الدين وشيوخ التكفير المخجلة، التي تهين المرأة وتحقر من شأنها وكأنها عدوهم الأول، وتشعر بالاحباط من مجتمع كسيح وعاجز عن المواجهة، ودولة وسلطات لا تفرض قوانين وأحكام رادعه؛ فإلى أين يتجه مجتمعنا المصري في مستقبل لا يبدو ورديا؟!!
على المرأه المصرية إذن أن تتحدى خوفها وتدافع عن نفسها منتفضة ضد ظلم المجتمع والدين والقانون دون صمت أو خجل، في سياق معركة تحررية شاملة وكبرى، وألا تعول كثيرا على دور الذكور الذين تغدو سيطرتهم وسلطتهم الطبقية الذكورية سلطة دولة ومجتمع، وتصير بالتالي أساس القانون والشرعية والمشروعية، وأساس التربية والتوجيه الأخلاقي.



#أحمد_سعده (هاشتاغ)       أيمï_آïم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر .. كابوس الانهيار!!
- تعريف موجز بفيلم الخروج للنهار.
- قراءة في مستقبل مصر ما بعد الانتخابات الرئاسية.
- انتبهوا .. مصر على أعتاب جهنم
- أُمي الغالية, أفتقدك جدا .. وسأظل أفتقدك للأبد.
- النساءُ .. الجاريات المعتقات
- المعطف الأحمر (قصة قصيرة)
- مسجد الرحمة
- الديمقراطية .. الكنز المفقود
- رسالة إلى امرأة غائبة
- مِنَ العشيرةِ إلى الدولة... استغلالٌ لا ينتهي.
- حتى لا تصبحَ الثورةُ المصريةُ في ذمّة التاريخ
- الانقلاب العسكري
- مصر الدولة .. أم الثورة!! ؟
- النقابة العامة للبترول تعتمد اللجنة الإدارية لشركة ابسكو
- أسطورة الجيش والشعب أيد واحدة
- - حبيبتي -
- إلى أين يأخذنا الصراع.؟
- الثورة المصرية قد تمرض لكن لا تموت


المزيد.....




- دعم للمرأة الجزائرية.. كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكثة ...
- الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال ...
- -قرن- ينمو في جبين امرأة صينية تبلغ من العمر 107 أعوام
- الوكالة الوطنية للتشغيل 800 د.ج تكشف كيفية التسجيل في منحة ا ...
- طريقة التسجيل في منفعة دخل الأسرة بسلطنة عمان 2024 والشروط ا ...
- تقارير حقوقية تتحدث عن انتحار نساء بعد اغتصابهن في السودان
- أنبــاء عن زيـادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى 8000 د.ج! ...
- جنود إسرائيل في ثياب النساء.. ماذا وراء الصور؟
- وباء -الوحدة الذكوري-.. لماذا يشعر الرجال بالعزلة أكثر من ال ...
- مساعدة الرئيس الإيراني: مستعدون للتعاون مع قطر في مجال الأسر ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - أحمد سعده - تحرش