|
|
يسوع والمرأة السورية – 3
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4476 - 2014 / 6 / 8 - 21:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد نشر مقالتين معنونتين (يسوع والمرأة السورية) [لنظر الهامش 1 و 2]، تلقيت تساؤلات متعددة وبوسائل شتى، بحيث اضطررت أحياناً إما إلى نسخ إجابتي الواحدة، أو تكرار الإجابة التي شرحتها شفهياً، لأكثر من شخص بسبب التشابه العام في موضوع الأسئلة. وقد تركزت التساؤلات حول موضوعين إثنين تقريباً، وإن تنوعت صياغة الأسئلة. (التساؤل الأول) يدور حول علاقة يسوع بالنساء تحديداً، و (التساؤل الثاني)، وهو يُمثل أغلب التساؤلات بصورة أو بأخرى، عن مريم المجدلية بالتحديد. ويجب أن أعترف، في الحقيقة، أنني أتفهم دوافع السؤال الأول، ولكنني أقف عاجزاً، حتى هذه اللحظة، عن فهم هذا الاهتمام الجارف من قرائي الأعزاء بمريم المجدلية على الخصوص. فلسبب ما مجهول لدي [ربما تأثير رواية دافنشي كود] تركزت الأغلبية الساحقة من التساؤلات عنها وعن علاقتها بيسوع وعملها قبل أن تلقاه. ولكن، وعلى أي الأحوال، سوف أستغل هذه المقالة، والتي تليها، لأضع الأجوبة على هذين السؤالين حتى تكون مرجعاً لِمن يملك تساؤلات مشابهة عن هذين الموضوعين. ولكنني يجب أن أنبه القراء الأعزاء بأن هذه المقالة والتي تليها ليست إطلاقاً بحثاً شاملاً عن هذين الموضوعين، ولا أنوي أن تكون المقالتين كذلك، ولكن هذه المقالة هي جواباً (محدداً) لتسؤلات فيما يخص مقالتي (يسوع والمرأة السورية 1 و 2) بالتحديد وفقط.
التساؤل الأول: علاقة يسوع بالمرأة بصفة عامة.
على عكس الصورة النمطية التي يتخيلها العامة عن رحلات يسوع في المدن اليهودية، وأسفاره المتعددة [ربما أتت هذه الصورة النمطية بسبب الأفلام السينمائية أو التليفزيونية عن حياة يسوع]، فإن يسوع (لم يكن يُسافر إطلاقاً وحيداً مع تلاميذه الرجال فقط، ولكن في تلك الرحلات كانت تصحبه فيها النساء اليهوديات أيضاً، ولهن وظيفة محددة). تلك حقيقة يتم (تغييبها عمداً)، لسبب أو لآخر، من الفضاء العقائدي والثقافي المسيحي بالتحديد، وحتى الأناجيل (تُغيِّب هذه الحقيقة بصورة تكاد تكون متعمدة). إلا كاتب إنجيل لوقا فإنه، ولمرة واحدة فقط، واضح جداً في هذه الجزئية. فنحن نقرأ في إنجيل لوقا الآتي:
(وعلى أثر ذلك كان يسير [أي يسوع] في مدينةٍ وقرية، يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر، وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض: مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين، ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة، وأخر كثيرات، كن يخدمنه من أموالهن) [لوقا 8: 1-3]
فأسفار يسوع في المدن اليهودية كان يصحبه فيها نساء يهوديات، بعضهن متزوجات ولكن لا يصحبهن أزواجهن، نعرف مِن أسمائهن: مريم المجدلية، يونا زوجة خوزي، سوسنة، وكاتب إنجيل لوقا يُضيف عبارة (وأخر كثيرات). فجماعة يسوع في أسفاره كانت مكونة مِنْ (ثلاثة عشر رجل بالتحديد)، أي يسوع وتلاميذه الإثني عشر، ويصحبهم فيها نساء (كثيرات) أينما حلّوا ورحلوا. وكانت (وظيفة النساء في تلك الأسفار) محددة وواضحة، وهي تولي (الصرف المالي) على يسوع وأتباعه، أو بعبارة كاتب إنجيل لوقا (كن يخدمنه من أموالهن). وبالتالي فإن (الافتراض أن كرازة يسوع كانت رجالية بحتة)، كما نرى في الأفلام السينمائية والأدبيات المسيحية، هو افتراض (خاطئ جملة وتفصيلاً) ولا يستند على دليل، بل إن نصوص الإنجيل تُنكره صراحة كما في الاقتباس أعلاه. فجماعة يسوع (كانت جماعة يهودية مختلطة، نساء ورجال، يرحلون معاً، ويحلّون معاً)، إلا أنه بسبب التغييب المتعمد لهذه الحقيقة من الفضاء العقائدي المسيحي، ومن الأناجيل الثلاثة الباقية (مرقس، متّى، يوحنا)، فإننا لا نعرف عن آليات وتفاعلات هذه الجماعة المختلطة أي شيء سوى ما قاله كاتب إنجيل لوقا مِنْ أن النساء كنّ يتولين الصرف المالي على هذه الجماعة من (الرجال العاطلون عن العمل). فالأناجيل لا تذكر أن أي شخص من الثلاثة عشر، يسوع وتلاميذه، قد تولى أي عمل يكسب من قوته وقوت جماعته. بل على العكس، فإن إنجيلي مرقس ومتّى يذكران صراحة أنه، مرة، بسبب الجوع، دخل يسوع وتلامذته حقلاً من دون اسئتذان صاحبه وبدؤا في قطف سنابله وأكله نيئاً:
(في ذلك الوقت ذهب يسوع في السبت بين الزروع، فجاع تلاميذه وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون) [متى 12: 1]
فالرجال، في جماعة يسوع، لم تكن تعمل بكل تأكيد. النساء اليهوديات فقط، ضمن جماعة يسوع، كن يعملن، أو ربما هُنّ ثريات من أعمال سابقة كمريم المجدلية ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وهن اللواتي كن يتولين جميع مصاريف يسوع وجماعته. ولهذا (السبب بالذات) ارتبطت (مصلحة يسوع المالية) بهن، بالنساء اليهوديات بالتحديد، وليس نساء الأمم غير اليهوديات. ولهذا (السبب بالذات) يبدو يسوع (متناقضاً جداً) عند مقارنة قصته مع النساء غير اليهوديات. فعلى سبيل المثال قارن قصته هذه:
(وفي اليوم التالي ذهب إلى مدينة تدعى نايين، وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير. فلما اقترب إلى باب المدينة، إذا ميت محمول، ابن وحيد لأمه، وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة. فلما رآها الرب [يقصد يسوع] تحنن عليها، وقال لها: لا تبكي. ثم تقدم ولمس النعش ، فوقف الحاملون. فقال: أيها الشاب، لك أقول: قم. فجلس الميت وابتدأ يتكلم، فدفعه إلى أمه) [لوقا 7: 11-15]
كانت تلك امرأة يهودية. قارن تلك القصة أعلاه الآن مع قصة المرأة غير اليهودية:
(خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني، يا سيد، يا ابن داود ابنتي مجنونة جداً. فلم يجبها بكلمة. فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها، لأنها تصيح وراءنا. فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد، أعني. فأجاب وقال: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت: نعم، يا سيد والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة، عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة) [متى 15: 21-28]
الفرق بين تعامل يسوع مع المرأة اليهودية والمرأة غير اليهودية واضح جداً ولا يمكن أن تخطئه عين فاحصة. وهذا الفرق له سبب. والسبب هو ما شرحته في المقالتين السابقتين، بالإضافة إلى العقيدة اليهودية التي كان يتبناها يسوع ويؤمن فيها فيما يخص الأمم غير اليهودية. فالنساء اليهوديات، على عكس ما تروّجه الدعاية الدينية المسيحية الرسمية، لعبن دوراً مالياً محورياً في دعوة يسوع، بحيث أن فكرة الاستغناء عنهن سيؤدي بتلك الجماعة، يسوع وتلامذته، إلى حالة فقر مدقع ومجاعة ساحقة كالتي قرأناها أعلاه في الاقتباس من إنجيل متّى.
... يتبع (جواب التساؤل الثاني)
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسوع والمرأة السورية – 2
-
يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي
-
السلفية المسيحية
-
مقدمة في مفهوم السلفية
-
لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9
-
في جريمة اختطاف الفتيات النيجيريات
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 7
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 6
-
لماذا سلسلة مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 4
-
ماذا يستطيع التطرف المسيحي أن يفعل
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 3
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 2
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
كتابي في نقد النص المسيحي المقدس
-
تزوير مسيحية يسوع – 28
-
تزوير مسيحية يسوع – 27
المزيد.....
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى ويدنسون باحاته
-
-المسجد الأزرق- تحفة العمارة الإسلامية في أفغانستان
-
واشنطن تعيد فتح سفارة سوريا وتعلن انضمامها للتحالف الدولي ضد
...
-
اسلامي: القطاع النووي الإيراني على وتر النمو رغم التهديدات و
...
-
بشبهة إيماءة مسيئة لامرأتين يهوديتين… الفاتيكان يحقق مع حارس
...
-
ما هو التحالف الدولي ضد تنظيم -الدولة الإسلامية-؟
-
-المفترس: الأراضي الوعرة- يعيد الروح إلى شباك التذاكر محققا
...
-
مستعمرون يحطمون قبورا في مقبرة باب الرحمة قرب المسجد الأقصى
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزاز
...
-
يهود ضد الصهيونية والاستعمار
المزيد.....
-
رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي
...
/ سامي الذيب
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
المزيد.....
|