أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - اتجاهات النقد العربي المعاصر















المزيد.....


اتجاهات النقد العربي المعاصر


رامي أبو شهاب

الحوار المتمدن-العدد: 4475 - 2014 / 6 / 7 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


اتجاهات النّقد العربي المعاصر
ما من شك بأن النقد العربي وتحديدا في مطلع القرن العشرين بدا وكأنه باحث عن نموذج يهيأ له الظروف بهدف مواكبة أولى ملامح نهضة ثقافية وأدبية عربية، وسرعان ما وجد ذلك سانحا في النقد الغربي، الذي بدأنا نلمح آثاره في أعمال النقاد الأوائل، ومنهم أحمد ضيف، وروحي الخالدي، والعقاد، وشكري، والمازني، وميخائيل نعيمة وغيرهم، وهذا يأتي بموازاة بروز، أو إعادة إحياء المنظور النقدي الموروث، ولاسيما المستند إلى المقولات البلاغية التراثية. وإذا ما توجهنا إلى النقد الأكاديمي سنجد أنه قد انطلق من ثلاثية تحدد طبيعة الأدب، وذلك بهدف مقاربته، وهي المفهوم المعرفي المؤسس، أي النظرية، بالإضافة إلى المنهج النقدي، وأخيراً المنظومة الاصطلاحية ، وبناء على هذه الثلاثية يتحدد النقد العربي بمقدار مقاربته لهذه المنهجية التي نقرأ فيها وعيا علميا للممارسة النقدية، تتجاوز التأثر والنقل غير الواعي إلى مرحلة متقدمة، تقوم على الاختيار والمقاربة والتبني والاستبعاد والتكيف، فالنقد العربي ضمن هذه المرحلة، كان بحاجة للوعي بظروفه، وبيئته التي تستوجب تعديل الحركة النقدية، وقيادتها تبعا لأسس علمية، فالنقد يخضع لتحولات للسياقات الحضارية، وزادها التي يستقي منها أدواته ورؤيته، ونعني تحديدا المؤثرات في المواضع الجانبية للحقل الأدبي والإبداعي، وتؤدي إلى تعديل في المنهج والمصطلح .
ننطلق في تتبع النقد العربي من سؤال يطرحه صلاح فضل في تمهيد كتابه " في النقد الأدبي "، إذ يتساءل إذا ما كان على الباحث في النقد العربي أن يميز بين ما هو غربي، وبين ما هو عربي ، ولعل هذا التساؤل يحمل كثيرا من الإشارات الهامة التي تحيل عملية النقد برمتها إلى كيان إنساني كوني، لا يحتمل الحدود والإقصاءات التي يمارسها البعض تجاه البعض الآخر، وهذا مما يدلل على رؤية متقدمة في كسر حلقة المركزية التي يصر البعض على تبنيها عبر جعل المنظومة الفكرية الغربية مركز الكون، فهذه المنظومة لم تتولد من فراغ، إنما جاءت حصيلة معرفة بشرية متراكمة، تقوم على المشاركة التي كان فيها للآخر نصيب، وهذا ما يوضحه صلاح فضل حين يرى أن ما يطلق عليه البعض الثقافة الغربية لا يمثل وحدة جغرافية أو تاريخية أو لغوية واحدة، إنما هي نتاج عصور مختلفة ومراحل زمنية ولغات وثقافات متعددة، وهذا ينفي الوحدة الجغرافية والتاريخية والثقافية مع عدم التغاضي عن شمولية نلمحها بين تياراتها ، ومع ذلك، فلا يمكن نفي أثر النقد الغربي وقدرته على إحداث وصياغة النقد العربي الحديث، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة خلق تمايزات وحدود، تعمل على تعميق وترسيخ أفضلية الغربي، وتابعية العربي، إنما ينبغي أن ينظر للعملية برمتها، وقدرة النقد العربي على الاستفادة والإضافة والإثراء من الكل الكوني إلى الكل الكوني .
بدأ النقد العربي الناشئ في القرن العشرين، يعي الحاجة إلى البحث عن مناهجه وأدواته سعياً وراء مفهوم النقد المتخصص، ونستطيع أن نحدد نموذجين يمثلان مرحلة مهمة من مراحل تشكل النقد العربي، على ما يعتريهما من اختلاف في التوجه والمرجعية، الأول يحاول الابتعاد عن المركز الغربي، كما لدى سيد قطب الذي يخط توجها، يهدف إلى وضع النقد في سياق الخصوصية العربية والإسلامية، عبر خلق تواصل مع التراث العربي لاجئاً إلى مفهوم النقد التكاملي، تخلصا من تهمة التبعية للغرب ، في حين أن التيار الثاني يمثله كل من طه حسين، ومحمد مندور، ويقوم على تبني المنظور الغربي، فطه حسين مارس النقد المتأثر بمنهج أستاذه " لانسون"، إذ مزج بين البحث الموضوعي والانطباع الذاتي ، وهو يعلن بوضوح في تمهيد كتابه " في الأدب الجاهلي" أنه ارتضى منهج ديكارت القائم على مبدأ الشك .
بينما يوضح محمد مندور في كتابه " في الأدب والنقد " مفاهيم النقد التأثري، والنقد العلمي العقلي، والنقد العقائدي، أو الأيديولوجي، وغيره من المناهج والتيارات الغربية ، وهنا نلمح تأثرا واضحا بالمناهج الغربية التي تبدو آثارها أكثر استقرارا ونضجا من المرحلة السابقة، ممثلة بالعقاد وشكري وميخائيل نعيمة، فمندور قد شكل حلقة مهمة في النقد العربي الأكاديمي، فثمة نضج في القدرة على هضم النقد الغربي، وحتى توظيفه وتطويعه، ليكون أكثر مواءمة للنقد العربي وتطبيقاته، في السطور الأولى من مقدمة كتابه " في الميزان الجديد " بيانا واضحا لهذا التوجه إذ يقول :
منذ عودتي من أوروبا أخذت أفكر في الطريقة التي نستطيع بها أن ندخل الأدب العربي المعاصر في تيار الآداب العالمية، وذلك من حيث موضوعاته ووسائله ومناهج دراسته على السواء، ولقد كنت أؤمن بأن المنهج الفرنسي في معالجة الأدب هو أدق المناهج وأفعلها في النفس.
وهكذا نستطيع أن نتلمس توجهين للنقد العربي، وعلى ما يبدو، فإن التوجه الثاني كانت له الغلبة، إذ استطاع أن يصوغ خارطة النقد العربي إلى ما بعد منتصف القرن العشرين. يخلص صلاح فضل إلى تحديد تلك المرحلة بثلاثة أجيال، الأول يتمثل بعبد الرحمن شكري وأحمد أمين، ومن ثم الجيل اللاحق، ومنهم المازني، وزكي مبارك، وأمين الخولي، وأخيرا طه حسين، وعباس محمود العقاد، وميخائيل نعيمة . غير أن محمد غنيمي هلال من الأسماء التي أحدثت أثرا بارزا في تعميق المناهج الغربية في النقد العربي، حين اضطلع بدور هام بهذا الصدد عبر كتبه التي شكلت مرحلة هامة في تاريخ النقد العربي، وأزعم أن محمد غنيمي هلال، كان من أكثر النقاد الذين أكسبوا النقد العربي الصرامة المنهجية التي تميزت بقدرتها على البحث عميقا في المناهج الغربية الحديثة، وتقديمها للدارس العربي، كما نرى في كتابه " النقد الأدبي الحديث "، ففي الباب الثالث يعالج هلال هذه المناهج بعمق شديد مبتعدا في أصولها الفلسفية وأعلامها، فيقدم أطروحات لكل من الفلسفة المثالية، ممثلة بأعلامها " ديدرو"، و" كانت "، و"هيجل"، بالإضافة إلى الفلسفة الواقعية وغيرها ، لاسيما من كانت في تماس مباشر مع آلية إنشاء المناهج النقدية، فضلا عن مساهماته الكبيرة في النقد المقارن عبر عدد من كتبه التي كرست هذا التيار، ومن أهم تلك الكتب: " الأدب المقارن"، و دور الأدب المقارن "، و" في النقد التطبيقي والمقارن"، و"دراسات أدبية مقارنة" وغيرها .
في ستينيات القرن العشرين، ظهر النقد العربي أكثر حراكا وانفتاحا وتطورا عبر روافد وأسماء، تشمل كامل الرقعة العربية، لاسيما أن الترجمة في هذه المرحلة، شكلت رافدا مهما في دفع حركة النقد العربي للتعرف على العديد من الاتجاهات التي سادت في الغرب، بل إننا نرى تيارات نقدية تأثرت بالنقد الجديد، لاسيما الإنجليزي والأمريكي منه، كما لدى ناقد عربي له إسهامات متميزة، إن كان على صعيد التأليف، أو الترجمة أو التحقيق، فإحسان عباس وشريكه محمد يوسف نجم قاما بترجمة كتاب ستانلي هايمن" النقد الأدبي" حيث قدما مدخلا للنقد العربي للاطلاع على النقد الغربي ابتداء من الإغريق حتى العصر الحديث ، لتتوالى ترجمات عدد من الكتب أسهمت في تشكيل اتجاهات نقدية اُستحدثت في النقد العربي، اتكاء على ما طرأ في الغرب، وأبرزها النقد الجديد كما مثله كل من إحسان عباس، ومحمد يوسف نجم، وجبرا إبراهيم جبرا، ورشاد رشدي، في حين تبدى التأثر بالنقد الأسطوري بعد ترجمة جبرا إبراهيم جبرا جزءا من كتاب الغصن الذهبي لجيمس فريزر وغيرها من الكتب الهامة، وما أحدثته من أثر على الحركة الإبداعية والنقدية من الأربعينيات حتى الستينيات، وهكذا فإن التيار الأنجلوسكسوني تمثل باتجاهين هما: النقد الجديد، والنقد الأسطوري بالتجاور مع النقد الواقعي، أو الاشتراكي الذي ظهرت بذوره لدى محمد مندور، وتطور لاحقا في أعمال كل من محمود العالم وعبد العظيم أنيس في كتابهما "الثقافة المصرية "، ومن ثم بروز مفاهيم منها: الطبقة والأديب وغيرها من التنظيرات الماركسية ، ويأتي في هذا السياق أيضا عمل حسين مروة " دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي"، وفيه رفض للنقد الانطباعي التأثري، ودعوة لتطبيق المنهج الواقعي، واستبطان التجارب والأفكار والدلالات الاجتماعية والمواقف الإنسانية للمبدع تجاه قضايا مجتمعه وموطنه ، وهو ما يمكن أن يطلق عليه النقد الأيديولوجي، في حين تأتي مساهمة صلاح فضل- لاسيما كتابه " منهج الواقعية" - في سياق محاولة الكشف عن عمق هذا المنهج، وتحولاته مشيرا إلى ما شابه من سوء فهم في النقد العربي عبر تيارين: الأول تناوله سطحيا، وخلط بينه وبين الطبيعية المتسمة بالتشاؤم، والثاني بالغ في وضعه ضمن السياق الأيديولوجي الماركسي .
ومن أهم التيارات النقدية النقد النفسي، ومارسه - مبكرا - كل من العقاد، وأحمد أمين، و محمد خلف الله أحمد، و أمين الخولي، و طه حسين، ومحمد النويهي، وأنور المعداوي، وتميز الأخير بنظرية الأداء النفسي، بالإضافة إلى مصطفى سويف وكتابه " الأسس النفسية في الإبداع النفسي" ، وهدف فيه إلى معالجة الأسس النفسية للإبداع، لاسيما بعد أن عملت بعض النظريات والفلسفات إلى فصم العلاقة بين الإنسان، والعالم الخارجي، كالسريالية والوجودية، محاولا أن يعيد الترابط بين العالم الخارجي، أي المحيط والعالم الداخلي للإنسان، ويعني به الأنا ، ولا يفوتنا أن نذكر عز الدين إسماعيل الذي تميز بدراسته الرصينة والمنهجية والتي حملت عنوان " التفسير النفسي للأدب"، ويدعو فيها إلى إحالة أي أثر جمالي أو أخلاقي في العمل الأدبي إلى ما وراء ذلك، ويقصد به مصدره، أي التفسير النفسي له .
في حين برز الاتجاه الوجودي في النقد العربي نتيجة جهود عبد الرحمن بدوي، إذ صدر له " الإنسانية والوجود في الفكر العربي" وفيه يعالج بدوي في فصل خاص فن الشعر الوجودي معرفا به، ومتتبعا العلاقة بين الشعر والفلسفة الوجودية من خلال نصين تطبيقين لكل من جوته وبودلير، فيبحث في موضوعات الشعر الوجودي، وأدوات تعبيره من ألفاظ وصور و وزن ، وقد ظهر الأثر الوجودي في عدد من أعمال المبدعين العرب لدى صلاح عبد الصبور، وسهيل إدريس، فضلا عن دور مجلة الآداب في الخمسينيات من هذا القرن ، ولا بد لنا من الإشارة إلى تعالق هذا النهج بالتيار الماركسي، ونظرية الالتزام التي دعا لها عدد من النقاد العرب، وهكذا تتضح معالم هذه المرحلة حيث تتميز باقتراب النقد من منهجية التخصص .
وإذا كنا قد سلمنا باقتراب النقد العربي من التخصصية، فإن هنالك من يرى أن هذه الاتجاهات لم تتبلور بالشكل الكافي أو الحقيقي، كون تلك الاتجاهات جاءت أشبه ما تكون بمحاولات، لم يكن لها أن تكتمل وتتطور، بل بقيت تراوح مكانها باستثناء طبعا النقد الواقعي، أو الماركسي الذي شكل قوة فاعلة إلى حد ما نتيجة ظروف مواتية خلال الخمسينيات والستينيات، ولارتباطه بالأحزاب السياسية كما يرى فيصل دراج، ومع ذلك يذكر أن هذا التيار قد حوصر المنتمون له، باستثناء بعض أعمال أنور عبد الملك، وسمير أمين، ومهدي عامل، وهذا ينطبق أيضا على تيار النقد النفسي، ومعظم تيارات النقد العربي في تلك الفترة ، بيد أن هنالك تحول طرأ في مشهد النقد العربي، ونعني ظهور تيار نقدي جديد، استطاع أن يكون أكثر بروزا واستقرارا من سابقيه، ونعني النقد الشكلاني اللغوي الذي برز في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، وكان من الاتجاهات التي حققت حضورا قويا في المشهد النقدي العربي، وتحديدا البنيوية بتياراتها المختلفة من توليدية، وأسلوبية، وتفكيكية، وسيمولوجية، وقراءة وتأويل ، وقد بدا هذا الاتجاه أكثر اكتمالا من بقية الاتجاهات. يذكر صلاح فضل في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه " نظرية البنائية" ثلاثة كتب يمكن أن يحتفى بها في هذا السياق لأهميتها، وهي" الأسلوب والأسلوبية" 1977 لعبد السلام المسدي، وكتاب" جدلية الخفاء والتجلي" لكمال أبو ديب 1979، و " مشكلة البنية " 1978 لزكريا إبراهيم ، هذه الكتب تمثل مقدمات للاتجاه البنيوي، وهي تتراوح بين التقديم النظري العام الفلسفي، كما في كتاب زكريا إبراهيم، أو دراسات تطبيقية كما لدى كمال أبو ديب، في حين أن كتاب عبد السلام المسدي، وبعض أعماله الأخرى تسعى إلى المزج بين معطيات علم اللغة وعلم النفس اللغوي، وعلم الأسلوب بمراحله المختلفة ، ومع ذلك فإن هنالك محاولات سابقة، تمثلت بعدد مهم من أعداد مجلة فصول تناول مناهج النقد الأدبي المعاصر، ومنها البنيوي ، وفي سياق التأسيس يأتي كتاب صلاح فضل" النظرية البنائية" الصادر في طبعته الأولى عام 1978، هو جهد أصيل في التصدي لهذا الاتجاه عبر تقديم نظري عميق، وهو يشكل مدخلا هاما كونه يقدم تأسيسا أكاديميا منهجيا، فكما يذكر مؤلف الكتاب بأنه محاولة " الاستيعاب النظري الكامل لمبادئ البنائية قبل محاولة تطبيقها على قضايا الأدب العربي "، ولعل ما يميز هذا الكتاب قدرته على أن يقدم صورة شمولية للبنائية، أو البنيوية، ابتداء بالأصول التي تمثلها مدرسة جنيف، والشكلية الروسية، وحلقة براغ. فالبنيوية أو البنائية كما يذكر صلاح فضل، قامت على فكرة مقاومة التاريخ، واتجهت نحو تصور آخر قائم على مبدأ الرؤية الثنائية المزدوجة للظواهر والاعتماد على مقابلات ثنائية، والكشف عن علاقاتها التي تحدد طبيعتها ، و لابد لنا من الإشارة إلى محور أخير في هذا الكتاب يعرض لمحاولات تطبيقية مبكرة للبنائية في النقد العربي لدى كل من نازك الملائكة، وطاهر لبيب، وحسين الواد ، ولعل هذا التوجه النقدي الواضح قد دفع البنيوية إلى الاستقواء والتمكن في الدراسات العربية النقدية؛ لتتحدد في تيارين، الأول التيار البنيوي القائم على الاستفادة من الدرس اللغوي، و الثاني تيار النقد البنيوي التكويني كما لدى لوسيان جولدمان، وبين هذين التيارين توزعت الدراسات والممارسات النقدية العربية حتى وسمت المشهد النقدي بالطابع اللغوي الذي ما زال مهيمنا ً إلى يومنا هذا.
وهكذا فإن البنيوية وتفرعاتها وتجلياتها، قد بدت حاضرة في المشهد النقدي العربي، الذي يبدو أنه قد أولع بهذا الاتجاه الذي بات من أكثر الاتجاهات رسوخا في البيئة النقدية، فقد بدا متمركزا وفاعلا، وتحديدا من مطلع الثمانينيات، فمن رحم البنيوية برزت الأسلوبية التي شهدت مساهمات فاعلة من النقاد العرب، ومنهم عبد السلام المسدي وكتابه " الأسلوبية والأسلوب، و شكري عياد، في حين بحث صلاح فضل السيميائية، وعلم الخطاب، والتناص، وغيرها من القضايا التي لاقت عناية لدى بعض النقاد العرب، ومنهم: سعيد بنكراد، ومعجب الزهراني، ومنذر عياشي، وعبد الملك مرتاض وغيرهم. في حين أن التفكيكية بدت قلقة الحضور والممارسة والتطبيق، وفي ظني أنها لم تنل نصيبا كافيا من الفهم النظري والممارسة التطبيقية، وقد قدم لها عدد من النقاد العرب بعض المحاولات في الشرح والتقديم، كما لدى عبد الله الغذامي، و يوسف وغليسي، وعبد الله إبراهيم، ولعل عمل عبد الله الغذامي في التقديم لثلاث نظريات مجتمعة، هي البنيوية والسيميولوجيا والتشريحية " التفكيكية " من الجهود الهامة، إذ اتكأ فيه على دراسات لاكان ورولان بارت و دريدا، وفيه يبحث عميقا في النص، وثنائية الدال والمدلول، فهو يشير إلى الصدع بين الدال والمدلول من منظور تفكيكي، ويشرح لنا مبادئ التفكيكية لاسيما "الأثر" و" الاختلاف" و" التكرارية، وغيرها من مصطلحات التفكيكية ، وهكذا يبدو لنا أن النقد العربي بدا أكثر قبولا للبنيوية، وما بعد البنيوية، ولعل هذا السعي المحموم نحو البنيوية ذات المرجعية اللغوية لدى النقاد العرب في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، يعود إلى اقتراب هذا الاتجاه من النقد العربي الموروث المتكئ على نزعة بلاغية لغوية، مما أسهم في إثراء النقد عبر البحث عن تأصيلات للنقد المستحدث، لاسيما البنيوي والأسلوبي، فجاء النقد - في هذه الحقبة من الزمن- في الفضاء المألوف للعقلية العربية، يضاف إلى ما سبق خصوصية النقد الشكلاني، أي البنيوي والأسلوبي، وسعيه للبحث في انتظام الظواهر من خلال البيان اللغوي، مما ساعد في تعميق استقلالية النقد وعلميته، في حين أن معظم الاتجاهات النقدية الصادرة عن الثقافة الغربية منذ نشوء عملية التأثر لم تتمكن من الهيمنة على تطبيقات النقد العربي، فجاءت اتجاهات غير متبلورة ومبتورة في معظمها باستثناء طبعا النقد الشكلاني اللغوي.
لعل ما بعد البنيوية تتسع للعديد من الاتجاهات، فيكفي لنا أن نطلع على الإصدارات الجديدة للنقاد العرب، أو البحوث والدراسات في المجلات النقدية، لنرى أنها تذهب في التركيز على النقد الشكلاني اللغوي، بكافة تياراته وتنوعاته، بالإضافة إلى التركيز على السرد، أو ما يعرف بعلم السرد، الذي بدأ ينشط في ظل تنامي حضور الرواية و موقعها المميز في الإبداع العربي، غير أن ذلك لم يمنع من ظهور اتجاهات نقدية جديدة منها النقد الثقافي الذي يركز على دراسة أنساق و بنى ثقافية كامنة في النصوص بتأثر واضح بأعلام هذا التيار منهم رولان بارت، وتودروف، وفوكو، وإدوارد سعيد، ورايموند وليامز، وتيري إيغلتون حيث استفاد بعض النقاد العرب من هذه التوجهات، ومنهم عبد الله الغذامي، ورضوى عاشور، وجابر عصفور ومحسن جاسم الموسوي، و حفناوي بعلي، وثائر ديب، وعبد الله إبراهيم وغيرهم وصولا إلى النقد الرقمي لاسيما بعد تنامي ظاهرة الأدب الرقمي، والعلاقة بين الأدب والتكنولوجيا، كما لدى حسام الخطيب وسعيد يقطين، إذ ينوه حسام الخطيب بمفهوم الأدب التفاعلي والانتقال من مرحلة التعرف إلى مرحلة الاعتراف بأهمية " التقنية" في الحياة المعاصرة، و أثرها في الوجدان الأدبي وعوامل الخلق الأدبي ، فالأدب الرقمي في الآونة الأخيرة حقق حضورا طاغيا، فأصبح الأدب والنقد يختبران مرحلة تحول حقيقي نحو تحطيم الحواجز بين المبدع والمتلقي نتيجة تنامي النشر الرقمي الذي يتيح للنص قابلية عدم الفناء، والتكون، والامتداد، والرفض، والقبول، والتعليق، وحتى التفاعل الصوتي والمرئي، وهذا يستدعي ناقدا رقميا.
بدأ النقد العربي ينفتح على الواقع الثقافي والانخراط في نقد قائم على ظواهر ثقافية وأنساق تشمل النص وتتعداه، فالنقد بدأ ينحو نحو قراءات السرديات الكبرى، والعولمة، والهوية، والهيمنة، والاستعمار، والأدب النسوي، فهو نقد قائم على النظريات والمفاهيم والنظم المعرفية، وهو منفتح حتى على العادي، والمبتذل، والوضيع، واليومي على حد تعبير محسن جاسم الموسوي . فالحالة النقدية هي حالة حراك دائم ومستمر، فالناقد يمارس نقده اتكاء على عدة مناهج إما مجتمعة، أو مرحلية ، فطه حسين مارس النقد التاريخي والاجتماعي، بينما إحسان عباس كان يلجأ للنقد الجديد تارة، وتارة أخرى يستعين بالنقد الأسطوري، وصلاح فضل قدم مساهمات واسعة في البنيوية، وعلم النص والخطاب، والأسلوبية، بالإضافة إلى قراءات في الواقعية. وهكذا يبدو المشهد النقدي العربي المعاصر مزيجا من تيارات واتجاهات نقدية يدين معظمها للمنتج الغربي مع حضور فاعل للبحث في التراث النقدي العربي، ومحاولة التأصيل لنقد عربي أصيل، مع محاولات البعض لاستحداث نظرية نقدية إسلامية، فالنقد العربي في مخاض ربما يطول إلى أن يجد موقعه ورؤيته الخاصة المتحللة من هيمنة الآخر ثقافيا وفكريا.
ولعل خطاب ما بعد الكولونيالية قد جاء نتيجة البحث في الذات ومشكلتها، انطلاقا من أثر إدوارد سعيد وظلاله التي انسحبت على التكوينين العربي والغربي، من منطلق مرجعياته الثقافية التي تدين إلى عالمين متناقضين، فهذا الخطاب هو نتاج دارسين ومفكرين ينتمون إلى دول عانت من الاستعمار، أي من دول خارج المركز الغربي، وهم في معظمهم حصيلة المكون الثقافي الغربي الطارئ على اللاوعي العرقي، وبناء على ذلك فقد جاء هذا الخطاب معبرا عن حالة التشظي العربي بين الأنا والآخر، فضلا عن ما عانته الثقافة العربية من تبعات الاستعمار المباشر، وما طرأ من مظاهر استعمارية مخاتلة أو ما يصطلح عليه بالاستعمار الجديد، فهل أسهم النقد العربي في خطاب ما بعد الكولونيالية ؟
............................................
صلاح فضل، في النقد الأدبي، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2007، ص9.
انظر: صلاح فضل، المرجع السابق، ص 9.
انظر: المرجع نفسه، ص 14.
المرجع نفسه، ص 15.
انظر: سيد قطب النقد الأدبي أصوله ومناهجه، ط 8، دار الشروق، القاهرة ، 2003، ص 8.
صلاح فضل، في النقد الأدبي، ص 98.
طه حسين ، في الأدب الجاهلي ، ط3، مطبعة فاروق، القاهرة ، ص65.
انظر: محمد مندور ، في الأدب والنقد ، نهضة مصر، القاهرة ، ص 10.
محمد مندور ، في الميزان الجديد، ط1، مؤسسات ع بن عبد الله، تونس ، ص 5.
صلاح فضل، في النقد الأدبي، ص 97.
انظر محمد غنيمي هلال ، الباب الثالث من كتابه " في النقد الأدبي الحديث" ، ط7، نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة .
انظر: مقدمة المترجمين إحسان عباس ومحمد سوف نجم لكتاب ستانلي هايمن، النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ج1، دار الثقافة، القاهرة، ص 6 .
انظر: سيد البحراوي، البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث، ط1، دار شرقيات للنشر، القاهرة ، 1993. ، ص 91.
انظر : حسين مروة دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي، مكتبة المعارف، بيروت، 1988، ص8.
انظر: صلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، ط2، دار المعارف، القاهرة، ص 8.
صبري حافظ، أفق الخطاب النقدي دراسات ونظرية وقراءات تطبيقية، ط1، دار شرقيات للنشر، القاهرة، 1996، ص 139.
انظر : مصطفى سويف ، الأسس النفسية للإبداع في الشعر خاصة، ط4 ، دار المعارف، القاهرة ، ص 13 .
انظر : عز الدين إسماعيل، التفسير النفسي للأدب، ط 4، مكتبة غريب، ص 11.
انظر: فصل " فن الشعر الوجودي " لعبد الرحمن بدوي، الإنسانية والوجود في الفكر العربي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1982، ص 109 وما بعدها.
انظر: شكري عياد، المذاهب الأدبية والنقدية عند العرب والغربيين، عالم المعرفة، الكويت ، 1993، ص 63.
يعدد صلاح فضل أعلام هذه المرحلة وهم : محمد مندور، ولويس عوض ، وحسين مروة، و وأنور المعداوي، ونازك الملائكة وعلي الراعي، وشوقي ضيف، و إحسان عباس، ومحمد يوسف نجم، ورشاد رشدي، ومحمد النويهي ومحمد غنيمي هلال، وتوفيق بكار، وشكري عياد، وغيرهم، انظر كتابه ، في النقد الأدبي، ص 101.
انظر: فيصل دراج هل هناك اتجاهات نظرية في النقد العربي، صحيفة الدستور الأردنية، الملحق الثقافي، ع 15016،19/ 2/ 2010 . ص3.
صلاح فضل، في النقد الأدبي، ص 105.
صلاح فضل النظرية البنائية ، ط2، مؤسسة مختار، القاهرة ، 1992، مقدمة الكتاب ، ص 7-12.
انظر: صلاح فضل ، المرجع السابق ، ص 8.
انظر: مجلة فصول مج1،ع2، 1981.
صلاح فضل، النظرية البنائية، ص 18.
للوقوف على مفهوم البنائية بشكل معمق انظر: صلاح فضل ، البنائية ، ص 19 وما بعدها .
انظر : صلاح فضل ، البنائية ، ص 179-185.
انظر : عبد الله الغذامي الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية، ط4، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998، ص53-58 .
انظر: حسام الخطيب، الأدب والتكنولوجيا ( (Hypertext، ط1، المكتب العربي لتنسيق الترجمة والنشر، دمشق، 1996، ص 27.
محسن جاسم الموسوي، النظرية والنقد الثقافي" ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2005، ص 12.





#رامي_أبو_شهاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب مابعد الكولونيالية ، المصطلح والمفهوم
- خطاب ما بعد الكولونيالية
- - مكتبة بابل” لبورخيس محاولة للخروج من المتاهة
- ساق البامبو ، الهوية ومستويات الخطاب
- خارج عن القانون لرشيد بوشارب أيديولوجيا الشكل، وشكل الأيديول ...
- فَنَاء
- جوزيه ساراماغو، برحيلك فقدنا الكثير من الشجاعة
- ملائكة هنا تموت
- أحلام بلون الرماد
- فيلم صراع الجبابرة محاولات غير مكتملة
- فيلم الأوسكار ، متى تقفل خزانة الألم ؟
- الشاعر الصيني بي داو
- فيلم أفاتار إبهار بصري كولونيالي
- مسرحية البطة البرية لأبسن : دعوة إلى كذبة الحياة -
- سيدة من مطر
- ناظم حكمت أيقونة الشعر الكوني
- صباح الخير غزة
- ما أضيق الحياة- في غزة - لولا فسحة الموت
- زيوس يحرس فتنته الأخيرة
- الموت حين يقود إلى الجدل


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - اتجاهات النقد العربي المعاصر