أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - - مكتبة بابل” لبورخيس محاولة للخروج من المتاهة















المزيد.....

- مكتبة بابل” لبورخيس محاولة للخروج من المتاهة


رامي أبو شهاب

الحوار المتمدن-العدد: 4281 - 2013 / 11 / 20 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


كما هي عادةُ الجوائز تضلّ مُسْتحقيها نتيجة مُعطيات، لا ترتهنُ لسياق القيمة الفنيّة، والإبداعيّة، بمقدار ما ترتهن لاشتراطاتٍ جيوسياسيّة، وربما شخصيّة. فعلى الرّغم من عدم حصول الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899-1986) على جائزة نوبل، إلّا أنّه كان من أعظم كتّاب القرن العشرين، والأكثر تأثيراً على سلسلة من أدباء، وفلاسفة القرن، فيما يرتبط بفعل الكتابة، وفلسفتها.
بورخيس يقتصدُ في الكتابة ليُحاكي فعل الحياة التي تمضي سريعاً. يسخرُ بورخيس من النّصوص المطوّلة، والغارقة بالتّفاصيل، فأعظم الأفكار يمكن أن تنهض بها قصةٌ قصيرة. هكذا كان بورخيس ينظر للنّص؛ بنسقه الاختزالي المكثّف، القائم على التّقنين الوصفي، والإجرائي. فالأجناس، وظاهرة الأنواع الفنية دنيوية لا مُقدسة، فلا عجب أن يكون بورخيس عابراً للأجناس، والفنون، والحدود التي تؤطّر الكتابة. فالنصُ لديه حالةٌ ممتدةٌ، لا مُنتهية، والكتابة فعل ارتدادي، واستباقي، وتجاوريّ في آن واحد، هذا النّسق من الانبعاث الحيوي للكتابة في مختلف الاتّجاهات، والإسقاطات جعل من نصوص بورخيس نمطاً بورخيسياً فقط.
لا ريب أن مهنة أمين مكتبة، تركتْ أثرها على بورخيس، فهناك اكتشف أنّ الكون مكتبة، فهو يقرأ هنا، ويقرأ هناك، يفتحُ كتاباً، ويغلق آخر، يقرأ... حتى تتداخل النّصوص، وتتحول الحياة، والنّص، والكتابة، والمؤلف إلى متاهةٍ كبيرة، بل إلى مرايا-ربما مُجعّدة-يتحول الكاتب فيها إلى قارئ، والقارئ إلى كاتب، وأمين المكتبة إلى بورخيس، وبورخيس إلى أمين المكتبة... حالاتٌ من الاستطرادات اللامتناهية لنصوص، وضعها بورخيس كي تُحاكي فعل الكتابة المُتشظّي. إنّ نص بورخيس هو نص النّصوص، ونص اللانص، والكتابة امتدادٌ لسحر ألف ليلة وليلة، وفلسفة منطق الطير، وغرائبية إدجار ألن بو، هذا الفيض من الكلمات، والنّصوص، والمفارقات، لا منتهية، فحالة الاكتمال لدى بورخيس مُستحيلة، بل هي أشبه ما تكون بخرافة وأكذوبة، لا وجود لها.
بورخيس المعزول والمحصور في منزل، ألِفَ الوحدة، والفراغ، وتلك الهواجس السّاكنة في أعماقه، فتولد لديه الخوف من مكنونات المرايا، وما خلفها من سكون، زحفت العتمة شيئاً فشيئاً، لتجعل بورخيس في حضرة عوالم رمادية، غير أنه قد امتلك فعل الاحتجاج والتّقويض، ومقاومة هواجسه عبر الشّغف بالقراءة التي تهدمُ الحواجز بين النّصوص، وتهشّمُ المرايا، بيدَ أنّ هناك إيقاعاً واحداً، يحكم هذا النّسق، إنها الحالةُ الشّعورية، وبصحبتها تلك النّزعة التي تأتي من بعيد كي تُقيم في نفس المُتلقي خضّة، بل صدمة مركزية الانتهاء، أو تلك النّهايات المُفزعة، والخاوية، إنها محوريةٌ، تقومُ على تمركّز اللامركز، ذلك النّسق البورخيسي المائز في فعل الكتابة التي ينتهجها في معظم أعماله القصصية، والشّعرية ومقالاته.
"مكتبة بابل" من أهم القصص التي نهضتْ على فكرة اللاتناهي، فالكون عبارة عن رفوف من الكتب في قاعاتٍ سُداسية، تتخذ الكتبُ فيها نمطاً هرمياً، وما فعل الحدود إلّا وهمٌ، فالعالم أو الذّات/الشّيء يبدأ في صفحة، غير أنّ بقيته، ربما تأتي في صفحة أخرى من كتاب، أو كتب أُخرى. النّهاية وهمٌ افتراضي، والحياةُ فعلٌ مستمر، وما عمليات القصّ والنّسخ واللصق سوى تشعٌبات لوجودنا، وذواتنا، وصيرورتنا، ودوامنا، وفنائنا، هذا الكون يستمرُ بطرقٍ وأنماط، وأشكال، وصور، وقصص، وحكايات، بل إنّ النصّ/ الحكاية/ العالم/ الأنا ما هي إلّا امتدادٌ لنصيّات أُخر، غير أنّ النّهكة البورخيسية، أضافت لهذه القبيلة من النّصوص حالات من المتعة، والاكتشاف، والتّمرس، والدّهشة... في أن تكتشف بأنّك في المكتبة/ الكون/ أو ربما في متاهة ...لا أعلم ...!
أدب بورخيس يتجاهلُ المعنى، بل يتنصلُ من القيم، والمضامين التي تدّعي النّصوصُ امتلاكها من أجل اختزال إشكالية الإنسان عبر مَقولات أيدولوجيّة زائفة؛ أو عبر انحيازٍ، أو تمثيلٍ، أو معالجةٍ لقضية ما. بورخيس يقتصّ من المعنى، بنفيه، أو بأن يُدخله في متاهات، تُنتج دلالات، أو تُنهيها، ولكنّ ما يجمع كليهما، أنهما لا تختصّان بقيمة، أو رسالة... إنما بحالة... بورخيس يقيم عالماً موازياً لكينونة الكون، غير أنها كينونة نصيّة ذهنيّة، تُحاكي مرجعيتها فقط، وهي كذلك لعبةٌ، وحالةٌ من الفوضى .... إنها منظورٌ فلسفيٌّ جدليٌّ، وتكوين لحالة من الغموض، كما هو عالم بورخيس الأعمى، رأى ما في ذاته، وما حوله من أشياء، لا تُدرك ... كونها تأتي من منظورات مُتقابلة، ومتعاكسة، ومتنافرة، نتيجة للشكّ الذي يُشهره بورخيس في وجه العالم ...
ولنقرأ هذا النّص من قصة "مكتبة بابل": " الكون (الذي يسميه آخرون " المكتبة ") يتألف من عدد غير معروف قد يكون لانهائياً من القاعات المسدسة تتوسطها آبار واسعة للتهوية تحدّها أسيجة منخفضة للغاية ... هناك مرآة تضاعف المرئي مرتين بدقة، واعتاد الرجال أن يستدلوا من هذا المرآة على أن المكتبة ليست لا نهائية (ص 61، ألف).
المكتبة كون لامتناهٍ، هذه الرّؤية تأتي من وجود المرآة، التي تحيلنا إلى مدار التّشكك، ولعبة الإرجاء، لتتهاوى الحدودُ بين المكتبة والكون، ونتيجة لذلك تسقطُ الحواجز بين الشّخصية، والكاتب.... وحتى الموت الذي يُعَدُّ ممارسة كونية، يحضرُ في المكتبة التي تشهد قاعاتها ولادة الأعمى بورخيس، وموت أمين المكتبة. وبمحاذاة ذلك يحضر فعل عدم التّوقع لسير الحياة التي تُحاكيها طريقة ترتيب الكتب، وبما تحتويه من حروف، إذ يقول بورخيس: " وهنالك حروف بظهر كل كتاب؛ وهذه الحروف لا تشير، أو تنبئ بما سوف تقول صفحاته"(ألف، 62).
وعلى الرّغم من أنّ مكونات الكتب واحدة، أي حروف الهجاء والنقطة والفاصلة والمسافة إلا أنها تعني تكويناً لا نهائياً للأشياء، وللإنسان؛ لذلك تتخللها الفوضى، والنّزاع. هذا الحضور لتكوين اللغة التي تحوطنا، بل هي ذواتنا، وهي تمتلكُ أسرارنا التّافهة، وتلك القواعد التي نبحث فيها عن إدانة، وتبرئة ذواتنا الكليّة من جنونها العَبثي، غير أنّ هنالك ما يعدّ نفيساً من الكتب؛ بما تحتويه من حقيقة، أو ربما بما تمثّله من جوانب إيجابية في كوننا، لذلك تشرع عمليات البحث عن هذه الكتب، فتعمّ الفوضى .... فهنالك من يبحث عن كتابٍ، يكون الشّفرة، والموجز الكامل لكل الكتب الأخرى، إذ يُقال إن أحد أمناء المكتبة وجد الحقيقة في كتاب، فأصبح هذا الكتاب مزاراً في زمن مضى، وبتقادم الزّمن ضاع الكتاب، لذا لا بد من البحث عنه، فأفنى بورخيس أو (أمين المكتبة) عمره بالبحث عنه، ولكن دون جدوى، فلا يوجد كتاب تام، وما هذا البحث سوى ضربٌ من التيه في زاد الكتب، ومع ذلك، يبقى وجود (هذا الكتاب) أسير نزعة مُتشككّة، فهو حاضر، وغير حاضر... قرأه أمين المكتبة ... غير إن العثور عليه رهينُ فعل الإرجاء، كما هي حقائق هذا الكون، مما يجعل المكتبة (الكون) تشهدُ حالاتٍ من الهذيان، وهنا إشارةٌ إلى أنّ الوجود والتّفسيرات الشّمولية والمثالية التي تكمن في الكتب، تفنّدها، وتقوّضها أفكار في كتب أخرى، مما يعني أنّ الحقيقة عصيّة على الإدراك، أو أنّ فكرة الحقيقة وهمٌ.
وفي سياق تَصورات بورخيس لثٌنائية المكتبة والإنسان، يرى أن الإنسان زائل، في حين أنّ المكتبة ستبقى باقية ومضيئة، فهي لا نهائية، وعبارة (لانهائية المكتبة) ليست فقط جملة بلاغيّة يُقحمها بورخيس في نهاية القصة، بل هي مقصدية، تعني التّأكيد على نفي حدود الأشياء، فهنالك آلاف الطّرق والدّهاليز، وأي رحالة يعبر المكتبة بأي اتجاه سوف يدركُ بمرور القرون من أنّ المجلدات والكتب عينَها، تتكررُ في نفس الفوضى، التي لو تكررتْ لصارت نظاماً، بل تصيرُ النّظام كما يقول بورخيس.



#رامي_أبو_شهاب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساق البامبو ، الهوية ومستويات الخطاب
- خارج عن القانون لرشيد بوشارب أيديولوجيا الشكل، وشكل الأيديول ...
- فَنَاء
- جوزيه ساراماغو، برحيلك فقدنا الكثير من الشجاعة
- ملائكة هنا تموت
- أحلام بلون الرماد
- فيلم صراع الجبابرة محاولات غير مكتملة
- فيلم الأوسكار ، متى تقفل خزانة الألم ؟
- الشاعر الصيني بي داو
- فيلم أفاتار إبهار بصري كولونيالي
- مسرحية البطة البرية لأبسن : دعوة إلى كذبة الحياة -
- سيدة من مطر
- ناظم حكمت أيقونة الشعر الكوني
- صباح الخير غزة
- ما أضيق الحياة- في غزة - لولا فسحة الموت
- زيوس يحرس فتنته الأخيرة
- الموت حين يقود إلى الجدل
- الانتهاكُ في بناء الجملة الشعرية.. قراءة في مجموعة - ينهض في ...
- في أزمة الفكر العربي ....الثقافة والهوية
- مواقع الظل قراءة في اعترافات قناع للروائي الياباني يوكيو ميش ...


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رامي أبو شهاب - - مكتبة بابل” لبورخيس محاولة للخروج من المتاهة