أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - نوره وسائق القطار _ قصة قصيرة















المزيد.....

نوره وسائق القطار _ قصة قصيرة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4472 - 2014 / 6 / 3 - 08:41
المحور: الادب والفن
    


نوره وسائق القطار

الخميس الماضي خرجت نوره مع جارتها في الوقت الذي يشهد عادة ذروة التوافد على مركز المدينة , نهاية الأسبوع تشكل فرصة سانحة للقاءات المؤجلة أو حتى لتجديد الذكريات عندما تتلاقى الوجه وهي محملة بكل أنواع الشوق , نوره لم تحمل معها شيء من هذا كانت تحمل سؤالا محددا تنتظر جواب من صاحب الحق الوحيد به ... قطعت الشارع الذي يشهد في العادة لقاءهما المتكرر والمعتاد أكثر من مرة لا أثر ولا دليل على أنه سيحضر , القليل من أصدقائه كان يعلم أن سعد ممكن أن يحضر أو لا حتى بائع الأحذية الذي كان عراب العلاقة بينهم لم يفتح أبوابه للزبائن كالعادة وهو لم يغلقها في أسوء الظروف .
اكيد أن جارتها لاحظت اضطرابها وتشتتها لكنها لم ترغب أن تستوضح منها عن السبب , جارتها سيدة متعلمة وذات شخصية حضورية لافتة تقرأ الأحداث وتعرف كيف لها أن تعالج المجريات بالذوق السليم , أنتظرت منها فقط أن تبدى أي رغبة بطلب المساعدة حتى تبادر,لم تستغرق كثيرا في حيرتها وطلبت نوره من السيدة أن يعودا أدراجهما ,أقرب سيارة أجرة مرت ما لبثت أن أوصلتهما والصمت مطبق تماما على الأجواء ,قبلتها عند باب الدار ودخلت مسرعة تجهش بالبكاء كأن أحد أخبرها أن الفناء خطف عزيز لها.
السيدة لم تتمالك نفسها من أن تتعاطف مع نوره وهي تعلم أن النساء في المجتمع هم الأضعف في حلقة الصراع اللا إنساني الذي يطحن الجميع وعليها أن تبادر للمساعدة في فهم ما أصاب جارتها التي يبدو عليها أنها في ورطة , كانت تسمع آهاتها التي تخرجها مكتومة من صدر متضايق , كم هو الإنسان قليل الحيلة أمام بعض العقبات وخاصة إذا كانت تتعلق بالسمعة الأجتماعية أو معايير الشرف التي يصنعها المتشددون وهم أول من يخرقها لو تطلب الأمر تبريرا مناسبا , الوضع جد لا يحتمل لا بد من يد مساعدة حتى لو رفضتها , لا يجب أن أسكت .
التردد ليس من صفات نوره وعرف عنها الشجاعة والمبادرة برغم انها لم تصل لنهاية العقد الثالث من عمرها لكنها كانت تشكل المحور الذي يجمع الكثير من نساء المنطقة والكثير من الصديقات حتى لقبت أحيانا بالزعيم ,من صفات برج الأسد القيادة , نعم كانت قائدة من نوع خاص لا تعرف الأنانية ولا تعتذر عن أي طلب حتى لو كان في أحيان كثيرة غير مناسب أو ليس في وقته ,إنها دوما في المقدمة ,نصحتها والدتها التي تعيش معها سويا بلا رجل ولا أخ أن تنظر أبعد في تسيير شئنها وأن تهتم بنفسها ,قطارك قد يكون مضى وأنت في غفلة , طالما رددت أن سعادتي ليس في القطار بل بسائق القطار الذي لم ينسى عشيقته , حتى ظنت الأم أن فعلا هناك عشيق لأبنتها لأنها تتكلم واثقة وبكل جرأة.
سعد عالم غريب أخر صادف نوره في منعطف مهم من حياتها عندما فقدت والدها في حادث سير رافق أيامها العصيبة وأيام حزنها وهي تفقد أخر الجدران التي كانت تسند مسيرتها , منذ عامين ولم يتركها بدون سؤال أو لقاء فبعد أن كانت اللقاءات شبه يومية تقلصت مع الأيام إلى لقاء كل ليلة من أخر الأسبوع عند سوق المدينة المركزي الذي يشهد عادة تجمع الكثير من الناس متسوقين وزوار للمدينة كما يحلو للعشاق أن يلتقوا هناك ,عند محل الأحذية تتوقف الحركة وتلتقي الوجوه منذ أن جمعهما القدر العجيب معا الثلاثة كان القدر بانتظارهم لكن ...
السيدة الجارة لديها تجربة مرة مرت بها قبل فترة وتخشى ان تكون نوره قد وقعت ضحية لمثل من فعل بها تلك المؤامرة الدنيئة خاصة وأن هناك شبه ترابط بين حياتها وجارتها الصغيرة فقد ترملت قبل عدة أعوام وبقيت وحيدة مع ولدها الذي يعاني من متلازمة دارون ووالدة زوجها لهذا اليوم تعان شيء من الغربة في هذا العالم والوحدة القاتلة حتى التقت بذلك الذي حلفت أن لا تنطق حروف أسمه ,والذي رسم لها عالم لا محدود من السعادة حتى أستولى على قلبها وتفكيرها ليسطو على ما تمتلك وما ترك لها زوجها من بقايا ثروة.
عبد الفتاح أسم أخر نقش أسمه في حياة نوره أو فتوحي جاء به الموت ليكون على طريقها دون إرادة منها أو منه , كان عائدا من محله متجها إلى داره بعد قضاء يوم مرهق صادف اليوم ما قبل العيد الكبير ,ساعة متأخرة جدا وهو ينوء بثقل العمل والإرهاق أكل منه كل تركيز بحاجة إلى النوم فقط لم يرى في مخيلته المتعبة إلا سرير دافئ يضم جسده المتهالك وهو يرسم أحلى الآمال ليفاجأ برجل كبير يقطع الشارع لم يستطيع أن يفعل شيء غير أن يتوقف بعد أن رأى هذا الرجل جسدا يتطاير أمام سيارته ليسقط جانبا ,فقد كل إحساس بالضعف والتعب ونزل مسرعا محاولا إنقاذ الرجل وحمله لداخل السيارة.
نوره عرفتها كل من عرفتها لا تؤمن بالحب الذي يقلدن فيه من سبق كانت لديها فكرة ثورية عنه تبشر بها دوما أن الحب نوع أخر للحياة وممارسة من نوع فاخر من أفخر أنواع الجنون لأن من تعشق ستسلم حريتها للمحب أو تسلب حرية المحب , كلاهما خيار مجنون لذا فقد عزفت عن تلك المغازلات البلهاء التي تتعرض لها بالعمل أو من أختلاطها مع الناس , كانت تفتش عن مجنون يؤمن بها كامرأة متمردة أنثى لا تتنازل عن عرشها لأجل رجل ولا تقبل برجل يتنازل عن كبرياءه لإرضاء سيدة ,تعرف أنها تبحث عن علاقة نادرة لكنها لا تمتنع أن تتعامل مع الرجال كفرد أجتماعي مهم باعت وتاجرت وأشترت وضاربت بالأسواق مع الناس وهي امرأة وتعرف أن البعض قد يظن أنها لقمة سائغة .
طرقت الباب بهدوء في هذه الساعة المتأخرة ليلا كي لا توقظ العجوز أم نوره من نومها وتعلم أنها لا يمكن أن تنتظر حتى الصباح , أخذت وقتا طويلا حتى قررت التدخل في موضوع أشغلها تماما وحرك جراحها التي لم تندمل ,سمعت صوتها من خلف الباب كان حزينا جدا وبنبرة ألم ,كانت تنتظر هي الأخرى هذه الخطوة لتشارك أحد ما قادر على أن يواسيها , لم تعد تتحمل انهار ذلك الأسد القوي أمام عاطفة وجنان الأنثى التي يمزقها الحزن من تحت وتتظاهر بكل قوة أنها لا تتأثر , بكت كثيرا وطويلا على صدر جارتها حتى كأنها طفلة التقت بأمها بعد فراق طويل .
سعد أليس كذلك ,كانت هذه الكلمات الثلاث هي التي أوقفت ذلك المسلسل الدرامي وأعادت الوعي والانتباه لنوره لترفع رأسها وتواجه جارتها عين بعين , نعم ,إنه سعد قلبي الذي ما أنفك القدر أن يحاربني في كل مرة لأجل أن يبكيني ويفرض علي حكما قاسيا لست أهلا له , لقد مللت التجلد مللت التصبر ,لم يعد يعنيني أن أصرخ في منتصف الطريق تبا لك يا قدري خذ عمري كله قبل أن تفعل بي هذا , صرت أكره مرور الأيام البطيئة وهي تكسرني كما تتهدم القلاع حجر حجر ,أريد الرحيل فورا وأخشى على قلب سعد أن يتألم أو يشعر بالمرارة وهو عاجز أن يحملني في خشبتي إلى التراب الأخير.
توقفت نوره عن البكاء ولاحظت أن جارتها يكاد يغشى عليها من التأثر , مسكتها لتسندها وهي بحاجة لكل ذرة قوة أدخلتها لغرفة الضيوف وأسرعت تطلب لها كأس ماء وهي تشعر أنها تحررت شيئا ما مما كان يحاصرها من ضيق ,رشت قليلا من الماء على وجه الجارة وسقتها الباقي وتبسمت بوجهها لتعلن لها أنها سعيدة بها ,كان لقاءا على درجة عالية جدا من التشارك الوجداني الصادق بينهما وتبقى نوره برغم إنهيارها قوية صامدة ,تفاجئها الجارة بسؤال كنت أظن أنك واقعة في نفس الفخ الذي سقطت فيه ,كم كنت غبية وأنا أعرف أن الجبال لا تسقط في مجرى النهر.
كنت خائفة أن تكوني ممن يظن أنني أقع خارج الدائرة التي رسمتها لنفسي ,ليس لي أن أقع كما تقع الكثيرات , سعد حكاية أخرى لا أريد أحد أن يعرفها حتى لا أصدق نفسي بأنها حقيقة ,حين تعز عليك الأيادي التي تنتشلك من وحل الضياع ممن كان أجدر أن يكون السند والمدد تبعث السماء من يقوم بدور المنقذ الذي لا ينسى ,مع مأساة أبي وأنت تعلمين ما جرى كان سعد ذلك المنقذ الذي أوقف تلك الدوامة التي كادت أن تلتهمني كما يلتهم لهيب النار حطب متيبس ,كان رجلا بموقف يعادل عندي اليوم وأمس وغدا كل الرجال ,سعد يلفظ أنفاسه الأخيرة دون أن أمنع عنه غصة من غصات الألم وهو لا يعلم أني أعلم .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخلاق والدين نتاج العقل والتجربة
- في معنى تحديد الهوية
- انتصار الفلسفة
- العودة الى معنى الخلاص الحضاري
- مختارات في الحب
- العقل والفعل التاريخي في التغيير
- المسلمون والنظرية الفكرية (الميزان)
- سرياليات
- حماية الأسرة العراقية في زمن ضياع العراق.
- من يقتل العراق ؟.
- أهمية تجريد الفكر العربي من الإسلاموية شرط أساسي للتحرر
- تجديد الرؤيا تجديد العقل الديني والعلمي
- العلم وضروريات التعلم
- النداء الأخير قبل الرحيل
- الحمامة والغراب ...... صراع الموت والحياة ...أديب كمال الدين ...
- شذرات من الفكر الاجتماعي والأجتماعي الديني
- مكافحة الكراهية والتطرف
- (مشروع مقترح قانون)
- دور الهوية في تحديد مسارات الحركة التاريخية للمجتمع
- مفهوم الخرافة في الفكر الفلسفي الأفتراضي


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - نوره وسائق القطار _ قصة قصيرة