صراع الإيمان والإلحاد.. ترى من يصمد..؟!...؟..

جورج فارس

الحوار المتمدن-العدد: 4466 - 2014 / 5 / 28 - 20:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الإيمان هو مجرد فكرة تعترف بوجود مسبب واعي لهذا الكون وللحياة التي فيه..
الإلحاد هو أيضاً مجرد فكرة ترى بأن هذا الكون موجود بفعل الصدفة ولا يوجد أي مسبب أو مهندس من ورائه..
ترى أي من هاتين الفكرتين تستطيع الصمود..؟

إن كان الله موجود فلماذا لم يعلن عن وجوده..؟ ولماذا لم يره أحد..؟..!؟
وما أدرانا أنه لم يعلن عن وجوده..؟ وكيف نتأكد من أنه لم يره أحد..؟ فنحن غالباً ما نغيّب العقل عن أولائك الذين إدعوا أنهم رأوه أو تعاملوا معه..

إذاً أين الدليل على وجوده..؟
ترى وما هو نوع الدليل المطلوب...؟
- علمي...؟! فإن كان الله غير قابل للقياس فكيف يمكننا إخضاعه للمراقبة والإختبار وتطبيق طرق القياس العلمية عليه..؟
- منطقي..؟! ترى هل المنطق هو أساس ثابت لإمكانية اعتماده كمرجع موّحد مقبول من الجميع.. أم أن المنطق نفسه هو متبدل ومتغير تبعاً لنوع العقل الذي يحتويه..؟
- تاريخي...؟! هناك الكثير من المعابد الأثرية وحكايا الشعوب القديمة عن ظهورات الآلهة.. فهل أتت من فراغ..؟ أو بالأحرى لماذا نحن دائماً نطلق مصطلح أسطورة على كل رواية تتحدث عن قوة خارقة أو ظهور فوق طبيعي..؟ أليس مصطلح أسطورة هو أسلوب مهذب لسرقة الحقيقة من رواية ما حتى لو كان فيها جزء من الحقيقة...؟
- أدبي أخلاقي..؟ أي أنه من أين يأتي الشر فيما لو كان الله موجود..؟ ولكن هل يمكننا نفي وجود شيء من خلال إثبات وجود نقيضه..؟ فهل وجود الظلام ينفي وجود النور مثلاً..؟
- رياضي رقمي..؟ فهل عالم الأرقام الغير محدود هو دليل على وجود الغير محدود أم دليل ضده..؟
- عقلاني...؟! وهل يستطيع العقل اليوم فهم كل الأشياء المحيطة...؟؟! وماذا عما وراء الطبيعة..؟
- عاطفي...؟ وهل في هذه الأيام باتت العواطف تعني شيئاً بالنسبة للعقلانيين والمنطقيين..؟..!؟
- روحاني..؟! وهل هناك ما يسمى بالدليل الروحاني..؟ ومن يضع خطوط عمل الدليل الروحاني..؟ ومن يضمن عدم انحيازه وانزياحه عن الهدف..؟؟

إذاً ماذا عن الصدفة..؟
أليس الإعتقاد بالحياة الناشئة عن طريق الصدفة هو إيمان من نوع آخر..؟
ألا يعتبر هذا النوع من الإيمان أكثر صعوبة من غيره..؟..!
هل التفسيرات الموجودة للنشوء وقوانينه تعني عدم وجود مهندس...؟..!؟ فمنذ متى كان وجود كتاب يشرح آلية عمل محرك ما ويظهر القوى والمتغيرات المعتملة فيه، منذ متى يدل هكذا كتاب على عدم وجود مصمم ومنفذ لهذا المحرك..؟؟..!
فاكتشاف وتفسير آلية عمل شيء ما لا يعني أبداً عدم وجود مصمم له..
فبالنسبة لي إثبات وجود شيء ما لهو أسهل من نفيه.. فلكي تثبت وجود الله يكفيك أن تجد شيئاً من آثاره أو أعماله.. أما لكي تنفي وجوده فعليك أن تلمّ بكل ما هو غير موجود كي تؤكد أن ما تريد نفي وجوده هو أحد كل تلك الأشياء الغير موجودة..

فبالنتيجة الإيمان بالواعي المطلق الفوق طبيعي هو مشابه للإيمان بالصدفة..
كلاهما مجرد فكرة تحتاج إثبات نفسها قبل أن تهاجم الآخر...
كلاهما يتبادلان نفس التساؤلات لكن دون أن يقدم أحدهما إجابة لما يخصه.. فمن أوجد الله..؟ وقل أيضاً كيف وُجدت المادة..؟
كلاهما يخوضان نفس المعركة وهي معركة الغباء.. فالآخر النقيض بالنسبة لكل طرف هو شخص غبي لا يفكر مغيّب..
كلاهما يمتلكان ذات الديكتاتورية.. فوصايا الإله وقوانينه مقدسة غير قابلة للنقد.. وكذلك العلم وقوانينه مقدسة رغم تبدل الحقائق وتغيرها باستمرار، فكم من الحقائق تغيرت رغم أن الكثيرين ماتوا وهم يظنونها حقيقة.. وكم منهم يرفضون نقضها ونقدها..
للإيمان آلهة.. وكذلك للإلحاد آلهة.. وكلها ممنوعة من النقد (بصورة غريزية نرفض نقد ما نؤمن به حتى وإن أظهرنا العكس على مضض)
تعدد الأديان التي تصوّر الله ما هي إلا إنعكاس لتعدد الفرضيات والنظريات التي تفسر الكون.. كلها نتاج البشر في محاولة لفهم الغير محدود..
لا أحد منا أفضل من الآخر فكلنا في مركب يغرق...
أنت يا من تنظر إلى المتدين على أنه لا يقبل النقاش ولا النقد، تأكد من أنك لن تغضب عندما ينتقد أحدٌ ما توجهاتك وآراءك وعالمك المفضّل وكتابك الذي تحب وتقدس، وأنك لن تنتفخ عليه بعلمك كما يفعل علماء الدين وبأنك بكل عنجهية لن تصفه بالغباء، حاول ألا تغتاظ وتحتد.. وإلا أنت والمتدين واحد..

إذاً هل لا أؤمن بالعلم..؟
بلى أنا أؤمن بالعلم.. لكني لا أرى فيه مرجعاً للأخلاق.. ولا أعتبره ركيزة أساسية لبناء حياتي، فهو رغم تطوره إلا أنه يبقى متغيراً وليس ثابتاً.. وأنا لا أريد أن أبني حياتي على حقيقة قد يتكشف عدم صحتها فيما بعد..
وهل لا أؤمن بالله..؟
بلى أنا أؤمن به.. لكن لا أؤمن به كما هو معروض في سوق الآلهة.. فإلهي هو شخصي قريب من جميع الذين يدعونه.. وعلاقتي معه هي علاقة حية وليست دين مبني على طقوس وفرائض..

إذاً أين أريد أن أصل..؟
أريد أن أصل إلى الإنسانية التي فينا..
فما فائدة العلم إن لم يحترم إنسانيتنا..؟ وما فائدة الصلاة والقلب مليء بالحقد..؟
ما فائدة الله إن كان يفرّق البشر..؟ وما فائدة العلماء إن كانوا فقط يعلمون..؟

أنا لا أريد لإيماني أن يكون شيئاً يضر بك مثلما لا أقبل أن يكون إيمانك سبباً لضرري..
على اختلاف أفكارنا وتوجهاتنا لكن نبقى كلنا بشر.. وكم أتمنى أن نعيش هذه الحقيقة...

فعندما يتصارع الإيمان بوجهيه الألوهي واللاألوهي يكون الخاسر الوحيد هو الإنسان..

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل