|
التطرف الديني ـــ السلفي، الاصولي.. وصنوهما الارهاب الحالي
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 10:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مجرد الاطلاع على ارقام الضحايا وحجم الدمار وتخريب البنى التحتية في العراق يصاب المرء بالذعر والذهول والغضب، فهذه الارقام ( 68 ألف مدني قتلوا او اصيبوا منذ الاحتلال منهم 24 الف و 865 قتلوا و 42 الف و 500 اصيبوا 37% قتلوا في عمليات غير حربية و 9% نتيجة العمليات العسكرية إذا كانت دقيقة حسبما ذكر لأننا نشك بأن الارقام اكثر من ذلك بكثير، وهي تتزايد بشكل مضطرد من خلال التفجيرات وتفخيخ السيارات العشوائية والاغتيالات والتصفيات الجسدية مضافاً اليها الدمار والخراب للبنى التحتية بتفجير منشئات وانابيب نفطية وكذلك الكهرباء والماء والمؤسسات الاقتصادية والخدمية، وعلى ما يظهر ان الحال سوف يستمر فترات قد تكون طويلة نسبياً ودافعي الثمن الاساسيين هم جماهير الشعب الكادحة من عمال وفلاحين وموظفين وكسبة ومثقفين الذين يركضون من اجل لقمة العيش، هؤلاء الذين بقوا طوال العهود السابقة ضحايا السياسات البوليسية الارهابية ووقوداً للنيران التي اشعلتها الحكومات السابقة وفي مقدمتها الحكم الشمولي. ان قضية الارهاب بمعناه المعروف اصبح اليوم اكثر اتساعاً ولا تقف امامه حدود محلية أو دولية الا واجتازها بشكل من الاشكال وهذا يدل على ان الامكانيات التي بحوزة صانعي الارهاب كثيرة ومتنوعة منها ـــ المعنوية ومنها المادية وكلاهما يسعيان لمد اذرع هذا الاخطبوط الى مختلف الاماكن وبطرق مختلفة.. فالمعنوية منه هو التطرف الديني الذي اخذ ينتشر ويتسع اكثر من الاول منذ الثلث الأخير من القرن العشرين وهذا لا يعني انه كان غير موجود لكنه كان ساكناً بسب اولوية الصراع العالمي ما بين الدول الرأسمالية وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية وبين الاتحاد السوفياتي ودول شرقي اوربا والاحزاب الشيوعية وبلدان حركة التحرر الوطني ويطلق على هذه الفترة وما سبقتها تسمية الحرب الباردة وللحقيقة هي لم تكن باردة لأنها كانت تتفجر فيها الصراعات المستمية في مناطق عديدة من العالم لا داعي لذكرها لأنها اصبحت معروفة بشكل جيد.. اماالمادية فهذ قضية جداً مهمة وخطيرة لأننا وخلال حقبات طويلة لم نتعرف على اية منظمة او احزاب سرية تمتلك هذه المقادير الهائلة من الاموال والمؤسسات المالية والتي تعد بالمليارات تستعمل في التحرك والشراء بما فيها تغطية مصروفات كثيرة للسلاح والتنقل وشراء حتى ذمم البعض من المسؤولين في بعض الدول لتسهيل تحركهم. لقد تغيير مفهوم حصر الارهاب بمنظمات او احزاب تختلف ايديولوجياً مع الرأسمالية الى ما هو اوسع من الايديولوجيا وهو الدين وبخاصة بعد الحرب في افغانستان وخروج القوات السوفيتية منها وسيطرت القوى الاسلامية المتصارعة على الحكم ثم سقوطها بايد مليشيات طلبان المتحالفة مع منظمة القاعدة التي كانت تدعم من قبل باكستان ومن خلفها الولايات المتحدة الامريكية طوال التواجد السوفياتي والصراعات التالية بعد خروجه من افغانستان .. ولهذا يحتاج هذا المفهوم الى دراسات مستفيضة ودقيقة بدون الدخول في المهرجانات الخطابية والشكاوى والصراخ والادانة وهذا بما معناه توضيح اسباب انتشار هذه الظاهرة وبهذا الاتساع واين الخلل الذي كان موجوداً ومساعداً للانتشار.. ويبدو مع احترامي الكبير للجهد المبذول من العديد من الكتاب والباحثين انهم يكتبون بلغة الذعر المصحوب بالغضب والصراخ أحياناً ولم يجتازوا في تحليلاتهم ولا مناقشاتهم الا نصف المطلوب في هذه القضية المحلية والعالمية على حد سواء وفي مقدمتها تصوير الارهاب وهذا عين العقل كقوة غاشمة في تطرفها يُكمن عميها في ضلالة طريقها وباساليبها وتوجهها نحو السلف تكمن قوتها وهو منهج خادع، وهي لا تتشابه في الافعال والاقوال جميعها كتنظيمات دينية فمنها من يعلن بالضد من الارهاب وبخجل منظورمن التطرف الديني بينما هم المنبع الاساسي لخروجه وآخر يرى ان العنف المسلح والتطرف في المعاملة يجب ان يوجه للاجنبي بدلاً من ابناء الجلدة لكن في الممارسة نجده وقد استعمل كل ما يمكن استعماله من ادوات الشر ضد ابناء جلدته لمعاقبتهم بحجة انهم متخاذلين او خدمة اوتابعين او عملاء له، ومنهم من يبقى ساكناً او متعاوناً حتى يتمكن من نفسه ومن خصومه ثم يتحرك بعد ذلك السكون مثلما يطلق عليهم " خلايا نائمة " ومنهم من يرى التحرك والعمل في اضعف مكان ليحقق انتصارات تشحذ همة الباقين من حلفائه وهذا في العراق بعد احتلاله وبخاصة ما تقوم به المنظمة السرية والمخابرات والمؤسسات الامنية القديمة التي اصبحت ذى تنظيم سري مرتبط بهيكلية معينة من ترحيل اعمالهم الارهابية على القوى المتطرفة دينياً واستغلالها لتمرير مخططاتهم بما فيها التنصل من جرائم القتل الجماعي للناس الابرياء لا بل تعدى الحال الى تأسيس منظمات تحت اسماء دينية اسلامية مختلفة ترفع شعارات دينية لكن حقيقتها تكمن في بتوجيه ودعم مادي كبير من هذه المنظمة السرية ونلاحظ الضجة الكبيرة حول الزرقاوي ومنظمته وكأنهم يسيطرون على ارض العراق كله وهو خطأ فاحش ارتكبته قوات الاحتلال وبخاصة الامريكية وفي ما بعدها بعض المسؤولين في مجلس الحكم والحكومتين الانتقاليتين ووسائل الاعلام حيث طبلوا للزرقاوي وجعلوه اشهر من نارٍ على علم وتناسوا ان هذه المنظمة السرية التي اعيد لها دورها تحت اسم البعث العراقي لديها من الامكانيات البشرية والمادية تعادل جماعة الزرقاوي وغيرهم مئات المرات، ولم يحلل اسباب هذه الظاهرة الا النزر القليل فقد ولجوا الى الاماكن المعتمة من هذه الظاهرة وحاولوا تخليص الخطاب الديني من الاثار السلبية التي رافقته حقب زمنية طويلة مشوهة اتجاهاته الانسانية فاتهموا بالخروج عن الدين والشريعة. ان الطريقة القديمة في معالجة التطرف الديني وصنوه الارهاب كانت وما زالت متخلفة وغير مبالية وحتى انها بقت بدون متابعات او درسات ووضع الحلول العملية من قبل من رجال الدين والمؤسسات الدينية المعتدلة ظناً منهم انها ظاهرة سراعان ماتزول مثلما حدث سابقاً ناسين الصراع المستفحل على ثروات البلدان الاخر والتغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم ووجود مشاكل وآفات اجتماعية وهي ارضية خصبة لنشوء وتوسع ظاهرة التطرف الديني وكذلك الامكانيات غير قليلة التي تجعل من انتشاره بشكل واسع وبخاصة وجود مسببات اخرى متنوعة في مقدمتها حجب الحريات الشخصية والعامة ولهذا يتطلب الامر جدياً بزج ليس الكتاب العلمانيين والكتاب الآخرين الذين يرون في التطرف محرقة واساءة للاسلام بل رجال الدين والمؤسسات الدينية بكل ثقلها للوقوف امام هذه الظاهرة لأنها بالاساس ستكون ذات اتجاهات ظارة تشوه بسمعة الدين الاسلامي وتظهرهُ وكأنه دين ارهابي فقط وهذا ما يحفز البعض لاستغلال ذلك من اجل دفع تفعيل هذه الاتهامات بدون مسوغات حقيقية ما عدا الاعمال الارهابية المتطرفة وبخاصة في قضايا تفجير الاماكن المكتضة بالسكان وكأنه عقاب جماعي للذين ليسوا معهم او ضد اديان ومعتقدات اخرى. ان هذه القوى المعتدلة اذا ما جرى كسبها بشكل صحيح ودخولها معترك التفسيرات والدراسات وتوحيد كلمتها وتفعيل دورها الاعلامي على نطاق واسع والعمل على تحمل مسؤولية الخلاص من الآفات الاجتماعية كالفقر والبطالة وتحقيق العادلة الاجتماعية وحقوق الانسان والتخلص من ادوات الفساد الاداري والحكومي وتعميم مفاهيم انسانية تسطيع بالتأكيد من تقليص ظاهرة الانخراط في تلك التظيمات ذات الطابع الديني المتطرف التي تعمل على غسل منظم لادمغة الناس وبخاصة الشبابية منهم لا بل حتى الصبية الصغار الذين لم يتجاوزوا الثامنة عشرة وبوعدها حول خلاصها من عذاب الدنيا الظالمة والظالمين الموجودين والمهيمنين عليها، بسعادة الآخرة والفردوس الموعود الذي سيجد فيه المرء راحة لا مثيل لها وسعادة دائمة الى الابد بدون فقر او جوع او امراض وسجون ولا شرطة او رجال امن ومخابرات بل الحور العين وانهار من الشراب وموائد عامرة بما لذ وطاب وغيرها من المغريات التي يسيل لها اللعاب فضلاً التخلص من نار جهنم وكأنه وبقناعة جهاد والاستشهاد فيه يعنى الشهادة من أجل الدين والله والحقيقة ان هؤلاء وعلى ما ظهر ان اكثرهم جهلة أميين بالدين وبالقرآن والسنة التي تدفع للجنوح نحو السلام وتحريم القتل واحترام الاديان الاخرى ولا تبشر بالقتل العشوائي المنفلت الذي لا يفرق بين طفل ولا امرأة ولا شيخ، لا بين هواء ولا ماء ولاحيوانات الكل تحت طائلة القتل بدون ذنب الا اللهم هوس الانتقام وتغليفه بالشريعة والدين والسلف الصالح وهو باطل الاباطيل وتحريف واضح لتعاليم الدين الاسلامي.. وبكل صراحة نقول ان هذه المهمة صعبة للغاية ولا تستطيع القوة وحدها من معالجتها ولا يمكن للقوى العلمانية بمفردها التخلص منها اذا ما اشتركت القوى الاسلامية بمؤسساتها ورجال الدين المعتدلين الى جانب هذه الحملة وعند ذلك فقط نستطيع القول ان بوادر هزيمة التطرف الديني .. السلفي والاصولي وصنوهما الارهاب سوف يتراجع وينكمش وينتهي معاً عندما تحل قضايا الجماهير الفقيرة الكادحة واقامة العدالة الاجتماعية والمساواة واحترام حقوق الانسان وتمتعه بالامان والسلام . ان قضية التطرف الديني الاب الشرعي للارهاب يجب ان تناقش بجدية من قبل المختصين بالتراث والتاريخ الاسلامي ولا بأس ان يشاركهم المختصين بعلوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة وسوية يجب البحث عن جذور المشكلة في نشأة واسباب تطور نظريات التطرف الديني والارهاب الملازم له بطرق عديدة لا تختصر على عمليات التفجيرات والاغتيالات وغيرها من العنف المسلح بل الى سياسة الضغوطات النفسية التي تصاحبها التهديدات مثلما حدث للباحث والكاتب المصري سيد القيني وغيره من الكتاب المتنورين ثم وضع الحلول والتوصيات الواقعية لمكافحته وبهذا يجري التخلص من النظرة المبسطة والاحادية الجانب التي سادت لفترات زمنية غير قليلة حول نشوء ظاهرة الارهاب كظاهرة قائمة بحد ذاتها وبدون اسس فكرية ودينية وهي نظرات خاطئة ادت الى اتساعه وتطوره ليخرج خارج حدود البلاد الى رحاب العالم الواسع. ان الخروج بدراسات وتفسيرات موضوعية من قبل المؤسسات الدينية الاسلامية ورجال الدين المعتدلين الذين يرون ان اكبر خطر يحدق بالدين نفسه هو التطرف الديني الذي يعيش في رحمه الارهاب بمعناه الحقيقي سوف تتيح الفرصة امام الجميع للوقوف امام هذه الظاهرة فليس من المعقول والحكمة ان تبقى الدراسات والتحليلات على عاتق جزء واحد من الباحثين دون الآخرين وعند ذلك سيفهم العالم وبخاصة قسمه الغربي ان التطور ليس حكراً على منظومة بشرية دون سواها فلكل منظومة بشرية تاريخ اذا تم تخليصه من الشوائب التي علقت به وحاضر بقواه الانسانية التي ترى في السلم وانهاء الجشع والاستغلال قوة دافعة ومستقبل تنويري لا بد انه سوف ينشأ في رحم القديم ليأخذ طريقه نحو الاندماج العالمي بكل سلبياته وايجابياته وصراعه حتى يكون فاعلاً من اجل خير البشرية جمعاء.
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمهوريــة العراقية الاسلامية الاتحادية الى أين؟
-
ثمــة سكون.. ثمــة حركة في البار الصيني
-
هل كانت ثورة 14 تموز انقلاباً عسكرياً منعزلاً عن الشعب العرا
...
-
المحاصصة الطائفية والقومية الضيقة مالها وما عليها
-
كركوك بموقعها الجغرافي وتطبيع الاوضاع فيها
-
مخططان مختلفان شكلاً حققا الهدف المرسوم
-
هل المليشيات الشيعية العراقية ومليشيات الباسيج شكلان لهدف وا
...
-
الإنتخابات الإيرانية وغروب رفسنجاني البراغماتي بفوز محمود أح
...
-
لو كنت في مكـــان صدام حسين والعياذ بالله ماذ كنت ستفعل؟
-
لأنـــهُ كان العراق.. لأنـــهُ كل العراق
-
الانتخابات البرلمانية القادمة وضرورة انجاز الدستور الاتحادي
...
-
الاصلاحات حسب مفهوم التيار الوطني الديمقراطي
-
صرح النصوص في طريق العلامـــة
-
دعوة الشيخ الجليل عبد المحسن التويجري لكن..! ما حك جلدك مثل
...
-
العملية الأمنية ودول الجوار ودبلوماسية الحوار الهادئ
-
العلاقـــة ما بين الحكومة العراقية والقوات متعددة الجنسيات
-
القــرار الفردي والالتزام بالقوانين
-
انعكـــاس لرؤى قادمــــة
-
لمـــاذا الآن ؟ صور لصدام حسين نجومية على طريقة الاعلام الدع
...
-
ماذا يريد السيد الامين العام عمرو موسى من العراق ؟
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|