أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حبيب - قراءة في مسرحية -مهاجرون- للكاتب البولوني سلافومير مروجيك، ترجمة عبد الواحد المهدي وماجد الخطيب















المزيد.....

قراءة في مسرحية -مهاجرون- للكاتب البولوني سلافومير مروجيك، ترجمة عبد الواحد المهدي وماجد الخطيب


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 4461 - 2014 / 5 / 23 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


الكتاب: مسرحية "مهاجرون Emigranten "
المؤلف: سلافومير مروجك Slawomir Mrozek
الترجمة العربية: عبد الواحد المهدي وماجد الخطيب
دار النشر: المطبعة والوراقة الوطنية-مراكش / المغرب
سنة النشر: طبعة أولى 2013م
عدد الصفحات: 111 صفحة

صدرت للكاتب المسرحي والصحفي العراقي ماجد الخطيب مجموعة مهمة من المسرحيات التي كتبت خلال السنوات المنصرمة. وهي تعالج موضوعات عراقية آنية وملحة تمس المجتمع وحياة المثقفين، منها مثلاً "الوسام" عام 2003 و"عاشق الظلام" عام 2006، و"ريام في بلاد الأحلام" عام 2010, و"حفرة السيد" عام 2011، و"ثور فالاس" عام 2013، إضافة إلى دراسته المعمقة والواسعة عن حياة وشعر هاينرش هاينه بعنوان "هاينرش هاينة روح الشعر الألماني" التي صدرت في كتاب أنيق عام 2012، كما ترجم مجموعة من المسرحيات التي قال عنها في لقاء صحفي معه أجراه السيد صفاء فاخر في العام 2009 ونشر في الحوار المتمدن ما يلي: " وهكذا ترجمت حتى الآن 10 مسرحيات من ثلاث لغات مختلفة هي الانجليزية والألمانية والهنغارية. أنا فخور بترجماتي للمسرحيات الهنغارية ومسرحيات" المهرج" داريو فو"، والمسرحيات التي عرضت أكثر من مرة على المسرح". ومن أهم المسرحيات التي ترجمها ماجد الخطيب نشير إلى "عائلة توت" و"الضيف" و "أبو الهول" عن الهنغارية، ومسرحيات "التنين" و"مقتل فوضوي" و"امرأة واحدة" و "سامحني يا أبي، فقد أثمت" عن الإنجليزية، ومسرحية "المنصور" لهاينرش هاينه عن الألمانية. وفي العام 2013 شارك مع السيد عبد الواحد المهدي بترجمة وإصدار مسرحية "مهاجرون" للكاتب البولوني سلافومير مروجك. وكتب لي الصديق ماجد الخطيب حول هذه المسرحية ما يلي:
" ترجمنا المسرحية عام 1984 وعرضت في بودابست( تمثيل اسعد راشد و عدنان يوسف وإخراج ثامر الزيدي) عام 1985. ثم أخرجها ومثلها اسعد راشد ثلاث مرات في السويد ومرة ببرلين. مثلت أيضا في الأرض المحتلة(فلسطين) وفي المغرب عدة مرات وفي سوريا عدة مرات. لكن الفرصة لم تسنح لنشرها قبل الآن.
يمارس الخطيب، إلى جانب كتابة المسرحيات وترجمتها، الصحافة، وكتب الكثير من التقارير والمقالات الصحفية. ولعبت دراسته للطب دون أني نهيها دوراً كبيراً في الكثير من كتاباته الصحفية العلمية.
أما الكاتب سلافومير مروجك (1930-2013م)، صاحب مسرحية مهاجرون، فهو واحد من أبرز كتاب المسرحية في بولونيا. ولد قرب مدينة كاركو وعاش فيها حتى العام 1968، إذ بعدها قرر الهجرة إلى باريس وطلب اللجوء السياسي فيها احتجاجاً على الأحداث التي وقعت في براغ في نفس العام، تلك الأحداث التي أطلق عليها في حينه بـ"ربيع براغ". وعاش الكاتب سنوات كثيرة بالمكسيك وتجول ببلدان كثيرة أخرى واكتنز عبر هذا التجوال الكثير من المعارف والخبرات.
سلافومير مروجك مهندس معماري ومختص بالدراسات الفنية وتاريخ الفن، إضافة إلى كونه رسام كاريكاتيري وروائي وصحفي وكاتب مسرحي. أنتج الكثير من الأعمال الأدبية والمسرحية التي يأتي على ذكر العديد منها المترجمان المهدي والخطيب مثل "تمثيل الآليات المجنزرة" عام 1953، و"الفيل" عام 1957، و"الزفاف الذهبي" عام 1959، والديك الرومي عام 1960، و"الأحدب" عام 1965، و"الشرطة" عام 1965، و"تانغو" عام 1964، ثم مسرحية "مهاجرون" التي كتبها في العام 1974 بباريس.
ومسرحية مهاجرون، التي نحن بصددها، تحتل أهمية استثنائية في المرحلة الراهنة، كما أحتلت ذلك قبل خمسة عقود، حيث أصبحت الهجرة البشرية بين الدول معلماً بارزاً ومؤرقاً في عالمنا المعاصر. فالمعلومات المتوفرة تشير إلى إن الهجرة الدولية قد وصلت في العام 2010، حسب تقارير منظمة الهجرة الدولية، إلى أكثر من 214 مليون إنسان (الموسوعة الحرة)، سواء أكانت هذه الهجرة ناشئة عن أسباب سياسية، بما فيها الحروب والنزاعات الإقليمية والحروب الأهلية بمختلف أسباب وقوعها، إضافة إلى القمع والاضطهاد والدكتاتوريات السائدة، أم كانت لأسباب اقتصادية واجتماعية وبيئية. وأهمية مسرحية "مهاجرون" تبرز، كما يشير المترجمان في تقديم الكتاب، إلى طابعها الشمولي، فهي غير محددة بزمان أو مكان ولا بأشخاص بعينهم. فهي قد حصلت وتحصل في كل مكان خارج الأوطان. إنها جزء من حياة الشتات العالمي، حياة الغربة، الذي قال عنه أحد العراقيين حين سئل عن أحواله وهو في الغربة: "الوطن أم والغربة زوجة الأب". ولكن علينا أن نعترف بأن الوطن يصبح في أحيان غير قليلة هو زوجة الأب والغربة هي الأم التي تحتضن الغرب كابن أو ابنة لها. ويمكن للكثير من المهاجرات والمهاجرين أن يؤكدوا هذه الحقيقة.
والمسرحة جزء من الأدب المسرحي الساخر الذي يطلق عليه "الكوميديا السوداء"، لأنها تصور حياة البؤس والفاقة الفكرية والضياع والخواء التي تعاني منها شخصيات المسرحية وتعرضها بروح الساخرة اللاذعة التي لا ترحم وترفض التعاطف مع مثل هذه النوعيات من البشر بهدف محاربة هذه الأخلاقيات والسلوكيات. ويمكن أن نجد هذا الأسلوب في التعبير في الكثير من الأفلام ومنها بشكل خاص بعض أبرز أفلام شارلي شابلن.
ومسرحية "مهاجرون" تتحدث عن ليلة ليلاء في عيد من أعياد الميلاد الذي يتكرر كل عام حيث يحتفل به المسيحيون بشكل خاص. وينقل لنا الكاتب ما يجري من حوار متوتر ومشحون بالعداء والخواء والتعاطف في آن بين شخصيتين مهاجرتين هما (س) و (ص), مجهولان من بلد مجهول. إنهما شخصيتان متباينتان من حيث الثقافة والعمل، مختلفتان ولكنهما تلتقيان في الضياع. هذان الشخصان يعيشان في غرفة واحدة وينامان على سريرين متقابلين وكل منهما يشعر بثقل صاحبه ولكنهما لا يفترقان، وكأن الحبل السري هو الرابط بينهما.
الاحتفال والحوار يدوران في غرفتين في طابقين في عمارة واحدة ولساعات قليلة قبل أن يعلن عن انتهاء عام وبدء عام جديد. أشخاص من أهل البلاد يحتفلون بفرح ومسرة حيث تعزف الموسيقى وترتفع أصوات الغناء في غرفة في طابق علوي، في حين يحتفل شخصان مهاجران ذات الأمسية بشجار غير منقطع ولساعات عديدة دون أن يدركا البؤس والفاقة الفكرية التي يدور فيها حوارهما المرير ودون أن يعيشا فرحة الناس المحتفلين بعيد رأس السنة الميلادية.
ينقل لنا الكاتب عبر الحوارات سلوك الشخصين وتصرفاتهما الخبيثة. فالثقة غائبة بينهما والشك يهمن على علاقاتهما المتبادلة. كل منهما يضع حاجاته في حقيبة تحت سريره ويقفلها خشية سطو الآخر على ما فيها.
الأحاديث الدائرة بينهما لا معنى لها، إنها مجرد ثرثرة واتهامات متبادلة وسوء فهم متبادل بين مثقف غادر الوطن خشية القمع والاعتقال والموت، وعامل كادح وجاهل في السياسة جاء إلى المهجر بأمل وحلم جمع المال ليعود إلى زوجته وأطفاله ليبني داراً ويعيش عيشة مرفهة وسعيدة وبعيداً عن العمل المرهق الذي يجمع به نقوده في المهجر. هذا الهدف الذي جاء من أجله نبيل من حيث المبدأ بسبب عجزه عن الحصول على عمل وأجر يعيش به مع أفراد عائلته. أحدهما غير مهتم بالنقود وهو المثقف الغارق في الكسل، والآخر فرض عليه سبب الهجرة ممارسة التقتير الشديد الذي تحول عملياً إلى بخل مقيت وجشع مدمر لصحته دون أن يعي ذلك حتى بدأ يأكل معلبات منتجة خصيصاً للحيوانات الأليفة كالكلاب. يدخن دون أن يشتري علبة سجاير، ويحتسي الخمر على حساب س دون أن يشتريه، ويتحدث عن حلم بممارسة جنسية مع شابة جميلة وغنية في مغسل عام في محطة السكك الحديد دون أن يكون حقيقة. يدخر أجرته اليومية من عمل مجهد في المجاري المدينة في دمية كلب خشية فقدانها.
وتقدم لنا مسرحية "مهاجرون" الشخص الثاني، إنها شخصية المثقف الذي فقَدَ حلم وأمل العودة إلى الوطن، يقضي أوقاته ممدداً على سريره في هذه الغرفة القذرة والبائسة في ما تحتويه يطالع المجلات والكتب ويحلم بإنجاز كتاب لا ينجز أبداً، يدور حول مراقباته لسلوك الناس أو سلوك نزيل غرفته ص. لا يبذل أي جهد لإنجازه. ومع ذلك يعيب على صاحبه حياته المنهكة بالعمل دون أن يتمتع بالأجر الذي يأتيه من عمله، وينسى واقعه كمثقف لا عمل له ولا نشاط فعلي غير القراءة والنوم والتمتع بالكسل!
يعيشان معاً في غرفة واحدة دون أن يكون بينهما أشياء مشتركة سوى كونهما من المهاجرين ومن بلد واحد، كما يبدو، ولكن ليس بالضرورة. بسبب الفراغ والخواء الداخلي وغياب البوصلة التي تهديهما، يسعى كل منهما إلى إغاظة الآخر وإحراجه وإثارته، أنها تسليتهما الوحيدة في ليلة عيد الميلاد، وهي التجسيد للفراغ والخواء الداخلي القاتل. يتبادلان التهم في التجسس لسلطة بلدهما، ولكنهما عاجزان عن تأكيد ذلك، ولكنهما يعبران بذلك عن الشكوكية المرة التي يعاني منها المهاجرون من البلدان التي تسيطر عليها الدكتاتوريات. فالتقارير السرية التي يكتبها المخبرون السريون حتى يومنا هذا عن المهاجرين لا تهدد المهاجرين أنفسهم بل تهدد عائلاتهم في الوطن المبتلى بالدكتاتورية بشكل خاص.
الحوار الأحمق والعدواني والمليء بالإساءات المتبادلة قاد فعلياً إلى محاولتين فاشلتين كادتا تؤديا بحياة س قام بهما ص للخلاص من ثرثرة س ومن الإساءة المتعمدة إليه، مرة كاد يخنقه، وأخرى كاد يهوي بالفأس على رأسه. والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة: ما الذي يشد بعضهما إلى البعض الآخر بحيث يبقيان معاً بالرغم من المشاكسة المستمر وما تنطوي عليه من كراهية أحدهما للآخر، بالرغم من البون الشاسع بينهما في المستوى الثقافي والتعليمي وبعض الطباع؟ هل هو الشعور بالوحدة والغربة؟ هل هو الشعور بأن أحدهما يُعتبر بالنسبة للآخر وكأنه جزء من الوطن المفقود وطباع الناس في الوطن وأخلاقياته ومشكلاته؟ هل هو الحنين الخفي للوطن الذي يتجلى بهذا التلازم غير المنطقي وغير المفهوم بين القادمين من نفس البلد؟ س يدفع الإيجار ويتهرب ص من إعطاء حصته منه، رغم امتلاكه للنقود وتخزينها. (س) يطعم (ص) ويقدم له السجائر والخمر، والآخر يحاول حتى سرقة بعض السجاير من علبة س، دون أن يؤدي "ص" أي خدمة لـ (س). هل هي إحدى الظواهر التي ينتجها الشعور العميق بالوحدة والاغتراب والضياع وعدم الاستعداد للاندماج في المجتمع الجديد؟ يضعنا الكاتب أمام شخص، وأعني به "ص"، يرفض تعلم لغة بلد المهجر رغم مرور ثلاث سنوات على وجوده بالبلد بذريعة إنه سيعود إلى عائلته ولا يحب أهل هذا البلد ولا لغته. إنها المحنة التي يعيش تحت وطأتها الكثير من المهاجرين، إذ يبقى بالوطن الجديد دون أن يعتبره وطنه الثاني ودون أن يندمج بالمجتمع رغم مرور السنين ودون أن يعود لوطنه، ويبقى معلقاً "لا يطير ولا ينكض باليد"، ويبقى يراوح في مكان خائباً مدحورا من الناحيتين الاجتماعية والنفسية. وينطبق عليه المثل الشعبي العراقي القائل "بين حانة ومانة ضيعنا إلحانه"، أو "لا حظت برجيله ولا اخذت سيد علي"!
حياة وعيش س وص ليست غريبة عن حياة وعيش مهاجري جميع البلدان، سواء أكان ذلك في الماضي أم في الوقت الحاضر. فهما يمثلان جمهرة كبيرة من المهاجرين من شتى البلدان القادمين من أوطانهم إلى أوطان ثانية ولأسباب كثيرة ومتباينة. يكفينا أن نقرأ عن حياة المهاجرين الروس في زمن القيصرية، هؤلاء الذين تركوا روسيا وعاشوا في الدول الأوروبية الأخرى, أو عن المهاجرين الأسبان في زمن الدكتاتورية فرانكو، أو عن المهاجرين الشيليين في فترة حكم الدكتاتور أوغستو بينوشية، أو حياة المهاجرين البرتغاليين في زمن الدكتاتور سالازار، أو الكوبيين في عهد دكتاتور كوبا باتيستا. ولم يشذ عن ذلك مواطنو الدول العربية في علاقاتهم وأوضاعهم في المهجر. ويمكن أن تقدم العلاقات بين جمهرة غير قليلة من العراقيين أو العائلات العراقية في عهد الدكتاتور صدام حسين نموذجاً مشتركاً لما تضمنته مسرحية "مهاجرون". لقد كانت المشكلات والخلافات، سواء أكانوا سياسيين أم غير سياسيين. لقد نخرت الغربة وخربت نفسيات الكثير منهم وتعقدت ظروف حياتهم. فكان بينهم من انتحر أو قتل آخر أو سقط ضحية الإدمان على احتساء الخمور أو لعب القمار أو النزوات النسوية...الخ. وكان الجواسيس والعيون والمخبرون السريون، وما زالوا، يلعبون دورهم في تخريب بيوت الكثير من العائلات في أوطانهم نتيجة التقارير السرية التي يرفعونها إلى السلطات الحاكمة في بلدانهم ضد المغتربين.
ما هو الهدف من وراء هذه السخرية اللاذعة، هذه الكوميديا السوداء التي نجدها مجسدة بعمق وشمولية في هذه المسرحية وفي الحوارات المرة بين المهاحرين س وص؟ الهدف، كما يبدو لي، وهو ما أكده المترجمان، تسخيف حياة الغربة والعيش في المنفى وضرورة العودة إلى الوطن، وإبراز إن المنفى يقود إلى خراب النفس وعذاب الروح ويدعو بهذا الشكل أو ذاك إلى العودة للوطن. أشعر بأن الكاتب نفسه قد عاش أو تعرف على مثل هذه العلاقات النتنة في صفوف المهاجرين. ونحن الذين نعيش الغربة نرى أمامنا الكثير من المشاهد التي لا تختلف عن تلك التي جرت في تلك الغرفة التي أطلق عليها (ص) بالزريبة، وربما يحدث مثل هذا في نوادي وجمعيات وفي علاقات ما بين الأفراد والعائلات، ومنها ما يجسد الحسد والغيرة أو الانحطاط الأخلاقي أو انعكاسات ما يجري في أوطانهم على حياتهم اليومية في المهجر وفي علاقاتهم المتبادلة، كما يلعب المال دوره المميز في ذلك أيضاً.
وكان الكاتب المسرحي على حق حين شوه بقسوة بالغة حياة هذين الشخصين غير المعروفين لكي يبشع حالة الفراغ والخواء الداخلي التي عاشا فيها رغم اختلافهما من حيث الثقافة والوعي الاجتماعي. ويبدو لي أن الكاتب كان يهدف أيضاً إلى استنهاض همم الآخرين حين يقرأوا هذه الحياة المسخ التي يحياها س وص وهذا الحوار العبثي الذي ينتقل بهما بين الكسر الكثير إلى الجبر القليل. إنه الانتقام من الذات التي أصبحت ثقيلة على كل منهما من خلال الهجوم على الآخر!
لا شك في إن هدف الكاتب نبيل وإنساني من حيث المبدأ. ولكن ما قدمه لنا ليست هي الصورة الوحيدة للمهاجرين، سواء أكانوا من المثقفات والمثقفين أم الذين هاجروا أوطانهم بقص الحصول على عمل أو غير ذلك، وسواء أكانوا من السياسيين المجبرين على الهجرة، أم من المهاجرين لأسباب اقتصادية. فمن عاش في المهجر يشاهد أمامه نماذج كثيرة، سواء أكانت مماثلة أم أخرى غنية في مضمون حياتها وأسلوب معيشتها وما أحرزته من معارف وخبرات وما قدمته من نتاجات فكرية وأدبية وفنية وعلمية.
إن الكاتب قد مسك بزمام الكوميديا السوداء ودفع بالحوار اللامنطقي واللاإنساني إلى أقصى حدوده، فمرة يهدئ من التوتر المتبادل ومرة أخرى يصعد به إلى أقصاه بحيث دفع ص إلى تمزيق نقوده التي جمعها طيلة ثلاث سنوات عجاف والتي اكتشف مخبأها س في دمية الكلب التابعة لـ ص، فضاع حلم العود وأمل بناء الدار ورؤية الزوجة والأطفال. لقد نسج الكاتب الحوار إلى أبعاده الدرامية التي تجلت في الاستفزاز المتفاقم من جانب س والمليء بالعدوانية الذي دفع بـ "ص" إلى هذا الموقف غير المنتظر، إذ كان س يحشو رأس ص بحقيقة أنه لن يعود إلى الوطن أبداً وأنه سيبقى هنا في هذه الغرفة البائسة ويعمل حتى الموت في المجاري. وقد حقق الكاتب التوتر المنشود والدراما المطلوبة في هذه الكوميديا السوداء التي دفعت بـ (ص) إلى أن يتخذ خطوة أبعد من تمزيق نقوده، أن يرتقي المنضدة ليشنق نفسه برباط عنقه وهو المخمور، مما لم يكن متوقعاً بسبب طبيعة الشخص وسلوكه العام. لقد وعى الوضع المأساوي الذي يعيش فيه، ولكنه لم يع أسباب ذلك، وبالتالي اتخذ القرار الخاطئ بشنق نفسه. إنه التصعيد الدرامي الكوميدي. ولكن تراجع (س) وتوسلاته جعلته يتخلى عن ذلك، وخاصة حين عرف بأن نقوده يمكن أن يستعيدها بعد أن يعاد لصقها. إنها المأساة والمهزلة لحياة المنفى في آن. لقد لعب الكونياك دوره في الشجار وفي المزيد من المماحكات والشتائم بينهما. إنها النهاية الخائبة التي لا رحمة فيها لمن يعيش على هامش الحياة.
المسرحية تستحق القراءة، وخاصة من قبل المهاجرين أو ممن يرغبون بالهجرة، ففيها ما يساعدهم على التعلم وتجنب الوقوع بأوضاع مماثلة ومزالق والحياة الخاوية والخائبة.
23/05/2014 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تكون الفئات الرثة في الحكم تنتشر الرثاثة في كل مكان!
- قراءة في أهداف مجلة جديدة في عالم العقلانية: -العقلاني-
- وماذا بعد انتهاء مؤتمر -أصدقاء برطلة- ضد التغيير السكاني لمن ...
- ما هي مشكلة عراق اليوم؟
- البرازيل والمونديال ومظاهرات الكادحين ومونديال قطر 2022
- نقاش مفتوح مع الأستاذ الدكتور كامل العضاض حول الطبقة الوسطى ...
- رأي في الواقع الاقتصادي والاجتماعي بإقليم كُردستان العراق
- أراء حول الطبقة الوسطى بالعراق وقضايا اقتصادية أخرى الحلقة 3 ...
- أراء حول الطبقة الوسطى بالعراق وقضايا اقتصادية أخرى 2-3
- أراء حول الطبقة الوسطى بالعراق وقضايا اقتصادية أخرى، الحلقة ...
- المأساة والمهزلة في عراق نوري المالكي: محمد علي زيني إرهابيا ...
- قائمة التحالف المدني الديمقراطي ضمانة أساسية للخلاص من الإره ...
- أليس المكان الطبيعي للكُرد الفيلية هو التحالف المدني الديمقر ...
- أصواتكم هي التي ستحقق التغيير، هي التي يمكنها إسقاط الإرهاب ...
- لمن ستعطي صوتك؟ قلت: صوتي سيكون للتحالف المدني الديمقراطي ال ...
- هل سيكون الفوز للأحسن في انتخابات العراق القادمة؟
- [في ذكرى المجازر الدموية] مرور 26 عاماً على ارتكاب الدكتاتور ...
- هل ما يجري في مدينة بُهرز بديالى عمليات انتقامية للشيعة ضد ا ...
- إلى متى يبقى المواطن بالعراق بلا أمن ولا استقرار والموت يلاح ...
- رسالة تحية إلى الحزب الشيوعي العراقي بمناسبة الذكرى الثمانين ...


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حبيب - قراءة في مسرحية -مهاجرون- للكاتب البولوني سلافومير مروجيك، ترجمة عبد الواحد المهدي وماجد الخطيب