أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كاظم حبيب - أراء حول الطبقة الوسطى بالعراق وقضايا اقتصادية أخرى 2-3















المزيد.....


أراء حول الطبقة الوسطى بالعراق وقضايا اقتصادية أخرى 2-3


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 4441 - 2014 / 5 / 2 - 20:45
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


نشر الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور مظهر محمد صالح دراسة جادة، كما في كتاباته الأخرى، عن "الطبقة الوسطى في العراق" وعن تطورها التاريخي منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة وعن التغيرات التي طرأت عليها وواقعها الراهن ودورها في التحولات المنشودة بالعراق. كما عرض تحليلاً لبنيتها الداخلية بالارتباط مع طبيعة النشاطات التي تمارسها ومستوى دخلها ونوعية حياتها. وهنا أدلو
بدلوي المتواضع في هذا الصدد.
الدولة الريعية والنظام السياسي بالعراق
يتفق أغلب الباحثين الاقتصاديين العراقيين، إن لم نقل كلهم، على إن الريعية هي السمة الأساسية المميزة والمتحكمة بالدولة والاقتصاد والمجتمع بالعراق، كما إنها المولدة للنظم السياسية غير الديمقراطية والدكتاتورية بالارتباط مع طبيعة علاقات الإنتاج السائدة. فالاقتصاد والمجتمع بالعراق يعتمدان على إيرادات النفط الخام السنوية في تكوين أكثر من نصف الدخل القومي وأكثر من 95% من ميزانيته الاعتيادية، مع غياب فعلي وعملي للتنمية والميزانية التنموية في المرحلة الراهنة. أي أن استخراج وتصدير النسبة العظمى من النفط الخام هو الذي يجلب للعراق هذه النسبة العالية من الدخل القومي، ولكن في ذات الوقت يستخدم الحكام نسبة عالية من هذا المورد المالي لاستيراد السلع الاستهلاكية والكمالية دون أن يوجهوا نسبة مناسبة منه لأغراض التثمير الإنتاجي في الاقتصاد العراقي. أي أن الاقتصاد العراقي كان وما يزال وحيد الطرف ومشوه في بنيته الداخلية والذي يتجلى بوضوح في تشوه بنية المجتمع الطبقية أيضاً. والتخلف الذي يعاني منه العراق يتجلى بشكل صارخ في مجموعة من المؤشرات الأساسية منها ضعف شديد إلى حد غياب الصناعات الوطنية التحويلية الأساسية التي يستوجبها بناء القاعدة المادية الصلبة للاقتصاد العراقي إذ تتوفر بالبلاد كل الإمكانيات الضرورية للنهوض بصناعة وطنية تحويلية حديثة ومتنوعة وواسعة وغير ملوثة للبيئة. كما ينعكس ذلك في طبيعة القطاع الزراعي المتخلف جداً في هيكله الإنتاجي وإنتاجيته بسبب تخلف القوى المنتجة المستخدمة في الزراعة. إن التخلف الحقيقي والعام بالعراق لا يتجلى في ما أشرنا إليه فحسب، بل وفي طبيعة العلاقات الإنتاجية السائدة فيه من جهة، وتخلف وتدهور مستوى قواه المنتجة المادية والبشرية وفي مستوى التعليم والبحث العلمي النظري والتطبيقي، في مستوى الجهل والأمية في الريف وخاصة بين النساء وانتشار الفكر الظلامي بين الفلاحين بعد عقود من الاستبداد والقهر والحروب والتجويع.
هذا الواقع المريض، وكما برهنت تجربة الفترة 1980-2003، يشير إلى أن الاقتصاد العراقي مكشوف على الخارج تصديراً واستيراداً، وبالتالي فهو مكشوف على الاقتصاد الدولي في تكوين دخله القومي وفي بنية هذا الدخل وفي توزيعه واستخدامه. وينشأ عن ذلك ارتباط عضوي بين دور العامل الدولي أو الخارجي وبين مستوى معيشة وحياة الفرد العراقي. ويمكن التدليل على ذلك من مقارنة بسيطة بين متوسط حصة الفرد الواحد من الدخل القومي في العام 1979 ومستواه في أعوام النصف الأول من العقد الأخير من القرن العشرين مثلاً، ومن ثم في الفترة التي تم الاتفاق على قاعدة "النفط مقابل الغذاء"، أو بين تلك الفترة والعام 2013 مثلاً. والأوضاع المأساوية التي عاشها الشعب العراقي في سنوات الحصار الاقتصاد الدولي العجاف (13 سنة) تؤكد للجميع وبما لا يقبل الشك عن مدى مكشوفية العراق على الاقتصاد الدولي ومدى اعتماده السلبي على اقتصاد النفط الخام وموارده المالية.
إن هذه السمات تسمح للباحث تأكيد ما يلي:
* أن الاقتصاد العراقي يشكل جزءاً من تلك الدوائر المتخلفة التي تدور في فلك المراكز الأساسية الثلاث للنظام الرأسمالي العالمي، وأن العراق يشكل جزءاً من هذا النظام الرأسمالي الدولي، ولكنه ضمن جزئه المتخلف والتابع وغير المتكافئ. وهذه الحقيقة ناجمة عن واقع تشوه عملية إعادة الإنتاج أو مجمل العملية الاقتصادية بمراحلها الأربعة (الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك). واشتدت هذه التبعية في العقدين الأخيرين بسبب القفزة الكبيرة في العولمة والتي ارتبطت عضوياً بالثورة العلمية والتقنية والإنفووميديا على صعيد الاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية والبيئية والعسكرية، إضافة إلى الآثار المتناقضة لغياب الحرب الباردة بين المعسكرين وبوادر العودة إليها مجدداً ولكن على وفق أرضية وقواعد جديدة بسبب تراجع حلم إقامة إمبراطورية القرن الواحد والعشرين، إمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية حسب التعبير الذي استخدمه زبغنيو بريجينسكي Zbigniew Brzezinski ، والذي بدأ يبشر اليوم باحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة.
إن تخلف الدول النامية كالعراق يبرز بشكل خاص في مجالات التعليم والبحث العلمي ومستوى تطور القوى المنتجة المادية والبشرية، إضافة إلى انتشار الأفكار الدينية المضللة والمشوهة للعلم والعلمانية ودورهما في بناء الدولة والمجتمع والاقتصاد الوطني والثقافة. وهذا الدور السلبي للدين ناشئ عن الدور والمستوى الضحل لثقافة أغلب شيوخ الدين وغياب عملية التنوير الديني والاجتماعي وخلق صدام فكري وسياسي واجتماعي وثقافي بين الدين والعلم بدلاُ من الفصل بينهما وسعيهم المحموم لرفض العلم والعلماء.
* وإن العملية الاقتصادية الجارية بالعراق هي عملية متخلفة ومشوهة ومحبطة للنمو الاقتصادي والدخل القومي، أو بتعبير أدق إن عملية إعادة الإنتاج الموسعة الضرورية للنمو والتطور الاقتصادي وإغناء الثروة الوطنية من خلال تنمية وتطوير اقتصاد النفط الخام بصناعات تحويلية لا تتم بشكل موسع عملياً في الاقتصادي العراقي بل تستكمل دورتها في الاقتصاد الدولي بتبعية مكشوفة وتبادل غير متكافئ يعرقلان تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومنع التراكم الرأسمالي في الاقتصاد الوطني وإضعاف معدلات النمو لزيادة الثروة الاجتماعية من خلال عملية إعادة الإنتاج الموسعة. وهذا يعني بدوره إن الاقتصاد العراقي عاجز حتى الآن عن تطوير عملية إعادة الإنتاج الموسعة في الصناعة والزراعة التحويلية، إذ لا يمارس عملية توسيع الاستثمارات والتثمير الإنتاجي في هذا القطاعين الأساسيين بشكل خاص، وبالتالي فهو لا يحقق التراكم الرأسمالي فيهما وفي مجمل الاقتصاد الوطني ولا يغنيان عملياً الثروة الوطنية، كما لا يخلقان فرص عمل جديدة فيهما ولغيرهما بصورة مباشرة وغير مباشرة. إذ إن عملية التراكم وما ينجم عنها من إغناء للثروة الاجتماعية تتمان في الاقتصاد الدولي وبعيداً عن الاقتصاد العراقي، إذ أن الاقتصاد الدولي يستعيد نسبة عالية من الأموال المدفوعة عن استيراد النفط الخام عبر استيرادات العراق للسلع الاستهلاكية من الاقتصاد الدولي ليعيد توظيف نسبة عالية منها في اقتصاد تلك الدول الرأسمالية المتقدمة والمصدرة للسلع الصناعية والزراعية الاستهلاكية والكمالية إلى العراق، وهي لا تساهم في تصدير السلع الإنتاجية أو المساهمة في تنمية القطاعات الإنتاجية. وهكذا يبرز بوضوح أن العملية الاقتصادية بحلقاتها الأساسية تستكمل في الاقتصاد الدولي وليس في الاقتصاد العراقي وما يتم في الاقتصاد العراقي هما مرحلتا التوزيع والاستهلاك. وهما حلقتان لا تسهمان في توفير فرص عمل مناسبة للاقتصاد العراقي، في حين إن حلقة الإنتاج بشكل خاص هي التي تسهم في توفير فرص عمل كثيرة للاقتصاد الدولي.
* إن هذه الحالة تتسبب دوماً في خلق أزمات ومشكلات حادة للاقتصاد والمجتمع بالعراق وإلى شتى المحن، كما حصل حين فرض الحصار الاقتصادي الدولي على العراق وتوقف تصدير النفط ثم سمح له بالتصدير بمقادير محددة قادت إلى حصول كوارث للسكان إضافة إلى كوارث الدكتاتورية والحروب.
إن التجارب الغنية للعراق على مدى العقود المنصرمة وتجارب الكثير من الدول الريعية تؤكد أن الاقتصاد الريعي ساهم ويساهم بشكل استثنائي في حرث الأرضية الصالحة لظواهر سلبية فعلت فعلها المأساوي والكارثي في الاقتصاد والمجتمع والتي يمكن تلخيص البعض منها في النقاط التالية:
1. اقترن اكتشاف وتصدير النفط الخام العراقي بالمنافسة الدولية الحادة وبخضوع العراق للاحتلال بهدف السيطرة الكاملة على منابع النفط واستخراجه وتسويقه واستغلال الشعب العراقي أسوأ استغلال. بدأ هذا التنافس على العراق ونفطه قبل الحرب العالمية الأولى وفي فترة حكم الدولة العثمانية بالعراق واستمر طيلة الحكم الملكي والجمهوريات الخمس التالية، ثم تجلى بشكل صارخ في الحرب الأمريكية- البريطانية الأخيرة في العام 2003 والتي لم تكن بعيدة بأي حال عن موضوع النفط الخام.
2. واقترن بدء استخراج وتصدير النفط الخام بالعراق وزيادة الكميات المصدرة منه بنزيف غير منقطع ومتزايد للدم العراقي، بحيث أصبحت كلمة النفط في الميثولوجيا الشعبية الحديثة تقابل كلمة الدم. ففي واحدة من الأهازيج الشعبية الحزينة والاحتجاجية كان سكان الجنوب والوسط، وهي المنطقة الغزيرة بالنفط الخام والغاز الطبيعي، تقول : 5% من النفط ما طاح بدينية يا علي الله وأكبر!!، أي إن الشعب العراقي لم يستفد حتى بنسبة 5% من إيرادات العراق النفطية.
3. وهذا يعني أن الدولة التي كان يراد لها أن تكون دستورية مدنية وديمقراطية وبرلمانية في العام 1921 حسب الدستور الملكي وقبل البدء باستخراج وتصدير النفط الخام، تحولت إلى دولة غير ديمقراطية، وأصبحت حتى بعد الغاء قرار الانتداب واقعة تحت الهيمنة السياسية البريطانية غير المباشرة وهيمنة العلاقات الإنتاجية الإقطاعية، حيث تراجع فيها الالتزام بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة وحقوق القوميات ونحي الدستور جانباً وتم تزييف الحياة البرلمانية. وقاد هذا الوضع وغيره إلى ثورة تموز 1958. ولكن سرعان ما اختفى إشعاع الثورة القصير وهيمنت الدكتاتورية ابتداءً من شباط 1963 حيث فرضت الأساليب السياسية الفاشية في الحكم والمناوئة للشعب وحقوقه ومصالحه الأساسية. وبهذا المعنى كتب الدكتور أحمد علوي بصواب في مقال له عن "الاقتصاد الريعي ومعضلة الديمقراطية" ما يلي: " تتناسب العلاقة بين العملية الديمقراطية عكسياً مع ازدياد صادرات النفط، أي أنه كلما ازدادت المداخيل النفطية للدول المنتجة للنفط ، تصاب العملية الديمقراطية بالخلل وتتراجع الحريات السياسية. وهذا على عكس ما يجري في البلدان المتطورة. فاستناداً إلى الأبحاث المختلفة، فإن حال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات السياسية في البلدان المتطورة تتناسب طردياً مع زيادة الناتج الإجمالي الداخلي ومع دخل الفرد(Huntington 1991). وعلى خلاف ما يجري في الدول المتطورة، فلا تؤدي الزيادة في مداخيل الدولة أو الدخل الوطني في الدول التابعة والريعية إلى التطور السياسي." (راجع: د. أحمد علوي، تعريب عادل حبة. "الاقتصاد الريعي ومعضلة الديمقراطية". الحوار المتمدن-العدد: 3540-2011/11/8).
4. وفي مثل هذه الدولة الريعية ومع تنامي إيرادات النفط الخام المصدر نشأت وتواصلت حالة من الاتكالية لدى الحكام على موارد النفط الخام المصدر وتم إهمال بقية القطاعات الاقتصادية وتراجعت السياسات الضريبية والجمركية وتبرز ظواهر سلبية حادة في الدولة والمجتمع. وجد هذا الاتجاه في الحكم تأييداً واسعاً من الدول الرأسمالية المتطورة التي لا تريد للدول النامية، ومنها العراق، أن تخرج من دائرة التخلف والدوران في فلك المراكز الرأسمالية الدولية. ويمكن إيراد عشرات الأمثلة على هذه السياسة وعلى الدول التي عانت منها.
5. وأبرز تلك الظواهر يجدها الباحث في تراجع فرص العمل في القطاعات الإنتاجية التحويلية لغيابها من جهة، ولزيادة التوظيف والاستخدام في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية وينشأ التضخم فيها. وتبدأ هذه الأجهزة باستنزاف نسبة مهمة من إيرادات النفط أو من الدخل القومي. وفيها تبرز بوضوح محاولة الحكام المستبدين استرضاء الناس بهذه الطريقة البائسة والمضرة بالاقتصاد الوطني وبالمجتمع. ولكن في ذات الوقت تنشأ ظاهرة مقصودة وهادفة تشير إلى حالة الارتباط والتبعية لفئات الموظفين والمستخدمين للدولة الريعية والحكم القائم والتي يسعى الحكم إلى إخضاع إرادة هذه الفئات له ويدفع بهم ليكونوا ضد المجتمع وإرادته وحاجاته ومصالحه الأساسية. إنها معضلة كبيرة حيث تصبح الأجهزة المدنية والعسكرية ونسبة عالية من السكان من أفراد عائلات الموظفين والمستخدمين خاضعة في معيشتها ونوعية حياتها للدولة الريعية ولإرادتها ومصالح الفئة الحاكمة المستبدة والرثة تفكيرها وممارساتها.
6. كما تنشأ حالة أخرى من التبعية والمصالح المشتركة بين الفئة الحاكمة المناهضة لإرادة ومصالح الشعب في الدولة الريعية وبين الدول المستوردة للنفط الخام والمتحكمة بسوق النفط الدولي. فحين تتعرض مصالح المستوردين للنفط الخام إلى مخاطر معينة، مثل التأميم أو إجراء تعديلات على الامتيازات القديمة، كما حصل حين صدر قانون رقم 80 لسنة 1961 بالعراق وحين بدأ العراق يتعامل مع الدول الاشتراكية، وخاصة مع الاتحاد السوفييتي لتطور قطاع الصناعات الوطنية التحويلية، بدأت الدول الرأسمالية الكبرى وشركات النفط الاحتكارية الدولية بالتآمر ضد النخبة الحاكمة والنظام السياسي لإسقاطهما والمساعدة في تسلم السلطة من قبل أعوانها، كما حصل في انقلاب شباط الدموي والفاشي في العام 1963 ضد الجمهورية الأولى وحكومة عبد الكريم قاسم، حيث وصل الانقلابيون إلى الحكم بقطار أمريكي، كما ثبت أخيراً لا بتصريحات علي صالح السعدي وغيره من قادة الانقلاب الدموي فحسب، بل ومن قبل السفير الأمريكي ببغداد بعد إسقاط الدكتاتورية ولمنع الشيوعيين من الوصول إلى الحكم على حسب تعبيره ورأيه.
7. ومن الظواهر البارزة في وجهة نشاط القوى الحاكمة في الدولة الريعية، وبسبب نشوء العداء بين السلطات الثلاث وبين الغالبية العظمى من المجتمع لغياب الديمقراطية والحياة الدستورية وتفاقم الفساد المالي والإداري، سعي الحكام الواضح لامتلاك ترسانة كبيرة من السلاح والتحول إلى عسكرة الاقتصاد وتشكيل قوات عسكرية (الجيش والشرطة والأمن الداخلي والأجهزة الخاصة والمخبرين السريين)، لأنها تريد بذلك إسكات الشعب وقمعه ورفض مطالبه والبقاء في السلطة. ويمكن أن نتابع هذه الحقيقة في ما حصل ويحصل حتى الآن بالعراق وبدول الخليج كلها دون استثناء، إضافة إلى الدول العربية الأخرى والدول النامية عموماً. وكان في مقدور المبالغ التي وجهت حتى الآن للأغراض العسكرية من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة مثلاً أن تخلق أجواءً رائعة من الحرية والديمقراطية وممارسة حقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية وتنمية الاقتصاد الوطني والتشغيل الواسع وتحسين مستوى معيشة وحياة الشعب بفئاته كافة. ولكن هذا لم يحصل في الدول النامية والتابعة خلال العقود المنصرمة ولا يمكن أن يحصل فيها إذا استمرت العلاقة السائدة حالياً بين موارد النفط المالية والديمقراطية والتي هي عكسية تماماً، وما لم يجر تغيير فعلي في البنية الاقتصادية والسياسية في الدولة والمجتمع. وحكم صدام حسين هو النموذج السابق من جهة، والنموذج الجديد للحكم الطائفي السياسي الذي يقوده نوري المالكي هو النموذج الجديد والمماثل من جهة أخرى، باعتمارهما نموذجين صارخين على هذا الطريق وتلك العلاقة العكسية بين موارد النفط المالية والديمقراطية.
8. إن هطول الأموال الشديد من اقتصاد النفط الخام المصدر كالمطر على رؤوس الحكام في الدول الريعية، ومنها العراق، يدير رؤوسهم ويخرب عقولهم ويدفع بهم غلى الشعور بالقوة والعملقة، ومن ثم التوجه صوب إقامة أكبر ترسانة للأسلحة الدفاعية والهجومية في آن واحد ليستخدموها في حل مشكلاتهم في الداخل ومع الخارج بقوة السلاح. ويصبح شعار هذه الدولة وحكامها " الحق هو القوة، والقوة تعني الحق، وأن ما يعتقدون به حقاً لهم يجب أن ينتزع بالقوة. وتبدأ لدى هؤلاء الحكام الرغبة في التوسع. وهنا يمكن إيراد مثالين هما إيران والعراق. حين بدأت الدولة الخمينية بمحاولة التوسع في نشر الثورة الإيرانية والمذهب الشيعي في الدول المجاورة وإلى أبعد المناطق ومن ثم ما حصل بينها وبين العراق. والمثال الثاني هو الدولة الصدامية في حربها ضد إيران واحتلال الكويت. ويمكن أن نتابع سياسات السعودية وقطر وتدخلهما الفظ في شؤون الدول الأخرى في المنطقة على سبيل المثال لا الحصر.
إن الرغبة في التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والعسكري بالعراق يتطلب ويستوجب تبني القوى الوطنية والديمقراطية العراقية سياسة الضغط المتواصل على الحكومات العراقية التي ستأتي لاحقاً، أو إن جاءت هي إلى السلطة، توجيه نسبة عالية من موارد النفط المالية صوب التنمية الإنتاجية والبنية التحتية، صوب التصنيع التحويلي المحلي وتطوير القطاع الزراعي وتغيير بنيتيهما لضمان مجموعة من المهمات الأساسية لمستقبل العراق وأجياله القادمة:
أ‌. الاهتمام باقتصاد النفط يفترض أن يرتبط بالمسائل التالية:
*** مدى الحاجة للموارد المالية التي يفترض أن تتحقق للعراق من استخراج وتصدير النفط الخام بالارتباط مع عملية التنمية الشاملة وحاجة الاستهلاك المحلي.
*** مدى الحاجة لاستخدام النفط والغاز الطبيعي لعمليات التصفية والتكرير والصناعة التحويلية.
***أن يحتفظ العراق بنفطه الخام, باعتبارها ثروة ناضبة, للأجيال القادمة، إذ سيبقى ولعقود قادمة مطلوب عراقياً وعالمياً.
ب‌. تغيير البنية الأحادية للاقتصاد العراقي وتقليص اعتماده على النفط الخام وتقليص مكشوفيته على الخارج.
ت‌. التوجيه الواعي والهادف لموارد النفط المالية لصالح عملية التنمية وتغيير بنية الاقتصاد، بما في ذلك البنية التحتية وتحديثها بما يسهم في تعجيل عملية التنمية والتحديث للاقتصاد والمجتمع.
ث‌. تغيير البنية الطبقية في المجتمع لصالح الطبقة البرجوازية الصناعية المتوسطة والصغيرة والطبقة العاملة وفئة المثقفات والميثقفين باعتبارها الطبقات الوطنية الحاملة للدولة المدنية الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي الحديث، وما يرتبط بذلك من تغيير للوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتنوير الديني.
ج‌. توفير فرص عمل للأعداد المتزايدة من العاطلين عن العمل في دولة يشكل الأطفال والشباب نسبة عالية من السكان.
ح‌. تحسين مستوى معيشة الأفراد، وخاصة المنتجين والطبقة الوسطى والتخفيف من حجم الجهاز الخدمي، وخاصة الإداري والعسكري، لصالح القطاع الإنتاجي.
خ‌. المساهمة في توفير الأمن الاقتصادي للعراق، بما في ذلك مشكلة شحة المياه، الذي يمكن أن يتعرض في كل لحظة لمخاطر جدية عرفها العراق خلال العقود الثلاثة المنصرمة.
د‌. تغيير البنية النوعية للتربية والتعليم المهني والتعليم العالي بمختلف مستوياته والبحث العلمي النظري والتطبيقي بما يسهم في توفير مستلزمات النهوض بالتنمية الوطنية الشاملة والممنهجة والموزعة على برامج وخطط اقتصادي واجتماعية مستندة إلى الجدوى الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع وآفاق تطوره.
1/5/2014 كاظم حبيب
يتبع



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أراء حول الطبقة الوسطى بالعراق وقضايا اقتصادية أخرى، الحلقة ...
- المأساة والمهزلة في عراق نوري المالكي: محمد علي زيني إرهابيا ...
- قائمة التحالف المدني الديمقراطي ضمانة أساسية للخلاص من الإره ...
- أليس المكان الطبيعي للكُرد الفيلية هو التحالف المدني الديمقر ...
- أصواتكم هي التي ستحقق التغيير، هي التي يمكنها إسقاط الإرهاب ...
- لمن ستعطي صوتك؟ قلت: صوتي سيكون للتحالف المدني الديمقراطي ال ...
- هل سيكون الفوز للأحسن في انتخابات العراق القادمة؟
- [في ذكرى المجازر الدموية] مرور 26 عاماً على ارتكاب الدكتاتور ...
- هل ما يجري في مدينة بُهرز بديالى عمليات انتقامية للشيعة ضد ا ...
- إلى متى يبقى المواطن بالعراق بلا أمن ولا استقرار والموت يلاح ...
- رسالة تحية إلى الحزب الشيوعي العراقي بمناسبة الذكرى الثمانين ...
- وداعاً لإمبراطورية القرن الحادي والعشرين، وداعاً للقطبية الأ ...
- إياكم والفتنة التي يسعى رئيس وزراء العراق إلى إشعالها بين ال ...
- تحية للشعب الكردي وكل الشعوب المحبة للسلام والتآخي والوئام ب ...
- رسالة مفتوحة إلى السيد الدكتور حسن الخفاجي
- بؤس العلم أم علم البؤس ما تدعو إليه أيها الشيخ محمد اليعقوبي ...
- سياسات السعودية وقطر الطائفية في تصريحات رئيس مجلس وزراء الع ...
- هل من سبيل لعقلنة النخب السياسية الحاكمة بالعراق؟
- موقف الحكام الدجالين وسفهاء العقل من المرأة بالعراق
- كيف يمكن تدارك الأوضاع الاقتصادية الراهنة بإقليم كُردستان ا ...


المزيد.....




- مصر.. الدولار يعود للصعود مرة أخرى
- طهران جاهزة لتقوية الخبرة التخصصية الاقتصادية في أفغانستان
- -حتى موناليزا ارتعبت-.. اقتصاد أوروبا تعرض لضربة ثلاثية
- الهلال الأحمر القطري ينفذ 151 مشروعا تنمويا في 2024
- البنوك الفلسطينية ستصبح معزولة عن العالم الاثنين المقبل
- روسيا تتجه لوقف استيراد معدن أساسي في صناعات استراتيجية والا ...
- تقسيم الماء بالليزر لإنتاج الهيدروجين وبيروكسيد الهيدروجين
- فوتسي تبقي على احتمال خفض تصنيف مصر على مؤشرها للأسهم
- خروجات الإفطار بمصر.. -اللمة- الرمضانية تتحدى الظروف الاقتصا ...
- هل تغض أميركا الطرف عن النفط الروسي؟


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كاظم حبيب - أراء حول الطبقة الوسطى بالعراق وقضايا اقتصادية أخرى 2-3